تسجيل الدخول


سعيد بن عامر بن جذيم بن سلامان بن ربيعة بن سعد بن جمح بن عمرو بن هصيص

سعيد بن عامر بن حَذِيم، وقيل: حِذْيَم القرشيّ الجمحيّ، وقيل: سعيد بن عامر اللَّخميّ.
ذكره ابن حزم في "الوحدان" مِنْ مسند بَقِيّ بن مخلد، وعزاه الذَّهبي لأبي يعلى؛ وقد صحَّف نسبه، وإنما هو الجُمَحِي، وأُمُّه أَروى بنت أَبي معيط، أُخت عقبة، ولم يكن لسعيد ولدٌ ولا عقبٌ، وإنما العقبُ لأخيه جميل بن عامر بن حِذْيَم؛ فمن ولده سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جميل، ولي القضاء ببغداد في عسكر المهديّ.
أسلم سعيد بن عامر قبل خَيْبر، وشهدها وما بعدها من المشاهد، وهاجر إلى المدينة، ورُوي أنه لما اجتمعت الرَّوم يوم اليرموك واستغاث أبو عبيدة عمر فأمده بسعيد بن عامر بن حذيم فهزم الله المشركين بعد قتال شديد، وروى مالك بن إسماعيل أبو غَسّان النَّهْدِيّ، عن عبد الرحمن بن سَابط، قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى سعيد بن عامر الجُمَحِيّ فقال: إنّا مُسْتَعْمِلُوكَ على هؤلاء، تسيرُ بهم إلى أرض العدو، فتجاهدُ بهم، فقال: يا عمر لا تَفْتِنِّي، فقال عُمَرُ: والله لا أدعكم، جعلتموها في عنقي ثم تخليتم مِنِّي! إنما أبعثك على قوم لست بأفضلهم، ولست أبعثك لتضرب أبشارهم، ولا تنتهك أعراضهم، ولكن تجاهد بهم عدوَّهم، وتقسم بينهم فيئهم، فقال: اتق الله يا عُمَرُ، أحبَّ لأهل الإسلام ما تحب لنفسك، وأقم وجهك وَقَضَاءَك لمن استرعاك الله من قريب المسلمين وبعيدهم، ولا تقض في أمر واحدٍ قَضَاءَين، فيختلف عليك أمرك، وتنزع عن الحق، والزم الأمر ذا الحُجّة يُعِنْكَ الله على ما ولاك، وخض الغمرات إلى الحق حيث علمتْهُ، وَلاَ تَخْشَ في الله لومة لائم، قال: فقال عُمَرُ: وَيْحَكَ يا سعيد، من يطيق هذا؟ قال: من وضع الله في عنقه مثل الذي وضع في عنقك، إنما عليك أن تأمر فَيُطاع أمرك أو يُتْرك فتكون لك الحجة، قال: فقال عمر: إنا سنجعل لك رزقًا، قال: لقد أعطيت ما يكفيني دونه ــ يعني عطاءه ــ وما أنا بمزداد من مال المسلمين شيئًا، قال: فكان إذا خرج عطاؤه نظر إلى قوتِ أهله من طعامهم وكسوتهم وما يصلحهم، فيعزله، وينظر إلى بقيته فيتصدق بهِ، فيقول أهله: أين بقية المال؟ فيقول: أقرضتُه، قال: فأتاه نَفَرٌ من قومه فقالوا: إنَّ لأهلك عليك حقًّا، وإن لأصهارك عليك حقًّا، وإن لقومك عليك حقًّا، قال: ما أَستَأْثر عليهم، إنّ يدي لمع أيديهم، وما أنا بطالب أو ملتمس رضاء أحد من الناس بطلبي الحُور العِين، لو طلعت منهن واحدةٌ لأشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس، وما أنا بِمُتَخَلِّفٍ عن العُنُقِ الأول بعد إِذْ سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "يجيء فقراءُ المسلمين يَدِفُّون كما يَدِفُّ الحمام فيقال لهم: قفوا للحساب، فيقولون: والله ما تركنا شيئًا نُحاسبُ به، قال فيقول الله: صدق عبادي، فيدخلون الجنة قبل الناس بسبعين عامًا"(*)، وروى أبو بكر بن عبد الله بن أبي أُوَيْس المدني، عن أبي طُوَالَةَ عبد الله بن عبد الرحمن بن مَعْمَر، أن مكحولًا أَخْبَرَهُ أنّ سعيد بن عامر بن حِذْيم الجُمَحِيّ من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطّاب: إني أريد أن أوصيك يا عمر، قال: أَجَل فَأَوْصني قال: أوصيك أَنْ تَخْشَى الله في الناس وَلاَ تَخْشَ الناسَ في الله ولا يَختلف قولك وفِعْلك، فإن خير القول مَا صَدَّقَهُ الفعلُ، ولا تقضِ في أمرٍ واحدٍ بقضاءَين، فيختلف عليك أمرك، وَتَزِيغ عن الحق، وخذ بالأمر ذي الحُجة، تأخذ بالفُلْج ويُعِينُكَ الله ويصلح رَعِيَّتَكَ على يديك، وأقم وجهك وقضاءك لمن ولاك الله أمره من بعيد المسلمين وقريبهم، وأحبب لهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك، وخض الغمرات إلى الحق ولا تخف في الله لومة لائم، فقال عمر: من يستطيع ذلك؟ فقال سعيد: مثلك من ولاَّه الله أمر أُمَّةَ محمد ثم لم يَحل بينه وبين أحد. ولسعيد أَخبار عجيبة في زهده لا نُطَوِّلُ بذكرها، وروى أَبو محمد القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي، عن شهر بن حوشب، قال: لما قدم عُمَر حمص أَمرهم أَن يكتبوا له فقراءَهم، فرفع الكتاب، فإِذا فيه سعيد بن عامر، قال: مَنْ سعيد بن عامر؟ قالوا: يا أَمير المؤمنين، أَميرنا قال: وأَميركم فقير؟ قالوا: نعم، فعجب فقال: كيف يكون أَميركم فقيرًا! أَين عطاؤُه؟! أَين رزقه؟! قالوا: يا أَمير المؤمنين، لا يُمْسِك شيئًا قال: فبكى عمر، ثم عمد إِلى أَلف دينار فَصَرَّها وبعث بها إِليه، وقال: أَقرئوه مني السلام وقولوا له: بعث بها إِليك أَمير المؤمنين، فاستعن بها على حاجتك، قال: فجاءَ بها الرسول، فنظر إِليها فإِذا هي دنانير، فجعل يسترجع، فقالت له امرأَته: ما شأَنك؟ أُصيب أَمير المؤمنين؟ قال: أَعظم، قالت: فظهرت آية؟ قال: أَعظم من ذلك، قالت: فأَمر من الساعة؟ قال: بل أَعظم من ذلك، قالت: فما شأَنك؟ قال: الدنيا أَتتني، الفتنة أَتتني، دَخلت عليَّ، قالت: فاصنع فيها ما شئت، قال لها: أَعندك عون؟ قالت: نعم، فَصَرّ الدنانير فيها صررًا، ثم جعلها في مِخْلاة، ثم بات يصلي حتى أَصبح، ثم اعترض بها جيشًا من جيوش المسلمين، فأَمضاها كلها، فقالت له امرأَته: لو كنت حبست منها شيئًا نستعين به! فقال لها: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "لو اطلعت امرأَة من نساء الجنة إِلى الأَرض لملأَت الأَرض من ريح المسك"، فإِني واللّه ما أَختار عليهن"(*) أخرجه أحمد في المسند 3/ 141، 147 وذكره المنذري في الترغيب 4/ 532 والهيثمي في الزوائد 10/ 421 والسيوطي في الدر المنثور 1/ 40.، وكان من زُهّاد الصحابة وفضلائهم، وقال ابن سعد: "لا نعلمُ لهُ بالمدينة دارًا". وروى محمّد بن سعد، عن حبيب بن عُبيد، عن سعيد بن عامر بن حِذْيَم، وكان قرشيًّا، وكان أميرًا على حمص أوّل ما فُتحت فوثب على فرس له فقال له قائلٌ: لقد أجدتَ الوثبة يا قرحا، فقال سعيد: من هذا الذي سمّاني بغير الاسم الذي سمّاني والدي؟ إن كان لغنيًّا أن تَلْعَنَه الملائكة، ورَوَى مُحَمَّد بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ في "تاريخه"، من طريق زيد بن أسلم، قال: قال عُمر لسعيد بن عامر بن حِذْيَم: إنَّ أهلَ الشّام يحبونك، قال: لأني أُعاونهم وأُواسيهم؛ فقال: خُذْ هذه عشرة آلاف فتوسَّع بها، قال: أعطِها مَنْ هو أحوجُ إليها مِنّي... الحديث. روى عنه عبد الرحمن بن سابِط الجمحي، وأرسل عنه شَهْر بن حَوْشب وغيره. فقد روى أبو يعلى، من رواية ابن سابط، عن سعيد بن حِذْيَم قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْحُورِ الْعينِ أَخْرَجَتْ يَدَها لوَجَدَ رِيحَهَا كُلُّ ذِي رُوحٍ... "(*) أخرجه البخاري في صحيحه 4/21، 8/145، الترمذي في السنن 4/156، كتاب (23) باب (17) حديث رقم 1651، أحمد في المسند 3/157، الطبراني في الكبير 6/72، ابن عدي في الكامل 2/570، الهيثمي في الزوائد 10/417، المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 5/393الحديث، مختصرًا، أخرجه أبو أحمد الحاكم، وابن سعد مطوّلًا، وفيه قصةٌ لسعيد مع زوجته في تفرقته المال الذي يأتيه من عطائه، وروى عنه عبد الرَّحمن بن سابط أنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: ‏"‏يَدْخُلُ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِيَن الْجَنَةُ قَبْلَ النَّاسِ بِتِسْعِينَ عَامًا‏"(*). ولاه عمر حمص فبلغه أَنه يصيبه لَمَم فأَمره بالقدوم عليه، فلم ير معه إِلا عكازًا وقدحًا، فقال له عمر: ليس معك إِلا ما أَرى؟ فقال له سعيد: وما أَكثر من هذا؟ عكاز أَحمل عليه زادي، وقَدَح آكل فيه، فقال له عمر: أَبك لَمَم؟ قال: لا، قال: فما غَشْيَة بلغني أَنها تصيبك؟ قال: حَضَرْت خبيبَ بن عدي حين صلب، فدعا على قريش وأَنا فيهم، فربما ذكرت ذلك، فأَجد فترة حتى يُغْشَى عَلَيّ، فقال له عمر: ارجع إِلى عملك فأَبى، وناشده إِلا أَعفاه، فقيل: إِنه أَعفاه، وقيل: إِنه لما مات أَبو عبيدة، ومعاذ، ويزيد ولاه عمر حمص، فلم يزل عليها حتى مات، وقيل: استخلفه عياض بن غنم الفهري، فأَقره عمر رضي الله عنه. قال الهيثم بن عدي: تُوفي سعيد بقيْسَارِية من الشام، وهو أَميرها سنة تسع عشرة، وقال أَبو نعيم: توفي بالرَّقة، وبها قبره، وقيل: توفي بحمص واليًا عليها بعد عياض بن غنم، وقَالَ ابْنُ سَعْد فِي الطّبقة الثالثة: مات سنة عشرين، وهو والٍ على بعض الشّام لعُمر، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، مِنْ طريق الزّهري، قال: مات في زمن عمر. وقالَ أَبُو بَكْرٍ الْبغْدَادِيُّ في تسمية من نزل حمص من الصّحابة: استعمله عُمر على حِمْص بعد عِيَاض، فوليها دونَ نصف سنة، ومات؛ ولي في المحرم سنة عشرين ومات في جمادى الأولى، وقال أبو عبيد: مات سنة إحدى وعشرين.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال