تسجيل الدخول


أبو موسى الأشعري

أبو موسى الأشعري:
عبد الله بن قيس بن سليم، مشهور بكنيته واسمِه جميعًا، لكن كنيته أكثر، وهو صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو من ولد الأشعر بن أدد بن زيد، وقيل: هو من ولد الأشعر بن سبأ أخي حمير بن سبأ، من مَذْحِج، وأَخرجه أَبو نُعَيم، وأَبو موسى مختصرًا، وأَخرجه أَبو عمر مُطَوَّلًا.
وأمّه هي: ظَبْيَة بنت وهب، من عَكّ وقد كانت أسلمت وماتت بالمدينة. وروى أبو بُردة ــ يعني: ابن أبي موسى ــ قال: دخلتُ على معاوية بن أبي سفيان حين أصابته قَرْحتُه فقال: هلُمّ يا ابن أخي تحوّل فانظر، قال: فتحوّلتُ، فنظرتُ فإذا هي قد سُبِرَتْ ــ يعني قرحته، فقلتُ: ليس عليك بأس يا أمير المؤمنين، قال: إذ دخل يزيد بن معاوية فقال له معاوية: إن وليتَ من أمر الناس شيئًا فاسْتَوْصِ بهذا فإنّ أباه كان أخًا لي، أو خليلًا أو نحو هذا من القول، غير أني قد رأيتُ في القتال ما لم يَرَ.
وفي وصفه ــ رضي الله عنه ــ روى حسين المعلّم، عن عبد الله بن بُرَيْدة أنّه وصف الأشعريّ، فقال: رجل خفيف الجسم، قصير، أثَطّ، وقال أبو عثمان النهدي: ما سمعْتُ صوت صَنْجٍ ــ شيءٌ يُتَّخذ من صُفْرٍ ــ نحاس ــ يُضْرَبُ أحدُهما على الآخر ــ ولا بَربَط ــ آلة العود ــ ولا ناي أحسن مِنْ صوت أبي موسى بالقرآن، وروى زُهير بن معاوية، عن عبد الملك بن عُمير قال: رأيتُ أبا موسى داخلًا من هذا الباب، وعليه مُقَطّعة ومِطْرَف حِيريّ، قال زُهير: وأشار عبد الملك إلى باب كِنْدة، وقال قَتادة: بلغ أبا موسى أنّ قومًا يمنعهم من الجُمعة أن ليس لهم ثياب، قال: فخرج على الناس في عَباءةٍ. وروى يونس بن عبد الله الجرميّ، عن أشياخ منهم قال: أتى أبو موسى معاوية وهو بالنُّخَيلة، وعليه عمامة سوداء، وجُبّة سوداء، ومعه عصًا سوداء. وقال عبد الرحمن مولى بن بُرْثُنٍ قال: قدم أبو موسى وزياد على عمر بن الخطّاب فرأى في يد زياد خاتمًا من ذهب فقال: اتّخذتم حَلْقَ الذهب، فقال أبو موسى: أمّا أنا فخاتمي حديدٌ، فقال عمر: ذاك أنْتن أو أخبث، شكّ سعيد ــ أي: أحد الرواة ــ من كان منكم متختّمًا فَلْيَتَخَتّمْ بخاتم من فضّة.
وروى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم "يقدم عليكم أقوام هم أرقّ منكم" قال محمّد بن عبد الله: قلوبًا، وقال عبد الله بن بكر: أفْئِدَةً، فقدم الأشعريّون فيهم أبو موسى، فلمّا دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون:
غَدًا نلقى الأحِبّهْ مـُحَمّدًا وحِزْبَهْ(*).
وسكن ــ رضي الله عنه ــ الرَّمْلة، وقال طائفة منهم الواقدي: كان أَبو موسى حليفًا لسعيد بن العاص، ثم أَسلم بمكة، وهاجر إِلى الحبشة، ثم قدم مع أَهل السفينتين ورسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بخيبر، وقال الواقدي بسنده: ليس أَبو موسى من مهاجرة الحبشة، وليس له حلف في قريش، ولكنه أَسلم قديمًا بمكة، ثم رجع إِلى بلاد قومه، فلم يزل بها حتى قَدِمَ هو وناسٌ من الأَشعريين على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فوافق قدومُهم قدومَ أَهل السفينتين جعفر وأَصحابه من أَرض الحبشة، ووافق رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخيبر، فقالوا: قَدِم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مع أَهل السفينتين، وإِنما الأَمر على ما ذكرته، قال أَبو عمر: إِنما ذكره ابن إِسحاق فيمن هاجر إِلى أَرض الحبشة؛ لأَنه أَقبل مع قومه إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكانوا في سفينة، فأَلقتهم إِلى الحبشة، وخرجوا مع جعفر وأَصحابه هؤلاءِ في سفينة، وهؤلاءِ في سفينة، فقدموا جميعًا حين افتتح رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خيبر، فقسم لأَهل السفينتين، ويُصَدّق هذا القول الرواية عن أَبي بُرْدَة، عن أَبي موسى قال: بَلَغَنا مخرجُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مُهاجرين أَنا وإخوان لي، أَنا أَصغرهما ــ أَحدهما أَبو بُرْدَةَ والآخر أَبو رُهْم، إِما قال: بِضْعٌ، وإِما قال: ثلاثة وخمسون رجلًا من قومي ــ قال: فركبنا السفينة، فأَلقتنا إِلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أَبي طالب وأَصحابه عنده، فقال جعفر: إِن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا، وأَمرنا بالإِقامة، فأَقيموا، فأَقمنا معه حتى قَدِمنا جميعًا، قال: فوافَقْنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فأَسهم لنا ــ أَو قال: أَعطانا منها ــ وما قسم لأَحدٍ غابَ عن خيبر منها شيئًا إِلا لمن شهد معه، إِلا أَصحاب سفينتنا مع جعفر وأَصحابه(*) قال ابن الأثير: "وهذا حديث صحيح"، وفي رواية أخرى ليزيد بن عبد الله بن أبي بُرْدة، عن أبي موسى الأشعريّ أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال لهم: "لكم الهجرة مرّتين، هاجرتم إلى النجاشيّ وهاجرتم إليّ"، وقال أبو موسى: كنت وأصحابي من أهل السفينة إذ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بالمدينة وهم نازلون في بَـقيع بُطْحانَ، فكان يتناوب رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم عند كلّ صلاة العشاء كلّ ليلة نفرٌ منهم، وقال أبو موسى: فوافقنا رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم أنا، وأصحابي وله بعض الشغل في بعض أمره حتى أعْتَمَ بالصلاة حتى إبهارّ الليل، ثمّ خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فصلّى بهم، فلمّا قضى صلاتَه قال: لمن حضره: "على رِسْلِكُم أكلّمُكم وأبشِروا أنّ من نعمة الله عليكم أنّه ليس من النّاس أحد يصلّي هذه الساعة غيركم"، أو قال: "ما صلّى هذه الصلاة أحد غيركم"، فرجعنا فرحين بما سمعنا من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال أبو موسى: ووُلد لي غُلام فأتيتُ به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فسمّاه إبراهيم، وحنّكه بتمرة، قال: وكان أكبر ولد أبي موسى(*)، وقيل: إِن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لم يقسم لهم(*). وروى أبو وائل عن أبي موسى أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: "اللهمّ اجعل عُبيدًا أبا عامر فوق أكثر الناس يوم القيامة"، فقُتل يوم أوطاس، فقتل أبو موسى قاتِلَه، قال أبو وائل: إني لأرجو ألا يجتمع أبو موسى، وقاتلُ عُبيد في النار(*).
وفي شدة حيائه من الله عز وجل فقد روى قَتادة، عن أبي مِجْلَزٍ أنّ أبا موسى قال: إني لأغتسل في البيت المُظلم فأحني ظهري حياء من ربّي. وروى عُبادة بن نُسيّ قال: رأى أبو موسى قومًا يقفون في الماء بغير أُزُرٍ فقال: لأن أموتَ، ثمّ أنُــْشَرَ، ثمّ أموتَ، ثمّ أُنْشَرَ، ثمّ أموتَ، ثمّ أُنْشَرَ أحبّ إليّ من أن أفعل مثل هذا، وقال أنس بن مالك: كان أبو موسى الأشعريّ إذا نام لبس تُبَّانًا ــ أي: سراويل صغيرة ــ عند النوم مخافةَ أن تنكشف عورتُه، وقال أبو عمرو الشيباني: قال أبو موسى: لأن يمتلئ مَنْخَري من ريحِ جيفةٍ أحبّ إليّ من أن يمتلئ من ريح امرأة.
وعن علمه ــ رضي الله عنه ــ فقد كان أبو موسى هو الذي فَقَّه أَهْلَ البصرة وأقرأهم، وقال الشعبي: انتهى العلم إلى ستّة، فذكره فيهم، وذكره البُخَارِيُّ من طريق الشعبي بلفظ العلماء، وقال ابْنُ المَدَائِنِيِّ: قضاةُ الأمة أربعة: عمر، وعلي، وأبو موسى، وزيد بن ثابت. وأخرج البخاري من طريق أبي التيَّاح، عن الحسن، قال: ما أتاها ــ يعني البصرة ــ راكبٌ خَيْرٌ لأهلها منه ــ يعني من أبي موسى، وسُئل علي ــ رضي الله عنه ــ عن موضع أبي موسى من العلم، فقال:‏ صبغ في العلم صبغة‏. وروى أبي المهلّب قال: سمِعْتُ أبا موسى على مِنْبَرِهِ وهو يقول: مَن علّمه الله عِلْمًا فَلْيُعَلّمْه، ولا يقولنّ ما ليس له به علم؛ فيكونَ من المتكلفّين، ويَمْرُقَ من الدّين. وقال أبو لَبيد: ما كنّا نُشَبّهُ كلامَ أبي موسى إلاّ بالجزّار الذي لا يـُخْطِئُ المِفْصَلَ. وروى أبي بُردة بن قيس قال: قلتُ لأبي موسى الأشعري في طاعونٍٍ وقع: اخْرُجْ بنا إلى وابق نبدو بها، فقال أبو موسى: إلى الله آبق لا إلى وابق.
وقد وردت روايات عديدة في فضله ــ رضي الله عنه ــ قال سِمَاك: سمعتُ عياضًا الأشعري في قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [سورة المائدة: 54] قال: قال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "هُمْ قومُ هذا"، يعني أبا موسى(*). وروى نُعيم بن يحيَى التميميّ قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "سيّد الفوارس أبو موسى"(*). وروت عائشة ــ رضي الله عنها ــ قالت: سمع النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قراءة أبي موسى، قال: "لقد أوتي هذا من مزامير آل داود"(*). وروى أبو عثمان قال: كان أبو موسى الأشعري يصلّي بنا فلو قلتُ: إنّي لم أسمع صوتَ صَنْجٍ قطّ، ولا بَرْبَطٍ قطّ كان أحسن منه. وروى أنس بن مالك أنّ أبا موسى الأشعريّ قام ليلةً يصلّي فسمع أزواج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم صوته، وكان حُلْوَ الصوت، فقُمْنَ يَسْتَمِعْنَ، فلمّا أصبح قيل له: إنّ النساء كنّ يستمعن، فقال:"لو علمتُ لحـبّرتُكنّ تحبيرًا، ولشوّقتُكنّ تشويقًا". وروى سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم بعثه ومُعاذًا إلى اليمن(*). وروى قَتادة، عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: قال لي أبي ــ يعني أبا موسى: يا بُنَيّ لو رأيتَنا ونحن مع نبيّنا صَلَّى الله عليه وسلم إذا أصابَتْنا السماء وجدت منّا ريح الضأن من لباسنا الصّوف.
قال أنس بن مالك: بعثني الأشعريّ إلى عمر، فقال عمر: كيف تركتَ الأشعريّ؟ فقلتُ له: تركتهُ يُعلّمُ الناسَ القرآنَ، فقال: أما إنّه كَيِّس، ولا تُسْمِعْها إيّاه ثمّ قال: كيفَ تركتَ الأعرابَ؟ قلت: الأشعريّين؟ قال: لا، بل أهل البصرة، قلتُ: أما إنّهم لو سمعوا هذا لشقّ عليهم، قال: فلا تُبَلّغْهُم فإنهّم أعراب إلاّ أن يرْزق اللهُ رجلًا جهادًا، قال وهب في حديثه: في سبيل الله. قال أبو نَضْرة: قال عمر لأبي موسى: شَوَّقْنا إلى ربّنا، فقرأ، فقالوا: الصلاة، فقال عمر: أوَ َلسْنا في صلاة!
قال عمر بن الخطاب: بالشأم أربعون رجلًا ما منهم رجل كان يلي أمر الأمّة إلا أجْزأه، فأرسل إليهم، فجاء رهط منهم فيهم أبو موسى الأشعريّ فقال: إني أرسلتُ إليكم؛ لأرسلك إلى قوم عسكر الشيطانُ بين أظهرهم، قال: فلا تُرْسِلْني، فقال: إنّ بها جهادًا أو إنّ بها رباطًا، قال فأرسله إلى البصرة، وروى الشّعبيّ أنّ عمر أوصى أن يُتْرَكَ أبو موسى بعده سنة ــ يعني: على عمله. وروى بلال بن أبي بُرْدة، عن أبيه، وعمّه عن سُرّيـّةٍ لأبي موسى قالت: قال أبو موسى: ما يَسُرّني أنْ أشْرَبَ نَبيذَ الجرّ ولي خراج السواد سنتين. وروى قَسامة بن زهير أنّ أبا موسى خطب الناس بالبصرة فقال: أيّها الناس، ابْكُوا فإنْ لم تَبْكوا فتَبَاكَوْا؛ فإنّ أهل النّار يبكون الدّموع حتى تنقطع، ثمّ يبكون الدماء حتى لو أُجْرِيَ فيها السفنُ لَسارتْ.
وروى عبد الله بن عُبيد بن عُمير أنّ عمر بن الخطّاب كتب إلى أبي موسى الأشعريّ: إنّ العرب هَلَكَتْ فابعثْ إليّ بطعام، فبعث إليه بطعام وكتب إليه: إنّي قد بعثتُ إليك بكذا وكذا من الطعام فإن رأيتَ يا أمير المؤمنين، أن تكتب إلى أهل الأمصار، فيجتمعون في يوم فيخرجون فيه فيستسقون، فكتب عمر إلى أهل الأمصار، فخرج أبو موسى فاستسقى ولم يُصلّ. وروى بشير بن أبي أُميّة، عن أبيه أنّ الأشعريّ نزل بأصبهان فعرض عليهم الإسلام فأبوا، فعرض عليهم الجِزْية فصالحوه على ذلك فباتوا على صُلْحٍ حتى إذا أصبحوا أصبحوا على غَدْرٍ، فبارزهم القتال فلم يكن أسرع من أن أظهره الله عليهم. وروت أمّ عبد الرحمن بنت صالح، عن جدّها وكان قد نازل أبا موسى الأشعري بأصبهان، وكان صديقًا له، قال: كان أبو موسى إذا مطرت السماء قام فيها حتى تُصيبَه السماء، قال: كأنّه يعجبه ذلك، وروى أنس بن مالك قال: قال الأشعريّ وهو على البصرة: جَهّزْني فإنّي خارج يوم كذا وكذا، فجعلتُ أجهّزه، فجاء ذلك اليوم وقد بقي من جهازه شيء لم أفْرُغْ منه فقال: يا أنس، إني خارج، فقلت: لو أقَمْتَ حتى أفْرَغَ من بقيّة جهازك، فقال: إني قد قلتُ لأهلي: إني خارج يومَ كذا وكذا، وإني إن كذبتُ أهلي كذبوني، وإن خُنْتُهُم خانوني، وإن أخلفتُهم أخلفوني، فخرج وقد بقي من حوائجه بعض شيء لم يُفْرَغْ منه.
قال مسروق بن الأجدع: كنتُ مع أبي موسى أيّام الحَكَمَينِ، وفُسْطاطي إلى جانب فُسْطاطه، فأصبح الناس ذاتَ يوم قد لحقوا بمعاويةَ من الليل، فلمّا أصبح أبو موسى رفع رَفْرَف فسطاطه فقال: يا مسروق بن الأجدع، قلتُ: لَبّيْكَ أبا موسى، قال: إنّ الإمرةَ ما اؤتُمِرَ فيها، وإنّ المُلْكَ ما غُلب عليه بالسيف. وروى قتادة أنّ أبا موسى قال: لا ينبغي للقاضي أن يقضي حتى يتبيّن له الحقّ كما يتبيّن الليل من النهار، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب فقال: صدق أبو موسى. وروى أبو عون، عن الحسن قال: كان الحَكَمَان أبو موسى، وعمرو بن العاص، وكان أحدهما يبتغي الدنيا والآخر يبتغي الآخرة، وروى السُّميط بن عبد الله السّدوسيّ قال: قال أبو موسى وهو يخطب: إنّ باهلة كانت كُراعًا، فجعلناها ذِرَاعًا، قال: فقام رجل، فقال: ألا أُنْبِئُكَ بألأم منهم؟ قال: مَنْ؟ قال: عَكّ والأشعريّون، قال: أولئك وأبيك آبائي، يا سابّ أميره تعَالَ، قال: فضرب عليه فسطاطًا فراحتْ عليه قصعةٌ، وغَدَتْ أُخرى فكان ذاك سِجنَه.
وعن روايته ــ رضي الله عنه ــ فقد روى أبو موسى عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وعن الخلفاء الأربعة، ومعاذ، وابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وعمار، روى عنه أولاده: موسى، وإبراهيم، وأبو بُرْدة، وأبو بكر، وامرأته أم عبد الله، ومن الصحابة: أبو سعيد، وأنس، وطارق بن شهاب، ومن كبار التابعين فمَنْ بعدهم: زيد بن وَهْب، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعبيد بن عُمير، وقيس بن أبي حازم، وأبو الأسود، وسعيد بن المسيب، وزِرّ بن حُبَيش، وأبو عثمان النهدي، وأبو رافع الصائغ، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، ورِبْعي بن حِرَاش، وحطّان الرقاشي، وأبو وائل، وصفوان بن محرز، وآخرون. وروى أبو بُردة قال: كان لأبي موسى تابع فقذفه في الإسلام، فقال لي: يُوشك أبو موسى أن يذهب ولا يحُْفَظَ حديثُه، فاكتُبْ عنه قال: قلتُ: نِعْمَ ما رأيتَ، قال: فجعلتُ أكتب حديثَه، قال: فحدّث حديثًا فذهبتُ أكتبه كما كنتُ أكتب فارتاب بي وقال: لعلّك تكتب حديثي، قال: قلت: نَعَمْ، قال: فأتني بكلّ شيء كتبتَه، قال: فأتيتُه به فمحاه، ثمّ قال: احفظ كما حفظتُ.
وقال أصحاب الفتوح: كان ــ رضي الله عنه ــ عاملَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم على زَبيد، وعَدَن، وغيرهما من اليمن وسواحلها(*) ولما مات النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم قدم المدينة، وشهد فتوحَ الشام. قال ابن إِسحاق: في سنة تسع عشرة بعث سعدُ بنُ أَبي وَقَّاص عِياضَ بن غَنْم إِلى الجزيرة، وبعث معه أَبا موسى، وابنه عمر بن سعد، وبعث عياض أَبا موسى إِلى نَصِيبين فافتتحها في سنة تسع عشرة، وقيل: إِن الذي أَرسل عِيَاضًا أَبو عبيدة بن الجَرَّاح، فوافق أَبا موسى، فافتتحا حَرَّان ونَصِيبين. وقال خليفة: قال عاصم بن حفص: قدم أَبو موسى إِلى البصرة سنة سبع عشرة واليًا، بعد عزل المغيرة، وكتب إِليه عمر ــ رضي الله عنه: أَن سِرْ إِلى الأَهْوَاز، فأَتى الأَهواز فافْتَتَحَها عَنْوةً ــ وقيل: صُلْحًا ــ وافتتح أَبو موسى أَصبهان سنة ثلاث وعشرين؛ قاله ابن إِسحاق.
ولما دفع أهل الكوفة سعيد بن العاص وَلْوا أبا موسى وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يولّيه فأقرهُ، فلم يزل على الكوفة حتى قُتل عثمان، ثم كان منه بصِفّين، وفي التحكيم ما كان، فقد كان أحَدَ الحكَمين بصفين، ثم اعتزل الفريقين، ولما سار عَلِيّ إِلى البصرة ليمنع طلحة والزبير عنها، أَرسل إِلى أَهل الكوفة يدعوهم لينصروه، فمنعهم أَبو موسى وأَمرهم بالقعود في الفتنة، فعزله عليّ عنها، وصار أَحد الحكمين، فخُدِع فانخدع، وقال عكرمة: لما كان يوم الحكمين، حَكَّم معاويةُ عَمْرَو بن العاص، قال الأَحنف بن قيس لعلي: يا أَمير المؤمنين، حكِّم ابن عباس، فإِنه نحوه، قال: أَفعل، فقالت اليمانية: يكون أَحد الحكمين منَّا، واختاروا أَبا موسى، فقال ابن عباس لعلي: علام تُحَكِّم أَبا موسى؟ فو الله لقد عرفت رأْيه فينا، فوالله ما نصرنا، وهو يرجونا، فتُدْخِله الآن في مَعَاقِد الأَمر مع أَن أَبا موسى ليس بصاحب ذلك! فاجعل الأَحْنَف فإِنَّه قِرْن لعَمْرو، فقال: أَفعل، فقالت اليمانية أَيضًا ــ منهم الأَشعث بن قيس وغيره: لا يكون فيها إِلاَّ يَمَان، ويكون أَبا موسى، فجعله عليّ ــ رضي الله عنه ــ وقال له ولعَمْرُو: أَحكمكما على أَن تحكما بكتاب الله، وكتاب الله كله معي، فإِن لم تحكما بكتاب الله فلا حكومة لكما، ففعلا ما هو مذكور في التواريخ.
وروى أبو بُرْدة قال: قال أبو موسى: كتب إليّ معاوية: سلام عليك، أمّا بعد فإنّ عمرو بن العاص قد بايعني على الذي قد بايعني عليه وأُقْسِمُ بالله لئنْ بايعتَني على ما بايعني عليه لأبعثنّ ابنَيْك أحدَهما على البصرة والآخر على الكوفة، ولا يُغْلَقُ دونك بابٌ، ولا تُقْضَى دونَك حاجة، وإني كتبتُ إليك بخطّ يدي فاكتُب إليّ بخطّ يدك، فقال: يا بُنيّ، إنمّا تعلّمتُ المُعْجَمَ بعد وفاة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: وكتب إليه مثل العقارب: أمّا بعد فإنّك كتبتَ إليّ في جسيم أمرِ أمّة محمّد صَلَّى الله عليه وسلم لا حاجة لي فيما عرضْتَ عليّ، قال فلمّا وَليَ أتيتُه، فلم يُغْلَقْ دوني باب، ولم تكن لي حاجة إلا قُضِيَتْ.
وفي ذلك قال محمّد بن سعد: "سمعتُ من يذكر أنـّه أسلم بمكّة وهاجر إلى أرض الحبشة، وأوّل مشاهده خيبر، ولّاه عمر بن الخطّاب البصرة ثم عزله عنها، فنزل الكوفة، وابتنى بها دارًا، وله بها عقب، ووَلّى عمر بن الخطّاب أبا موسى البصرة إذ عزل عنها المغيرة في وقْتِ الشّهادة عليه، وذلك سنة عشرين، وولّاه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم مخاليفَ اليمن:‏ زَبيد وذوانها إلى السَّاحل، وولّاه عمر البصرة في حين عزل المغيرة عنها إلى صَدْرِ من خلافة عثمان، فعزله عثمان عنها، وولّاها عبد الله بن عامر بن كُريز، فنزل أبو موسى حينئذ بالكوفة وسكنها، فلما دفع أهلُ الكوفة سعيد بن العاص ولَّوا أبا موسى، وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه، فأقره عثمان على الكوفة إلى أن مات، وعزله عليّ ــ رضي الله عنه ــ فلم يزل واجِدًا منها على عليّ. وروى أبو بُردة قال: حدّثتني أمّي قالت: خرج أبو موسى حين نُزِعَ عن البصرة وما معه إلا ستّمائة درهم عطاء عياله.
قال سيّار بن سلامة: لما حضر أبا موسى الأشعريّ الموتُ دعا بنيه فقال: انظروا إذا أنا مِتّ فلا تُؤذِنـُنّ بي أحدًا، ولا يَتْبَعنّي صوتٌ ولا نار، وليكُنْ مَمْشى أحَدِكم بحذاء رُكْبَتَيّ من السرير. وروى رِبْعيّ بن حِراش قال: أُغمِيَ عليه في مرضه فصاحت عليه أمّ أبي بُرْدة فأفاق، فقال: إني بريء ممّن حلق، وسلق، وشقّ، يقول: للخامشة وجْهَهَا. وروى قَسامة بن زُهير، عن أبي موسى الأشعريّ أنّه قال: "أعْمِقوا لي قَبري" رحمه الله تعالى ورضي عنه. وفي رواية صفوان بن مُحْرِز قال: أغْميَ على أبي موسى فبكوا عليه فأفاق، وقال: إنّي أبـْرأ إليكم ممّا برئ منه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مَن حلق، وخرق، وسلق. ومات أَبو موسى بالكوفة، وقيل: مات بمكة وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقال الهيثم: مات سنة خمسين، وقيل: سنة اثنتين وأَربعين، وقيل: سنة أَربع وأَربعين، وقيل: توفي سنة تسع وأَربعين، وقيل: سنة خمسين، ويقال: سنة إحدى خمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين، وقيل: سنة ثلاث وخمسين، والله أَعلم.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال