تسجيل الدخول

عداوة المنافقين وفضح الله لهم

لما كانت غزوة بنى المصطلق، وخرج فيها المنافقون مثلوا قوله تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة: 47] فقد وجدوا الفرصة للتحدث بالشر وإثارة الفتنة، فأثاروا الارتباك الشديد في صفوف المسلمين والدعاية الشنيعة ضد النبي صَلَّى الله عليه وسلم.
فمن ذلك قول المنافقين "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" وقصة ذلك أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الغزو كان مقيما على المريسيع، وورد الناس إلى الماء ليستقوا، ومع عمر بن الخطاب أجير له يقال له: جهجاه الغفاري، فازدحم هو وسنان بن وبر الجهني على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار. وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة"، وبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول وكان عنده رهط من قومه، فيهم غلام اسمه زيد بن أرقم، فغضب ابن أبي وقال: أوقد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول: سمِّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير دياركم، فأخبر زيد بن أرقم عمه بالخبر، فأخبر عمه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وعنده عمر، فقال عمر: مر عباد بن بشر فليقتله. فقال: "فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه؟ لا"، ولكن أذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها، فارتحل الناس، فلقيه أسيد بن حضير فحياه وقال: لقد رحت في ساعة منكرة؟ فقال له: أو ما بلغك ما قال صاحبك؟ يريد ابن أبي، فقال: وما قال؟. قال: زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال: فأنت يا رسول الله، تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله، ارفق به فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه يرى أنك استلبته مُلكا.
ثم مشى بالناس يومه ذلك حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض، فوقعوا نيامًا من التعب؛ وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث.
أما ابن أبي فلما علم أن زيد بن أرقم بلغ الخبر، جاء إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وحلف بالله ما قلت ما قال، ولا تكلمت به، وقال من حضر من الأنصار: يا رسول الله، عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل، فصدقه، قال زيد: فأصابني هم لم يصبني مثله قط فجلست في بيتي فأنزل الله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إلى قوله: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا} إلى: {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: 1 ــ 8] فأرسل إلي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقرأها علي، ثم قال: "إن الله قد صدقك".
وكان ابن هذا المنافق ــ وهو عبد الله بن عبد الله بن أبي ــ رجلًا صالحا من الصحابة الأخيار، فتبرأ من أبيه، ووقف له على باب المدينة، واستل سيفه، فلما جاء ابن أبي قال له: والله لا تجوز (أي لا تمر) من ههنا حتى يأذن لك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فإنه العزيز وأنت الذليل، فلما جاء النبي صَلَّى الله عليه وسلم أذن له، فخلى سبيله، وكان قد قال عبد الله بن عبد الله بن أبي: يا رسول الله إن أردت قتله فمرني بذلك، فأنا والله أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج أنه ما من رجل أبر بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس، فأقتله فأقتل رجلًا مؤمنًا بكافر فأدخل النار، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا".
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال