تسجيل الدخول


سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبدالأشهل بن جشم بن...

سيّد الأوس، يكنى: أبا عمرو. أسلم على يد مصعب بن عُمير ثم قال لبني عبد الأشهل بعد أن أسلم: كلامُ رِجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تسلموا، فأسلموا؛ فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام. كان لواء الأوس يوم بدر مع سعد بن معاذ، وشهد سعد مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يوم أُحُد، وثبت معه حين ولّى النّاس، ومعاذ مقاماته في الإِسلام مشهودة كبيرة، ولو لم يكن له إِلا يوم بدر، فإِن النبي صَلَّى الله عليه وسلم لما سار إِلى بدر، وأَتاه خبر نَفِير قريش، استشار الناس، فقال المقداد فأَحسن، وكذلك أَبو بكر، وعمر، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يريد الأَنصار، لأَنهم عَدَدُ الناس، فقال سعد بن معاذ: واللّه لكأَنَّك تريدنا يا رسول الله؟ قال: "أَجَلْ"، قال سعد: فقد آمنّا بك، وَصَدّقناك، وشهدنا أَن ما جئت به الحق، وأَعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أَردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضْت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أَن تَلْقَى بنا عدوَّنا غدًا، إِنا لصُبُر عند الحرب، صُدُق عند اللقاء، لعل اللّه يريك فينا ما تَقَرُّ به عينك، فسرْ بنا على بركة اللّه، فَسُر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لقوله، ونشطه ذلك للقاءِ الكفار. رماه حِبَّان بُن العَرِقة، بسهم فقطع أَكْحَلَه، فلما رماه قال: خُذْها مِنِّي، وأَنا ابن العَرِقة، فقال سعد: عَرَّق اللّه وجهك في النار، اللهمّ إِن كنت أَبقيت من حرب قريشٍ شيئًا فأَبقني لها، فإِنه لا قوَم أَحبَّ إِليِّ أَن أَجاهد مِنْ قَوْمٍ آذَوا رسولك، وكذبوه، وأَخرجوه، وإِن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم؛ فاجعله لي شهادة، ولا تُمتْني حتى تَقَرّ عيني في بني قريظة. ودخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على سعد بن معاذ، وهو يكيد بنفسه فقال: "جزاك الله خيرًا من سيّد قوم فقد أنجزتَ الله ما وعدته وَلَيُنْجِزَنَّكَ الله ما وعدك". وأخبر أبو المتوكّل أنّ نبيّ الله صَلَّى الله عليه وسلم، ذكر الحمّى فقال: "مَن كانت به فهي حظّه من النار". فسألها سعد بن مُعاذ ربّه فلزمَتْه، فلم تفارقه حتى فارَق الدّنْيا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاصر بني قريظة خمسًا وعشرين ليلة، فلمّا اشتدّ حَصْرُهم، واشتدّ البلاء عليهم قيل لهم: انزلوا على حُكم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فاستشاروا أبا لُبابة بن عبد المنذر، فأشار إليهم أنّه الذبْح، فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فقال لهم رسول الله: "انزلوا على حكم سعد بن معاذ"، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ، فبعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى سعد فحُمل على حمارٍ عليه إكاف من ليفٍ، وحفّ به قومُه، فجعلوا يقولون: يا أبا عمر، حلفاؤك، ومواليك، وأهل النكاية، ومن قد علمت، ولا يرجع إليهم شيئًا، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد أنَى لي ألا أبالي في الله لَوْمَةَ لائم، قال ابن سعد: فلمّا طلع على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "قوموا إلى سيّدكم فأنزلوه"، فقال عمر: سيّدنا الله، فقال: "أنزِلوه"، فأنزَلوه، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "احكم فيهم"، قال: فإنّي أحكم فيهم أن تُقتَل مقاتلتُهم، وتُسبَى ذراريّهم، وتقسم أموالهم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لقد حكمتَ فيهم بحكم الله وحكم رسوله"، ثمّ دعَا اللَّه سعد فقال: اللّهمّ إن كنْتَ أبقيت على نبيّك من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، وإن كنتَ قطعتَ الحربَ بينه وبينهم فاقبضني إليك، فانفجر كَلْمه، وقد كان بَرأَ حتى ما يُرى منه شيء إلا مثل الخرص، ورجع إلى قبّته التي ضرب عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فحضره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر، قالت عائشة: فوالّذي نفس محمّد بيده إنّي لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وأنا في حُجرتي، وكانوا كما قال الله: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[سورة الفتح: 29]، وسئلت: فكيف كان رسول الله يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنّه كان إذا وَجَدَ فإنّما هو آخِذٌ بلحيته. عن ابن عبَّاس، قال: قال سعد بن مُعاذ:‏ ثلاث أنا فيهن‏: رجل يعني: كما ينبغي، وما سوى ذلك فأنا رجل من النَّاس، ما سمعتُ مِنْ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حديثًا قط إلا علمْتُ أنه حقٌّ من الله عزّ وجل، ولا كنتُ في صلاة قط، فشغلْتُ نَفسي بشيءٍ غيرها حتى أقضيها، ولا كنت في جنازة قط فحدّثت نفسي بغير ما تقول، ويُقال لها، حتى أنصرف عنها‏، قال سعيد بن المسيّب‏:‏ هذه الخصال ما كنت أحسِبُها إلا في نبيّ. وروى واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: دخلت على أنس بن مالك، وكان واقد من أعظم الناس وأطولهم، فقال لي: من أنت؟ قال: قلت: أنا واقد بن عمرو بن سعد، قال: فقال: إنّك بسعد لشبيه، ثمّ بكى، وأكثر البكاء، ثمّ قال: يرحم الله سعدًا، كان سعد من أعظم الناس وأطولهم، ثمّ قال: بعث رسول الله جيشًا إلى أُكيدر دُومة فبعث إلى رسول الله بجُبّة من ديباج منسوجًا بالذهب فلبسها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فجعل الناس يمسحونها وينظرون إليها فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أتعجبون من هذه الجبّة؟" فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قطّ أحسن منها، قال: "فوالله لمناديل سعد بن مُعاذ في الجنّة أحسن ممّا ترون". وروت عائشة، قالت:‏ كان في بَني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن بعد النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أحدٌ من المسلمين أفضل منهم:‏ سعد بن معاذ، وأُسيد بن حُضير، وعبّاد بن بشر. وفاته: لما انفجر جرح سعد رضي الله عنه، بلغ ذلك النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فأتاه فأخذ رأسه فوضعه في حِجْرِه، وسُجّي بثوب أبيض إذا مُدّ على وجهه خرجت رجلاه، وكان رجلًا أبيض جسيمًا، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اللهمّ إنّ سعدًا قد جاهد في سبيلك، وصدّق رسولك، وقضى الذي عليه فتَقَبّل روحه بخير ما تقبّلت به روحًا"، فلمّا سمع سعد كلام رسول الله فتح عينيه، ثمّ قال: السلام عليك يا رسول الله، أما إني أشهد أنّك رسول الله، فلمّا رأى أهل سعد أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قد وضع رأسه في حجره ذعروا من ذلك فذُكر ذلك لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: إنّ أهل سعد لمّا رأوك وضعت رأسه في حجرك ذعروا من ذلك، فقال: "استأذِنُ الله من ملائكته عَدَدَكم في البيت ليشهدوا وفاة سعد" مات رضي الله عنه سنة خمس، وروي أن أمّ سعد لما مات قالت: وَيـْلُ أمِّ سَعْدٍ سَعْدَا حَزَامَةً وَجَدَّا وَسَيِّدَا سُدَّ بِهِ مَسَدَّا فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "كُلُّ نَادِبَةٍ تَكْذِبُ إلا نَادِبَةَ سَعْدٍ". وقيل أنّ جبريل عليه السَّلام نزل في جنازته مُعْتَجِرًا بعمامةٍ من اسْتَبْرَق، وقال:‏ يا نبي الله، مَنْ هذا الَّذِي فتحت له أبوابُ السَّماء، واهتّز له العرشُ؟ فخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يَجُرّ ثوبه، فوجد سعدًا قد قُبض، وروى سعد بن إبراهيم قال: لما أُخْرِجَ سرير سعد قال ناس من المنافقين: ما أخفّ جنازةَ سعد، أو سرير سعد، فقال رسول الله: "لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا جنازة سعد، أو سرير سعد، ما وطئوا الأرض قبل اليوم". قال: وحضره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يُغسل فقبض ركبته فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "دخل ملك فلم يكن له مكان فأوسعتُ له". ولمّا دفن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، سَعْدًا قال: "لو نجا أحدٌ من ضغطة القبر لنجا سعد، ولقد ضُمّ ضَمّةً اختلفت منها أضلاعه من أثر البول". ويقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: كنتُ أنا ممّن حفر لسعد قبره بالبقيع، وكان يفوح علينا المسك كلّما حفرنا قَترةً من تراب حتى انتهينا إلى اللّحد، وقيل: أن إنسان أخذ قبضة من تراب قبر سعد، فذهب بها، ثمّ نظر إليها بعد ذلك، فإذا هي مسك. وروي أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال لأمّ سعد بن معاذ: "ألا يرقأ دمعُك، ويذهب حزنُك بأنّ ابنك أوّل من ضحك الله له واهتزّ له العرش؟" . ، قال: وأمّه تبكي وهي تقول:‏ وَيْلُ أمِّكَ سعدًا حَزامَةً وَجِدّا فقيل لها: أتقولين الشعر على سعد؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "دَعُوها فغيرها من الشعراء أكذبُ". وفي رواية: لما أصيب أكحل سعد يوم الخندق فثقل حَوّلوه عند امرأة يقال لها: رُفيدة، وكانت تُداوي الجرحى، فكان النبيّ عليه السلام إذا مرّ به يقول: "كيف أمسيتَ؟" وإذا أصبح قال: "كيف أصبحتَ؟" فيخبره، حتى كانت الليلة التي نقله قومه فيها فثقل فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم، وجاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كما كان يسأل عنه، وقالوا: قد انطلقوا به، فخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وخرجنا معه، فأسرعَ المشيَ حتى تقطّعت شسوع نعالنا، وسقطت أرديتنا عن أعناقنا، فشكا ذلك إليه أصحابه: يا رسول الله، أتعبتنا في المشي، فقال:"إني أخاف أن تسبقنا الملائكة إليه، فتغسله كما غسلت حنظلة"، فانتهى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى البيت وهو يُغسل. وروى سلمة بن أسلم بن حَرِيش أنه قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ونحن على الباب نريد أن ندخل على أثره، فدخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وما في البيت أحد إلاّ سعد مسجّي، قال: فرأيتُه يتخطّى، فلمّا رأيتُه وقفتُ، وأومأ إليّ: قف، فوقفتُ ورددتُ مَن ورائي، وجلس ساعةً، ثمّ خرج فقلتُ: يا رسول الله، ما رأيتُ أحدًا، وقد رأيتك تتخطّى، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ما قدرتُ على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحدَ جناحَيْه فجلستُ"، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "هنيئًا لك أبا عمرو، هنيئًا لك أبا عمرو، هنيئًا لك أبا عمرو".
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال