تسجيل الدخول


عباس بن مرداس السلمي

العبّاس بن مِرْداس بن أبي عامر السُّلَمِيّ:
يُكْنَى أبا الفضل، وقيل: أبا الهيثم، وزعم أبُو عُبَيْدَةَ أن الخنساء الشَّاعرة المشهورة أمّه، وكان مرداسٌ أبوه شريكًا ومصافيًا لحرب بن أميّة، وقتلهما جميعًا الجنّ، وخَبُرهما معروف عند أهل الأخبار، وذكروا أن ثلاثة نفر ذهبُوا على وجوههم، فهامُوا ولم يُوجَدُوا، ولم يسمع لهم بأثرٍ:‏ طالب بن أبي طالب، وسنان بن حارثة، ومرداس بن أبي عامر: أبو عبّاس بن مرداس.
أسلم قبل فتح مكَّة بيسير، وذكر ابْنُ إِسْحَاقَ أن سببَ إسلامه رؤيا رآها في صنمه ضمار، وقال محمد بن عمر: ولم يسكن العبّاس بن مرداس مكّة ولا المدينة، وكان يغزو مع النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ويرجع إلى بلاد قومه؛ وكان ينزل بوادي البصرة، وكان يأتي البصرة كثيرًا، وبقيّة ولده ببادية البصرة وقد نزل قوم منهم البصرة، وشهد العبّاس بن مرداس مع النّبي صَلَّى الله عليه وسلم الفَتْح وحُنَينًا، وقد وافَى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في تسعمائة من قومه على الخيول والقنا والدروع الظاهرة لِيَحْضُرُوا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فتح مكّة، وروى معاوية بن جَاهِمة بن عبّاس بن مِرْدَاس، عن عبّاسُ بن مِرْدَاس قال: لقيتُه صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يسير حين هبط من المُشلَّل ونحن في آلة الحرب، والحديد ظاهر علينا، والخيل تُنازعنا الأَعِنّة، فصففنا لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وإلى جنبه أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا عُيَيْنَة هذه بنو سُليم قد حضرت بما ترى من العُدّة والعَدَد"، فقال: يا رسول الله جاءهم داعيك ولم يأتني، أما والله إنّ قومي لمُعِدّونَ مُؤدونَ في الكُراع والسّلاح، وإنّهم لأحلاس الخيل ورجال الحرب ورماة الحَدَق. فقال عبّاس بن مرداس: أقْصِرْ أيّها الرجل! فوالله إنّك لَتَعْلَم أنّا أفرس على متون الخيل وأطعن بالقنا وأضرب بالمَشْرَفيّة منك ومن قومك. فقال عُيينة: كذبتَ وخُنْتَ، لَنحن أولى بما ذكرتَ منك، قد عرفَتْه لنا العرب قاطبةً. فَأَوْمَأ إليهما النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، بيده حتى سكتا(*). وكان عبّاس بن مرداس من المؤلّفة قلوبهم، وممن حَسُن إسلامُه منهم، ولما أعطى رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم المؤلّفة قلوبهم من سَبْي حُنين؛ الأقرع بن حابس، وعُيينة بن حصن مائة مائة من الإبل، ونقص طائفةً من المائة، منهم عبّاس بن مرداس، جعلَ عَبَّاس بن مرداس يقول ــ إذا لم يبلغ به من العطاء ما بلغ بالأقرع بن حابس وعيينة بن حصن‏:
أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ
العُبَيـ ـدِ بَـيْـنَ
عُيَيْنَةَ
وَالأَقْرَعِ
فَمَا كَانَ حِصْـنٌ وَلَا حَابِسٌ يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي
مَجْمَـعِ
وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرئٍ مِنْهُمَا وَمَنْ تَضِـعِ اليَومَ لَا
يُرْفَعِ
وَقَدْ كُنْتُ فِي القَوْمِ ذَا تُدْرَأُ فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا وَلَمْ أُمْنَعِ
فِصَالًا
أفاثل
أَعْطَيْتَها عَدِيدَ
قَوَائِمِهَا
الأَرَبعِ
وَكَانَـتْ
نِهَابًا
تَلَافَيْتُهَا بِِكرِّي عَلَى المُهْرِ فِي الأَجْرَعِ
وَأَيقَاظِيَ القَومَ أَنْ يَرْقُدُوا إِذَا هَجَعَ النَّاسُ لَمْ أَهْجَعِ
وفي رواية ابن عُقبة، وابن إسحاق: إلّا أفائل أعطِيتُها، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏اذْهَبُوا فَاقْطَعُوا عَنِّي لِسَانَهُ"(*) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 5 / 183.. فأَعْطُوهُ حَتَّى رَضِيَ"، ‏‏‏‏وكان شاعرًا محسنًا مشهورًا بذلك، ورُوي أنّ عبد الملك بن مروان قال يومًا، وقد ذكروا الشّعراء في الشجاعة، فقال:‏ أشجعُ النّاس في الشّعر عبّاس بن مرداس، حيث يقول:
أُقاتِلُ فِي الْكَتِيبَةِ لَا أُبالِي أَحَتْفي كَانَ فِيهَا أَمْ سِوَاهَا
وله في يوم حُنَين أشعار حِسَان، ذكر كثيرًا منها ابنُ إسحاق، ومنها قوله، وهو من جيّد قوله في ذلك:
مَا بَالُ عَيْنِكَ فِيهَا
عَائِر
سَهِرُ مِثْلُ الحَمَاطَةِ أَغْضَىٍ فَوْقَهَا الشَّفْرُ
عَيْنٌ
أُقادُ بِهَا مِنْ شَوْقِهَا أَرَقُ فَالمَاءُ يَغْمُرُهَا
طَوْرًا
وَيَنْحَـدِرُ
كَأَنَّهُ
نَظْمُ
دُرٍّ
عِنْدَ
نَاظِمه تَقَطَّعَ السِّـلْكُ
مِنْهُ فَهْوَ
مُنتَثِرُ
يَا بُعُدَ مَنْزِلِ
مَنْ تَرْجُو
مَوْدَّتَهُ وَمَـنْ
أَتَى دُونَهُ
الصَّمانُ وَالحُفَرُ
دَعْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَهْدِ الشَّبَابِ فَقَدْ وَلَّى الشَّبَابُ وَجَاءَ الشَّيْبُ وَالذُّعْرُ
وَاذْكُرْ بَلَاءَ سُلَيمٍ فِي مَواطِنها وَفِي سُلَيمٍ لأَهْلِ
الفَخْرِ
مُفتَخَرُ
في شعر مطول مذكور في المغازي في حنين، ومن قوله المستحسن‏:
جَزَى اللَّهُ خَيْرًا خَيْرَنَا لِصَدِيقِهِ وَزَوَّدَهُ
زَادًا كَزَادِ
أَبِي
سَعْد
وَزَوَّدَهُ صِدْقًا
وَبِرًّا
وَنَائِلًا وَمَا كَانَ فِي تِلْكَ الوِفَادِةِ مِنْ حَمْد
وهو القائل‏:
يَا خَاتَمَ النَّبَآءِ إِنَّكَ مُرْسَـلُ بِالحَقِّ كُلُّ هُدَى السَّبِيلِ هُدَاكَا
إِنَّ الإِلَهَ بَنَى عَلَيَكَ مَحَبَّةً فِي خَلْقِهِ
وَمُحَمَّدًا سَمَّاكَا
وكان عبّاس بن مرداس ممن حرَّم الخمر في الجاهليَّة، وكان ممن حَرَّم الخمر في الجاهليّة أيضًا أبو بكر الصّديق، وعُثمان بن مظعون، وعثمان بن عفان، وعبد الرّحمن بن عوف، وقيس بن عاصم، وحرَّمها قبل هؤلاء عبد المطّلب بن هاشم، وعبد الله بن جُدْعان، وشَيْبَةَ بن ربيعة، وورقة بن نوفل، والوليد بن المغيرة، وعامر بن الظّرب، ويقال: هو أوَّل من حَرَّمها في الجاهليّة على نفسه‏، ويقال:‏ بل عفيف بن معد يكرب العَبْدي‏، وقال عبد الرحمن بن أبي الزِّناد: أعطى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، العبّاس بن مرداس السُّلَمِيّ مع مَن أعطى من المُؤلَّفَة قلوبُهم، فأعطاه أربعة من الإبل فعاتب النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، في شعر قاله:
كــانَتْ
نِهـابًـا
تــلافَـــيتُــهــا وَكَـرِّي عَلَى القــومِ بالأجرَعِ
وحَثِّـي الجنودَ لِكَيْ يـَدْلجُـوا إذا هَجَـعَ القــَوْمُ لَـمْ أهْجَـعِ
فأصْبَـحَ نَهْبـي ونَهْـبُ الــعُبَــيْــــ ـدِ بــَيـنَ عُـيَيْنَــةَ وَالأقْـرَعِ
إلاّ أفـائـِـلَ
أُعْـطِـيتُـهـا عَـديــد قَـوائِمِــهِ الأرْبَـعِ
وَما كــانَ بــدْرٌ وَلا حابِــسٌ يـفـوقانِ مـرْادسَ فـي المَجْمَـعِ
وَقد كنتُ في الحرْبِ ذا تُدْرَإٍ فـلـمْ أُعْـطَ شَيْـئًا ولم أُمْنَـعِ
وما كنـتُ دونَ امرئٍ منهمـا وَمَـن تَضـعِ اليومَ لا يُرْفَـعِ
قال: فرفع أبو بكر أبياته إلى النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، للعبّاس: "أرأيتَ قولك: «أصْبَحَ نَهْبي وَنَهْبُ العُبَيْدِ بَينَ الأقْرَعِ وَعُيَيْنَة»؟" فقال أبو بكر: بأبي وأمّي يا رسول الله ليس هكذا! قال، فقال: "كيف؟" قال: فأنشده أبو بكر كما قال عبّاس، فقال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "سَواء، ما يضرّك بدأتَ بالأقرع أو بعُيَينة!" فقال أبو بكر: بأبي أنت، ما أنت بشاعر ولا راوية ولا ينبغي لك. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اقطعوا عني لسانه"، ففزع منها أناس وقالوا: أُمِرَ بعبّاس يمثّل به. فأعطاه مائة من الإبل، ويقال خمسين من الإبل(*). قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: حدّثنا حمّاد بن سَلَمة عن هشام بن عروة عن عروة أنّ العبّاس بن مرداس قال أيّام حنين لما أعطى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أبا سفيان، وعُيينة، والأقرع بن حابس، ما أعطى:
أتَجْعَـلُ نَهْبـي وَنَهَـــــــبَ العُبَيْــ ـدِ بَيـنَ عُيَيْنَةَ وَالأقْـــــــرَعِ
وَقـد كنـتُ في القـومِ ذا ثَـرْوَةٍ فلَـمْ أُعْـطَ شيئًا وَلـمْ أُمْنَـعِ
فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لأقْطَعنّ لسانك". وقال لبلال: "إذا أمرتُك أن تقطع لسانه فأعْطِه حُلّةً". ثمّ قال: "يا بلال اذهبْ به فاقطع لسانه". فأخذ بلال بيده ليذهب به فقال: يا رسول الله أيقطع لساني؟ يا معشر المهاجرين أيقطع لساني؟ يا للمهاجرين أيقطع لساني؟ وبلال يجرّه، فلمّا أكثر قال: إنّما أمرني أن أكْسُوَك حُلّةً أقطع بها لسانك. فذهب به فأعطاه حُلّةً(*).
قد حدّث عن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم؛ وروى عنه كنانة، وعبد الرَّحمن بن أنس السَّلمي، وروى عنه البصريّون، وروى كنانة بن العباس بن مرداس، عن أَبيه العباس: أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم دعا عشية عرفة لأُمته بالمغفرة والرحمة، وأَكثر الدعاء، فأَجابه الله عز وجل: "أَنى قد فعلت وغفرت لأُمتك إِلا ظلْمَ بعضهم بعضًا". فأَعاد فقال: "يَا رَبِّ، إِنَّكَ قَادِرٌ أَنْ تَغْفَرِ لِلْظَّالِمِ، وَتُثِيْبَ الْمَظْلُوْمَ خَيْرًا مِنْ مَظْلَمَتِهِ". فَلَمْ يَكُنْ تِلْكَ الْعَشَيَّةَ إِلاَّ ذَا. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَعَا غَدَاةَ الْمَزْدَلِفَةِ، فَعَادَ يََدْعُو لِأُمَّتِهِ، فَلَمْ يَلْبَثِ الْنَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ تَبَسَّمَ". فقال بعض أَصحابه: بأَبي أَنت وأُمي تبسمتَ في ساعة لم تكن تضحك فيها؛ فما أَضحكك؟ قال: "تبسمت من عَدُوِّ الله إِبليس، حين علم أَن الله تعالى أَجابني في أُمتي وغفر للظالم، أَهْوَى يدعو بالثبور والويل، ويحثو التراب على رأَسه". وقال مرة: "فضحكت من جزعه" أخرجه أحمد في المسند 4 / 14، 15..
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال