أبو المساكين
جَعْفر بنُ أبي طالب بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأخو علي بن أبي طالب لأبويه، وهو جعفر الطيار، وكان أسن من علي بعشر سنين.
وروي أن أبا طالب رأى النبي صَلَّى الله عليه وسلم وعليًا رضي الله عنه يصليان، وعلي عن يمينه، فقال لجعفر رضي الله عنه: "صلْ جَنَاحَ ابْنِ عَمِّكَ، وَصَلِّ عَنْ يَسَارِهِ"، وأسلم جعفر بن أبي طالب قبل أن يدخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، دار الأرقم ويدعو فيها، وهاجر جعفر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ومعه امرأته أسماء بنت عُميس، فلم يزل بأرض الحبشة حتى هاجر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثمّ قدم عليه جعفر من أرض الحبشة وهو بخيبر سنة سبع؛ وقد رُوي أنّ أميرهم في الهجرة إلى أرض الحبشة جعفر بن أبي طالب؛ وأسلم النجاشي ومن تبعه على يديه، وأقام جعفر عنده.
وعن الشعبي قال: لما رجع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من خَيْبر تَلَقَّاهُ جعفر بن أبي طالب فالتزمه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وقبّل ما بين عينيه وقال: "ما أدري بأيـّهما أنا أفرح، بقدوم جعفر أو بفَتْح خيبر"، وقسم له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في خيبر، وآخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بين جعفر بن أبي طالب، ومُعاذ بن جَبَلٍ.
مناقبه:
وعن أسامة بن زيد أنـّه سمع النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم يقول لجعفر بن أبي طالب: "أشْبَهَ خَلْقُكَ خَلْقي وأشْبَه خُلُقُك خُلُقي فأنت مني ومن شجرتي".
وعن أبي هريرة قال: ما احتذى النِّعالَ، ولا ركب المطايا، ولا وطئ التراب بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب، وعن أبي هريرة أيضا قال: كان جعفر يحبُّ المساكين، ويجلس إليهم، ويخدمهم ويخدمونه. فكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يكنيه أبا المساكين.
وقد بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم جيشًا، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: "إن قُتل زيد أو اسْتُشْهِدَ فأميركم جعفر بن أبي طالب، فإن قُتل جعفر أو اسْتُشْهِدَ فأميركم عبد الله بن رَوَاحة"، فلقوا العدوّ فأخذ الرايةَ زيد فقاتل حتى قُتل، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قُتل، ثمّ أخذ الراية عبد الله بن رَوَاحة فقاتَل حتى قُتل، ثمّ أخذ الراية بعدهم خالد بن الوليد، ففتح الله عليه، فأتى خبرهم النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فخرج إلى الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إنّ إخوانكم لقوا العدوّ فأخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى قُتل أو استشهد، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى قُتل أو استشهد، ثم أخذها عبد الله بن رواحة، وقاتل حتى قتل أو أستشهد، ثم أخذها سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه."
استشهد رضي الله عنه بمُؤتة من أرض الشام مقْبِلًا غير مُدْبر، مجاهدًا للرّوم في حياة النبي صَلَّى الله عليه وسلم، سنة ثمان في جمادى الأولى، فعن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه دخل عليَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ وقد عجنت عجيني، وغسلت بنيَّ، ودهنتهم، ونظفتهم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَر"، فأتيته بهم، فشمهم ودمعت عيناه، فقلت: يا رسول الله بأبي وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: "نَعَمْ، أُصِيبُوا هَذَا اليَوْمَ"، فقمت أصيح وأجمع النساء، ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: واعماه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "عَلَى مِثْلِ جَعْفَرٍ فَلْتَبْكِ البَوَاكِي، " ورجع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى أهله، فقال: "لَا تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ فَإِنَّهُمْ قَدْ شُغِلُوا". ، وصلى عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ودعا له ثمّ قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "استغفروا لأخيكم جعفر فإنـّه شهيد وقد دخل الجنّة وهو يطير فيها بجناحَين من ياقوت حَيْثُ شاء من الجنّة".
ثم أمهلَ آل جعفر ثلاثًا أن يأتيهم، ثمّ أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم"، ثمّ قال: "ائتوني ببني أخي"، فجيء بنا كأنـّا أفراخ فقال: "ادْعوا إليّ الحلّاق"، فدُعيَ فحلق رءوسَنا فقال: "أمّا محمّد فشبيه عمّنا أبي طالب، وأمّا عبد الله فشبيه خَلْقي وخُلُقي"، ثمّ أخذ بيده فأشالها وقال: "اللّهم اخْلُفْ جعفرًا في أهله وَبَارِك لعبد الله في صَفقة يمينه"، ثلاث مرات، ثمّ جاءت أمّنا فذكرتْ يُتْمَنا وجعلت تُفْرَح له فقال: "آلْعَيْلَةَ تخافين عليهم وأنا وليّهم في الدنيا والآخرة؟" .
ووصف قتاله أحد الصحابة قائلا: والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مُؤتة اقتحم عن فَرس له شقراء فعقرها ثم تقدم فقاتل حتى قُتل، عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَعْفَرٌ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِذَا حَمْزَةُ مَعَ أَصْحَابِهِ". وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "مُثِّلَ لي جَعْفَر، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ في خَيْمَةٍ مِنْ دُرّ، كُلُّ واحدٍ مِنْهُمْ عَلَى سَرِيرٍ، فَرَأَيْتُ زَيْدًا وَابْنَ رَوَاحَةٍ في أَعْنَاقِهِمَا صُدُودٌ، وَرَأَيْتُ جَعْفَرًا مُسْتَقِيمًا لَيْسَ فِيهِ صُدُودٌ"، قَالَ:"فَسَأَلْتُ أَوْ قِيلَ لِي: إِنَّهُمَا حِينَ غَشِيَهُمَا المَوْتُ أَعْرَضَا، أَوْ كَأَنَّهُمَا صَدَّا بِوَجْهِهِمَا، وَأَمَّا جَعْفَرُ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ".وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لم يكن قبلي نبي إلا قد أعطيَ سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني أعطيتُ أربعة عشر: حمزة، وجعفر، وعلي، وحسن، وحسين، وأبو بكر، وعمر، والمقداد، وحذيفة، وسلمان، وعمار وبلال".
وعن أبي هريرة قال: "إن كنت لألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية، وهي معي، كي ينقلب بي، فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفرُ بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إنْ كان ليخرج إلينا العُكَّة التي ليس فيها شيء، فنشقها، فنلعق ما فيها".
وعن ابن عمر، قال: كنا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فرفع رأْسَه إلى السماء فقال: "وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ". فقال الناس: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا، قال: "مَرَّ بِي جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي مَلإٍ مِنَ المَلَائِكَةِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ". وعن ابن عباس: بينما رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عُمَيس قريبة منه إذ قال: "يَا أَسْمَاءُ، هَذَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَدْ مَرَّ مَعَ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ فَرُدّي عَلَيْهِ السَّلَامَ" الحديث، وفيه: "فَعَوَّضَهُ الله مِنْ يَدَيْهِ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا حَيْثُ شَاءَ".