تسجيل الدخول


سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبدالأشهل بن جشم بن...

سَعْد بن مُعَاذ بن النُّعْمَان الأَنصاري الأَوسي الأَشهلي، سيّد الأوس:
أَخرجه ابن منده وأَبو نُعَيم. يكنى: أبا عمرو. وأمّه كبشة بنت رافع بن معاوية، وهي من المبايعات، وكان لسعد بن معاذ من الولد: عمرو، وعبد الله؛ وأمّهما هند بنت سماك بن عتيك، وهي من المبايعات خلف عليها سعد بعد أخيه أوس بن معاذ، وهي عمّة أسيد بن حُضير بن سماك، وكان لعمرو بن سعد بن معاذ من الولد تسعة نفر وثلاث نسوة منهم: عبد الله بن عمرو قُتل يوم الحرّة. ويقول ابن سعد: ولسعد بن معاذ اليوم عقب.
وذَكَرَ ابْنُ إسَحَاقَ أن معاذ لما أسلم على يد مصعب بن عُمير قال لبني عبد الأشهل: كلامُ رِجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تسلموا، فأسلموا؛ فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام، وروى محمّد بن قدامة، عن عمر بن الحصين قال: كان لواء الأوس يوم بدر مع سعد بن معاذ، وشهد سعد مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يوم أُحُد، وثبت معه حين ولّى النّاس، وروى ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ"، فَقَالَ رَجُلٌ: بَخٍ! بَخٍ! فنادى أخًا له، فقال: يا أبا عمرو، ربح البيع، الجنة ورَبّ الكعبة دونَ أُحُد، قال: فالتقوا فاستشهد(*)، قال ابن حجر العسقلاني: يحتمل أن يكون المقتول هو سعد بن الربيع، والمقول له سَعْد بن معاذ، فإن سعد بن الربيع استشهد بأحد، وله قصةٌ قريبة من هذا مع سعد بن معاذ.
ومعاذ مقاماته في الإِسلام مشهودة كبيرة، ولو لم يكن له إِلا يوم بدر فإِن النبي صَلَّى الله عليه وسلم لما سار إِلى بدر، وأَتاه خبر نَفِير قريش، استشار الناس، فقال المقداد فأَحسن، وكذلك أَبو بكر، وعمر، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يريد الأَنصار، لأَنهم عَدَدُ الناس، فقال سعد بن معاذ: واللّه لكأَنَّك تريدنا يا رسول الله؟ قال: "أَجَلْ"، قال سعد: فقد آمنّا بك، وَصَدّقناك، وشهدنا أَن ما جئت به الحق، وأَعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أَردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضْت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أَن تَلْقَى بنا عدوَّنا غدًا، إِنا لصُبُر عند الحرب، صُدُق عند اللقاء، لعل اللّه يريك فينا ما تَقَرُّ به عينك، فسرْ بنا على بركة اللّه، فَسُر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لقوله، ونشطه ذلك للقاءِ الكفار، فكان ما هو مشهور، وكفى به فخرًا، دع ما سواهأخرجه أحمد في المسند 1/ 255، 284، 3/ 438، 5/ 276، 372..
وروى عبد اللّه بن سهل، عن عائشة أَنها كانت في حِصْن بني حارثة يوم الخندق، وكانت أُمُّ سَعْد بن معاذ معها في الحصن، وذلك قبل أَن يُضْرَبَ عليهن الحجاب، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَصحابه حين خرجوا إِلى الخندق قد رفعوا الذراري، والنساء في الحصون، مخافَةً عليهم العدوّ، قالت عائشة: فَمَرَّ سعد بن مُعَاذ، عليه درع له مُقَصِّلَة قد خرجت منها ذراعه، وفي يده حَرْبة، وهو يقول:
لَبِّثْ قَلِيلًا يَلْحَقِ الهَيْجَا حَملْ لَا بَأْسَ بِالمَوْتِ إِذَا حَانَ الأَجَلْ
فقالت أَم سعد: الْحَقْ يا بني، قد واللّه أَخَّرت، فقالت عائشة: يا أَم سعد، لوِددْتُ أَنَّ دِرْع سعد أَسْبَغُ مما هي، فخافت عليه حيث أَصاب السهمُ منه، قال يونس، عن ابن إِسحاق، قال: فرماه فيما حدثني عاصمُ بن عمر بن قتادة: حِبَّان بُن العَرِقة، وهو من بني عامر بن لُؤَي، فقطع أَكْحَلَه، فلما رماه قال: خُذْها مِنِّي، وأَنا ابن العَرِقة، فقال سعد: عَرَّق اللّه وجهك في النار، اللهمّ إِن كنت أَبقيت من حرب قريشٍ شيئًا فأَبقني لها، فإِنه لا قوَم أَحبَّ إِليِّ أَن أَجاهد مِنْ قَوْمٍ آذَوا رسولك، وكذبوه، وأَخرجوه، وإِن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم؛ فاجعله لي شهادة، ولا تُمتْني حتى تَقَرّ عيني في بني قريظة، وإِنما قيل له: ابن العَرِقة، لأَنَّ أُمَّه، وهي امرأَة من بني سهم، كانت طَيِّبة الريح، وقيل: ما أَصاب سعد يومئذ بالسهم إِلا أَبو أَسامة الجشمي حليف بني مخزوم.
روى سعيد بن المسيّب، عن ابن عبَّاس، قال: قال سعد بن مُعاذ:‏ ثلاث أنا فيهن‏: رجل يعني: كما ينبغي، وما سوى ذلك فأنا رجل من النَّاس، ما سمعتُ مِنْ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حديثًا قط إلا علمْتُ أنه حقٌّ من الله عزّ وجل، ولا كنتُ في صلاة قط، فشغلْتُ نَفسي بشيءٍ غيرها حتى أقضيها، ولا كنت في جنازة قط فحدّثت نفسي بغير ما تقول، ويُقال لها، حتى أنصرف عنها‏، قال سعيد بن المسيّب‏:‏ هذه الخصال ما كنت أحسِبُها إلا في نبيّ. وروى البراء قال: أُهدي لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثوب حرير، فجعلنا نلمسه، ونتعجّب منه، فقال رسول الله: "أيُعجبكم هذا؟" قلنا: نعم، قال: "فمناديل سعد في الجنّة أحسن من هذا قال عبيد الله: وألين، وقال الفضل: أو ألين"(*).
وروى واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: دخلت على أنس بن مالك، وكان واقد من أعظم الناس وأطولهم، فقال لي: من أنت؟ قال: قلت: أنا واقد بن عمرو بن سعد، قال: فقال: إنّك بسعد لشبيه، ثمّ بكى، وأكثر البكاء، ثمّ قال: يرحم الله سعدًا، كان سعد من أعظم الناس وأطولهم، ثمّ قال: بعث رسول الله جيشًا إلى أُكيدر دُومة فبعث إلى رسول الله بجُبّة من ديباج منسوجًا بالذهب فلبسها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فجعل الناس يمسحونها وينظرون إليها فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أتعجبون من هذه الجبّة؟" فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قطّ أحسن منها، قال: "فوالله لمناديل سعد بن مُعاذ في الجنّة أحسن ممّا ترون"(*). وروى جابر قال: رُمي سعد بن مُعاذ يوم الأحزاب، فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله بالنّار، فانتفخت يده فنزفه، فحسمه أخرى(*). وروى عبد الله بن شدّاد قال: دخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على سعد بن معاذ، وهو يكيد بنفسه فقال: "جزاك الله خيرًا من سيّد قوم فقد أنجزتَ الله ما وعدته وَلَيُنْجِزَنَّكَ الله ما وعدك"(*). وأخبر أبو المتوكّل أنّ نبيّ الله صَلَّى الله عليه وسلم، ذكر الحمّى فقال: "مَن كانت به فهي حظّه من النار". فسألها سعد بن مُعاذ ربّه فلزمَتْه، فلم تفارقه حتى فارَق الدّنْيا(*). وروت عائشة قالت: خرجتُ يوم الخندق أقفو آثار الناس، فسمعتُ وئيد الأرض ورائي ــ تعني: حسّ الأرض، فالتفتّ فإذا أنا بسعد بن معاذ، ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنّه، فجلستُ إلى الأرض، قالت فمرّ سعد وهو يرتجز ويقول‏:‏
لَبِّثْ قَلِيلًا يُدْرِكِ الهَيْجا حَمَلْ ما أحْسَنَ المَوْتَ إذا حانَ الأجلْ!
قالت: وعليه درع قد خرجتْ منه أطرافه، فأنا أتَخَوّف على أطراف سعد، وكان سعد من أطول الناس، وأعظمهم، قالت: فقمتُ فاقتحمتُ حديقة فإذا فيها نَفَر من المسلمين وفيهم عمر بن الخطّاب، رحمه الله، وفيهم رجل عليه تَسْبِغَة له، تعني: المِغْفَر، قالت: فقال لي عمر: ما جاء بك؟ والله إنّك لجريئة! وما يؤمنكِ أن يكون تحوّزٌ أو بلاء؟ قالت: فما زال يلومني حتى تمنّيْتُ أن الأرض انشقّتْ ساعتئَذٍ فدخلتُ فيها، قالت: فرفع الرجل التسبغة عن وجهه، فإذا طلحة بن عبيد الله، قالت: فقال: ويحك يا عمر! إنّك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوّز أو الفرار إلاّ إلى الله؟ قالت: ويرمي سعدًا رجلٌ من المشركين من قريش يقال له: ابن العَرِقَة بسهم فقال: خذها وأنا ابن العرقة! فأصاب أكْحَلَه فدعا الله سَعدٌ فقال: اللّهمّ لا تُمِتْني حتى تشفيني من قريظة، وكانوا مَوَاليه، وحلفاءه في الجاهليّة، قالت: فرقأ كَلْمه ــ تعني: جرحه، وبعث الله تبارك وتعالى، الرّيح على المشركين: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [سورة الأحزاب: 25]. فلحق أبو سفيان بمَن معه بتهامة، ولحق عُيينة بمن معه بنجد، ورجعت بنو قُريظة فتحصّنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى المدينة، فأمر بقبّةٍ، فضُرِبت على سعد بن معاذ في المسجد، قالت فجاءه جبريل صَلَّى الله عليه وسلم، وعلى ثناياه النقع، فقال: أقد وضَعتَ السّلاح؟ فوالله ما وضعَت الملائكة السلاح بعدُ، اخرج إلى بني قريظة فقاتِلْهم، قالت: فلبس رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لأمَته وأذّن في الناس بالرحيل، قالت فمرّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على بني غنم وهم جيران المسجد، فقال لهم: "من مرّ بكم؟" قالوا: مرّ بنا دحية الكلبيّ، وكان دحية تُشبه لحيته، وسُنّة وجهه بجبريل عليه السلام، قالت: فأتاهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة، فلمّا اشتدّ حَصْرُهم، واشتدّ البلاء عليهم قيل لهم: انزلوا على حُكم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فاستشاروا أبا لُبابة بن عبد المنذر، فأشار إليهم أنّه الذبْح، فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فقال لهم رسول الله: "انزلوا على حكم سعد بن معاذ"، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ، فبعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى سعد فحُمل على حمارٍ عليه إكاف من ليفٍ، وحفّ به قومُه، فجعلوا يقولون: يا أبا عمر، حلفاؤك، ومواليك، وأهل النكاية، ومن قد علمت، ولا يرجع إليهم شيئًا، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد أنَى لي ألا أبالي في الله لَوْمَةَ لائم، قال ابن سعد: فلمّا طلع على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "قوموا إلى سيّدكم فأنزلوه"، فقال عمر: سيّدنا الله، فقال: "أنزِلوه"، فأنزَلوه، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "احكم فيهم"، قال: فإنّي أحكم فيهم أن تُقتَل مقاتلتُهم، وتُسبَى ذراريّهم، وتقسم أموالهم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لقد حكمتَ فيهم بحكم الله وحكم رسوله"، ثمّ دعَا اللَّه سعد فقال: اللّهمّ إن كنْتَ أبقيت على نبيّك من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، وإن كنتَ قطعتَ الحربَ بينه وبينهم فاقبضني إليك، فانفجر كَلْمه، وقد كان بَرأَ حتى ما يُرى منه شيء إلا مثل الخرص، ورجع إلى قبّته التي ضرب عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فحضره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر، قالت عائشة: فوالّذي نفس محمّد بيده إنّي لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وأنا في حُجرتي، وكانوا كما قال الله: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[سورة الفتح: 29]، وسئلت: فكيف كان رسول الله يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنّه كان إذا وَجَدَ فإنّما هو آخِذٌ بلحيته(*).
وروى عن زيد بن أسلم، عن عائشة قالت: رُئي سعد بن معاذ في بعض تلك المواطن وعلى عاتقه الدرع وهو يقول‏:‏

لا بأسَ بالموتِ إذا حانَ الأجَلْ
وروى أبو سعيد الخدريّ أنّ أهل قريظة لمّا نزلوا على حكم سعد بن معاذ أرسل إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فجاء على حمار، فلمّا دنا قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قوموا إلى سيّدكم"، أو إلى خيركم، فقال: "يا سعد، إنّ هؤلاء قد نزلوا على حكمك"، قال: فإنّي أحكم فيهم أن تُقتل مقاتلتهم، وتُسبى ذراريّهم، فقال: "لقد حكمتَ فيهم بحكم الملك"، قال عفّان: الملِك، وقال يحيَى وأبو الوليد: الملَك، وقول عفّان أصوب.(*) وفي رواية: أنّ بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله، عليه السلام، إلى سعد بن معاذ فأُتي به محمولًا على حمار وهو مُضْنًى من جرح أصابه في الأكحل من يده يوم الخندق، قال فجاء فجلس إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال له: "أشِرْ عليّ في هؤلاء"، قال: إنّي أعلم أنّ الله قد أمرك فيهم بأمرٍ أنت فاعل ما أمرك الله به. قال: "أجلْ ولكن أشِرْ عليّ فيهم"، فقال: لو وليتُ أمرهم قتلتُ مقاتلتهم وسبيتُ ذراريّهم وقسمتُ أموالهم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "والّذي نفسي بيده لقد أشرتَ عليّ فيهم بالذي أمرني الله به"(*).
وروت عائشة قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له: حِبّان بن العَرِقَة، رماه في الأكحل فضرب عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خيمة في المسجد ليعوده من قريب، ولمّا رجع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل صَلَّى الله عليه وسلم، وهو ينفض رأسه من الغبار فقال: قد وضعتَ السلاح، والله ما وضعناهُ، اخرُجْ إليهم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "فأين؟" قال: هاهنا، وأشار إلى بني قُرَيظة، فخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إليهم(*).
وروى واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: كان إسلام سعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير على يد مصعب بن عمير العبدري، وكان مصعب قدم المدينة قبل السبعين أصحاب العقبة الآخرة يدعو الناس إلى الإسلام، ويقرئهم القرآن بأمر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلمّا أسلم سعد بن معاذ لم يبق في بني عبد الأشهل أحد إلاّ أسلم يومئذ فكانت دار بني عبد الأشهل أوّل دارٍ من الأنصار أسلموا جميعًا رجالهم ونساؤهم، وحوّل سعد بن معاذ مصعب بن عمير، وأبا أمامة أسعد بن زرارة إلى داره فكانا يدعوان الناس إلى الإسلام في دار سعد بن معاذ، وكان سعد بن معاذ وأسعد بن زرارة ابني خالة، وكان سعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير يكسران أصنام بني عبد الأشهل. وآخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين سعد بن معاذ وسعد بن أبي وقّاص، وقيل: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين سعد بن معاذ وأبي عبيدة بن الجرّاح.
وروت عائشة، قالت:‏ كان في بَني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن بعد النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أحدٌ من المسلمين أفضل منهم:‏ سعد بن معاذ، وأُسيد بن حُضير، وعبّاد بن بشر، وروى يونس بن بكير، عن ابن إِسحاق، قال: فقاموا إِليه فقالوا: يا أَبا عَمْرو، قد ولَّاك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَمْرَ مواليك لتحكم فيهم، فقال سعد: عليكم بذلك عهد اللّه وميثاقه؟ قالوا: نعم، قال: وعلى مَنْ هاهنا؟ من الناحية التي فيها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ومن معه، وهو مُعْرِض عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِجلالًا له، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "نَعَمْ"، فقال سعد: أَحكم أَن تُقْتل الرجال، وتُقَسَّم الأَموال، وتُسْبى الذراري. ورمي سعد بسهم يوم الخندق، فعاش بعد ذلك شهرًا، حتى حكم في بني قُرَيظة، وأجيبت دعوته في ذلك، ثم انتقض جرحه، فمات؛ وذلك سنة خمس، وأخرج ابن إسحاق بغير سند أن أمّ سعد لما مات قالت:
وَيـْلُ أمِّ سَعْدٍ سَعْدَا حَزَامَةً وَجَدَّا وَسَيِّدَا سُدَّ بِهِ مَسَدَّا
فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "كُلُّ نَادِبَةٍ تَكْذِبُ إلا نَادِبَةَ سَعْدٍ"(*). وأخرجه الطبراني بسند ضعيف، عن ابن عباس، قال: جعلت أم سعد تقول:
وَيْلُ أمِّ سَعْدٍ سَعْدَا حَزَامَةٍ وَجَدَّا
فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "لا تَزِيدي عَلَى هَذَا، كَانَ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ حَازِمًا، وَفِي أمْرِ الله قَوِيًّا"أخرجه الطبراني في الكبير 6/ 10(*). وروى أبو طاهر عبد الملك بن محمد بن أبي بكر، عن عمه عبد الله بن أبي بكر، قال‏:‏ مات سعد بن معاذ من جُرْح أصابه يوم الخندق شهيدًا،‏ قال:‏ وبلغني أنّ جبريل عليه السَّلام نزل في جنازته مُعْتَجِرًا بعمامةٍ من اسْتَبْرَق، وقال:‏ يا نبي الله، مَنْ هذا الَّذِي فتحت له أبوابُ السَّماء، واهتّز له العرشُ؟ فخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يَجُرّ ثوبه، فوجد سعدًا قد قُبض(*)، وقال رجل من الأنصار:
وَمَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللَّهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ سَمِعْـنَا بِهِ إِلَّا لِسَعْـدِ أَبِي عَمْـرو
وروى سعد بن إبراهيم قال: لما أُخْرِجَ سرير سعد قال ناس من المنافقين: ما أخفّ جنازةَ سعد، أو سرير سعد، فقال رسول الله: "لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا جنازة سعد، أو سرير سعد، ما وطئوا الأرض قبل اليوم"(*). قال: وحضره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يُغسل فقبض ركبته فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "دخل ملك فلم يكن له مكان فأوسعتُ له"، قال وأمّه تبكي وهي تقول‏:
ويل أم سعد سعدا براعة ونجدَا
وسوددا
وَمجدا وفارسا مُعَدَّا
سُدّ
به
مَسَدَّا يقُدُّ هامًا قَدّا

فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "كلّ البواكي يكذبن إلاّ أمّ سعد"(*). وقال الحسن: لما مات سعد بن معاذ، وكان رجلًا جسيمًا جَزْلًا، جعل المنافقون وهم يمشون خلف سريره يقولون: لم نَرَ كاليوم رجلًا أخفّ، وقالوا: أتدرون لمَ ذلك؟ ذاك لحكمه في بني قريظة، فذكر ذلك للنبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "والذي نفسي بيده لقد كانت الملائكة تحمل سريره"(*). وروى نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لهذا العبد الصالح الذي تحرّك له العرش، وفُتحت له أبواب السماوات، وشهده سبعون ألفًا من الملائكة لم ينزلوا الأرض قبل ذلك، ولقد ضُمّ ضمّة، ثمّ أُفرج عنه"، يعني: سعد بن معاذ(*). وروى سعيد المَقْبُري قال: لمّا دفن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، سَعْدًا قال: "لو نجا أحدٌ من ضغطة القبر لنجا سعد، ولقد ضُمّ ضَمّةً اختلفت منها أضلاعه من أثر البول"(*). وفي رواية: أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، قال وهو قائم عند قبر سعد: "لقد ضُغط ضغطة أو هُمز همزة لو كان أحد ناجيًا منها بعمل لنجا منها سعد"(*). وروى إبراهيم النّخَعي أنّ النبيّ عليه السلام، مدّ على قبر سعد ثوبًا أو مُدّ وهو شاهد(*). وروت عائشة قالت: رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يمشي أمام جنازة سعد بن معاذ(*). وروى شيوخ من بني عبد الأشهل أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حمل جنازة سعد بن معاذ من بيته بين العمودين حتى خرج به من الدار(*)، قال محمّد بن عمر: والدّار تكون ثلاثين ذراعًا. وروى رُبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخُدري عن أبيه عن جدّه قال: كنتُ أنا ممّن حفر لسعد قبره بالبقيع، وكان يفوح علينا المسك كلّما حفرنا قَترةً من تراب حتى انتهينا إلى اللّحد، قال رُبيح: ولقد أخبرني محمّد بن المنكدر، عن محمّد بن شرحبيل بن حَسَنة قال: أخذ إنسان قبضة من تراب قبر سعد، فذهب بها، ثمّ نظر إليها بعد ذلك، فإذا هي مسك. وروى أبو سعيد الخدريّ قال: فطلع علينا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقد فرغنا من حُفْرته، ووضعنا اللِّبَن والماء عند القبر، وحفرنا له عند دار عَقيل اليوم، وطلع رسول الله علينا، فوضعه عند قبره، ثمّ صلى عليه، فلقد رأيتُ من الناس ما ملأ البقيع(*).
وروى عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال: لمّا انتهوا إلى قبر سعد نزل فيه أربعة نفر: الحارث بن أوس بن معاذ، وأسيد بن الحُضير، وأبو نائلة سِلْكان بن سلامة، وسلمة بن سلامة بن وقش، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، واقف على قدميه، فلمّا وُضع في قبره تغيّر وجه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وسبّح ثلاثًا فسبّح المسلمون ثلاثًا حتى ارتجّ البقيع، ثمّ كبّر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثلاثًا، وكبّر أصحابه ثلاثًا حتى ارتجّ البقيع بتكبيره، فسُئل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عن ذلك فقيل: يا رسول الله، رأينا بوجهك تغيّرًا، وسبّحت ثلاثًا، قال: "تضايق على صاحبكم قبره وضُمّ ضَمَّةً لو نَجَا منها أحدٌ لنجا سعد منها ثمّ فرج الله عنه"(*). وقال محمّد بن عمر: فحدّثني غير إبراهيم بن الحصين أنّ سعدًا غسله الحارث بن أوس بن معاذ، وأسيد بن حُضير، وسلمة بن سلامة بن وقش يصُبّ الماء، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حاضر، فغسل بالماء الغسلة الأولى، والثانية بالماء والسدر، والثالثة بالماء والكافور، ثمّ كفّن في ثلاثة أثواب صُحاريّة أُدرج فيها إدراجًا، وأُتي بسرير كان عند النُّبَيْط يُحمَل عليه الموتَى، فوُضع على السرير، فرُئي رسول الله يحمله بين عمودَيْ سريره حين رفع من داره إلى أن خرج(*). وروى المِسور بن رفاعة القُرَظي قال: جاءت أمّ سعد بن معاذ إلى سعد في اللحد فردّها الناس، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "دعوها"، فأقبلت حتى نظرت إليه وهو في اللحد قبل أن يبنى عليه اللبن والتراب قالت: احتسبتك عند الله، وعزاها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على قبره، وجلس ناحية، وجعل المسلمون يردّون تراب القبر ويُسَوّونَه، وتنحى رسول الله، فجلس حتى سُوّي على قبره ورشّ عليه الماء، ثمّ أقبل فوقف عليه فدعا له، ثمّ انصرف(*). وروى معاذ بن رفاعة بن رافع الزُّرَقيّ قال: دُفن سعد بن معاذ إلى رأس دار عَقيل بن أبي طالب.
وروت عائشة قالت: ما كان أحد أشدّ فقدًا على المسلمين بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وصاحبيه، أو أحدهما من سعد بن معاذ. وقال الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ: كان سعد بن معاذ رجلًا أبيض، طوالًا، جميلًا، حسن الوجه، أعين، حسن اللحية، فرُمي يوم الخندق سنة خمسٍ من الهجرة فمات من رميته تلك وهو يومئذٍ ابن سبعٍ وثلاثين سنة، فصلّى عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ودُفن بالبقيع. وعن ابن عمر قال: اهتزّ العرش لحبّ لقاء الله سعدًا ــ إنّما يعني: السرير، إنّما تفسّخت أعواده، ودخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قبره فاحتبس، فلمّا خرج قيل له: يا رسول الله، ما حبسك؟ قال: "ضُمّ سعد في القبر ضمّةً فدعوتُ الله أن يكشف عنه"(*).
وروى جابر أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "لقد اهتزّ عرش الله لموت سعد بن معاذ"(*). وقالت عائشة: قدمنا من حجّ أو عمرة فتلقيّنا بذي الحُليفة، وكان غلمان الأنصار يتلقّون أهليهم، فلقوا أسيد بن الحضير، فنعوا له امرأته، فتقنّع، وجعل يبكي، فقلت: غفر الله لك أنت صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولك من السابقة، والقِدَم ما لك، وأنت تبكي على امرأة؟ قالت: فكشف رأسه وقال: صدقت، لعمري ليَحِقّنّ ألا أبكي على أحدٍ بعد سعد بن معاذ وقد قال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما قال، قالت: قلتُ: وما قال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: "لقد اهتزّ العرش لوفاة سعد بن معاذ"، قالت: وهو يسير بيني وبين رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم(*). وروى إسحاق بن راشد عن امرأة من الأنصار يقال لها: أسماء بنت يزيد بن السّكَن أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال لأمّ سعد بن معاذ: "ألا يرقأ دمعُك، ويذهب حزنُك بأنّ ابنك أوّل من ضحك الله له واهتزّ له العرش؟" (*). وروى عكرمة، عن ابن عبّاس قال: لمّا انفجرت يد سعد بالدم قام إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فاعتنقه والدم ينفح في وجه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولحيته لا يريد أحد أن يقي رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم، الدمَ إلا ازداد منه رسول الله قربًا حتى قضى(*). وفي رواية: لمّا قضى سعد في بني قريظة، ثمّ رجع انفجر جرحه، فبلغ ذلك النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فأتاه فأخذ رأسه فوضعه في حِجْرِه، وسُجّي بثوب أبيض إذا مُدّ على وجهه خرجت رجلاه، وكان رجلًا أبيض جسيمًا، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اللهمّ إنّ سعدًا قد جاهد في سبيلك، وصدّق رسولك، وقضى الذي عليه فتَقَبّل روحه بخير ما تقبّلت به روحًا"، فلمّا سمع سعد كلام رسول الله فتح عينيه، ثمّ قال: السلام عليك يا رسول الله، أما إني أشهد أنّك رسول الله، فلمّا رأى أهل سعد أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قد وضع رأسه في حجره ذعروا من ذلك فذُكر ذلك لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: إنّ أهل سعد لمّا رأوك وضعت رأسه في حجرك ذعروا من ذلك، فقال: "استأذِنُ الله من ملائكته عَدَدَكم في البيت ليشهدوا وفاة سعد"، قال: وأمّه تبكي وهي تقول:‏
وَيْلُ أمِّكَ سعدًا حَزامَةً وَجِدّا
فقيل لها: أتقولين الشعر على سعد؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "دَعُوها فغيرها من الشعراء أكذبُ"(*). وفي رواية: لما أصيب أكحل سعد يوم الخندق فثقل حَوّلوه عند امرأة يقال لها: رُفيدة، وكانت تُداوي الجرحى، فكان النبيّ عليه السلام إذا مرّ به يقول: "كيف أمسيتَ؟" وإذا أصبح قال: "كيف أصبحتَ؟" فيخبره، حتى كانت الليلة التي نقله قومه فيها فثقل فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم، وجاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كما كان يسأل عنه، وقالوا: قد انطلقوا به، فخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وخرجنا معه، فأسرعَ المشيَ حتى تقطّعت شسوع نعالنا، وسقطت أرديتنا عن أعناقنا، فشكا ذلك إليه أصحابه: يا رسول الله، أتعبتنا في المشي، فقال:"إني أخاف أن تسبقنا الملائكة إليه، فتغسله كما غسلت حنظلة"، فانتهى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى البيت وهو يُغسل وأمّه تبكيه وهي تقول‏:‏
وَيْلُ أمّ سعدٍ سعدا حَزَامَةً
وَجِدّا
فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "كلّ نائحة تكذب إلا أمّ سعد"، ثمّ خرج به، يقول له القوم أو من شاء الله منهم: يا رسول الله، ما حملنا ميّتًا أخفّ علينا من سعد، فقال: "وما يمنعه من أن يَخِفّ عليكم وقد هبط من الملائكة كذا وكذا، وقد سمّى عدّة كثيرة لم أحفظها، لم يهبطوا قطّ قبل يومهم قد حملوه معكم"(*).
روى سلمة بن أسلم بن حَرِيش أنه قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ونحن على الباب نريد أن ندخل على أثره، فدخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وما في البيت أحد إلاّ سعد مسجّي، قال: فرأيتُه يتخطّى، فلمّا رأيتُه وقفتُ، وأومأ إليّ: قف، فوقفتُ ورددتُ مَن ورائي، وجلس ساعةً، ثمّ خرج فقلتُ: يا رسول الله، ما رأيتُ أحدًا، وقد رأيتك تتخطّى، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ما قدرتُ على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحدَ جناحَيْه فجلستُ"، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "هنيئًا لك أبا عمرو، هنيئًا لك أبا عمرو، هنيئًا لك أبا عمرو"(*).
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال