تسجيل الدخول


أسامة الحب ابن زيد بن حارثة

أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، الحبّ ابن الحب:
خاطبه النبي صَلَّى الله عليه وسلم بأُسيم في حديث أخرجه أَبُو نُعَيمٍ في "الدَّلَائِلَ"، عن أسامة بن زيد: أن امرأة أتت النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم بشاةٍ مَصْلِيَّة، فقال لي "يَا أُسَيْمُ، نَاوِلْنِي ذِرَاعَهَا"الحديث(*).
يكنى أسامة: أبا محمد، وقيل: أبو زيد، وقيل: أبو يزيد، وقيل: أبو خارجة، وأمّه أمّ أيْمَنَ واسمها بَرَكَةُ حاضنةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ومولاته، وكان زيد بن حارثة في رواية بعض أهل العلم أوّلَ الناس إسلامًا ولم يفارق رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ووُلدَ له أسامة بمكّة ونشأ حتى أدرك ولم يعرف إلا الإسلام لله تعالى، ولم يَدِنْ بغيره، وهو وأيمن أخوان لأم.
قالت عائشة: دخل مُجزّز المُدْلجيّ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فرأى أسامة وزيدًا عليهما قطيفة قد غطّيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إنّ هذه الأقدام بعضُها من بعض، قالت فدخل عليّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مسرورًا(*)، وقالت عائشة: دخل علي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مسرورًا تبرق أسارير وجهه فقال: "أَلَمْ تَرَيْ أنّ مجزّزًا أبصر آنفًا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال إنّ بعض هذه الأقدام لَمِن بعض؟" قال محمد بن سعد: فسُرّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أنْ يُشْبِهَ أسامةُ زيدًا(*).
قال هشام بن محمّد بن السائب الكلبي عن أبيه قال: تزوّج أُسامة بن زيد هندَ بنت الفاكه بن المغيرة من بني مخزوم، ودرّة بنت عديّ بن قيس فولدت له: محمدًا، وهندَ، وتزَوّج أيضًا فاطمة بنت قيس أخت الضّحاك بن قيس الفِهْريّ فولدت له: جُبيرًا، وزيدًا وعائشة، وتزوّج أمّ الحكم بنت عُتْبة بن أبي وقّاص، وبنت أبي حَمْدان السّهْميّ، وتزوّج بَرزة بنت رِبْعيّ من بني عِذْرة ثمّ من بني رِزاح فولدت له: حسنًا، وحسينًا، وقال عبد الله بن أبي جَهْم: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يُحِبّ أُسامة بن زيد فلمّا بلغ وهو ابن أربع عشرة سنة تزوّج امرأة يقال لها زينب بنت حنظلة بن قُسامة فطلقها أّسامة فجعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "مَن أدُلّه على الوضيئة القَتِين وأنا صهره؟" فجعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ينظر إلى نُعيم بن عبد الله النحّام فقال نُعيم: كأنك تُريدني يا رسول الله، قال: "أجَلْ"، فتزوّجها فولدت له إبراهيم بن نُعيم فقُتل إبراهيم يوم الحرّة(*)، قال محمد: والقَتِين القليلة الأكل، قال محمد بن عمر: لم يبلغ أولاد أُسامة من الرجال والنساء في كلِّ دهرٍ أكثر من عشرين إنسانًا، وقالت فاطمة بنت قيس في حديثها الطويل في نفقة البائن وسكناها: فشرفني الله بأبي زيد، يعني أسامة بن زيد، وهي كنيته، أخرجه مُسْلِمٌ.
هاجر مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى المدينة، وقال ابن الأثير: قد ذكر ابن منده أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم أمَّرَ أسامة بن زيد على الجيش الذي سيره إلي مؤتة في علته التي توفي فيها، وهذا ليس بشيء؛ فإن النبي صَلَّى الله عليه وسلم استعمل على الجيش الَّذي سَارَ إلى مُؤْتَةَ أباه زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فقال: "إِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبي طَالِب، فَإِنْ أُصِيبَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَة"، وَأَمَّا أُسَامَةُ؛ فَإِنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جَيْشٍ وَأَمَّرَهُ أَنْ يَسِيَر إِلَى الشَّام أَيْضًَا، وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ المَرَضُ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى الله عليه وسلم أَوْصَى أَنْ يَسِيرَ جَيْشُ أُسَامَةَ فَسَارُوا بَعْدَ مَوْتِهِ صَلَّى الله عليه وسلم، وَلَيْسَتْ هَذِهِ غَزْوَةَ مُؤْتَةَ وَاللَّه أَعْلَمُأخرجه أحمد 5/ 300.
هو مولى رسول الله من أبويه، وكان رسول الله يُحِبّه حُبًّا شديدًا، وكان عنده كبعض أهله، قالت عائشة: عثر أسامة على عَتَبَة الباب، أو أسْكُفّةِ الباب فشجّ جَبْهَتهُ فقال: "يا عائشة أميطي عنه الدم"، فتقذّرتْه، قالت فجعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يَمُصّ شَجّتَه ويُمجّه ويقول: "لو كان أُسامة جاريةً لكسوتُه وحَلّيْتُه حتى أُنْفِقَهُ"(*)، وفي رواية أخرى بينما رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، جالس هو وعائشة وأُسامة عندهم إذ نظر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في وجه أُسامة فضحك ثمّ قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لو أنّ أسامة جارية لحَلّيْتُها وزيّنتُها حتى أُنْفِقَها"(*)، قال أسامة بن زيد: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يأخذني والحَسن يقول: "اللهمّ إني أحبّهما فأحبّهما"(*)، وقال أسامة بن زيد: كان نبيّ الله صَلَّى الله عليه وسلم، يأخذني فيُقعدني على فخذه ويُقْعِدُ الـحسن بن عليّ على فخذه الأخرى ثمّ يضمَنا ثمّ يقول: "اللهّم ارحمهما فإني أرْحَمُهما"(*)، قال قيس بن أبي حازم: أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، حين بلغه أنّ الراية صارت إلى خالد بن الوليد قال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، "فهَلا إلى رجل قُتِل أبوه"، يعني أسامة بن زيد(*)، قال قيس بن أبي حازم: قام أسامة بن زيد بعد مقتل أبيه بين يدي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فدمعت عيناه ثمّ جاء من الغد فقام مقامه بالأمس فقال له النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، "ألاقي منك اليوم ما لاقيتُ منك أمْس"(*)،
قال هشام بن عروة عن أبيه: أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أخّرَ الإفاضة من عرفة من أجل أسامة بن زيد ينتظره، فجاء غلام أفطس أسود فقال أهل اليمن: إنّما حُبِسْنا من أجل هذا، قال: فلذلك كفر أهل اليمن من أجل ذا(*). قال محمد بن سعد: قلتُ ليزيد بن هارون ما يعني بقوله كفر أهل اليمن من أجل هذا؟ فقال: ردّتهم حين ارتدّوا في زمن أبي بكر إنّما كانت لاستخفافهم بأمر النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، قال ابن عبّاس عن أُسامة بن زيد: أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أفاض من عَرَفَةَ وهو رديف النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يَكْبَحُ راحلتَه حتى إنّ ذِفْراها ليكاد يُصيب قادمةَ الرّحْل، وربّما قال حمّاد: لَيمسّ قادمةَ الرحل، ويقول: "يا أيّها الناس عليكم السكينة والوقار فإنّ البرّ ليس في إيضاع الإبل"(*)، قال ابن عبّاس: جاءنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ورديفه أُسامة بن زيد، فسقيناه من هذا النبيذ فشرب ثمّ قال: "أحْسَنْتُم فهكذا فاصنعوا"(*)، وقال ابن عمر: أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، دخل مكّة يوم الفتح، ورديفه أُسامة بن زيد فأناخ في ظلّ الكعبة، وقال ابن عمر: فسبقتُ الناس فدخلَ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وبلال وأسامة الكعبة فقلتُ لبلال وهو وراء الباب: أين صلّى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: بحيالك بين السارِيَتَين(*).
قال عبيد الله بن المغيرة: أنّ حَكيم بن حزام أهدى إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حُلّةً كانت لذي يَزَن، وهو يومئذٍ مشرك، اشتراها بخمسين دينارًا فقال رسول الله: "إنّا لا نقبل من مشرك ولكن إذ بعثتَ بها فنحن نأخذها بالثمن، بكَمْ أخَذْتَها؟" قال: بخمسين دينارًا، قال فقبضها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثمّ لبسها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وجلس على المنبر للجمعة، ثم نزل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكسا الحُلّة أسامة بن زيد(*).
قال عروة عن عائشة: أنّ قريشًا أهمّهم شأنُ المرأة التي سرقت فقالوا: مَن يكلّم فيها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حبّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ فكلّمه أُسامة فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لِم تشفع في حدّ من حدود الله؟" ثمّ قام النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فاختطب فقال: "إنمّا أهلك الذين من قبلكم أنّهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، وايمّ الله لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعتُ يدها!"(*).
قال زيد بن أسلم: أنّ عمر بن الخطّاب فضّل المهاجرين الأوّلين وأعطى أبناءهم دون ذلك، وفضّل أُسامة بن زيد على عبد الله بن عمر، فقال عبد الله بن عمر: فقال لي رجل: فضّل عليك أميرُ المؤمنين مَن ليس بأقدم منك سنًّا ولا أفضل منك هِجْرةً ولا شهد من المشاهد ما لم تَشْهَدْ، قال عبد الله: وكلّمْتُه فقلتُ يا أمير المؤمنين فضّلتَ عليّ مَن ليس هو بأقدم مني سنًّا ولا أفضل مني هجرة ولا شهد من المشاهد ما لم أشْهَدْ، قال: ومَن هو؟ قلتُ: أُسامة بن زيد، قال: صدقتَ لَعَمْرُ الله! فعلتُ ذلك لأنّ زيد بن حارثة كان أحبّ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من عمر، وأسامة بن زيد كان أحبّ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من عبد الله بن عمر فلذلك فعلتُ، قال عبد الله بن عمر: فرض عمر بن الخطّاب لأسامة بن زيد كما فرض للبدريّين أربعة آلاف، وفرض لي ثلاثة آلاف وخمسمائة.
قال محمد بن سيرين: بلغتِ النخلةُ على عهد عثمان بن عفّان ألف درهم، قال: فعمد أُسامة إلى نخلة فنقرها وأخرج جُمّارَها فأطعمها أُمّه، فقالوا له: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم؟ قال: إنّ أُمّي سألَتْنيه ولا تسألني شيئًا أقدر عليه إلا أعطيتُها، وقال يزيد بن الأصمّ: كان لميمونة قريبٌ فرأتْه وقد أرخَى إزاره بطنه فلاَمَتْه في ذلك ملامةً شديدةً فقال لها: إني قد رأيتُ أسامة بن زيد يُرْخي إزاره، قالت: كذبتَ ولكن كان ذا بطن فلعلّ إزاره كان يسترخي إلى أسفل بطنه، قال عمر بن الحكم بن ثَوْبان أنّ مولىً لقُدامة بن مظعون حدّثه أنّ مولى لأسامة بن زيد حدّثه قال: كان أُسامة يركب إلى مالٍ له بوادي القُرى فيصوم يوم الاثنين ويوم الخميس فقلتُ له: أتصوم في السفر وقد كَبُرْتَ ورققتَ! قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس وقال: "إنّ الأعمال تُعْرَضُ يوم الاثنين ويوم الخميس"(*).
قال عروة عن أسامة بن زيد: "أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم رَكِبَ على حمارٍ عليه قطيفةٌ، وأردف وراءه أسامةَ، وهو يعود سعدَ بْنَ عبادةَ، قبل وقْعة بَدْرٍ".(*)، واختلف في سنَّه يَوْمَ مات النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ فقيل: ابن عشرين سنة، وقيل: ابن تسع عشرة، وقيل: ابن ثماني عشرة، وكان عمر يجلّه ويكرم.
روى عن أسامة من الصحابة أبو هُريرة، وابن عباس، ومن كبار التابعين أبو عثمان النهدي، وأبو وائل، وآخرون؛ وفضائله كثيرة وأحاديثه شهيرة، قال محمّد بن عَقيل عن ابن أُسامة بن زيد عن أُسامة بن زيد قال: كساني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قِبْطِيّةً كثيفةً كانت ممّا أهدى دِحْيَةُ الكلبيّ فكسوتُها امرأتي فقال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ما لك لم تلبس القبطيّة؟" قال: قلتُ يا رسول الله كسوتُها امرأتي، قال فقال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "مُرها فَلْتَجْعَلْ تحتها غِلالةً، إني أخاف أن تَصِفَ حَجْمَ عِظامها"(*)
اعتزل أسامة الفتن بعد قتل عثمان إلى أن مات في أواخر خلافة معاوية، قال حَرْمَلَة مولى أُسامة، قال عمر: وقد رأيتُ حرملة قال: أرسلني أسامة إلى عليّ فقال: اقْرَأهُ السّلامَ وقُلْ له إنْك لو كُنْتَ في شِدْق الأسد لأحببتُ أن أدْخُلَ معك فيه ولكنّ هذا أمر لم أره، قال فأتيتُ عليًّا فلم يُعْطِني شيئًا، فأتيتُ الحسن وابن جعفر فأوقرا لي راحلتي.
لم يبايع عليًا، ولا شهد معه شيئًا من حروبه؛ وقال له: لو أدخلت يدك في فم تنين لأدخلت يدي معها، ولكنك قد سمعت ما قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين قتلت ذلك الرجل الذي شهد أن لا إله إلا الله وهو ما رواه محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه عن جده أسامة بن زيد قال: أدركته، يعني، كافرًا كان قتل في المسلمين في غزاة لهم، قال: "أدركته أنا ورجل من الأنصار، فلما شهرنا عليه السلاح قال: "أشهد أن لا إله إلا الله، فلم نبرح عنه حتى قتلناه، فلما قدمنا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أخبرناه خبره فقال: "يَا أُسَامَةُ، مَنْ لَكَ بِلَا إِله إِلَّا اللَّه؟" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًا مِنَ القَتْلِ، فَقَالََ: "مَنْ لَكَ يَا أُسَامَةُ بِلَا إِله إِلَّا اللَّه؟" فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ مَا زَالَ يُرَدِّدُهَا عَلَي حَتَّى وَدِدتُّ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ إِسْلَامي لَمْ يَكُنْ، وَأَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، فَقُلْتُ: "أَعْطَى اللَّه عَهْدًا أَنْ لَا أَقْتُلَ رَجُلًا يَقُولُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّه"(*)أخرجه بلفظ البخاري في التاريخ الكبير 1/ 25 والبيهقي في الدلائل 4/ 297، وبنحوه في الصحيح كما في الفتح كتاب الديات باب قول الله تعالى ومن أحياها 9/ 5/ 6872 ومسلم في الإيمان باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله، وأحمد 5/ 200 .
قال علي بن خشرم قلت لوكيع: مَنْ سلم من الفتنَة؟ قال: أما المعروفون من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فأربعة: سعد بن مالك، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، واختلط سائرهم، قال؛ ولم يَشْهد أمرَهم من التّابعين أربعة: الرّبيع بن خثيم، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبو عبد الرحمن السّلمي‏، وقال أبو عمر: أما أبو عبد الرحمن السّلمي فالصحيحُ عنه أنه كان مع عليَّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأَما مسروق فذكر عنه إبراهيم النخعيّ أَنه ما مات حتى تاب إلى الله تعالى من تخلّفه عَنْ عليّ ـــ كرم الله وجهه ـــ وصحَّ عن عبد الله بن عمر ـــ رضي الله عنهما ـــ من وجوه أنه قال: ما آسى على شيء كما آسى أني لم أقاتِلْ الفِئة الباغية مع عليّ رضي الله عنهما‏.
قال عروة عن أُسامة بن زيد: أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وجّهه وَجْهًا فقُبضَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قبل أن يتوجّه في ذلك الوجه واسْتُخْلِفَ أبو بكر، قال: فقال أبو بكر لأسامة: ما الذي عهد إليك رسول الله؟ قال: عهد إليّ أن أُغيرَ على أُبْنى صباحًا ثمّ أخْرِقَ(*)، قال ابن عمر: أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، بعث سريّةً فيهم أبو بكر وعمر فاستعمل عليهم أسامة بن زيد، وكان الناس طعنوا فيه، أي في صِغَره، فبلغ رسول صَلَّى الله عليه وسلم، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: "إنّ الناس قد طعنوا في إمارة أُسامة بن زيد وقد كانوا طعنوا في إمارة أبيه من قبله، وإنهما لخليقان لها، أو كانا خَليقَين لذلك، فإنّه لَمِن أحب الناس إليّ وكان أبوه من أحبّ الناس إليّ إلا فاطمةَ، فأوصيكم بأسامة خيرًا"(*)، قال حَنَش: سمعتُ أبي يقول: استعمل النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، أُسامة بن زيد وهو ابن ثماني عشرة سنة(*)، قال هشام بن عروة عن أبيه: أمّر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أسامة بن زيد وأمره أن يُغير على أُْبْني من ساحل البحر(*)، قال هشام: وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إذا أمّر الرجل أعلمه وندب الناس معه، قال فخرج معه سَرَواتُ الناس وخيارهم. قال: ومرض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فجعل يقول في مرضه: "أنْفذوا جيشَ أسامة، أنْفِذوا جيشَ أسامة"، قال: فسار حتى بلغ الجُرْف فأرسلت إليه امرأتُه فاطمة بنت قيس فقالت: لا تعجل فإنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثقيل، فلم يبرح حتى قُبِضَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلمّا قُبض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، رجع إلى أبي بكر فقال: إنّ رسول الله بعثني وأنا على غير حالكم هذه وأنا أتخوّف أن تكفر العرب فإن كفرت كانوا أوّلَ مَن يقاتَل وإن لم تكفر مضيت فإنّ معي سروات الناس وخيارهم، قال: فخطب أبو بكر الناسَ فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: والله لأن تَخْطَفَني الطير أحَبّ إليّ من أن أبدأ بشيء قَبْلَ أمر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال فبعثه أبو بكر إلى آبِل واستأذن لعمر أن يتركه عنده، قال فأذن أُسامة لعمر: قال فأمره أبو بكر أن يَجْزِرَ في القوم، قال هشام بقطع الأيدي والأرجل والأوساط في القتال حتى يُفْزِعَ القومَ، قال فمضى حتى أغار عليهم ثمّ أمرهم أن يعظّموا الجراحةَ حتى يُرْهبوهم، قال: ثمّ رجعوا وقد سَلموا وقد غنموا، قال: وكان عمر يقول: ما كنتُ لأجىءَ أحدًا بالإمارة غير أُسامة لأنَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قُبض وهو أمير، قال: فساروا فلمّا دنوا من الشأم أصابتهم ضبابة شديدة فسترهم الله بها حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم، قال: فقُدِمَ بنَعْي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على هرقل وإغارة أُسامة في ناحية أرضه خبرًا واحدًا فقالت الروم: مَا بَالَى هؤلاء بموت صاحبهم أن أغاروا على أرضنا، قال عروة: فما رُئي جيش كان أسلم من ذلك الجيش(*).
قال الحضرميّ رجل من أهل اليمامة قال: بلغني أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بعث أسامة بن زيد، وكان يحبّه ويحبّ أباه قبله، بعثه على جيشٍ وكان ذلك من أوّل ما جُرّبَ أسامة في قتالٍ فلقي فقاتل فذُكر منه بأس، قال أُسامة: فأتيت النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وقد أتاه البشير بالفتح فإذا هو متهلهل وَجْهه فأدناني منه ثمّ قال: حدّثني، فجعلتُ أحدّثه فقلتُ: فلمّا انهزم القوم أدركتُ رجلًا وأهْوَيْتُ إليه بالرمح فقال: لا إله إلا الله فطعنتُه فقتلته، فتغيّر وجه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقال: "ويحك يا أسامة، فكيف لك بلا إله إلّا الله؟ ويحك يا أسامة، فكيف لك بلا إله إلا الله؟" فلم يزل يردّدها علىّ حتى لوددتُ أني انسلختُ من كلّ عملٍ عملتُه واستقبلتُ الإسلام يومئذٍ جديدًا، فلا والله لا أقاتل أحدًا قال لا إله إلا الله بعدما سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم(*)، قال أسامة بن زيد: لا أقاتل رجلًا يقول لا إله إلا الله أبدًا، فقال سعد بن مالك: وأنا والله لا أقاتل رجلًا يقول لا إله إلا الله أبدًا فقال لهما رجل: ألم يقل الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [سورة البقرة: 193]؟ فقالا: قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله(*).
توفي آخر أيام معاوية سنة ثمان أو تسع وخمسين، وقيل: توفي سنة أربع وخمسين، قال أبو عمر: وهو عندي أصح، وكان قد سكن المِزة من عمل دمشق، ثم رجع فسكن وادي القرى، ثم نزل إلى المدينة فمات بها بالجَرْف، بعد قتل عثمان، وحمل إلي المدينة.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال