تسجيل الدخول


خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي القرشية الأسدية

خديجة بنت خُويلد بن أسد القرشيّة الأسديّة، زوج النّبي صَلَّى الله عليه وسلم:‏
كانت تكنى أمّ هند بولدها من زوجها أبي هالة التميمي، وقال الزّبير: كانت تُدْعَى في الجاهليّة الطّاهرة، وأمها فاطمة بنت زَائِدة بن الأصم؛ وأمّها هالة بنت عَبْد مَنَاف بن الحارث؛ وأمّها العرقة، وهي: قلابة بنت سُعَيد بن سَهْم؛ وأمّها عَاتِكَة بنت عَبْد العُزّى بن قصيّ؛ وأمّها الخُطيَا، وهي: رَيـْطَة بنت كعب بن سَعد؛ وأمّها نائلة بنت حُذافة بن جُمَح.
وكانت خديجة تحت أبي هالة بن زرارة بن نباش التميميّ، فولدت له هند، ثم خلف عليها بعد أبي هالة عتيق بن عائذ بن عبد الله، ثم خلف عليها بعدَ عتيق المخزومي رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم،‏ وقال قتادة‏: كانت خديجة تحت عتيق بن عائذ بن عبد الله، ثم خلف عليها بعده أبو هالة هند بن زرارة بن النّباش، وُلد له صَلَّى الله عليه وسلم منها ولده كلّهم ما عدا إبراهيم، وزوَّجه إياها عمرو بن أسد بن عبد العزّى، وقال عمرو بن أسد‏: محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب يخطب خديجة بنت خويلد، هذا الفحل لا يُقدَع أنفه، وكانت إذ تزوّجها رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بنت أربعين سنة‏، فأقامت معه صَلَّى الله عليه وسلم أربعًا وعشرين سنة، وتُوفِّيت وهي بنت أربع وستين سنة وستة أشهر، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إذ تزوّج خديجة ابن إحدى وعشرين سنة، وقيل: ابن خمس وعشرين سنة، وقيل: ابن ثلاثين سنة، ولدت له أربع بنات كلهن أدركن الإسلام، وهاجرن، فهن:‏ زينب، وفاطمة، ورقية، وأم كلثوم‏، وَلدت له ابنًا يسمى القاسم، وبه كان يُكْنَى صَلَّى الله عليه وسلم؛ هذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم: وقال معمر، عن ابن شهاب‏: زعم بعض العلماء أنها ولدت له ولدًا يسمّى الطّاهر‏، وقال بعضهم:‏ ما نعلمها ولدت له إلا القاسم، وولدت له بناته الأربع، وقال عقيل، عن ابن شهاب: ولدت خديجة له: فاطمة، وزينب، وأم كلثوم، ورقية، والقاسم، والطّاهر، وكانت زينب أكبر بنات النّبي صَلَّى الله عليه وسلم‏، وقال قتادة‏: ولدت خديجة له غلامين وأربع بنات: القاسم، وبه كان يُكْنَى، وعاش حتى مشى، وعبد الله مات صغيرًا، ومن النّساء: فاطمة، وزينب، ورقية، وأم كلثوم. وقال الزّبير‏:‏ وُلد لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: القاسم، وهو أكبر ولده، ثم زينب، ثم عبد الله، وكان يقال له‏ ‏الطيّب، ويقال له‏ ‏الطّاهر؛ وُلد بعد النّبوة، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، هكذا الأول فالأول، ثم مات القاسم بمكّة، وهو أول ميت مات مِنْ ولده، ثم مات عبد الله أيضًا بمكّة، وقال مصعب الزّبيري:‏ وُلِدَ لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم القاسم، وبه كان يُكْنَى، وعبد الله، وهو الطّيّب والطّاهر، لأنه وُلِدَ بعد الوحي، وزينب، وأم كلثوم، ورقية، وفاطمة؛ أمهم كلهم خديجة، وأكثر أهل النّسب أن عبد الله ابن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم هو الطّيب وهو الطاهر، له ثلاثة أسماء، وقال علي بن عبد العزيز الجرجاني النّسابة‏:‏ أولادُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: القاسم وهو أكبر أولاده، ثم زينب؛ ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، ثم عبد الله وكان يقال له الطّيب والطّاهر. قال:‏ وهذا وهو الصّحيح، وغَيْرهُ تخليط، وقال أبو عمر‏: لا يختلفون أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لم يتزوج في الجاهليّة غير خديجة، ولا تزوّج عليها أحدًا من نسائه حتى ماتت، ولم تلد له من المهارى غيرها.
