تسجيل الدخول


أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم

أُمُّ سَلَمَة زوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم:
اختلف في اسم أُم سلمة؛ فقيل: رملة، وليس بشيء، وقيل: هند، وهو الصّواب، وعليه جماعةٌ من العلماء، وهي مشهورة بكنيتها، وأمّها عَاتِكة بنت عامر بن ربيعة الكنانيَّة، من بني فراس، واسمُ أبيها حذيفة، وقيل: سهل، وقيل: سهيل، ويلقب زاد الراكب؛ لأنه كان أحد الأجواد؛ فكان إذا سافر لا يترك أحدًا يرافقه ومعه زاد، بل يكفي رفقته من الزَّاد، ويكنى أبا أمية، وروى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أنّ أم سلمة زوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أخبرته: أنّها لما قدمت المدينة أخبرتهم أنّها بنت أبي أُميّة بن المغيرة، فكذّبوها، ويقولون: ما أكذب الغرائب! حتى أنشأ ناس منهم للحجّ، فقالوا: أتكتبين إلى أهلك؟ فكتبت معهم، فرجعوا إلى المدينة، فصدّقوها، وازدادت عليهم كرامة. وكانت أم سلمة زوج ابن عمها أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن المغيرة، فمات عنها، وهاجر بها إلى أرض الحبشة في الهجرتين جميعًا.
قال ابن إسحاق: كانت أم سلمة ممن أسلم قديمًا هي وزوجها وهاجرا إلى الحبشة، فولدت له: سلمة، ثم قدما مكَّة وهاجرا إلى المدينة، فولدت له: عمر، ودرة، وزينب، وفي رواية يونس بن بكير، وغيره، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة، أنها قالت: لما أجْمع أبو سلمة الخروجَ إلى المدينة رحل بعيرًا له وحملني وحمل معي ابني سلمة، ثم خرج يقود بعيره، فلما رآه رجالُ بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه عَلَامَ نتركك تسير بها في البلاد؟ ونزعوا خِطَام البعير من يده، وأخذوني، فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد وأهووا إلى سلمة، وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها مِنْ صاحبنا، فتجاذَبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد وَرَهْط أبي سلمة، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة، ففرّقَ بيني، وبين زوجي، وابني، فكنت أخرج كلَّ غداةٍ، وأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي سبعًا أو قريبها حتى مرَّ بي رجل من بني عمي، فرأى ما في وجهي؛ فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون من هذه المسكينة؟ فَرَّقْتُم بينها، وبين زوجها، وبين ابنها! فقالوا: الحقي بزوجك إن شئت، وردّ عليّ بنو عبد الأسد عند ذلك ابني، فرحّلتُ بعيري، وَوَضَعْتُ ابني في حجري، ثم خرجتُ أريدُ زوجي بالمدينة، وما معي أحد مِنْ خلق الله، فكنت أبلّغ من لقيت، حتى إذا كنت بالتَّنعيم لقيتُ عثمان بن طلحة أخَا بني عبد الدَّار، فقال: أين يا بنت أبي أميَّة؟ قلت: أريد زوجي بالمدينة، فقال: هل معك أحد؟ فقلت: لا والله إلا الله وابني هذا، فقال: والله ما لك مِنْ مترك! فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يقودني؛ فوالله ما صحبتُ رجلًا من العرب أراه كان أكرم منه إذا نزل المنزل أناخ بي ثم تنحَّى إلى شَجَرةٍ فاضطجع تحتها، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاح قَامَ إِلَى بَعِيري قدّمَه ورحله، ثم استأخر عني، وقال: اركبي، فإذ ركبتُ واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى نزلت، فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بين المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقُبَاء قال: إن زوجك في هذه القرية، وكان أبو سلمة نازلًا بها، وقيل: إنها أوَّل امرأة خرجت مهاجرةً إلى الحبشة، وأول ظعينة دخلت المدينة، ويقال: إن ليلى امرأة عامر بن ربيعة شركتها في هذه الأوليّة.
قال عمر بن أبي سَلَمَة: خرج أَبِي إلى أُحُد، فرماه أبو سلّمة الجُشَمِيّ في عضده بسهم، فمكث شهرًا يداوي جرحه ثمّ برئ الجرح، وبعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أبي إلى قَطَن في المحرّم على رأس خمسة وثلاثين شهرًا، فغاب تسعًا وعشرين ليلةً ثم رجع، فدخل المدينة لثمانٍ خلون من صفر سنة أربع، والجرح منتقض، فمات منه لثمانٍ خلون من جمادى الآخرة سنة أربع من الهجرة، فاعتدّت أمي، وحلّت لعشر بقين من شوّال سنة أربعٍ، فتزوّجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في ليالٍ بقين من شوّال سنة أربعٍ، وتوفيت في ذي القعدة سنة تسعٍ وخمسين(*)، وقيل: تزوجها النّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في جمادى الآخرة سنة أربع، وقيل: سنة ثلاث، وروت أمّ سلمة أن أبا سلمة حدّثها: أنّه سمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يصاب بمصيبة فيفزع إلى ما أمره الله به من قول: إنّا لله وإّنا إليه راجعون، اللهمّ آجرني في مصيبتي هذه، وعَوّضني منها خيرًا منها إلا آجره في مصيبته، وكان قمنًا أن يعوّضه الله منها خيرًا منها" قالت: فلمّا هلك أبو سلّمة ذكرت الذي حدّثني عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهمّ آجرني في مصيبتي وعُضني منها خيرًا منها، ثم قلت: أنى أُعاض خيرًا من أبي سلمة؟ قالت: فقد عاضني خيرًا من أبي سلّمة وأنا أرجو أن يكون الله قد آجرني في مصيبتي(*)، ورُوِي عن زياد بن أبي مريم قال: قالت أمّ سلمة لأبي سلمة: بلغني أنّه ليس امرأةٌ يموت زوجُها وهو من أهل الجنّة وهي من أهل الجنّة ثمّ لم تزوّج بعده، إلا جمع الله بينهما في الجنّة، وكذلك إذا ماتت المرأة وبقي الرجل بعدها، فتعال أعاهدْك أَلاَّ تَزَوّج بعدي، ولا أتزوّج بعدك، قال أتطيعيني؟ قلت: ما استأمرتك إلا وأنا أريد أن أطيعك، قال: فإذا مِتُ فتزوّجي، ثمّ قال: اللهمّ ارزق أمّ سلمة بعدي رجلًا خيرًا مني لا يحزنها ولا يؤذيها، قالت: فلمّا مات أبو سلّمة قلت: من هذا الفتى الذي هو خير لي مِنْ أبي سَلَمَة؟ فلبثت ما لبثت ثمّ جاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقام على الباب فذكر الِخطْبَة إلى ابن أخيها أو إلى ابنها وإلى وليّها، فقالت أمّ سلّمة: أردّ على رسول الله أو أتقدّم عليه بعيالي، قلت: ثمّ جاء الغد فذكر الخطبة فقلت مثل ذلك، ثم قالت لوليّها: إن عاد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فزوّجْ، فعاد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فتزوّجها(*)، وفي رواية عن أمِّ سَلَمَة قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إذا حُضِرتُم فقولوا خيرًا فإنّ الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون"، فلمّا مات أبو سلمة أتيت النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إنّ أبا سلّمة قد مات فكيف أقول؟ قال: "قولي: اللهمّ اغفر لي وله واعقبني منه" قال أبو معاوية: عُقبى حسنة، وقال عبيد الله: عقبى صالحة. قالت: قلت: فأعقبني الله خيرًا منه؛ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم(*)، وروى ضمرة بن حبيب أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم دخل على أمّ سلمة يعزّيها بأبي سلمة، فقال: "اللهمّ عزّ حزنها، واجبر مصيبتها، وأبدلها بها خيرًا منها" قال: فعزّى الله حزنها، وجبر مصيبتها، وأبدلها خيرًا منها، وتزوّجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم(*)، وفي رواية: فلمّا انقضت عدّتها خطبها أبو بكر فردّته، ثمّ خطبها عمر فردّته، فبعث إليها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقالت: مرحبًا برسول الله، وبرسوله، أخْبِرْ رسول الله أني امرأة غَيْرَى، وأني مُصْبِيَة، وأنّه ليس أحد من أوليائي شاهد، فبعث إليها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أمّا قولك: إني مُصْبِيَة، فإنّ الله سيكفيك صبيانك، وأمّا قولك: إني غَيْرَى، فسأدعو الله أن يذهب غيرتك، وأمّا الأولياء، فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضاني" قالت: يا عمر، قم فزوّجْ رسول الله. قال رسول الله: "أما إني لا أنقصك ممّا أعطيت أختك فلانة؛ رحيين، وجرّتين، ووسادة من أدم حشوها ليف"، وكان رسول الله يأتيها فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها في حجرها لترضعها، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حييًا كريمًا يستحيي فيرجع، فعل ذلك مرارًا، ففطن عمّار بن ياسر لما تصنع، فأقبل ذات يوم، وجاء عمّار ـــ وكان أخاها لأمّها ـــ فدخل عليها فانتشطها من حجرها وقال: دعي هذه المقبوحة المشقوحة التي آذيت بها رسول الله، فذهب بها فاسترضعها بقُباء، فدخل فجعل يقلّب بصره في البيت يقول: "أين زُناب؟ ما فعلت زناب؟" قالت: جاء عمار فذهب بها، فبنى رسول الله بأهله، وفي رواية: قالت امرأة مع أمّ سلمة قاعدة، فأخبرته أنّ عمّارًا ذهب بها فاسترضعها. قال: "فإنّا قاسمون غدًا"، وفي رواية: فقال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "إني آتيكم الليلة"، وفي رواية: قالت أمّ سلمة: لما انقضت عدّتي من أبي سلّمة أتاني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكلَّمني بيني وبينه حجاب، فخطب إليّ نفسي، فقلت: أي رسول الله وما تريد إلي، ما أقول هذا إلا رغبة لك عن نفسي، إني امرأة قد أدبر مني سني، وإني أمّ أيتام، وأنا امرأة شديدة الغيرة وأنت يا رسول الله تجمع النساء، فقال رسول الله: "فلا يمنعك ذلك، أمّا ما ذكرت من غيرتك فيذهبها الله، وأمّا ما ذكرت من سنّك فأنا أكبر منك سنًّا، وأما ما ذكرت من أيتامك فعلى الله وعلى رسوله"، فأذنتُ له في نفسي فتزوّجني، فلمّا كانت ليلة واعدنا البناء قمت من النهار إلى رحاي، وثفالي، فوضعتهما، وقمت إلى فضلة شعير لأهلي فطحنتها، وفضلة من شحم فعصدتها لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلمّا أتانا رسول الله قُدم إليه الطعام فأصاب منه، وبات تلك الليلة، فلمّا أصبح قال: "قد أصبح بك على أهلك كرامة، ولك عندهم منزلة، فإن أحببت أن تكون ليلتك هذه ويومك هذا كان، وإن أحببت أن أسبّع لك سبّعت، وإن سبّعت لك سبّعت لصواحبك" قالت: يا رسول الله افعل ما أحببت، وفي رواية: قال: "يا أمّ سلمة إنّ بك على أهلك كرامة، وإني إن سبّعت لك، وإني لم أسبّع لامرأة لي قبلك، وإن سبّعت لك سبّعت لهنّ"، وفي رواية زيادة: "وإن شئت ثلاثًا عندك ودرت"، قالت: ثلاثًا، وروى شعبة عن الحكم قال: لمّا تزوّج رسول الله أمّ سلمة أقام عندها ثلاثًا وقال: "إن شئت سبّعت لك وإن سبّعت لك سَبّعتُ لسائر نسائي"(*) قال: قلت للحكم: ِممّنْ سمعت هذا؟ قال: هذا حديث عند أهل الحجاز معروف، وفي رواية: ثمّ قال رسول الله: "ثلاث للثيّب، وسبع للبكر".(*)، ورُوِي عن أبي جعفر محمد بن عليّ أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم دخل على أمّ سلمة حين توفّي أبو سلمة، فذكر ما أعطاه الله، وما قسم له، وما فضّله، فما زال يذكر ذلك، ويتحامل على يده حتى أثّر الحصير في يده ممّا يحدّثها(*)، وفي رواية: قالت أم سلمة: فتزوّجني رسول الله، فانتقلني، فأدخلني بيت زينب بنت خُزيمة أمّ المساكين بعد أن ماتت، فإذا جرّة، فاطّلعت فيها، فإذا فيها شيء من شعير، وإذا رَحى، وبُرمة، وقِدْر، فنظرت فإذا فيها كعب من إهالة، قالت: فأخذت ذلك الشعير، فطحنته ثمّ عصدته في البرمة، وأخذت الكعب من الإهالة فأدّمته به، قالت: فكان ذلك طعام رسول الله وطعام أهله ليلة عُرْسه(*)، ورُوِي عن هند بنت الحارث الفراسيّة قالت: قال رسول الله: "إنّ لعائشة منّي شعبة ما نزلها مني أحد"، فلمّا تزوّج أمّ سلمة سُئل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ فقيل: يا رسول الله، ما فعلت الشعبة؟ فسكت رسول الله، فَعُرِفَ أنّ أمّ سلمة قد نزلت عنده(*)، ورُوِي عن عائشة قالت: لما تزوّج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أمّ سَلَمة حَزِنْتُ حزنًا شديدًا، لما ذكروا لنا من جمالها، قالت: فَتَلَطَّفْتُ لها حتى رأيتُها، فرأيتها والله أضعاف ما وُصِفَتْ لي في الحُسْن والجمال. قالت: فذكرت ذلك لحفصة ـــ وكانتا يدًا واحدة ـــ فقالت: لا والله إنْ هذه إلاّ الغَيرة، ما هي كما يقولون، فتلطّفَت لها حفصة حتى رأتها فقالت: قد رأيتها ولا والله ما هي كما تقولين ولا قريب وإنّها لجميلة. قالت: فرأيتها بعدُ فكانت لعمري كما قالت حفصة ولكني كنتُ غَيْرَى، وروى أبو بكر بن الحارث بن هشام المخزومي عن أبيه: أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم تزوّج أمّ سلمة في شوّال، وجمعها إليه في شوّال(*)، ورُوِي عن أمّ كلثوم قالت: لما تزوّج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أمَّ سَلَمَة قال لها: "إني قد أَهْدَيْتُ إلى النَّجَاشي أوَاقِيَّ من مِسْك وحُلَّة، وإني لا أراه إلا قد مات، ولا أرى الهديّة التي أهديت إليه إلاّ سَتُرَدُّ إليّ، فإذا رُدّت إليّ فهي لك"، فكان كما قال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم؛ مات النجاشي، وردّت إليه هديّته، فأعطى كلّ امرأة من نسائه أوقيّة من مِسك، وأعطى سائره أمّ سَلَمة وأعطاها الحُلَّة(*)، وروى هشام بن عروة عن أبيه: أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أمر أمّ سلمة أن تصلّي الصبح بمكّة يوم النحر، وكان يومها، فأحبّ أن توافقه(*)، ورُوِي عن عبد الرحمن بن الحارث قال: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ومعه في ذلك السفر صفيّة بنت حُيَيّ، وأمّ سلمة، فأقبل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى هَودج صفيّة بنت حيي وهو يظنّ أنّه هودج أمّ سلمة، وكان ذلك اليوم يوم أمّ سلمة، فجعل رسول الله يتحدّث مع صفيّة، فغارت أمّ سلمة، وعَلِمَ رسول الله بعدُ أنّها صفيّة، فجاء إلى أمّ سلمة، فقالت: تتحدّث مع ابنة اليهوديّ في يومي وأنت رسول الله؟ قالت: ثمّ ندمت على تلك المقالة، فكانت تستغفر منها، قالت: يا رسول الله، استغفر لي فإنّما حملني على هذا الغيرة(*)
ورُوِي عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه، قال: شهدت أم سلمة غَزْوَة خَيْبَرَ، فقالت: سمعت وقع السّيف في أسنان مرحب. وكانت أم سلمة موصوفة بالجمال البارع، والعقل البالغ، والرأي الصَّائب، وإشارتها على النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يوم الحديبية تدلُّ على وفور عقلها وصواب رأيها، وقال محمد بن عمر: أطعمَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أمّ سلمة بخيبر ثمانين وسقًا تمرًا، وعشرين وسقًا شعيرًا، أو قال: قمح، ورُوِي عن أم الحسين: أنها كانت عند أم سلمة رضي الله عنها، فأتى مساكين، فجعلوا يلحُّون، وفيهم نساء، فقلت: اخرجوا ـــ أو: اخرجن ـــ فقالت أم سلمة: ما بهذا أُمِرنا يا جارية، ردّي كلَّ واحدة ولو بتمرة تضعيها في يَدِها، ورُوِي عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب/ 33] قالت: فأرسل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى فاطمة، وعلي، والحسن، والحسين، فقال: "هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي" قالت: فقلت: يا رسول الله أنا من أهل البيت؟ قال: "بَلَى، إِنْ شَاءَ الله"(*).
روت عن النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وعن أبي سلمة، وفاطمة الزَّهراء، وروى عنها: ابناها: عمر، وزينب، وأخوها عامر، وابن أخيها مصعب بن عبد الله، ومكاتبها نَبْهان، ومواليها: عبد الله بن رافع، ونافع، وسفينة، وابنه، وأبو كثير، وخيرة والدة الحسن، وممن يعد في الصَّحابة: صفيَّة بنت شيبة، وهند بنت الحارث الفراسية، وقبيصة بنت ذؤيب، وعبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام، ومن كبار التّابعين: أبو عثمان، النَّهدي، وأبو وائل، وسعيد بن المسيَّب، وأبو سلمة، وحُميد؛ ولدا عبد الرَّحمن بن عوف، وعروة، وأبو بكر بن عبد الرَّحمن، وسليمان بن يسار، وآخرون، وتُوفيت أم سلمة في أول خلافة يزيد بن معاوية سنة ستين، وقيل: إنها تُوفيت في شهر رمضان سنة تسع وخمسين، وصلَّى عليها أبو هريرة، وقد قيل: إن الذي صلّى عليها سعيد بن زيد، ورُوِي عن محارب بن دِثَار؛ قال: لما تُوفيت أم سلمة أَوْصَت أن يُصَلّي عليها سعيد بن زيد، وكان أمير المدينة يومئذ مروان، وقال الحسن بن عثمان: بل كان الوالي يومئذ الوليد بن عتبة، ودخل قبرها عمر، وسلمة ابنا أَبي سلمة، وعبد الله بن عبد الله بن أبي أُمية، وعبد الله بن وهب بن زَمَعَة، ودُفِنت بالبَقِيع رضي الله عنها، وقال ابن حبَّان: ماتت في آخر سنة إحدى وستين بعدما جاءها نعي الحسين بن علي، وقال الوَاقِدِيُّ: ماتت في شوال سنة تسع وخمسين، وقال أبو نعيم: ماتت سنة اثنتين وستين، وهي من آخر أمهات المؤمنين موتًا؛ قال ابن حجر العسقلاني: بل هي آخرهنّ موتًا؛ فقد ثبت في "صحيح مسلم": أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعبد الله بن صفوان دخلا على أم سلمة في خلافة يزيد بن معاوية، فسألا عن الجيش الذي يُخْسف به، وكان ذلك حين جهَّز يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة بعسكر الشَّام إلى المدينة، فكانت وقعة الحرَّة سنة ثلاث وستين، وهذا كله يدفع قول الواقديّ، وكذلك ما حكى ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: أنَّ أم سلمة أوصت أن يصلِّي عليها سعيد بن زيد، فإن سعيدًا مات سنة خمسين، أو سنة إحدى، أو اثنتين، فيلزم منه أن تكون ماتت قبل ذلك، وليس كذلك اتفاقًا، ويمكن تأويله بأنها مرضت فأوصتْ بذلك، ثم عوفيت، فمات سعيد قبلها، والله أعلم.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال