الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي
سِبط رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ورَيْحَانته، وقد سماه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فيما روى علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ قال: لما ولد الحسن سميته حربًا، فجاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال:"أَرُوِني ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ"؟ قلنا: حربًا، قال: "بَلْ هُوَ حَسَنٌ"، فلما ولد الحسين سميته حربًا، فجاء النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ"؟ قلنا: حربًا، قال: "بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ"، فلما ولد الثالث سميته حربًا، فجاء النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ"؟ قلنا: حربًا، قال:"بَلْ هُوَ مُحَسَّنٌ"، ثم قال: "سَمَّيتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ: شَبَّرٌ، وَشَبِيرٌ، وَمُشَبِّرٌ" ، وقال عمران بن سليمان: "الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية"، ويُكنى الحسين ــ رضي الله عنه ــ أبا عبد الله.
وقد وُلد الحسين ــ رضي الله عنه ــ لخمس خلوْن من شعبان سنة أربع، وقيل: سنة ثلاث؛ وقيل: سنة ست، وقيل سنة سبع، ولم يكن بين الحَمْلِ بالحسين بعد ولادة الحسن إلا طهر واحد، ولما ولد ــ رضي الله عنه ــ أذن النبي صَلَّى الله عليه وسلم في أذنه، وعَقَّ عنه كما عقَّ عن أخيه الحسن.
وروى سِمَاك أن أم الفضل امرأة العباس قالت: يا رسول الله رأيت فيما يرى النائم كأن عضوًا من أعضائك في بيتي؟ فقال: "خيرًا رأيت، تلد فاطمة غلامًا فترضعيه بلبان ابنك قُثَم"، قال: فولدت فاطمة الحسين، فكَفَلته أم الفضل، وقالت: فأتيتُ به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فهو يُنَزِّيه، ويُقَبِّله إِذْ بَالَ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "يا أم الفضل، أمسكي ابني فقد بَالَ عليَّ"، قالت: فأخذته فقرصته قَرصة بكى منها، وقلتُ: آذيتَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بُلْتَ عليه، فلما بكَى الصبي، قال: "يا أم الفضل، آذيتيني في بُنَيَّ أبكيتيه"، قال: ثم دعا بماء، فحدره عليه حدرًا، وقال: "إذا كان غلامًا؛ فاحدروه حدرًا، وإذا كانت جارية؛ فاغسلوه غسلًا".
أمه فاطمة ــ رضي الله عنها ــ بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وسيدة نساء العالمين؛ وأمها خديجة بنت خُوَيْلِد بن أَسَد ــ رضي الله عنها، وروت أم سلمة ــ رضي الله عنها ــ أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: جمع فاطمة، وحسنًا، وحسينًا، ثم أدخلهم تحت ثوبه، ثم جأر إلى الله فقال: "رب هؤلاء أهلي"، قالت أم سلمة: فقلت يا رسول الله: أدخلني معهم، فقال: "إنك من أهلي".
وروى حسن بن أسامة بن زيد بن حارثة قال: أخبرني أبي ــ أسامة بن زيد ــ قال: طرقت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذات ليلة؛ لبعض الحاجة، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو، فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشف فإذا حسن وحسين على وركيه فقال: "هذان ابناي، وابنا ابنتي، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما".
وروى أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم صلاة العشاء، فكان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أراد أن يرفع رأسه أخذهما بيده فوضعهما وضعًا رفيقًا، فإذا عاد عادا، حتى إذا صلى صلاته وضع واحدًا على فخذ، والآخر على الفخذ الأخرى، فقمت إليه فقلت: يا رسول الله ألا أذهب بهما؟ قال: "لا"، قال: فبرقت برقة، فقال: "الحقا بأمكما"، فلم يزالا في ضوئها حتى دخلا.
وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يصلي: فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره، ثم قال: "من أحبني؛ فليحب هذين"، وركب الحسين عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر فلما قضى صلاته، قالوا: يا رسول الله، لقد أطلتَ من السجود حتى ظننا أنه قد حدث أمر، قال: "إن ابني هذا ارتحلني، فكرِهت أن أعجله حتى يقضي حاجته".
وقد بلغ من حب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم للحسن والحسين ــ رضي الله عنهما ــ أنه قال صَلَّى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة ــ رضي الله عنه: "من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني".
روى يعلى العامري، أنه خرج مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى طعام دُعُوا له، قال فاستنتل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أمام القوم، قال: فإذا حسين مع الغلمان يلاعبهم قال: فأراد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يأخذه قال: فطفق الصبي يفر هاهنا مرة، وهاهنا مرة، وجعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه، فوضع إحدى يديه تحت قفاه، والأخرى تحت ذقنه، ووضع فاه على فيه فقبَّله، قال فقال: "حسين مني، وأنا منه، أحب الله من أحب حسينًا، حسين سبط من الأسباط".
جاء حسن وحسين يستبقان إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فضمّهما إليه، وقال: "الولد مبخلة مجبنة، وإن آخر وطأة وَطِئَهَا الله بِوَجٍّ"، وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "الحسَن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة".
وروى أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: كان الحسن والحسين يصطرعان بين يدي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ورسول الله يَقُولُ: "هَيَّ حَسَنُ"، قالت فاطمة: لِمَ تقول: "هَيَّ حَسَنُ"؟ قال: "إِنَّ جِبْرِيلَ يَقُولُ: هَيَّ حُسَيْنُ"، وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين وهما صبيان، فقال: "هاتوا ابنيّ حتى أعوذهما بما عَوّذ إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحاق"، فضمهما إلى صدره، ثم قال: "أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامّة، ومن كل عين لامّة"، ويقول: "هكذا كان إبراهيم يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق".
وفي وصف الحسين ــ رضي الله عنه ــ فقد روى الترمذي، عن علي ــ رضي الله عنه ــ قال: الحسن أشبه برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك.
وكانت إقامةُ الحسين ــ رضي الله عنه ــ بالمدينة إلى أن خرج مع أبيه إلى الكوفة فشهد معه الجَمل، ثم صِفّين، ثم قتال الخوارج، وبقي مع أبيه إلى أن قُتل، ثم مع أخيه إلى أن سلّم الأمر إلى معاوية، فتحوّل مع أخيه إلى المدينة، واستمر بها إلى أن مات معاوية، فخرج إلى مكة.
وكان الحسين ــ رضي الله عنه ــ فاضلًا، كثير الصوم، والصلاة، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها، حج الحسين خمسًا وعشرين حجة ماشيًّا.
كان الحسين بن علي يقول في وِتْره: "اللهم إنك تَرى، ولا تُرى وأنت بالمنظر الأعلى، وإن لك الآخرةَ، والأولى، وإنا نعوذ بك من أن نذلّ، ونخزى، وروى جعفر بن محمد، عن أبيه قال: جاء رجل من أهل مصر إلى حسن وحسين يوم عرفة، فسألهما عن صيام يوم عرفة؟ فوجد حسينًا صائمًا ووجد حسنًا مفطرًا، وقالا: كل ذلك حسن، وروى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: مرّ الحسين بمساكين يأكلون في الصفة، فقالوا: الغداء، فنزل، وقال: إِنّ الله لا يحب المتكبرين، فتغدى، ثم قال لهم: قد أجبتكم فأجيبوني، قالوا: نعم، فمضى بهم إلى منزله.
وروي عن أَبِي المُهَزِّم، قال: كنا مع جنازة امرأة، ومعنا أبو هريرة، فجيء بجنازة رجل، فجعله بينه وبين المرأة، فصلّى عليهما، فلما أقبلنا أعْيا الحسين، فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين: يا أبا هريرة، وأنت تفعل هذا؟ قال أبو هريرة: دعني فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم.
وروي أن معاوية بن أبي سفيان كان يلقى الحسين، فيقول: مرحبًا وأهلًا بابن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ويأمر له بثلاثمائة ألف.
وقد حَفِظَ الحسين ــ رضي الله عنه ــ عن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وروى عنه، وأخرج له أصحابُ السنن أحاديثَ يسيرة، وقد روى ــ رضي الله عنه ــ عن أبيه، وأمه، يقول: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "مَا مِنْ مُسْلِم وَلَا مُسْلِمَةٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، وَإِنْ قَدُمَ عَهْدَهَا، فَيَحْدُثُ لَهَا اسْتِرَجَاعًا إِلَّا أَحْدَثَ الله لَهْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَأَعْطَاهُ ثَوَابَ مَا وَعَدَهُ بِهَا يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا" ، وروى طلحة بن عبيد الله، عن الحسين بن علي قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَمَانُ أُمَّتِي مِنَ الغَرَقِ إِذَا رَكِبُوا البَحْرِ أَنْ يَقْرَءُوا: }بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَ مُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ { [هود/ 41]، وقال أبو عمر: رَوَى الحسين بن علي، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله: "مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"، وروى سنان بن أبي سنان الدؤليّ، عن الحُسين بن علي، عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حديثًا في ابن صائد: "اخْتَلَفْتُمْ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَأَنْتُمْ بَعْدِي أَشَدُّ اخْتِلَافًا".
فلما أصبح يَوْمَه الذي قتل فيه ــ رحمة الله عليه ــ قال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة، وأنت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة، واستشهد ــ رضي الله عنه ــ يوم الجمعة يوم عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين، وله يومئذ ست وخمسون سنة وخمسة أشهر.
وروى ابن أبي مليكة، قال: بينما ابن عباس جالس في المسجد الحرام وهو يتوقع خَبر الحسين بن عليّ، إلى أن أتاه أتٍ، فسارّه بشيء، فأظهر الاسترجاع، فقلنا: ما حدث يا أبا العباس؟ قال: مُصيبة عظيمة عند الله نحتسبها، أخبرني مولاي أنه سمع ابن الزبير يقول: قُتل الحسين بن علي، فلم يبرح حتى جاءه ابن الزبير، فعزّاه ثم انصرف، فقام ابن عباس فدخل منزله ودخل عليه الناس يعزُّونه.
وقال الربيع بن خُثَيْم حين قُتل الحسين: }اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{[سورة الزمر: 46].
وروى عبد الرحمن بن أبي نعيم أن رجلًا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب، فقال ابن عمر: انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وسمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا!" .