تسجيل الدخول


صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة بن...

صُهَيْب بن سنان الرُّومي:
وقيل اسمه: عبد الملك بن سِنَان بن مالك، وقيل: ابن سنان بن خالد الرَّبَعِيّ النَّمَرِيّ، ونسب الرومي لأنه أخذ لسانَ الرَّوم إذ سَبَوْه وهو صغير، ونقل الوزير أبو القاسم المغربيّ أنه كان اسمه عميرة فسمّاه الرّوم صُهَيبًا، ويكنى أبا يحيى، وكانت أخته أميمة تنشده في المواسم، وكذلك عماه: لبِيد، وزحر ابنا مالك، وهو ابنُ عم حُمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، وحُمران أيضًا ممن لحقه السّباء من سبي عَيْن التمر، وأخوه مالك بن سنان، وأمّه سلمى بنت قَعيد بن مَهيض، وقال ابْنُ سَعْدٍ: وكان أبوه وعمه على الأبُلّة من جهة كسرى، وكانت منازلهم بأرض المَوْصِل، ويقال كانوا في قرية على شطّ الفرات ممّا يلي الجزيرة، والموصل فأغارت الروم على تلك النّاحية فسبَتْ صُهيبًا وهو غُلام صغير، فقال عمّه:
أنشد بالله الغلام النمريْ دج به الروم وأهلي بالنبيْ
والنبي اسم القرية التي كان أهله بها، فابتاعته كلب منهم ثمّ قدمت به مكّة فاشتراه عبد الله بن جُدْعان التّيميّ منهم فأعتقه فأقام معه بمكّة إلى أن هلك عبد الله بن جُدْعان، وبُعثَ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم لمّا أراد الله به من الكرامة، ومَنّ به عليه من الإسلام، وأمّا أهل صُهيب وولده فيقولون بل هَرَبَ من الرّوم حين بلغ وعَقَلَ فقدم مكّة فحالف عبد الله بن جُدْعان وأقام معه إلى أن هلك.
وكان صُهيب رجلًا أحمر شديد الحمرة، ليس بالطويل، ولا بالقصير، وهو إلى القصر أقرب، وكان كثير شعر الرأس، وكان يخضب بالحنّاء، وروى عبد الله بن أبي عبيدة عن أبيه قال: قال عمار بن ياسر: لقيت صُهيب بن سنان على باب دار الأرقم ورسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم فيها، فقلت له: ما تريد؟ فقال لي: ما تريد أنت؟ فقلت: أردْت الدّخولَ إلى محمد صَلَّى الله عليه وسلم فأسمع كلامه، قال: فأنا أريد ذلك، قال: فدخلنا عليه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا حتى أمسينا، ثم خرجنا مستخفين، فكان إسلامُ عمار وصُهيب بعد بضعة وثلاثين رجلًا، ورُوِي أن صُهيبٌ قدم على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو بقباءَ ومعه أبو بكر وعمر وبين أيديهم رُطَبٌ قد جاءَهم به كلثوم بن الهِدْم أُمّهاتُ جراذين، وصُهيب قد رَمِدَ بالطريق وأصابته مَجاعةٌ شديدة، فوقع في الرطب فقال عمر: يا رسول الله ألا ترى إلى صُهيب يأكل الرطب وهو رَمِدٌ؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "تأكُلُ الرّطَبَ وأنْتَ رَمِدٌ؟" فقال صُهيب: وإنّما آكُلُه بشِقّ عَيْني الصحيحة، فتبسّم رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم وجعل صُهيب يقول لأبي بكر: وَعَدْتَني أن نَصْطَحِبَ فخرَجتَ وتركتَني، ويقول: وعدتَني يا رسول الله أن تصاحبني فانطلقتَ وتركتني فأخَذَتْني قريشٌ فحبسوني، وذلك أنه لما أقبل مهاجرًا نحو المدينة اتّبعه نفرٌ من قريش فنزل عن راحلته وانْتَثَلَ ما في كِنانته ثمّ قال: يا معشرَ قريش لقد عَلِمْتُم أني مِنْ أرْماكم رجلًا، وايْمُ الله لا تَصِلون إليّ حتّى أرْميَ بكلّ سهم معي في كنانتي ثمّ أضْرِبَكُم بسيفي ما بَقيَ في يدي منه شيءٌ، فافعلوا ما شئْتُم، فإنْ شِئتُم دَلَلتُكم على مالي وخلّيتُم سبيلي، قالوا: نعم، ففعل، قال صهيب: فاشتريتُ نفسي وأهلي بمالي، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "رَبِحَ البَيْعُ أبا يحيَى، ربَحِ َالبَيْعُ"، فأنزل الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [سورة البقرة: 207]. وقال صُهيب: يا رسول الله ما تزوّدتُ إلاّ مُدًّا من دقيق عَجَنْتُه بالأبواء حتّى قدمتُ عليك، وقال عمر بن الحكم: كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول، وكذا صُهيب، وأبو فائد، وعامر بن فُهيرة وقوم، وفيهم نزلت هذه الآية: {ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} [النحل: الاية 110]. وقال محمّد بن عُمارة بن خُزيمة بن ثابت: قدِمَ آخرَ النّاس في الهجرة إلى المدينة عليّ، وصُهيب بن سِنان، وذلك للنصف من شهر ربيع الأوّل ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بقُباءَ لم يَرِمْ بعد(*). وقال عاصم بن عمر بن قتادة: لمّا هاجر صُهيب من مكّة إلى المدينة نزل على سعد بن خَيْثَمَة، ونزل العُزّابُ من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على سعد بن خَيْثَمَة.
وروى الْحَميديُّ، والطبَرَانِيُّ من حديث صُهيب من طريق آل بيته عنه، قال: لم يشهد رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم مشهدًا قط إلا كنْتُ حاضره، ولم يبايع بيعةً قط إلا كنْتُ حاضرها، ولم يسر سرِيَّة قط إلا كنْتُ حاضرها، ولا غَزا غزاة إلا كنتُ فيها عن يمينه أو شماله، وما خافوا أمامهم قط إلا كنتُ أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم بيني وبين العدو قط، حتى تُوَفِّي(*). وروى ثابت عن أَنس: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "السُّبَّاقُ أَرْبَعَةٌ، أَنَا سَابِقُ الْعَرَبِ، وَصُهَيْبٌ سَابِقُ الْرُّوْمِ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ فَارِسٍ وَبِلَالٌ سَابِقُ الْحَبَشِ" (*)أخرجه الحاكم في مستدركه 3 / 284، والطبراني في الكبير 8 / 34 وأبو نعيم في الحلية 1 / 185 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 305، والمتقي الهندي في كنز العمال 31909 . وقال مجاهد: أَول من أَظهر إِسلامه سَبْعة: النبي صَلَّى الله عليه وسلم وأَبو بكر، وبلال، وصُهَيب، وخَبَّاب، وعَمَار بن ياسر، وسُمَيّة أُم عَمّار، رضي الله عنهم أَجمعين، فأَما النبي صَلَّى الله عليه وسلم فمنعه الله، وأَما أَبُو بكر فمنعه قومه، وأَما الآخرون فَأُخِذوا وأُلْبِسُوا أَذْرَاع الحديد، ثم أُصْهِروا في الشمس.
ويُعَدُّ صهيب في المدنيين‏، وروى عائذ ابن عمرو أنّ أبا سفيان مَرَّ على سلمان، وصُهيب، وبلال، فقالوا: ما أخذت السّيوفُ من عُنق عدوّ الله مأخذَها؟ فقال لهم أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدها؟ ثم أتى النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قالوا، فقال: "يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهم، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُم، لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ"أخرجه أحمد في المسند 5/64، وأبو نعيم في الحلية 1/246. فرجع رضي الله عنه إليهم فقال: يا إخواني، لعلي أغضبتكم‏، فقالوا: يا أَبا بكر يغفر الله لك.(*) وفضائلُ صهيب، وسلمان، وبلال، وعمّار، وخَبّاب، والمقداد، وأَبي ذرّ، لا يحيط بها كتاب، وقد عاتب اللَّهُ تعالى نبيَّه فيهم في آياتٍ من الكتاب، وقال سليمان بن أبي عبد الله: كان صُهيب يقول: هَلُمّوا نُحَدّثكم عن مغازينا فأمّا أن أقولَ: قال رسول الله، فلا.
وروى حمزة بن صُهيب عن أبيه أنه كان يُكنى أبا يحيَى ويقول إنّه من العرب ويُطْعِمُ الطعامَ الكثيرَ، فقال له عمر بن الخطّاب: يا صُهيب ما لك تُكنى أبا يحيَى وليس لك ولدٌ، وتقول إنّك من العرب وأنت رجل من الروم، وتُطْعِمُ الطعامَ الكثير وذلك سَرَفٌ في المال؟ فقال صُهيب: إنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كناني أبا يحيَى، وأمّا قولك في النّسب وادّعائي إلى العرب فإني رجل من النمر بن قاسط من أهل الموصل ولكن سُبِيتُ، سَبَتْني الرومُ غلامًا صغيرًا بعد أن عَقَلْتُ أهلي وقومي وعرفتُ نسبي، وأمّا قولك في الطعام وإسرافي فيه فإنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان يقول: "إنّ خِيارَكُمْ مَنْ أطْعَمَ الطَّعامَ ورَدّ السلامَ"، فذلك الذي يحملني على أن أطْعِمَ الطّعام.(*). وروى عنه من الصّحابة عبد الله بن عمر، ومن التَّابعين كعب الأحبار، وعبد الرّحمن ابن أبي ليلى، وأسلم مولى عمر، وجماعة، وروى عنه أولاده: حبيب، وحمزة، وسعد، وصالح، وصيفي، وعباد، وعثمان، ومحمد، وحفيده زياد بن صَيْفي، وروى عنه أيضًا جابر الصحابي، وسعيد بن المسيب، وآخرون. وروى صهيب: أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وأَهلُ الْنَّارِ الْنَّارَ، نَادِى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ الله، عَزَّ وَجَلَّ، مَوْعِدًا يُرِيْدُ أَنْ يُنْجِزكُمُوهُ، فَيَقُولُونَ: مَا هُوَ. أَلَمْ يُثْقِلْ مَوازِيْنَنَا وَيُبَيِّضْ وُجُوْهَنَا، وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَيُخْرِجْنَا مِنَ الْنَّارِ؟ فَيَكْشِفَ لَهُمُ الْحِجَابَ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَمَا شَيْءٌ أُعْطُوهُ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَهِىَ الْزِّيَادَةُ"(*) أخرجه ابن ماجة في سننه رقم الحديث 187 وأحمد في مسنده 4 / 333. وروى عنه ابن عُمَر أَنه قال: مررت برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه، فرد علي إِشارة بإِصبعه.
وتوفي ُصهيب في شوّال سنة ثمانٍ وثلاثين وهو ابن سبعين سنة، وقيل: سنة تسع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة بالمدينة، ودفن بالبقيع.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال