تسجيل الدخول


صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة بن...

صُهَيْب بن سنان الرُّومي، وقيل اسمه: عبد الملك بن سِنَان بن مالك، ونسب الرومي لأنه أخذ لسانَ الرَّوم إذ سَبَوْه وهو صغير، ويكنى أبا يحيى، وكان أبوه وعمه على الأبُلّة من جهة كسرى، وكانت منازلهم بأرض المَوْصِل، ويقال كانوا في قرية على شطّ الفرات ممّا يلي الجزيرة، والموصل فأغارت الروم على تلك النّاحية فسبَتْ صُهيبًا وهو غُلام صغير. وكان صُهيب رجلًا أحمر شديد الحمرة، ليس بالطويل، ولا بالقصير، وهو إلى القصر أقرب، وكان كثير شعر الرأس، وكان يخضب بالحنّاء، يقول عمار بن ياسر: لقيت صُهيب بن سنان على باب دار الأرقم ورسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم فيها، فقلت له: ما تريد؟ فقال لي: ما تريد أنت؟ فقلت: أردْت الدّخولَ إلى محمد صَلَّى الله عليه وسلم فأسمع كلامه، قال: فأنا أريد ذلك، قال: فدخلنا عليه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا حتى أمسينا، ثم خرجنا مستخفين، فكان إسلامُ عمار وصُهيب بعد بضعة وثلاثين رجلًا. كان أَول من أَظهر إِسلامه سَبْعة: النبي صَلَّى الله عليه وسلم وأَبو بكر، وبلال، وصُهَيب، وخَبَّاب، وعَمَار بن ياسر، وسُمَيّة أُم عَمّار، رضي الله عنهم أَجمعين، فأَما النبي صَلَّى الله عليه وسلم فمنعه الله، وأَما أَبُو بكر فمنعه قومه، وأَما الآخرون فَأُخِذوا وأُلْبِسُوا أَذْرَاع الحديد، ثم أُصْهِروا في الشمس. وكان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول، وكذا صُهيب، وأبو فائد، وعامر بن فُهيرة وقوم، وفيهم نزلت هذه الآية: }ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا { [النحل: الاية 110]. لما خرج مهاجرًا نحو المدينة اتّبعه نفرٌ من قريش فنزل عن راحلته وانْتَثَلَ ما في كِنانته ثمّ قال: يا معشرَ قريش لقد عَلِمْتُم أني مِنْ أرْماكم رجلًا، وايْمُ الله لا تَصِلون إليّ حتّى أرْميَ بكلّ سهم معي في كنانتي ثمّ أضْرِبَكُم بسيفي ما بَقيَ في يدي منه شيءٌ، فافعلوا ما شئْتُم، فإنْ شِئتُم دَلَلتُكم على مالي وخلّيتُم سبيلي، قالوا: نعم، ففعل، قال صهيب: فاشتريتُ نفسي وأهلي بمالي، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "رَبِحَ البَيْعُ أبا يحيَى، ربَحِ َالبَيْعُ"، فأنزل الله: }وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ{ [سورة البقرة: 207]. وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "السُّبَّاقُ أَرْبَعَةٌ، أَنَا سَابِقُ الْعَرَبِ، وَصُهَيْبٌ سَابِقُ الْرُّوْمِ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ فَارِسٍ وَبِلَالٌ سَابِقُ الْحَبَشِ" . ورُوِي أن صُهيبٌ قدم على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو بقباءَ ومعه أبو بكر وعمر وبين أيديهم رُطَبٌ قد جاءَهم به كلثوم بن الهِدْم أُمّهاتُ جراذين، وصُهيب قد رَمِدَ بالطريق وأصابته مَجاعةٌ شديدة، فوقع في الرطب فقال عمر: يا رسول الله ألا ترى إلى صُهيب يأكل الرطب وهو رَمِدٌ؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "تأكُلُ الرّطَبَ وأنْتَ رَمِدٌ؟" فقال صُهيب: وإنّما آكُلُه بشِقّ عَيْني الصحيحة، فتبسّم رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم. يقول صهيب رضي الله عنه: لم يشهد رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم مشهدًا قط إلا كنْتُ حاضره، ولم يبايع بيعةً قط إلا كنْتُ حاضرها، ولم يسر سرِيَّة قط إلا كنْتُ حاضرها، ولا غَزا غزاة إلا كنتُ فيها عن يمينه أو شماله، وما خافوا أمامهم قط إلا كنتُ أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم بيني وبين العدو قط، حتى تُوَفِّي. وروي أنّ أبا سفيان مَرَّ على سلمان، وصُهيب، وبلال، فقالوا: ما أخذت السّيوفُ من عُنق عدوّ الله مأخذَها؟ فقال لهم أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدها؟ ثم أتى النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قالوا، فقال: "يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهم، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُم، لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ" ‏ فرجع رضي الله عنه إليهم فقال: يا إخواني، لعلي أغضبتكم‏، فقالوا: يا أَبا بكر يغفر الله لك. وروي أن عمر بن الخطّاب قال: يا صُهيب ما لك تُكنى أبا يحيَى وليس لك ولدٌ، وتقول إنّك من العرب وأنت رجل من الروم، وتُطْعِمُ الطعامَ الكثير وذلك سَرَفٌ في المال؟ فقال صُهيب: إنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كناني أبا يحيَى، وأمّا قولك في النّسب وادّعائي إلى العرب فإني رجل من النمر بن قاسط من أهل الموصل ولكن سُبِيتُ، سَبَتْني الرومُ غلامًا صغيرًا بعد أن عَقَلْتُ أهلي وقومي وعرفتُ نسبي، وأمّا قولك في الطعام وإسرافي فيه فإنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان يقول: "إنّ خِيارَكُمْ مَنْ أطْعَمَ الطَّعامَ ورَدّ السلامَ"، فذلك الذي يحملني على أن أطْعِمَ الطّعام. وفاته: وتوفي ُصهيب رضي الله عنه في شوّال سنة ثمانٍ وثلاثين وهو ابن سبعين سنة، وقيل: سنة تسع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة بالمدينة، ودفن بالبقيع.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال