تسجيل الدخول


عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن...

يُكْنى أبا عبد الرحمن. وكان مولده قبل المبعث بسنة، كان جابر بن عبد اللّه يقول: "ما منا إِلا من مالت به الدنيا ومال بها، ما خلا عمر، وابنه عبد اللّه"، وكان عبدُ الله أشْبَهَ ولدِ عمرَ بعُمَرَ، وكان عمر يُحْفي شاربه حتى يُرى بَياضَ بَشَرته. كان إسلام عبد الله بن عمر بمكّة مع أبيه، ولم يكن بلغ يومئذ، وكانت هجرته قبل هجرة أَبيه، قال ابن عمر: عُرِضتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يومَ بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فردّني، وعُرِضتُ عليه يومَ أحُدٍ وأنا ابن أربع عشرة فردّني، وعُرضتُ عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسَ عشرة فقبِلَني، وشهد غزوة مُؤتة مع جعفر بن أَبي طالب ــ رضي الله عنه ــ وشهد اليَرْمُوك، وفتح مصر، وأفريقية. وكان لا يتخلَّفُ عن السّرايا على عَهْدِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ وكان في سريّة من سرايا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فحاص الناسُ حَيْصَةً فكان فيمن حاصَ، فقالوا: كيف نصنع وقد فررنا من الزّحْف وبُؤنا بالغضب؟ فقالوا: ندخل المدينة فنبيتُ بها ثمّ نذهب فلا يرانا أحد، ثمّ دخلوا فقالوا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فإن كانت لنا توبةٌ أقَمْنا وإن كان غير ذلك ذهبنا، فجلسوا إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر فلمّا خرج قاموا إليه فقالوا: يا رسول الله، نحن الفَرَّارُون، فقال:"لا بل أنتم العَكّارون"، فدنوا فقبّلوا يده فقال صَلَّى الله عليه وسلم: "إنّا فِئَةُ المُسْلمينَ". وشهد عبد الله بن عمر الحديبية، وشهد ابن عمر فتح مكّة وهو ابن عشرين سنة وهو على فرس جَرور ومعه رمح ثقيل وعليه بُرْدَةٌ فَلوتٌ، فأبصره النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وهو يختلي لفرسه فقال: "إنّ عبد الله... إنّ عبد الله..."، يعني أثنى عليه خيرًا. مناقبه وعن ابن عمر أنه قال: كان مَنْ رأى رُؤيا في حياة النبي صَلَّى الله عليه وسلم قَصّها عليه، فتمنيتُ أن أرَى رؤيا، وكنت غلامًا شابًّا عزبًا أنام في المسجد، فرأيتُ في المنام كأن ملكين أتياني فذهبا بي، فرأيت في يدي سَرَقة من حَرِير، فما أهْوِي بها إلى مكان من الجنة إلا طارت بي إليه... الحديث، وفي آخره: فقصصتها على حَفْصة، فقصتها حفصةُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "إنَّ أخَاكِ أوْ إنَّ عَبْدَ الله رَجُلٌ صَالِح" وفي رواية أخرى: "نِعمَ الرَّجُلُ عَبْدُ الله لَوْ كَانَ يُصلِّي من الليل" ، فكان بَعْدُ لا ينام من الليل إلا القليل. قال عبد اللّه بن عمر: أَخذ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يومًا ببعض جسدي، وقال: "يا عبد اللّه، كن في الدنيا كأَنك غريب، أَو كأَنك عابِرُ سبيل، وعْدَّ نفسك في أَهل القبور"، ثم قال لي: "يا عبد اللّه بن عمر، فإِنه ليس ثَمَّ دينار ولا درهم، إِنما هي حسنات وسيئات، جزاءٌ بجزاءٍ، وقصاص بقصاص، ولا تتبرأَ من ولدك في الدنيا فيتبرأَ الله منك في الآخرة، فيفضحَك على رؤوس الأَشهاد، ومن جَرَّ ثوبه خُيَلاءَ لم ينظر الله إِليه يوم القيامة". وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ما حقّ امرئٍ له ما يوصي فيه يبيتُ ثلاثًا إلاّ ووصيتُه عنده مكتوبةً"، قال ابن عمر: فما بتّ ليلةً مُنْذُ سمعتُها إلاّ ووصيتي عندي. فلم يكن من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أحد أحْذَرَ إذا سمع من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم شيئًا ألاّ يزيد فيه ولا يَنقُصَ من عبد الله بن عمر، حتى أنه إذا رآه أحد كَأَنَّ به شيء من اتّباعه آثار النبي صَلَّى الله عليه وسلم، حتى إِنه ينزل مَنازِلَه، ويصلي في كل مكان صلى فيه، وحتى إِن النبي صَلَّى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهدها بالماء لئلا تيبس، وكان يعترض براحلته في طريق رَأَى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عرض ناقته فيها، وكان إذا وقف بعَرَفة يقِفُ في الموقف الذي وقف فيه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم. وكان ــ رضي الله عنه ــ من أهل الورَع والعلم، وكان يُعَدّ من فُقَهاء الأحداث، وكان من أعلم الصّحابة بمناسك الحجّ‏، وكان من أئمةِ الدين، شديدَ التحرِّي والاحتياط والتوقّي في فَتْواه، وكلّ ما يأخذ به نفسه، فمرة سُئِلَ عن شيء فقال: لا أدري، فلمّا ولّى الرجل أفتى نفسه فقال: أحسن ابن عمر؛ سئل عمّا لا يعلم فقال لا أعلم، ومرة سأله رجل عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسَه ولم يُجِبْه حتى ظنّ النّاس أنّه لم يسمع مسألته، فقال له: يرحمك الله أما سمعتَ مسألتي؟ قال: بلى ولكنّكم كأنّكم تَرَوْنَ أنّ اللهَ ليس بسائلنا عمّا تسألوننا عنه، اتْرُكْنا ـــ يَرْحَمُك الله ـــ حتى نَتَفَهّمَ في مسألتك فإن كان لها جوابٌ عندنا وإلاّ أعلمناك أنّه لا عِلْمَ لنا به، وَمرة سُئل عن شيء فقال: لا أدري، أتريدون أن تجعلوا ظهورَنا جسورًا في جهنم؟ تقولون: أَفْتَانَا بهذا ابنُ عمر. واشتهى ابن عمر عِنَبًا فقال لأهله: اشتروا لي عنبًا فاشتروا له عُنْقودًا من عِنَبٍ فأُتي به عند فطْرِه، ووافى سائلٌ بالباب فسأل، فقال: يا جاريةُ ناوِلي هذا العنقودَ هذا السائل، قالت المرأة: سبحان الله، شيئًا اشتهيتَه، نحن نُعْطي السائلَ ما هو أفضل من هذا، قال: يا جارية أعْطيه العنقود، فاعْطَتْه العنقود. قال نافع: كان عبد الله بن عمر إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد ثم قبر النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فيقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه. وكان لا يروح إلى الجمعة إلاّ ادّهن وتطيّب إلاّ أن يكون حرامًا، يعني مُحْرِمًا، وكان يتطيّب للعيد، وكان الحسن يكره الترَجَّل كلّ يوم، فغضب نافع وقال: كان ابن عمر يدّهن في اليوم مرّتين. قال نافع: كان عبد الله بن عمر إذا اشتدّ عَجَبُه بشيء من ماله قرّبه لربّه، فلقد رأيتُنا ذات عشيّة وكنّا حُجّاجًا وراح على نجيب له قد أخذه بمالٍ، فلمّا أعجبَتْه رَوْحَتُه وسرّه أَنَاخَته، ثُمّ نزل عنه ثمّ قال: يا نافع، انْزعوا زِمامَه ورَحْلَه وجلّلوه وأشْعِروه وأدخلوه في البُدْن. وكانت لابن عمر جارية يقال لها رِمْثَه فلمّا اشتدّ عَجَبُه بها أعتقها، وقال: سمعت الله تعالى يقول: }لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا ِممَّا تُحِبُّونَ{ [آل عمران: 92] وزوّجها نافعًا، فولدت غلامًا. قال ابن عمر: "البِرّ شيءَ هَيّن: وجه طلق، وكلام لين". وأراد ابنُ عمر أن يلعن خادمًا فقال: اللهم الع، فلم يتمّها، وقال: إنها كلمة ما أحِبُّ أن أقولَها، وما لعن ابنُ عمر خادمًا قط إلا واحدًا، فأعتقه. وما ذكر ابنُ عمر رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم إلا بكى، وكان إذا قرأ: }أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ{ [الحديد: 16] يبكي حتى يغلبه البكاء. قيل لنافع: ما كان ابن عمر يصنع في منزله؟ قال: الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما. وعن نافع: أن ابنَ عمر كان يُحيي الليل صلاة، ثم يقول: يا نافع، أَسْحَرنا، فيقول: لا، فيعاود، فإذا قال نعم قعد يستغفر الله حتى يصبح، وكان إذا فاتته صلاةٌ في جماعة صلَّى إلى الصّلاة الأخرى. وفاته: ومات عبد الله بن عمر بمكة، فلمّا حضرته رضي الله عنه الوفاةُ قال لسالم بن عبد الله بن عمر: يا بُنيّ إن أنا مِتّ فادفني خارجًا من الحرم فإني أكره أن أُدْفَنَ فيه بعد أن خرجتُ منه مهاجرًا، فقال: يا أبه، إن قدرنا على ذلك، فلم يستطع ابنه دفنه خارج مكة، فدُفِنَ رضي الله عنه في الحَرَم بفَخّ، وقيل: دفن بذي طُوىً في مقبرة المهاجرين.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال