تسجيل الدخول


صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة بن...

1 من 1
صهيب بن سنان الرومي:

صُهيب بن سنان الرُّومي، يعرف بذلك لأنه أخذ لسانَ الرَّوم إذ سَبَوْه وهو صغير، وهو نمرِيّ من النّمر بن قاسط، لا يختلفون في ذلك.

قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: وممَّنْ شهد بدرًا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من النمر بن قاسط صُهيب بن سنان.

وفي كتاب البخاريّ، عن محمد بن سيرين، قال: كان صُهيب من العرب من النمر بن قاسط.

وقال ابن إسحاق: هو صهيب بن سنان بن خالد بن عبد عمرو بن طفيل بن عامر بن جندلة بن كعب بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد شهد بدرًا، إِلى هنا نسبه ابنُ إسحاق.

وقال: يزعمون أنه من النّمر بن قاسط.

ونسَبُه الواقديّ، وخليفة بن خياط، وابن الكلبيّ، وغيرهم، فقالوا: هو صُهيب بن سنان بن خالد بن عبد عمرو بن عُقيل بن كعب بن سعد.

ومنهم من يقول: ابن سفيان بن جندلة بن مُسلم بن أوس بن زيد مناة بن النّمر بن قاسط.

كان أبوه سنان بن مالك أو عمّه عاملًا لكسرى على الأُبُلَّةِ، وكانت منازلُهم بأرض الموصل في قريةٍ من شط الفرات مما يلي الجزيرة والموصل، فأغارت الرّومُ على تلك الناحية، فسبَتْ صُهيبًا وهو غلام صغير، فنشأ صهيب بالرّوم، فصار ألْكَنَ، فابتاعَتْه منهم كلب، ثم قدمَتْ به مكّة، فاشتراه عبدُ الله بن جُدعان التّيمي منهم، فأعتقه، فأقام معه بمكّة حتى هلك عبد الله بن جُدعان، وبُعث النّبي صَلَّى الله عليه وسلم.

وأما أهلُ صهيب وولده فيزعمون أنه إنما هرب من الرّوم حين عقل وبلغ، فقدم مكّة؛ فحالف عبد الله بن جُدعان، وأقام معه إلى أن هلك.

وكان صُهيب فيما ذكروا أحمر شديد الحمرة، ليس بالطَّويل ولا بالقصير، وهو إلى القصر أقرب، كثير شعر الرّأس.

قال الواقديّ: كان إسلام صُهيب وعمار بن ياسر في يوم واحد.

حدَّثنا عبد الله بن أبي عبيدة عن أبيه قال: قال عمار بن ياسر: لقيت صُهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم فيها، فقلت له: ما تريد؟ فقال لي: ما تريد أنت؟ فقلت: أردْت الدّخولَ إلى محمد صَلَّى الله عليه وسلم فأسمع كلامه. قال: فأنا أريد ذلك. قال: فدخلنا عليه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا حتى أمسينا، ثم خرجنا مستخفين، فكان إسلامُ عمار وصُهيب بعد بضعة وثلاثين رجلًا، وهو ابنُ عم حُمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، يلتقي حُمران وصُهيب عند خالد بن عبد عمرو. وحُمران أيضًا ممن لحقه السّباء من سبي عَيْن التمر، يُكْنَى صهيب أبا يحيى.

وقال مصعب بن الزّبير: هرب صُهيب من الرّوم، ومعه مال كثير، فنزل مكّة، فعاقد عبدَ الله بن جُدعان وحالفه وانتمى إليه، وكانت الرَّومُ قد أخذت صهيبًا من نينوَى، وأسلم قديمًا، فلما هاجر النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه صُهيب إِلى المدينة، فقالت له قريش‏: لا تفجعنا بنفسك ومالك، فردَّ إليهم مالَه، فقال‏ النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى"(*) ‏‏ذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم 4279.، وأنزل الله تعالى في أمره: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} [البقرة 207].

قال: وأخوه مالك بن سنان لم يذكره أبو عمر في باب مالك بن سنان.

قال أبو عمر: وروي عن صهيب أنه قال: صحبْتُ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم قبل أن يُوحَى إليه.

وروي عن النّبي صَلَّى الله عليه وسلم أنه قال: "صُهَيْب سَابِقُ الرُّومِ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ فَارِسَ، وَبِلَالٌ سَابِقُ الْحَبَشَةِ"(*) أخرجه السيوطي في الدر المنثور 6/154 وذكر في الزوائد 9/305..

وروي عن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحِبّ صُهَيْبًا حُبَّ الْوَالِدَةِ لِوَلَدِهَا".(*)

وذكر الواقديّ، قال: حدّثنا عاصم بن سُويد من بني عمرو بن عوف، عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت، قال: قدم آخِرَ النّاس في الهجرة إلى المدينة عليّ وصُهيب، وذلك للنّصف من ربيع الأوّل، ورسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بقُبَاء لم يَرِمْ بعد.

أَخبرنا عبد الوارث بن سفيان، حدَّثنا قاسم بن أصبغ، حدّثنا أحمد بن زهير، قال‏: حدّثنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا الفضل بن مُوسى، حدّثنا محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرّحمن بن حاطب، عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب قال لصهيب: إنك تدْعى إلى النمر بن قاسط، وأنتَ رجلٌ من المهاجرين الأوّلين ممن أنعم الله عليه بالإسلام. قال صهيب: أما ما تزعم أني ادعيت إلى النمر بن قاسط فإنّ العربَ كانت تسبي بعضُها بعضًا فسبَوْني، وقد عقلت مولدي وأهلي فباعوني بسواد الكوفة، فأخذْتُ لسانهم، ولو أني كنْتُ من رَوْثة حمار ما ادعيتُ إِلا إِليها.

وأَخبرني سعيد بن نصر، وعبد الوارث بن سفيان، قالا: حدّثنا قاسم بن أصبع، حدّثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، حدّثنا يحيى بن أَبي بكير، حدّثنا زهير بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن حمزة بن صُهيب أن صهيبًا كان يُكْنَى أبا يحيى.

[[وزعم]] أنه كان من العرب، وكان يطعم الطّعام الكثير؛ فقال له عمر: يا صُهيب، مالك تتكنى بأبي يحيى، وليس لك ولد، وتزعم أنك من العرب، وتطعم الطعام الكثير، وذلك سرفٌ في المال؟ فقال له صُهيب: إِنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كناني بأبي يحيى. وأما قولك في النَسب فإِني رجل من النمر بن قاسط من أنفسهم، ولكني سُبيت غلامًا صغيرًا قد عقلْتُ أهلي وقومي. وأما قولُك في الطّعام فإنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم كان يقول: "‏خِيَارُكُم مَنْ أطْعَمَ الطَعَامَ وَرَدَّ السَّلامَ"(*) أخرجه أحمد في المسند 6/16، وأبو نعيم في الحلية 1/153، وذكره المنذري في الترغيب 2/63.؛ فذلك الذي يحملني على أن أطْعِم.

وحدّثني عبد الرّزّاق، حدّثنا قاسم بن أصبغ، حدّثنا أحمد بن زهير، حدّثنا مصعب ابن عبد الله، حدّثني أبي، حدّثني ربيعة بن عثمان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: خرجْتُ مع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه حتى دخل على صُهيب حائطًا له بالعالية، فلما رآه صُهيب قال: يا ناس يا ناس. فقال عمر: لا أبا له‏!‏ يدعو الناس‏!‏ فقلت: إِنما يدعو غلاما يُدْعى يُحَنَّس. فقال عمر: ما فيك شيء أعيبه يا صهيب إِلا ثلاث خصال، لولاهن ما قدَّمْتُ عليك أحدًا. هل أنت مخبري عنهن؟ قال صهيب: ما أنت بسائلي عن شيء إِلا صدقتك عنه. قال: أَراك تنتسب عربيًّا ولسانُك أعجمي، وتتكنى بأبي يحيى اسم نبي، وتبذر مالك‏. قال: أَما تبذيري مالي فما أنفقه إِلا في حقه. وأمّا اكتنائي بأبي يحيى فإنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كناني بأبي يحيى، أفأتركها لك. وأَما انتسابي إِلى العرب فإنّ الرومَ سبتني صغيرًا فأخذتُ لسانَهم، وأَنا رجُلٌ من النمر بن قاسط لو انفلقت عني روثة لانتسبت إِليها.

أخبرنا سعد بن نصر، حدّثنا قاسم بن أصبغ، حدّثنا جعفر بن محمد الصائغ، حدّثنا عفان بن مسلم، وأخبرنا عبد الوارث، حدّثنا قاسم، حدّثنا أحمد بن زهير، وموسى بن إِسماعيل قالا: حدّثنا حماد بن سَلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيّب، قال: خرج صُهَيب مهاجرًا إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فاتبعه نفَرٌ من المشركين، فانتثر ما في كنانته، وقال لهم: يا معشر قريش، قد تعلمون إِني مِنْ أَرمَاكُمْ، ووالله لا تصلون إِليّ حتى أرميكم بكل سَهْم معي، ثم أَضربكم بسيفي ما بقي منه في يدي شيء، فإِن كنتم تريدون مالي دَللْتُكم عليه. قالوا: فدُلّنا على مالك ونخلّي عنك. فتعاهدوا على ذلك، فدلّهم، ولحق برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "‏رَبِحَ البَيْعُ أَبَا يَحْيَى"‏‏ فأنزل الله تعالى فيه‏: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة 207].(*)

قال أبو عمر: وكان صهيب مع فضله وَوَرَعه حسنَ الخلق مُداعبًا، روينا عنه أنه قال: جئتُ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وهو نازل بقُباء، وبين أيديهم رطب وتمر، وأنا أرمد فأكلْتُ، فقال النّبي صَلَّى الله عليه وسلم: "نأْكُلُ التَّمْرَ عَلَى عَيْنِكَ"؟ فقلت: يا رسولَ الله، آكل في شق عيني الصَّحيحة. فضحك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى بَدَتْ نواجذه.(*)

وأَوصى إِليه عمر بالصّلاة بجماعة المسلمين حتى يتفق أهل الشّورى، استخلفه على ذلك ثلاثًا، وهذا مما أجمع عليه أهلُ السير والعلم بالخبر.

حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا قاسم بن أصبغ، حدّثنا جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ، حدّثنا عفان، حدّثنا حماد بن سلمة، قال: حدّثنا ثابت، عن مُعاوية بن قرّة، عن عائذ ابن عمرو أنّ أبا سفيان مَرَّ على سلمان، وصُهيب، وبلال، فقالوا: ما أخذت السّيوفُ من عُنق عدوّ الله مأخذَها؟ فقال لهم أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدها؟ ثم أتى النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قالوا. فقال: "يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهم، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُم، لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ"أخرجه أحمد في المسند 5/64، وأبو نعيم في الحلية 1/246. فرجع رضي الله عنه إليهم فقال: يا إخواني، لعلي أغضبتكم‏. فقالوا: يا أَبا بكر يغفر الله لك.(*)

وفضائلُ صهيب، وسلمان، وبلال، وعمّار، وخَبّاب، والمقداد وأَبي ذرّ، لا يحيط بها كتاب، وقد عاتب اللَّهُ تعالى نبيَّه فيهم في آياتٍ من الكتاب.

ومات صُهيب بالمدينة سنة ثمانٍ وثمانين في شوّال. وقيل: مات في سنة تسع وثلاثين، وهو ابنُ ثلاث وسبعين سنة. وقيل: ابن تسعين، ودُفن بالبقيع.

وروى عنه من الصّحابة عبد الله بن عمر، ومن التَّابعين كعب الأحبار، وعبد الرّحمن ابن أبي ليلى، وأسلم مولى عمر، وجماعة. يُعَدُّ في المدنيين‏.
(< جـ2/ص 282>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال