1 من 1
روت أم سلمة قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي آمننا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤذى فلما بلغ ذلك قريشًا أئتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا إلى النجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة فجمعوا له أدما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ثم قدموا إلى النجاشي هداياه ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم، فخرجا فقدما على النجاشي فدفعا إلى كل بطريق هديته وقالا: إنه قد صبأ إلى بلدكم منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاؤوا بدين مبتدع وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا على الملك بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عينا فقالوا: نعم، ثم قربوا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم ثم كلماه فقالا له: أيها الملك إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فقالت بطارقته: صدقوا فأسلمهم إليهما
فغضب النجاشي ثم قال: لا هيم الله إذا لا أسلمهم إليهما ولا أكاد قومًا جاوروني نزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ماذا يقول هذان في أمرهم فإن كانوا كما يقولان سلمتهم إليهما، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني قال: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله فدعاهم فلما أن جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا كائن في ذلك ما هو كائن فلما جاؤوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين آخر من هذه الأمم.
قالت: وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له: أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار يأكل القوي الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله عز وجل إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله عز وجل؛ لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباونا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، وكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام فصدقناه وآمنا به فعبدنا الله عز وجل وحده فلم نشرك به شيئًا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا على ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين قومنا؛ خرجنا إلى بلدك فاخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.
قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله عز وجل شيء قالت: فقال له جعفر: نعم قال: فاقرأه علي فقرأ عليه صدرًا من كهيعص فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا.
قالت: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غدًا أعيبهم عنده بما استأصل به خضراءهم فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل فإن لهم أرحامًا فقال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد.
قالت: ثم غدا عليه من الغد فقال له: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولًا عظيما فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه.
قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه قالت: ولم ينزل بنا مثلها فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه قالوا: نقول والله فيه ما قال فيه الله عز وجل وما جاء به نبينا كائن في ذلك ما هو كائن. فلما دخلوا عليه قال لهم ما تقولون في عيسى بن مريم قال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد الله وروحه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. قال: فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودا ثم قال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود ثم قال: اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي ـــ والسيوم الآمنون ـــ من سبكم غرم ثم من سبكم غرم ثم من سبكم غرم ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي. رواه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
وروى أبو بردة، عن أبيه قال: أمرنا رسول الله أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي فبلغ ذلك قريشًا فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد، وجمعوا للنجاشي هدية فأتياه بها فقبلها ثم قالا: إن ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرض الملك فبعث إلينا فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد أنا خطيبكم اليوم فلما انتهينا بدرنا من عنده فقال: اسجدوا للملك فقال جعفر: لا نسجد إلا لله فذكر نحو الحديث المتقدم فقال النجاشي: مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده وأنا أشهد أنه رسول الله وأنه بشر به عيسى عليه السلام ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبل نعله.
وروى عمير بن إسحق قال: حدثني عمرو بن العاص قال: لما أتينا باب النجاشي ناديت ائذن لعمرو بن العاص فنادى جعفر من خلفي ائذن لحزب الله فسمع صوته فأذن له قبلي.