وكان سبب تزوجها برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أنَّ خديجة كانت امرأة تاجرة، ذات شَرَف ومال، تستأجر الرجال في مالها تُضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه، فلما بلغها عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعِظَم أمانته، وكرم أخلاقه بعثت إليه، وَعَرَضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله منها، وخرج في مالها، ومعه غلامها ميسرة، حتى قدم الشام، فنزل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبًا من صَومعة راهب، فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال: هذا الرجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم باع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد، ثم أقبل قافلًا إلى مكة، فلما قَدِم على خديجة بمالها باعت ما جاء به، فأضعف أو قريبًا، وحدّثها ميسرة عن قول الراهب، وكانت خديجة امرأة حازمة، لبيبة، شريفة مع ما أراد الله بها من كرامتها، فلما أخبرها ميسرة بعثت إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقالت له: إني قد رَغِبتُ فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت أوسط نساء قريش نسبًا، وأعظمهم شرفًا، وأكثرهم مالًا، فلما قالت لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما قالت، ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على خويلد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
وكانت خديجة بنت خُوَيْلِد قبل أن يتزوّجها أحد قد ذُكرت لورقة بن نوفل بن أسد، فلم يقض بينهما نكاح، فتزوّجها أَبُو هَالة واسمه: هِنْد بن النبّاش بن زُرَارة، وكان أَبُو هَالَة ذا شرف في قومه، ونزل مكّة، وحالف بها بني عبد الدار بن قصيّ، وكانت قريش تُزوّج حليفهم، فولدت خديجة لأبي هالة رجلًا يقال له: هند، وهالة رجل أيضًا، ثمّ خلف عليها بعد أبي هالة عتيق بن عابد بن عبد الله، فولدت له جارية يقال لها: هند، فتزوّجها صيفيّ بن أُميّة بن عابد، وهو ابن عمّها، فولدت له محمّدًا. ويقال لبني محمّد هذا بنو الطاهرة لمكان خديجة. وكان له بقيّة بالمدينة وعقب فانقرضوا.
وروى سعيد بن جُبير عن ابن عبّاس أنّ نساء أهل مكّة احتفلن في عيدٍ كان لهنّ في رجب، فلم يتركن شيئًا من إكبار ذلك العيد إلا أتينه، فبينا هنّ عكوف عند وثن مثّل لَهُنَّ كَرَجُل أو في هيئة رجل حتى صار منهن قريبًا ثمّ نادى بأعلى صوته: يا نساء تيماء، إنّه سيكون في بلدكنّ نبيّ يقال له: أحمد يبعث برسالة الله، فأيّما امرأة استطاعت أن تكون له زوجًا فلتفعل، فَحَصَبَتْه النساء، وقَبَّحنه، وأغلظن له، وأغضت خديجة على قوله، ولم تعرض له فيما عرض فيه النساء.
وروت أمّ سعد بنت سعد بن الربيع، عن نفيسة بنت أميّة أخت يَعْلَى بن أميّة سمعتها تقول: كانت خديجة ذات شرف، ومال كثير، وتجارة تبعث إلى الشأم فيكون عِيرُها كعامّة عِيرِ قريش، وكانت تستأجر الرجال، وتدفع المال مُضارَبَة، فلمّا بلغ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خمسًا وعشرين سنة وليس له اسم بمكّة إلاّ الأَمِين أرسلت إليه خديجة بنت خُوَيْلِد تسأله الخروج إلى الشأم في تجارتها مع غلامها مَيْسَرَة، وقالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي قومك، ففعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وخرج إلى سوق بصرى فباع سلعته التي أخرج، واشترى غيرها، وقدم بها فربحت ضعف ما كانت تربح، فأضعفت لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ضعف ما سَمَّت له، قالت نفيسة: فأرسلتني إليه دسيسًا أعرض عليه نكاحها فَقَبِل وأرسلت إلى عمّها عمرو بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ فحضر، ودخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في عمومته فزوّجه أحدهم، وقال عمرو بن أسد في هذا: البضع لا يقرع أنفه، فتزوّجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مرجعه من الشأم وهو ابن خمس وعشرين سنة(*).
وروى عِكْرِمَة عن ابن عبّاس أنّ عمّ خديجة عمرو بن أسد زوّجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فإنّ أباها مات يوم الفجار، وعن ابن عبّاس قال: كانت خديجة يوم تزوّجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ابنة ثمانٍ وعشرين سنة ومهرها اثنتى عشرة أوقيّة، وكذلك كانت مهور نسائه، قال محمد بن عمر: ونحن نقول ومن عندنا من أهل العلم إنّ خديجة ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة، وإنّها كانت يوم تزوّجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بنت أربعين سنة، قال حَكِيم بن حِزام: تزوّج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خديجة وهي ابنة أربعين سنة ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ابن خمسٍ وعشرين سنة، وكانت خديجة أسنّ مني بسنتين، وُلِدَتْ قبل الفيل بخمس عشرة سنة، وولدتُ أنا قبل الفيل بثلاثة عشرة سنة(*).
وروى عُرْوَة، عن عائشة قالت: إنّ أوّل من أسلم خديجة، وروى ابن أَبِي ذِئْب، عن الزُّهْرِيّ قال: مكث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وخديجة يصلّيان سرًا ما شاء الله(*). وروى ابن يحيَى بن عفيف عن جدّه عفيف الكندي قال: جئت في الجاهليّة إلى مكّة، وأنا أريد أن ابتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فنزلت على العبّاس بن عبد المطّلب، قال فأنا عنده وأنا أنظر إلى الكعبة، وقد حلّقت الشمس، فارتفعت إذ أقبل شاب حتى دنا من الكعبة، فرفع رأسه إلى السماء فنظر، ثمّ استقبل الكعبة قائمًا مستقبلها، إذ جاء غلام حتى قام عن يمينه، ثمّ لم يلبث إلاّ يسيرًا حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما، ثمّ ركع الشابّ، فركع الغلام وركعت المرأة، ثمّ رفع الشابّ رأسه، ورفع الغلام رأسه، ورفعت المرأة رأسها، ثمّ خَرَّ الشابُّ، وخَرَّ الغلامُ ساجدًا، وخَرَّت المرأة، قال: فقلت: يا عبّاس إني أرى أمرًا عظيمًا، فقال العبّاس: أمر عظيم، هل تَدْرِي مَنْ هذا الشاب؟ قلت: لا، ما أدري، قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب ابن أخي، هل تدري من هذا الغلام؟ قلت: لا، ما أدري، قال: عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب ابن أخي، هل تدري مَن هذه المرأة؟ قلت: لا، ما أدري، قال: هذه خديجة بنت خُوَيْلِد زوجة ابن أخي هذا، إنّ ابن أخي هذا الذي ترى حدّثنا أنّ ربّه ربّ السماوات والأرض، أَمَرَهُ بهذا الدين الذي هو عليه، فهو عليه، ولا والله ما علمت على ظهر الأرض كلّها على هذا الدّين غير هؤلاء الثلاثة، قال عفيف: فتمنّيتُ بعدُ أني كنتُ رابعهم(*).
قالت عائشة أم المؤمنين: أول ما بدأ به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، في النوم، كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح... وذكر الحديث، قال ــ يعني: جبريل، عليه السلام: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فرجع بها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة رضي الله عنها، فقال: "زَمِّلُوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، وقال لخديجة، وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحَمِلُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المعدوم، وتَقْرِي الضيف، وتعين على نوائب الحق، وانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل، وكان امرأً تنصر في الجاهلية، ويكتب الكتاب العِبْرَاني، ويكتب من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، فقالت له خديجة: يا ابن عَمّ، اسمع من ابن أخيك، فقال له وَرَقة: ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا ليتني فيها جَذَعًا، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك(*)أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 3 ــ 4، بدء الخلق..
وعن أبي إسحاق قال: وكانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدّق بما جاء به، فخفَّفَ الله بذلك عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لا يسمع شيئًا يكرهه من رَدّ عليه، وتكذيب له؛ فيحزنه إلا فَرَّج الله عنه بها إذا رجع إليها تُثَبِّته وتخفِّف عنه، وتصدِّقه، وتهوّن عليه أمر الناس، رضي الله عنها، وعن خديجة أنها قالت لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: يا ابن عم، هل تستطيع أن تُخبرني بصاحبك الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: "نعم"، فبينا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عندها إذ جاءه جبريل، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هَذَا جِبْرِيْلُ قَدْ جَاءَنِي"، فقالت: أتراه الآن؟ قال: "نَعَمْ"، قالت: اجلس على شِقَّي الأيسر، فجلس، فقالت: هل تراه الآن؟ قال: "نَعَمْ"، قالت: فاجلس على شقي الأيمن، فجلس فقالت: هل تراه الآن؟ قال: "نَعَمْ"، قالت فتحَّول فاجلس في حجري، فتحول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فجلس، فقالت: هل تراه؟ قال: "نَعَمْ"، فتحسَّرت وألقت خمارها، فقالت: هل تراه؟ قال: "لاَ"، قالت: ما هذا شيطان، إن هذا لمَلَكَ يا ابن عم، اثبت وأبْشر، ثم آمنت به، وشهدت أن الذي جاء به الحق(*). فخديجة أول مَنْ آمن بالله من الرّجال والنّساء.
روى محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدّه، قال: صلّى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم‏ يوم الاثنين، وصلّت خديجة آخر يوم الاثنين(*)، وكان عليّ بن أبي طالب أوّل مَنْ آمنَ بالله من النّاس بعد خديجة، وقال ابن إسحاق‏: كانت خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله ورسوله وصدّق محمدًا صَلَّى الله عليه وسلم فيما جاء به عن رَبّه، وآزره على أمره، فكان لا يسمع من المشركين شيئًا يكرهه مِنْ رَدٍّ عليه وتكذيبٍ له إلا فرج الله عنه بها، تثبِّتُه، وتصدّقه، وتخفّف عنه، وتهوّن عليه ما يلقى من قومه‏. وروي من وجوهٍ أنّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال:‏ ‏"‏يَا خَدِيجَةُ، إِنَّ جِبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ"(*). وبعضهم يروي هذا الخبر أنّ جبرئيل قال:‏ يا محمد، اقرأ على خديجة من رَبّها السّلام، فقال‏‏ النّبي صَلَّى الله عليه وسلم: "يَا خَدِيجَةُ، هَذَا جِبْرَئِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ مِنْ رَبِّكِ"، فقالت خديجة:‏ الله هو السّلام، ومنه السَّلامَ، وعلى جبرئيل السّلام(*) أخرجه البيهقي في الدلائل 2/152، وذكره ابن حجر في فتح الباري 8/720..
وروى عكرمة، عن ابن عبّاس، قال:‏ خَطَّ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم فِي الأرض أربعة خطوط، ثم قال:‏ ‏"‏أَتَدْرُونَ َما هَذَا‏"‏‏؟‏ قالوا:‏ الله ورسوله أعلم،‏ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ‏"‏أفْضَلُ نِسَاِء أَهْلِ الَجَنَّةِ أَرْبَعٌ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ"‏‏(*)أخرجه أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك 3/160، 185.. وفي رواية: عن ابن عبّاس، قال‏: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَخَدِيجَةُ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ‏"‏‏(*) ذكره الهيثمي في الزوائد 9/204..
وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشةَ، قالت‏: ما غرْتُ على امرأة ما غِرْتُ على خديجةَ، وما بي أَن أكون أدركْتُها، ولكن ذلك لكثرة ذِكْرِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إياها، وإنْ كان ليذبح الشّاة؛ فيتبَّع بذلك صدائق خديجة يُهْدِيها لهن‏. وروى عبد الله بن جعفر، عن علي، قال:‏ قال النّبي صَلَّى الله عليه وسلم‏: ‏"‏خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ‏"‏‏(*) أخرجه البخاري في الصحيح 4/200، 5/47، ومسلم في الصحيح كتاب فضائل الصحابة حديث رقم 69، وأحمد في المسند 1/84، 116، 132، 143 والبيهقي في السنن 6/367، والحاكم 2/497، 3/184، وذكره ابن حجر في المطالب حديث 3982، والسيوطي في الدر المنثور 2/23.. وروى مسروق، عن عائشة، قالت‏: كان رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم لا يكاد يخرجُ من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثّناءَ عليها؛ فذكرها يومًا من الأيام فأدركتني الغِيرة، فقلت:‏ هل كانت إلّا عجوزًا، فقد أبدلكَ الله خيرًا منها، فغضب حتى اهتزّ مقدّم شَعْرِه من الغضب، ثم قال‏: ‏ ‏"‏لَا وَاللَّهِ، مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا، آمنَتُ بي إِذْ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي فِي مَالِهَا إذْ حرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ مِنْهَا أَوْلَادًا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ‏" أخرجه أحمد في المسند 6/118، وذكره ابن حجر في فتح الباري 7/140، 9/327، والهيثمي في الزوائد 9/227، والهندي في كنز العمال حديث رقم 34348.، قالت عائشة:‏ فقلت في نفسي: لا أذكرُها بسيئةٍ أبدًا(*). وفي رواية: قالت عائشة: والله لا أُعَاتِبُكَ فيها بعد اليوم.
وفي الصحيح عن عائشة كان رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة يقول: "أرْسِلُوا إلَى أصْدِقَاءِ خَدِيجةَ"، فقال: فذكرت له يومًا، فقال: "إنِّي لأحِبُّ حَبِيبَهَا"(*)أخرجه مسلم في الصحيح4/1888 عن عائشة كتاب فضائل الصحابة باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها حديث رقم (75/2435)، وأورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 18339 وعزاه لمسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها. وفي الصَّحِيحَيْنِ، عن عائشة: أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نَصَب(*).
وروى أبو هريرة، عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "أتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَذِهِ خَدِيجَةُ أتَتْكَ وَمَعَهَا إنَاءٌ فيهِ طَعَامٌ وَشَرَابٌ، فَإذا هِيَ أتَتْكَ فَاقْرَأ عَلَيْهَا مِنْ رَبِّها السَّلَامَ وَمِنِّي.." الحديث(*). وعن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب؛ قالا: جاءت خولة بنت حكيم فقالت: يا رسول الله، كأني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة، قال: "أجَلْ، كَانَتْ أمَّ العِيَالِ وَرَبَّةَ البَيْتِ..." الحديث، وسنده قوي مع إرساله(*). وروى عبد الله بن عمير قال: وجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على خديجة حتى خُشِيَ عليه حتى تزوج عائشة(*). ومن مزايا خديجة أنها ما زالت تعظِّم النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وتصدقُ حديثه قبل البعثة وبعدها؛ وقالت له لما أرادت أن يتوجَّه في تجارتها: إنه دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم أخلاقك، وذكر ابن إسحاق عن خديجة: إنها قالت لما خطبها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: إني قد رغبت فيك لحُسْن خلقك، وصدق حديثك، ومن طواعيتها له قبل البعثة أنها رأتْ ميله إلى زيد بن حارثة بعد أن صار في ملكها، فوهبته له صَلَّى الله عليه وسلم؛ فكانت هي السبب فيما امتاز به زيد من السبق إلى الإسلام، حتى قيل: إنه أول من أسلم مطلقًا.
وأخرج ابْنُ السُّنِّيِّ بسند له عن خديجة: أنها خرجت تلتمس رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بأعلى مكة ومعها غذاؤه، فلقيها جبريل في صورة رجل، فسألها عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم فهابته، وخشيت أن يكون بعض من يريد أن يغتاله، فلما ذكرت ذلك للنبي صَلَّى الله عليه وسلم قال لها: "هُوَ جبرِيلُ، وَقَدْ أمَرَنِي أنْ أقْرَأ عَلَيْكِ السَّلَامَ، وَبَشَّرَها بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَب فِيهِ وَلَا نَصَبَ"(*)أخرجه الحاكم في المستدرك 3/185 وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأورده الهيثمي في الزوائد. 9/227. وعن عمران بن حصين: أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم عاد فاطمة، وهي وجعة، فقال: "كَيْفَ تَجِدِينكَ يَا بُنَيَّةُ؟" قالت: إني لوجعة، وإنه ليزيد ما بي ما لي طعامٌ آكله، فقال: "يَا بُنَيَّةُ، ألَا تَرْضِينَ أنَّكِ سَيِّدةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ؟" قالت: يا أبت، فأيْنَ مريم بنت عمران؟ قال: "تِلْكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالمهَا"(*). قال ابن حجر العسقلاني: فعلى هذا مريم خيرُ نساء الأمة الماضية، وخديجة خير نساء الأمة الكائنة، ويحمل قصة فاطمة إن ثبتت على أحد أمرين: إما التفرقة بين السيادة والخيرية، وإما أن يكون ذلك بالنسبة إلى من وجد من النساء حين ذكر قصة فاطمة.
وروى يعلى بن المغيرة عن ابن أبي رواد قال: دخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على خديجة في مرضها الذي ماتت فيه، فقال لها: "بِالْكُرْهِ منِّي مَا أُثنِيَ عَلَيْكِ يَا خَدِيْجَةُ، وَقَدْ يَجْعَلُ الله فِي الْكُرْهِ خَيْرًا كَثِيْرًا، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الله تَعَالَى زَوَّجَنِي مَعَكِ فِي الْجَنَّةِ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ، وَكَلْثَمَ أُخْتَ مُوْسَى، وَآسِيَةَ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ"، فقالت: وقد فعل ذلك يا رسول الله؟ قال: "نَعَمْ"، قالت: بالرِّفاء والبنين(*). وروى يونس، عن ابن إسحاق قال: ثم إن خديجة توفيت بعد أبي طالب وكانا ماتا في عام واحد، فتتابعت على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المصائب بهلاك خديجة، وأبي طالب، وكانت خديجة وَزِيرة صِدْق على الإسلام كان يسكن إليها.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: توفيت خديجة قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بأربع سنين، وقال عروة وقتادة: توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين، وقالت عائشة: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة، وقيل: إن وفاة خديجة كانت بعد أبي طالب بثلاثة أيام، وقيل: توفّيت خديجة لعشرٍ خَلَون من شهر رمضان، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، وهي يومئذ بنت خمسٍ وستّين سنة، وعن أَبِي حَبِيبَة مولى الزّبير قال: سمعت حَكِيم بن حِزَام يقول: توفّيت خديجة بنت خويلد في شهر رمضان سنة عشر من النبوّة، وهي يومئذ بنت خمسٍ وستّين سنة، فخرجنا بها من منزلها حتى دفنّاها بالحَجون، ونزل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في حفرتها، ولم تكن يومئذٍ سنّة الجنازة الصلاة عليها، قيل: ومتى ذلك يا أبا خالد؟ قال: قبل الهجرة بسنوات ثلاث أو نحوها، وبعد خروج بني هاشم من الشِّعْب بيسير.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال