تسجيل الدخول


أبو موسى الأشعري

عبد الله بن قيس بن سليم، مشهور بكنيته واسمِه، صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وفي وصفه ــ رضي الله عنه ــ كان رجلا خفيف الجسم، قصير، وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يقدم عليكم أقوام هم أرقّ منكم" قلوبًا، أوقال أفْئِدَةً، فقدم الأشعريّون فيهم أبو موسى، فلمّا دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون: غَدًا نلقى الأحِبّهْ مـُحَمّدًا وحِزْبَهْ. وسكن ــ رضي الله عنه ــ الرَّمْلة، وكان حليفًا لسعيد بن العاص، ثم أَسلم بمكة، وهاجر إِلى الحبشة، ثم قدم مع أَهل السفينتين ورسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بخيبر، وعن أَبي موسى قال: بَلَغَنا مخرجُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مُهاجرين أَنا وإخوان لي، أَنا أَصغرهما ــ أَحدهما أَبو بُرْدَةَ والآخر أَبو رُهْم، فركبنا السفينة، فأَلقتنا إِلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أَبي طالب وأَصحابه عنده، فقال جعفر: إِن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا، وأَمرنا بالإِقامة، فأَقيموا، فأَقمنا معه حتى قَدِمنا جميعًا، قال: فوافَقْنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فأَسهم لنا، وما قسم لأَحدٍ غابَ عن خيبر منها شيئًا إِلا لمن شهد معه، إِلا أَصحاب سفينتنا مع جعفر وأَصحابه، وعن أبي موسى الأشعريّ أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال لهم: "لكم الهجرة مرّتين، هاجرتم إلى النجاشيّ وهاجرتم إليّ". قال أبو موسى: ووُلد لي غُلام فأتيتُ به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فسمّاه إبراهيم، وحنّكه بتمرة. مناقبه: وقد وردت روايات عديدة في فضله ــ رضي الله عنه ــ قال سِمَاك: سمعتُ عياضًا الأشعري في قوله تعالى: }فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ{[سورة المائدة: 54] قال: قال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "هُمْ قومُ هذا"، يعني أبا موسى. وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:"سيّد الفوارس أبو موسى". وروت عائشة ــ رضي الله عنها ــ قالت: سمع النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قراءة أبي موسى، قال: "لقد أوتي هذا من مزامير آل داود". وفي شدة حيائه من الله عز وجل فقد روى قَتادة أن أبا موسى قال: إني لأغتسل في البيت المُظلم فأحني ظهري حياء من ربّي. ورأى أبو موسى قومًا يقفون في الماء بغير أُزُرٍ فقال: لأن أموتَ، ثمّ أنُــْشَرَ، ثمّ أموتَ، ثمّ أُنْشَرَ، ثمّ أموتَ، ثمّ أُنْشَرَ أحبّ إليّ من أن أفعل مثل هذا، وقال أنس بن مالك: كان أبو موسى الأشعريّ إذا نام لبس تُبَّانًا ــ أي: سراويل صغيرة ــ عند النوم مخافةَ أن تنكشف عورتُه، وقال أبو موسى: لأن يمتلئ مَنْخَري من ريحِ جيفةٍ أحبّ إليّ من أن يمتلئ من ريح امرأة. وعن علمه ــ رضي الله عنه ــ فقد كان أبو موسى هو الذي فَقَّه أَهْلَ البصرة وأقرأهم، وقال الشعبي: انتهى العلم إلى ستّة، فذكره فيهم، وذكره البُخَارِيُّ من طريق الشعبي بلفظ العلماء، وقال ابْنُ المَدَائِنِيِّ: قضاةُ الأمة أربعة: عمر، وعلي، وأبو موسى، وزيد بن ثابت. وسُئل علي ــ رضي الله عنه ــ عن موضع أبي موسى من العلم، فقال:‏ صبغ في العلم صبغة‏. وروى قتادة أنّ أبا موسى قال: لا ينبغي للقاضي أن يقضي حتى يتبيّن له الحقّ كما يتبيّن الليل من النهار، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب فقال: صدق أبو موسى. وقال أصحاب الفتوح: كان ــ رضي الله عنه ــ عاملَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم على زَبيد، وعَدَن، وغيرهما من اليمن وسواحلها ولما مات النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم قدم المدينة، وشهد فتوحَ الشام. وقدم أَبو موسى إِلى البصرة سنة سبع عشرة واليًا، بعد عزل المغيرة، وكتب إِليه عمر ــ رضي الله عنه: أَن سِرْ إِلى الأَهْوَاز، فأَتى الأَهواز فافْتَتَحَها عَنْوةً ــ وقيل: صُلْحًا ــ وافتتح أَبو موسى أَصبهان سنة ثلاث وعشرين. ولما دفع أهل الكوفة سعيد بن العاص وَلْوا أبا موسى وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يولّيه فأقرهُ، فلم يزل على الكوفة حتى قُتل عثمان، ثم كان منه بصِفّين، وفي التحكيم ما كان، فقد كان أحَدَ الحكَمين بصفين، ثم اعتزل الفريقين. وفاته: ولما حضر أبا موسى الأشعريّ الموتُ دعا بنيه فقال: انظروا إذا أنا مِتّ فلا تُؤذِنـُنّ بي أحدًا، ولا يَتْبَعنّي صوتٌ ولا نار، وليكُنْ مَمْشى أحَدِكم بحذاء رُكْبَتَيّ من السرير. وأُغمِيَ عليه في مرضه فصاحت عليه أمّ أبي بُرْدة فأفاق، فقال: إني بريء ممّن حلق، وسلق، وشقّ، وقال: "أعْمِقوا لي قَبري" رحمه الله تعالى ورضي عنه، ومات أَبو موسى بالكوفة، وقيل: مات بمكة وهو ابن ثلاث وستين سنة.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال