الرئيسية
الصحابة
فضائل
مواقف إيمانية
كرامات
الأوائل
الأنساب
الغزوات
فوائد
مسابقات
تسجيل الدخول
البريد الالكتروني :
كلمة المرور :
تسجيل
تسجيل مشترك جديد
المصادر
مختصر
موجز ما ذكر عنه في الكتب الأربعة
تفصيل ما ذكر عنه في الكتب الأربعة
ما ذكر عنه في الطبقات الكبير
ما ذكر عنه في الاستيعاب في معرفة الأصحاب
ما ذكر عنه في أسد الغابة
ما ذكر عنه في الإصابة في تميز الصحابة
مواقفه الإيمانية
التواضع
مواقف أخرى
طرف من كلامه
الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي
الحُسَيْنُ بن عَلي بن أبي طَالِب القُرَشي الهاشمي:
سِبط رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ورَيْحَانته، وقد سماه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فيما روى علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ قال: لما ولد الحسن سميته حربًا، فجاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال:
"أَرُوِني ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ"
؟ قلنا: حربًا، قال:
"بَلْ هُوَ حَسَنٌ"
، فلما ولد الحسين سميته حربًا، فجاء النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال:
"أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ"
؟ قلنا: حربًا، قال:
"بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ"
، فلما ولد الثالث سميته حربًا، فجاء النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال:
"أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ"
؟ قلنا: حربًا، قال:
"بَلْ هُوَ مُحَسَّنٌ"
، ثم قال:
"سَمَّيتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ: شَبَّرٌ، وَشَبِيرٌ، وَمُشَبِّرٌ"
(*)
أخرجه أحمد في المسند 1/ 98، 118، والبيهقي في السنن 6/ 166، 7/ 63 والحاكم في المستدرك 3/ 165، 180 والطبراني في الكبير 3/ 100 وابن حبان في صحيحه حديث رقم 2227 والبخاري في الأدب المفرد ص 82 وذكره الهيثمي في الزوائد 8/ 52
، وقال عمران بن سليمان: "الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية"، ويُكنى الحسين ــ رضي الله عنه ــ أبا عبد الله.
وقد وُلد الحسين ــ رضي الله عنه ــ لخمس خلوْن من شعبان سنة أربع، وقيل: سنة ثلاث؛ هذا قول الواقديّ وطائفة معه، وقيل: سنة ست، وقيل سنة سبع، وقالَ جَعْفر بْنُ مُحَمَّد: "لم يكن بين الحَمْلِ بالحسين بعد ولادة الحسن إلا طهر واحد"؛ فقال ابن حجر العسقلاني: "فإذا كان الحسن وُلد في رمضان، ووُلد الحسين في شعبان احتمل أن تكون ولدته لتسعة أشهر، ولم تطهر من النفاس إلا بعد شهرين"، ولما ولد ــ رضي الله عنه ــ أذن النبي صَلَّى الله عليه وسلم في أذنه، وعَقَّ عنه كما عقَّ عن أخيه الحسن، روى عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَذنَ في أُذني الحسين جميعًا بالصلاة
(*)
.
وروى سِمَاك أن أم الفضل امرأة العباس قالت: يا رسول الله رأيت فيما يرى النائم كأن عضوًا من أعضائك في بيتي؟ فقال:
"خيرًا رأيت، تلد فاطمة غلامًا فترضعيه بلبان ابنك قُثَم"
، قال: فولدت فاطمة الحسين، فكَفَلته أم الفضل، وقالت: فأتيتُ به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فهو يُنَزِّيه، ويُقَبِّله إِذْ بَالَ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال:
"يا أم الفضل، أمسكي ابني فقد بَالَ عليَّ"
، قالت: فأخذته فقرصته قَرصة بكى منها، وقلتُ: آذيتَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بُلْتَ عليه، فلما بكَى الصبي، قال:
"يا أم الفضل، آذيتيني في بُنَيَّ أبكيتيه"
، قال: ثم دعا بماء، فحدره عليه حدرًا، وقال:
"إذا كان غلامًا؛ فاحدروه حدرًا، وإذا كانت جارية؛ فاغسلوه غسلًا"
(*)
، وفي رواية قابوس، عن أم الفضل قالت: أعطني إزارك أغسله، فقال:
"إنما يصب على بول الغلام، ويغسل بول الجارية"
(*)
.
أمه فاطمة ــ رضي الله عنها ــ بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وسيدة نساء العالمين؛ وأمها خديجة بنت خُوَيْلِد بن أَسَد ــ رضي الله عنها، وروت أم سلمة ــ رضي الله عنها ــ أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: جمع فاطمة، وحسنًا، وحسينًا، ثم أدخلهم تحت ثوبه، ثم جأر إلى الله فقال:
"رب هؤلاء أهلي"
، قالت أم سلمة: فقلت يا رسول الله: أدخلني معهم، فقال:
"إنك من أهلي"
(*)
، وروى حسن بن أسامة بن زيد بن حارثة قال: أخبرني أبي ــ أسامة بن زيد ــ قال: طرقت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذات ليلة؛ لبعض الحاجة، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو، فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشف فإذا حسن وحسين على وركيه فقال:
"هذان ابناي، وابنا ابنتي، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما"
(*)
.
وروى أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم صلاة العشاء، فكان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أراد أن يرفع رأسه أخذهما بيده فوضعهما وضعًا رفيقًا، فإذا عاد عادا، حتى إذا صلى صلاته وضع واحدًا على فخذ، والآخر على الفخذ الأخرى، فقمت إليه فقلت: يا رسول الله ألا أذهب بهما؟ قال:
"لا"
، قال: فبرقت برقة، فقال:
"الحقا بأمكما"
، فلم يزالا في ضوئها حتى دخلا
(*)
، وفي رواية عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يصلي: فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره، ثم قال:
"من أحبني؛ فليحب هذين"
(*)
، وفي رواية أخرى: عن مهدي بن ميمون بسنده عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، قال: سجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في صلاة، فجاءه الحسن أو الحسين ــ قال مهدي: وأكبر ظني أنه حسين ــ فركب عنقه وهو ساجد فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر فلما قضى صلاته، قالوا: يا رسول الله، لقد أطلتَ من السجود حتى ظننا أنه قد حدث أمر، قال:
"إن ابني هذا ارتحلني، فكرِهت أن أعجله حتى يقضي حاجته"
(*)
.
وقد بلغ من حب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم للحسن والحسين ــ رضي الله عنهما ــ أنه قال صَلَّى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة ــ رضي الله عنه:
"من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني"
(*)
، وروى يعلى العامري، أنه خرج مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى طعام دُعُوا له، قال فاستنتل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أمام القوم، قال: فإذا حسين مع الغلمان يلاعبهم قال: فأراد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يأخذه قال: فطفق الصبي يفر هاهنا مرة، وهاهنا مرة، وجعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه، فوضع إحدى يديه تحت قفاه، والأخرى تحت ذقنه، ووضع فاه على فيه فقبَّله، قال فقال:
"حسين مني، وأنا منه، أحب الله من أحب حسينًا، حسين سبط من الأسباط"
(*)
، وقال يعلى العامري: جاء حسن وحسين يستبقان إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فضمّهما إليه، وقال:
"الولد مبخلة مجبنة، وإن آخر وطأة وَطِئَهَا الله بِوَجٍّ"
(*)
، وروى أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"الحسَن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة"
(*)
.
وروى جابر بن عبد الله، قال: دخل حسين بن علي من باب بني فلان، فقال جابر:
"مَنْ سَرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا"
، فأشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقوله
(*)
، وروى معاوية بن أبي مزرَّد، عن أبيه قال: سمعْت أبا هريرة يقول: أبصرت عيناي هاتان، وسمعَت أُذناي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو آخذُ بكفَّيْ حُسين، وقدَماهُ على قِدم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يقول:
"تََرَقَّ عَيْنَ بَقَّة"
، قال: فرقّى الغلام حتى وضع قدَميه على صدْرِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمَّ قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
"افتح فاك"
، ثم قبّله، ثم قال:
"اللَّهُمَّ أَحِبُّهُ، فَإِنِّي أُحِبُّه"
(*)
.
وروت فاطمة ــ رضي الله عنها ــ أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أتاها يومًا فقال:
"أين ابناي؟"
ــ يعني حسنًا وحسينًا ــ فقالت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق، فقال علي: أذهب بهما؛ فإني أتخوف أن يبكيا عليك، وليس عندك شيء، فذهب إلى فلان اليهودي، فتوجه إليه النبي صَلَّى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في شَرَبَة بين أيديهما فضل من تمر، فقال:
"يا علي، ألا تقلب ابني قبل أن يشتد عليهما الحر"
، فقال علي: أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست حتى أجمع لفاطمة تمرات، فجلس رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وعلي ينزع لليهودي دلوا بتمرة حتى اجتمع له شيء من تمر، فجعله في حجزته، ثم أقبل فحمل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أحدهما، وعليّ الآخر حتى قلبهما
(*)
.
وروى أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: كان الحسن والحسين يصطرعان بين يدي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ورسول الله يَقُولُ:
"هَيَّ حَسَنُ"
، قالت فاطمة: لِمَ تقول:
"هَيَّ حَسَنُ"
؟ قال:
"إِنَّ جِبْرِيلَ يَقُولُ: هَيَّ حُسَيْنُ"
(*)
، وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين وهما صبيان، فقال:
"هاتوا ابنيّ حتى أعوذهما بما عَوّذ إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحاق"
، فضمهما إلى صدره، ثم قال:
"أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامّة، ومن كل عين لامّة"
، ويقول:
"هكذا كان إبراهيم يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق"
(*)
.
وقال الأزرق بن قيس: قدم على النبي صَلَّى الله عليه وسلم أسقف نجران والعاقب، قال: فعرض عليهما رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الإسلام فقالا: إنا كنا مُسْلِمَين قبلك، قال:
"كذبتما إنه منع منكما الإسلام ثلاث: قولكما اتخذ الله ولدا، وأكلكما لحم الخنزير، وسجودكما للصّنم"
، فقالا فمن أبو عيسى؟ فما درى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما يردّ عليهما حتى أنزل الله تبارك وتعالى:
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}
إلى قوله:
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
[سورة آل عمران: 59 ـ 62] قال: فدعاهما رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى الملاعنة، وأخذ بيد فاطمة، والحسن، والحسين، وقال:
"هؤلاء بنيّ"
قال: فخلا أحدهما بالآخر، فقال: لا تلاعنه، فإنه إن كان نبيًّا فلا بقيّة، قال: فجاءا، فقالا: لا حاجة لنا في الإسلام، ولا في ملاعنتك، فهل من ثالثة، قال:
"نعم الجزية"
فَأَقَرَّا بها، ورجعا
(*)
، وقال قَتَادَةَ: لما أراد النبي صَلَّى الله عليه وسلم أن يباهل أهل نجران، أخذ بيد حسن وحسين، وقال لفاطمة:
"اتبعينا"
، فلما رأى ذلك أعداء الله رجعوا
(*)
.
وروى موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب لما دَوّن الديوان، وفرض العطاء ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر؛ لقرابتهما برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف، وروى جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: قدم على عمر حُلَل من اليمن، فكسا الناس، فراحوا في الحُلَل، وهو بين القبر والمنبر جالس، والناس يأتونه فيسلّمون عليه ويدعون، فخرج الحسن والحسين ابنا عليّ من بيت أمهما فاطمة بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يتخطيان الناس ــ وكان بيت فاطمة في جوف المسجد ــ ليس عليهما من تلك الحُلَل شيء، وعمر قاطب صَارّ بين عينيه، ثم قال: والله ما هنّاني ما كسوتكم قالوا: لِمَ يا أمير المؤمنين؟ كسوتَ رعيتك وأحسنت، قال: مِنْ أجل الغلامين يتخطيان الناس ليس عليهما منها شيء، كَبُرَت عنهما، وصَغُرا عنها، ثم كتب إلى صاحب اليمن: "أن ابعث إليّ بحلتين لحسن، وحسين، وعجّل"، فبعث إليه بحلتين فكساهما.
ووَلَدَ الحسين ــ رضي الله عنه ــ عليًّا الأكبر، وقُتل مع أبيه بالطف لا بقية له، وأمه آمنة بنت أبي مرة بن عُروة، من ثقيف؛ وأمها ابنة أبي سفيان بن حرب، وفيها يقول حسان بن ثابت:
طَافَتْ بِنَا شَمْسُ النَّهارِ ومن رَأَى من الناس شمسًا بالعشاء تَطُوفُ
أَبو أُمِّها
أَوْفى
قريشٍ
بذمةٍ وأعمامُها
إِما سألتَ
ثَقِيفُ
ووَلَدَ أيضًا عليًّا الأصغر، له العقب من ولد الحسين، وأمه أم ولد، وأخوه لأمه عبد الله بن زبيد، مولى الحسين بن علي، وهم ينزلون بينبع. وروى رزين بن عبيد، قال: شهدت ابن عباس، وأتاه علي بن حسين، فقال: مرحبًا بابن الحبيب. ووَلَدَ جعفرًا، لا بقية له؛ أمه السلافة، امرأة من بلي بن عمرو بن الحاف، وفاطمة، وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، وعبد الله، قُتل مع أبيه، وسكينة، وأمها الرباب بنت امرئ القيس، وفي الرباب وسكينة يقول الحسين بن علي ــ رضي الله عنهما:
لَعَمْرُكَ إنَّنِي
لَأُحِبُّ
دارًا تُضَيِّفُها سُكَينةُ والرَّبَابُ
أُحِبُّهُمَا وأبذلُ بعدُ مالي
وليس لِلَائِمي فيها عتابُ
وَلَسْتُ لهم وإن عَتِبُوا مُطِيعـًا حياتي أو يُغَـيِّبَني الترابُ
وفي وصف الحسين ــ رضي الله عنه ــ فقد روى الترمذي، عن علي ــ رضي الله عنه ــ قال: الحسن أشبه برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك، وقد روى العيْزار بن حريث، قال: رأيت على الحسين بن علي مطْرَفًا من خزّ قد خضب لحيته، ورأسه بالحناء، والكتم، وروى إبراهيم بن مهاجر، عن عامر قال: رأيت الحسين بن علي يخضب بالوسمة، ويختم في شهر رمضان، ورأيت عليه جبة خز، وروى إسرائيل، عن السدّي قال: رأيت الحسين بن علي ولحيته شديدة السواد ومعه ابنه عليّ، وجاء عن الحسين بن علي ــ رضي الله عنها ــ أنه كان يدّهن عند الإحرام بالزيت، ويَدْهُنُ أصحابه بالدهن المطيب، وروى المطلب بن زياد، عن السدي قال: رأيت حسين بن علي ــ رحمه الله ــ وإنّ جُمّته خارجة من تحت عمامته، وروى جعفر بن محمد، عن أبيه، أن الحسين بن علي ــ رحمه الله ــ تختّم في اليسار.
وكانت إقامةُ الحسين ــ رضي الله عنه ــ بالمدينة إلى أن خرج مع أبيه إلى الكوفة فشهد معه الجَمل، ثم صِفّين، ثم قتال الخوارج، وبقي مع أبيه إلى أن قُتل، ثم مع أخيه إلى أن سلّم الأمر إلى معاوية، فتحوّل مع أخيه إلى المدينة، واستمر بها إلى أن مات معاوية، فخرج إلى مكة، ثم أتته كتُب أهل العراق بأنهم بايعوه بعد مَوْت معاوية، فذهب إليهم.
وكان الحسين ــ رضي الله عنه ــ فاضلًا، كثير الصوم، والصلاة، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها، قال الزبير بن بكار: حدثني مصعب قال: "حج الحسين خمسًا وعشرين حجة ماشيًّا"، وفي رواية: ودوابه تقاد وراءه؛ فإذًا يكون قد حج وهو بالمدينة قبل دخولهم العراق منها ماشيًّا، فإنه لم يحج من العراق، وجمع ما عاش بعد مفارقة العراق تسع عشرة سنة وشهورًا، فإنه عاد إلى المدينة من العراق سنة إحدى وأربعين، وقتل أول سنة إحدى وستين، وقال بشر بن غالب: سمعت ابنَ الزّبير وهو يسأل حسين بن علي: يا أبا عبد الله، ما تقول في فكاك الأسير على مَنْ هو؟ قال: على القوم الذين أعانهم، وربما قال: قاتل معهم، قال سفيان: يعني يُقاتل مع أهلِ الذّمة فيفكّ من جِزْيتهم، قال: وسمعته يقول له: يا أبا عبد الله، متى يجب عطاءُ الصّبي؟ قال: إذا استهلّ وجب عطاؤه، ورزقه، وسأله عن الشّرْب قائمًا، فدعا بلقْحَة له، فحُلِبت، وشرب قائمًا وناوله، وكان يعلق الشّاة المصلية، فيطعمنا منها، ونحن نَمْشِي معه.
وروى الأوزاعي، عن شداد بن عبد الله قال: سمعت واثلة بن الأسقع، وقد جيء برأس الحسين، فلعنه رجل من أهل الشام، ولعن أباه، فقام واثلة، وقال: والله، لا أزال أحب عليًّا، والحسن، والحسين، وفاطمة بعد أن سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول فيهم ما قال، لقد رأيتني ذات يوم، وقد جئت النبي صَلَّى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة، فجاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى وقبله، ثم جاء الحسين، فأجلسه على فخذه اليسرى وقبله، ثم جاءت فاطمة، فأجلسها بين يديه، ثم دعا بعلي، ثم قال:
{إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}
أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 1883 كتاب فضائل الصحابة (44) باب (9) حديث رقم (61/ 2424) والترمذي في السنن 5/ 621 كتاب المناقب (50) باب (32) حديث رقم 3787 وقال أبو عيسى وهذا حديث غريب من هذا الوجه.
[الأحزاب/ 33]، قلت لواثلة: ما الرجس؟ قال: الشك في الله عز وجل.
قال محمد بن أبي محمد البصري: كان الحسين بن علي يقول في وِتْره: "اللهم إنك تَرى، ولا تُرى وأنت بالمنظر الأعلى، وإن لك الآخرةَ، والأولى، وإنا نعوذ بك من أن نذلّ، ونخزى، وروى جعفر بن محمد، عن أبيه قال: جاء رجل من أهل مصر إلى حسن وحسين يوم عرفة، فسألهما عن صيام يوم عرفة؟ فوجد حسينًا صائمًا ووجد حسنًا مفطرًا، وقالا: كل ذلك حسن، وقال محمد بن علي: كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان، ويعتدّان بالصلاة معه، وروى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: مرّ الحسين بمساكين يأكلون في الصفة، فقالوا: الغداء، فنزل، وقال: إِنّ الله لا يحب المتكبرين، فتغدى، ثم قال لهم: قد أجبتكم فأجيبوني، قالوا: نعم، فمضى بهم إلى منزله، فقال للرباب: أخرجي ما كنت تدّخرين، وروى أبو سعيد الكلبي قال: قال معاوية لرجل من قريش: إذا دخلت مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فرأيت حلقة فيها قوم كأنّ على رءوسهم الطير، فتلك حلقة أبي عبد الله ــ يعني: الحسين رضي الله عنه ــ مُؤْتَزِرًا على أنصاف ساقيه، ليس فيها من الهُزَيْلا شيء.
وروى أبو رافع، قال: كان علي بن أبي طالب يقول: إنا أهل بيت فينا ركنات منها رضاي بالحكَمين، وابني هذا ــ يعني الحسن ــ سيخرج من هذا الأمر، وأشبه أهلي بي الحسين.
وروى جُوَيْرِيَة بن أسماء، قال: خطب معاوية بن أبي سفيان ابنة عبد الله بن جعفر على يزيد بن معاوية، فشاور عبد الله حسينًا فقال: أَتُزَوِّجَهُ، وسيوفهم تقطر من دمائنا؟ ضُمها إلى ابن أخيك القاسم بن محمد، قال: إن عليّ ديَنًْا قال: دونك البُغَيْبِغَة، فاقض منها دينك، فقد علمت ما كان يصنع فيها عمك، فزوجها من القاسم، ووفد عبد الله إلى معاوية، فباعه البغيبغة بألف ألف، وكتب معاوية إلى مروان حُزْها، فركب مروان ليقبضها فوجد الحسين واقفًا على الشِّعْب، قال: من شاء فليدخله، والله لا يدخله أحد إلا وضعت فيه سهمًا، فرجع مروان، وكتب إلى معاوية، فكتب إليه معاوية أعرض عنها، وسوغ المال عبد الله بن جعفر، فلما هلك معاوية، وقُتل الحسين، أخذ يزيد بن معاوية البغيبغة، وفي رواية جعفر بن عبد الرحمن بن مسور، عن أبيه، عن المسور، أن معاوية كتب إلى مروان: زوّج يزيد من ابنة عبد الله بن جعفر، واقضِ عنه ديَنه خمسين ألف دينار، وصِلْه بعشرة آلاف دينار، فقال عبد الله بن جعفر: ما أقطع أمرًا دون الحسين، فشاوره، فقال: اجعل أمرها إليّ ففعل، واجتمعوا، فقال مروان: إن أمير المؤمنين أحب أن يزيد القرابة لُطْفًا، والحق عِظَمًا، وأن يتلافى صلاح هذين الحيين بالصهر، وقد كان من أبي جعفر في إجابة أمير المؤمنين ما حسّن فيه رأيه، وولي أمرها خالها، وليس عند حسين خلاف على أمير المؤمنين، فتكلم حسين، وقال: إن الله رفع بالإسلام الخسيسة، وأتم الناقصة، وأذهب اللوم، فلا لوم على مسلم، وإن القرابة التي عظّم الله حقها قرابتنا، وقد زوّجْتُ هذه الجارية، من هو أقرب نسبًا، وألطف سببًا القاسم بن محمد بن جعفر، فقال مروان: أغدرًا يا بني هاشم؟ وقال لعبد الله بن جعفر: يا ابن جعفر، ما هذه أيادي أمير المؤمنين عندك! قال: قد أعلمتك أني لا أقطع أمرًا فيها دون خالها، فقال حسين: نشدتكم الله، أتعلمونَ أن الحسن خطب عائشة بنت عثمان فولَّوْكَ أمرها فلما صِرنا في مثل هذا المجلس قلت: قد بدا لي أن أزوجها عبد الله بن الزبير؟ هل كان هذا يا أبا عبد الرحمن؟ يعني: المسور بن مخرمة ــ فقال: اللهم نعم، فقال مروان: إنما ألوم عبد الله، فأما حسين، فَوَغِر الصدر، فقال مسور: لا تحمل على القوم، فالذي صنعوا أوصل، وصلوا رحمًا، ووضعوا كريمتهم حيث أحبوا.
وروى عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: خطب سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر، وبعث إليها بمائة ألف، فدخل فيها الحسين، فشاورته، فقال: لا تَزَوَّجِيْه، فأرسلت إلى الحسن، فقال: أنا أزوّجه، فاتّعدوا لذلك، وحضر الحسن، وأتاهم سعيد ومَن معه، فقال سعيد: أين أبو عبد الله؟ قال له الحسن: أكفيك دونه، قال: فلعل أبا عبد الله كره هذا يا أبا محمد؟ قال: قد كان، وأكفيك، قال: إذًا لا أدخل في شيء يكرهه، ورجع ولم يعرض في المال ولم يأخذ منه شيئا.
وروى حسين بن علي قال: صعدت إلى عمر بن الخطاب المنبر، فقلت له: انزل عن منبر أبي، واصعد منبر أبيك، قال فقال لي: إن أبي لم يكن له منبر، فأقعدني معه، فلما نزل ذهب بي إلى منزله، فقال: أي بُنيّ! مَنْ علمك هذا؟ قال: قلت: ما علمنيه أحد، قال: أي بُنيّ! لو جعلت تأتينا وتَغْشَانا، قال: فجئت يومًا، وهو خالٍ بمعاوية، وابن عمر بالباب لم يؤْذََن له، فرجعت فلقيني بعد، فقال لي: يا بني، لم أرك أتيتنا قال: قلت: قد جئت وأنت خالٍ بمعاوية، فرأيت ابن عمر رجع فرجعت، قال: أنت أحق بالإذن من عبد الله بن عمر، إنما أنبت في رءوسنا ما ترى الله ثم أنتم، قال: ووضع يده على رأسه.
وروى العَيْزار بن حُرَيث، قال: بينما عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة إذ رأى الحسين بن علي مقبلًا، فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم، فقال أبو إسحاق: بلغني أن رجلًا جاء إلى عمرو بن العاص وهو جالس في ظل الكعبة فقال: عَليَّ رَقَبَةٌ من ولد إسماعيل، فقال: ما أعلمها إلا الحسن والحسين، وروى إبراهيم بن نافع، عن عمرو بن دينار قال: كان الرجل إذا أتى ابن عمر فقال: إنّ عليّ رقبة من بني إسماعيل قال: عليكَ بالحسن والحسين.
وروى حماد بن سلمة، عن أَبِي المُهَزِّم، قال: كنا مع جنازة امرأة، ومعنا أبو هريرة، فجيء بجنازة رجل، فجعله بينه وبين المرأة، فصلّى عليهما، فلما أقبلنا أعْيا الحسين، فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين: يا أبا هريرة، وأنت تفعل هذا؟ قال أبو هريرة: دعني فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم، وروى محمد بن أبي يعقوب الضبيّ، أن معاوية بن أبي سفيان كان يلقى الحسين، فيقول: مرحبًا وأهلًا بابن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ويأمر له بثلاثمائة ألف، وروى مدرك أبو زياد قال: كنا في حيطان ابن عباس، فجاء ابن عباس، وحسن، وحسين، فطافوا في البستان، فنظروا، ثم جاءوا إلى ساقية فجلسوا على شاطئها، فقال لي حسن: يا مدرك أعندك غداء؟ قلت: قد خبزنا، قال: ائت به، قال: فجئته بخبز وشيء من ملح جريش وطاقتين بقل فأكل، ثم قال: يا مدرك ما أطيب هذا، ثم أتى بغدائه وكان كثير الطعام طيبه، فقال: يا مدرك اجمع لي غلمان البستان، قال: فَقدَّم إليهم فأكلوا، ولم يأكل، فقلت: ألا تأكل؟ قال: ذاك كان أشهى عندي من هذا، ثم قاموا فتوضئوا ثم قُدِّمت دابة الحسن، فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوّى عليه، ثم جيء بدابة الحسين فأمسك له ابن عباس بالركاب، وسوّى عليه، فلما مضيا قلت: أنت أكبر منهما تمسك لهما، وتسوي عليهما! فقال: يا لكع، أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أوليس هذا مما أنعم الله عليّ به أن أمسك لهما وأسوي عليهما؟!
وروى يحيى بن سالم الموصلي، عن مولى الحسين بن علي قال: كنت مع الحسين بن علي فمرّ بباب فاستسقى، فخرجت إليه جارية بقدح مُفَضّض، فجعل ينزع الفضة فيرمي بها إليها، قال: اذهبي بها إلى أهلك، ثم شرب، وروى أبو جعفر قال: كان الحسن، والحسين يُعتقان عن علي، وروى جُعَيْد هَمْدَان قال: أتيت الحسين بن علي، وعلى صدره سُكَيْنَةُ بنت حسين، فقال: يا أخت كلب خذي ابنتك عني، فَسَاءَلَنِي فقال: أخبرني عن شباب العرب أو عن العرب، قال: قلت: أصحاب جُلاهِقَاتٍ وَمَجَالِس، قال: فأخبرني عن الموالي، قال: قلت: آكل ربا أو حريص على الدنيا، قال: فقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون، والله إنهما للصنفان اللذان كنا نتحدث أن الله تبارك وتعالى ينتصر بهما لدينه يا جُعيد همدان: الناس أربعة: منهم من له خُلُق وليس له خلاق، ومنهم من له خلاق وليس له خُلُق، ومنهم من له خُلُق وخلاق وذاك أفضل الناس، ومنهم من ليس له خُلُق ولا خلاق وذاك شر الناس.
وروى عمار بن معاوية الدُّهْني قال: حدثني أبو سعيد، قال: رأيت الحسن والحسين صليا مع الإمام العصر ثم أتيا الحجر فاستلماه، ثم طافا أسبوعًا وصليا ركعتين، فقال الناس: هذان ابنا بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فحطمهما الناس حتى لم يستطيعا أن يمضيا ومعهم رجل من الركانات، فأخذ الحسين بيد الركاني، ورد الناس عن الحسن، وكان يُجلّه، وما رأيتهما مَرّا بالركن الذي يلي الحَجَر من جانب الحِجْر إلا استلماه، قال: قلت لأبي سعيد: فلعلّهما بقي عليهما بقية من أسبوع قطعته الصلاة؟ قال: لا، بل طافا أسبوعًا تامًا، وروى سفيان قال: كان الحسين بن علي إذا أراد أن يدخل الحمام أتى الحيرة ــ يعني: أنهم ليست لهم حرمة.
وقد حَفِظَ الحسين ــ رضي الله عنه ــ عن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وروى عنه، وأخرج له أصحابُ السنن أحاديثَ يسيرة، وأورد له ابن ماجه، وأبو يَعْلى أحاديث، وقد روى ــ رضي الله عنه ــ عن أبيه، وأمه، وخاله هِند بن أبي هَالَة، وعن عمر، وروى عنه ــ رضي الله عنه ــ أخوه الحسن، وبنوه: علي زين العابدين، وفاطمة، وسُكينة، وحفيده الباقر، والشعبيّ، وعكرمة، وسنان الدؤلي، وكرز التيمي، وآخرون، فقد روى هشام بن زياد، عن أمه، عن فاطمة بنت الحسين أنها سمعت أباها الحسين بن علي يقول: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول:
"مَا مِنْ مُسْلِم وَلَا مُسْلِمَةٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، وَإِنْ قَدُمَ عَهْدَهَا، فَيَحْدُثُ لَهَا اسْتِرَجَاعًا إِلَّا أَحْدَثَ الله لَهْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَأَعْطَاهُ ثَوَابَ مَا وَعَدَهُ بِهَا يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا"
(*)
أخرجه أحمد في المسند 1/ 201 وذكره التبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم 1759 والهيثمي في الزوائد 2/ 334
، وروى طلحة بن عبيد الله، عن الحسين بن علي قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"أَمَانُ أُمَّتِي مِنَ الغَرَقِ إِذَا رَكِبُوا البَحْرِ أَنْ يَقْرَءُوا:
{بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَ مُرْْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}
(*)
[هود/ 41]، وقال أبو عمر: رَوَى الحسين بن علي، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله:
"مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"
(*)
، وروى سنان بن أبي سنان الدؤليّ، عن الحُسين بن علي، عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حديثًا في ابن صائد:
"اخْتَلَفْتُمْ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَأَنْتُمْ بَعْدِي أَشَدُّ اخْتِلَافًا"
(*)
.
وكان الحسين ــ رضي الله عنه ــ كارهًا لما فعله أخوه الحسن من تسليم الأمر إلى معاوية، وقال: أنْشُدُكَ الله أن تصدق أحْدُوثة معاوية، وتكذب أحدوثة أبيك، فقال له الحسن: اسكت، أنا أعلم بهذا الأمر منك.
وفي استشهاده ــ رضي الله عنه ــ فقد وردت أحاديث كثيرة تنبأت بذلك منها: أن عبد الله بن وهب بن زَمْعَة قال: أخبرتني أم سلمة أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، اضطجع ذات يوم للنوم، فاستيقظ فزعًا وهو خاثر، ثم اضطجع فرقد واستيقظ، وهو خاثر دون المرة الأولى، ثم اضطجع فنام، فاستيقظ ففزع، وفي يده تربة حمراء يقلبها بيده، وعيناه تهراقان الدموع، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ فقال:
"أخبرني جبريل أن ابْنِي الحسين يقتل بأرض العراق، فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها؟ فجاء بها، فهذه تربتها"
(*)
، وروى صالح بن أرْبَدَ النَّخَعِي قال: قالت أم سلمة: قال لي نَبيّ الله:
"اجلسي بالباب فلا يَلِجُ عَلَيّ أحد"
، فجاء الحسين وهو وصيف، فذهَبَتْ تَنَاوَلَهَ فسبقها فدخل، قالت: فلما طال عَليّ خفت أن يكون قد وَجَدَ عَلَيّ فتطلعت من الباب، فإذا في كفّ النبي صَلَّى الله عليه وسلم شيء يَقلِّبه والصبي نائم على بطنه، ودموعه تسيل، فلمّا أمرني أن أدخل، قلت: يا رسول الله، إن ابنك جاء، فذهبت أتناوله، فسبقني، فلما طال عَليّ خفت أن تكون قد وجدت عَليّ فتطلعت من الباب، فرأيتك تُقَلِّب شيئًا في كفك، والصبي نائم على بطنك، ودموعك تسيل، فقال:
"إن جبريل أتاني بالتربة التي يقتل عليها، وأخبرني أنّ أمتي يقتلوه"
(*)
، وروى عمار بن أبي عمّارٍ، عن ابن عباس قال: رأيت النبي صَلَّى الله عليه وسلم فيما يرى النائم بنصف النهار، وهو قائم، أشعث، أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي وأمي ما هذا؟ قال: "دم الحسين وأصحابه، أنا منذ اليوم التقطه"، قال: فأُحْصِي ذلك اليوم، فوجدوه قُتِلَ في ذلك اليوم
(*)
، وروى عامر الشّعبي، قال: قال عَلِيٌ ــ وهو على شاطئ الفرات: صبرًا أبا عبد الله، ثم قال: دخلت على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان، فقلت: أحدث حدث؟ فقال:
"أخبرني جبريل أن حسينًا يقتل بشاطئ الفرات، ثم قال: أتحب أن أريك من تربته؟ قلت: نعم فقبض قبضة من تربتها فوضعها في كفي، فما مَلَكْتُ عينيّ أن فاضتا"
(*)
، وروى شيبان بن مُخَزَّم ــ وكان عثمانِيًّا يبغض عليًّا ــ قال: رجع مع علي من صفين، قال: فانتهينا إلى موضع، قال: فقال: ما يسمى هذا الموضع؟ قال: قلنا: كَرْبَلَاء، قال: كربٌ وبلاءٌ، قال: ثم قعد على رابية، وقال: يُقْتَل هاهنا قوم أفضل شهداء على وجه الأرض، لا يكون شهداء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: قلت، بعض كذباته ورب الكعبة، قال: فقلت لغلامي وثمَّة: حمار مَيّت، جئني بِرِجْلِ هذا الحمار، فأوتدته في المقعد الذي كان فيه قاعدًا، فلما قُتِلَ الحسين، قلت لأصحابي: انطلقوا ننظر، فانتهينا إلى المكان، وإذا جسد الحسين على رِجْل الحمار وإذا أصحابه رَبَضَة حوله، وروى أبو عبيد الضبّيّ، قال: دخلنا على ابن هَرْثَم الضبّيّ حين أقبل من صفين ــ وهو مع علي ــ وهو جالس على دُكان، وله امرأة يقال لها: حرداء هي أشدّ حبًّا لعليّ، وأشدّ لقوله تصديقًا، فجاءت شاة فبعرت، فقال: لقد ذكرني بَعْر هذه الشاة حديثًا لعليّ، قالوا: وما عِلْمُ عليّ بهذا، قال: أقبلنا مَرْجِعَنا من صِفّين، فنزلنا كربلاء، فصلّى بنا عليّ صلاة الفجر بين شجرات، ودوحات حَرْمَل، ثم أخذ كَفًّا من بَعْر الغزلان، فشمّه، ثم قال: أوه، أوه، يُقْتَل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنة بغير حساب، قال: قالت حرداء: وما تُنِكر مِنْ هذا؟! هو أعلم بما قال منك، نادت بذلك وهي في جوف البيت.
وروى عبد الجبار بن عباس، عن عمار الدّهني، قال: مَرّ عَلِيٌّ على كعب، فقال: إنّ مِن وَلَدِ هذا لَرَجل يقتل في عصابة لا يَجِفّ عَرَقُ خيولهم حتى يردوا على محمد صَلَّى الله عليه وسلم، فمَرّ حسن، فقالوا: هو هذا يا أبا إسحاق؟ قال: لا، فَمّر حسين، فقالوا: هذا هو؟ فقال: نعم، وقال معاوية بن قُرّةَ: قال الحسين: والله لَيَعتَدُنّ علي كما اعْتَدَتْ بنو إسرائيل في السبت، وروى الحسين بن علي: والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العَلَقَة من جوفي، فإذا فعلوا، سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فَرَمِ الأمة، فقدم العراق، فقُتل بنينوى يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وقال العريان بن الهيثم: كان أبي يَتَبَدَّى فينزل قريبًا من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين، فكنا لا نبدوا إلا وجدنا رجلًا من بني أسد هناك، فقال له أبي: أراك ملازمًا هذا المكان، قال: بلغني أن حُسينًا يقتل هاهنا، فأنا أخرج لَعَلّي أصادفه، فأقتل معه، فلما قُتل الحسين، قال أبي: انطلقوا ننظر، هل الأسدي فيمن قُتِلَ فأتينا المعركة، فَطَوّفْنا فإذا الأسدي مقتول.
وقصة مقتل الحسين بن علي ــ رضي الله عنه ــ وردت من عدة طرق جمعها وأوردها ابن سعد ــ رحمه الله ــ في كتابه "الطبقات الكبير": أنه لما بايع معاوية بن أبي سفيان الناسَ ليزيد بن معاوية، كان حسين بن عليّ بن أبي طالب ممن لم يبايع له، وكان أهل الكوفة ــ قبل ذلك ــ يكتبون إلى حسين يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية، كل ذلك يأبَى، فَقَدِم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية، فطلبوا إليه أن يخرج معهم فأبَى، وجاء إلى الحسين، فأخبره بما عرضوا عليه، وقال: إنّ القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا، ويُشِيطُوا دماءنا، فأقام حسين على ما هو عليه مِنَ الهُمُوم، مَرّةً يريد أن يسير إليهم، ومَرّة يُجْمِع الإقامة، فجاءه أبو سعيد الخُدْرِيّ فقال: يا أبا عبد الله، إني لكم ناصح، وإني عليكم مُشْفِق، وقد بلغني أنه كَاتَبَك قومٌ من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج فإني سمعت أباك ــ رحمه الله ــ يقول بالكوفة: "والله لقد مَللتهم، وأَبْغَضْتُهم، وملّوني، وأبغضوني، وما بَلَوْت منهم وفاء، ومَن فاز بهم فاز بالسهم الأَخْيَب، والله ما لهم نِيّات، ولا عَزْم أمْر، ولا صَبْر على السيف"، وكان قد قدم المُسَيَّب بن نَجَبَةَ الفَزَارِيُّ، وعِدّة معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن، فدعوه إلى خلع معاوية، وقالوا: قد علمنا رأيك، ورأى أخيك فقال: إني أرجو أن يعطي الله أخي على نيّتِه في حُبِّه الكَفّ، وأن يعطيني على نِيّتي في حبّيّ جهاد الظالمين، وكتب مروان بن الحَكَم إلى معاوية: إني لست آمن أن يكون حسين مُرْصِدًا للفتنة، وأظن يومكم من حسين طويلًا، فكتب معاوية إلى الحسين: "إن من أعطى الله صَفَقَة يمينه، وعهده لجدير بالوفاء، وقد أنبِئْتُ أن قومًا من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق، وأهل العراق مَنْ قد جَرّبْت، قد أفسدوا على أبيك، وأخيك، فاتق الله، واذكر الميثاق، فإنك متى تَكِدْني أكِدْك، فكتب إليه الحسين: أتاني كتابك، وأنا بغير الذي بلغك عني جدير، والحسنات لَا يَهْدي لها إلا الله، وما أردتُ لك محاربة، ولا عليك خلافًا، وما أظن لي عند الله عذرًا في ترك جهادك، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر الأمة"، فقال معاوية: "إِنْ أَثَرْنا بأبي عبد الله إلا أسدًا"، وكتب إليه معاوية أيضًا في بعض ما بلغه عنه: إني لأظن أن في رأسك نزوة فوددت أني أدركتها، فأغفرها لك، ولما حُضِرَ معاوية، دعا يزيد بن معاوية، فأوصاه بما أوصاه به، وقال: انظر حسين بن عليّ ابن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فإنه أحب الناس إلى الناس، فصِلْ رَحِمَه، وأرفق به يصلح لك أمره، فإن يك منه شيء فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه، وتوفي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستين، وبايع الناس ليزيد، فكتب يزيد مع عبد الله بن عمرو بن أويس العامري ــ عامر بن لؤي ــ إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وهو على المدينة، أن ادع الناس فبايعهم، وابدأ بوجوه قريش، وليكن أول مَن تبدأ به الحسين بن علي، فإن أمير المؤمنين عهد إليّ في أمره الرفق به واستصلاحه، فبعث الوليد بن عُتبه من ساعته ــ نصف الليل ــ إلى الحسين بن عليّ، وعبد الله بن الزبير، فأخبرهما بوفاة معاوية، ودعاهما إلى البيعة ليزيد، فقالا: نصبح، وننظر ما يصنع الناس، ووثب الحسين، فخرج، وخرج معه ابن الزبير، وهو يقول: هو يزيد الذي تَعرف، والله ما حَدَثَ له حَزْم، ولا مروءة، وقد كان الوليد أَغْلَظَ للحسين فشتمه الحسين، وأخذ بعمامته، فنزعها من رأسه، فقال الوليد: إنْ هِجْنا بأبي عبد الله إلا أسَدًا، فقال له مروان أو بعض جلسائه: اقتله، قال: إنّ ذاك لدم مضنون في بني عبد مناف، فلما صار الوليد إلى منزله، قالت له امرأته أسماء ابنة عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أسببتَ حُسَينًا؟ قال: هو بدأ، فَسَبَّني، قالت: وإن سبك حسين تَسُبّه، وإنْ سَبّ أباك تسبّ أباه!! قال: لا، وخرج الحسين، وعبد الله بن الزبير من ليلتهما إلى مكة، فأصبح الناس، فغدوا على البيعة ليزيد، وطُلِبَ الحسين وابن الزبير فلم يُوجَدَا، فقال المِسْورَ بن مَخْرَمة: عَجِلَ أبو عبد الله، وابن الزبير الآن يَلْفِتُه، ويزْجِيه إلى العراق ليخلو بمكة، فقدما مكة، فنزل الحسين دار العباس بن عبد المطلب، ولَزِمَ ابن الزبير الحِجْر، ولبِسَ المَعَافِري، وجعل يحرض الناس على بني أمية، وكان يغدو ويروح إلى الحسين، ويشير عليه أن يَقْدَمَ العراق، ويقول: هم شيعتك، وشيعة أبيك، وكان عبد الله بن عباس ينهاه عن ذلك، ويقول: لا تفعل، وقال له عبد الله بن مطيع: أي فداك أبي وأمي مَتِّعنا بنفسك، ولا تَسِر إلى العراق فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم؛ ليتّخذُنّا خَولًا وعبيدًا، ولقيهما عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة بالأَبْواء منصرِفَيْن من العمرة، فقال لهما ابن عمر: الله أُذكِّركما، إلَا رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناسُ، وتنظرا، فإن اجتمع الناس عليه لم تَشُذَّا، وإن افتُرِق عليه كان الذي تُريدان، وقال ابن عمر لحسين: لا تخرج فإن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خَيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنّك بضعة منه، ولا تنالها ــ يعني الدنيا ــ فاعتنقه، وبكى، وودّعه، فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بن علي بالخروج، ولَعَمْري لقد رأى في أبيه وأخيه عِبْرة، ورأى من الفتنة، وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له ألا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس فإن الجماعة خير، وقال له أبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وأبو واقد الليثي، وسعيد بن المسيِّب، وأبو سَلَمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قريبًا من ذلك.
وكتب إليه المِسْوَر بن مَخْرَمَة: إياك أن تغتر بكتب أهل العراق، ويقول لك ابن الزبير: الْحَقْ بهم، فإنهم ناصروك، إياك أن تبرح الحَرَم، فإنهم إن كانت لهم بك حاجة، فسيضربون إليك آباط الإبل حتى يوافوك، فتخرج في قوة وعُدة، فجزاه خيرًا، وقال: أستخيرُ الله في ذلك، وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إليه كتابًا يحذّره أهل الكوفة، ويناشده الله أن يشخص إليهم، فكتب إليه الحسين: إِنّي رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأمرني بأمر أنا ماضٍ له، ولست بمخبر بها أحدًا حتى أُلَاقي عملي، وكتب إليه عَمرو بن سعيد بن العاص قريبًا من ذلك، وكَتَبَتْ إليه عَمْرةُ بنت عبد الرحمن: تعظّم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه، وتقول: أشهد لحدّثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول:
"يقتل حسين بأرض بابل"
(*)
، فلما قرأ كتابها قال: فَلابُدَّ لي إذًا من مَصرعي، ومضى.
وكتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس يخبره بخروج الحسين إلى مكة، ونحسبه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمَنّوه الخلافة، وعندك منهم خِبْرة، وتجربة، فإن كان فَعَلَ فقد قَطَعَ واشِجَ القرابة، وأنت كبير أهل بيتك، والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة، وكتَب بهذه الأبيات إليه، وإلى مَنْ بمكة والمدينة من قريش:
يا أيها
الراكبُ
الغادِي
لِطَيَّتِه على عُذَافِرَةٍ
في
سيرها
قُحَمُ
أبلغ قريشًا على نَأيْ المزار
بها بيني وبين
حسين الله
والرَّحِمُ
وموقف
بفناء
البيت
أنْشُدُهُ عهدُ الإله وما تُوْفَى بِهِ
الذّمَمُ
عَنّيتُمُ
قَوْمَكم
فخرًا
بأُمِّكُمُ أمٌّ
لَعَمْرِي
حَصَانٌ
عَفّةٌ
كَرَمُ
هي التي لا يُدَانِي فَضْلَها
أحدُ بِنْتُ الرسولِ وخيرُ النّاسِ قد عَلِمُوا
وفضلها
لَكُمُ
فَضْلٌ
وغَيرُكُمُ من قَومْكم لَهُمُ في
فَضْلها قِسَمُ
إنّي
لأعَلَمُ
أوْ
ظَنًّا
كَعَالِمِهِ والظنّ
يصْدُقُ
أحيانًا
فينْتَظِمُ
أن سوفَ يتْرُكُكُم ما تَدُّعونَ
بها قَتْلَى
تَهادَاكُمُ
العِقْبانُ
والرّخَمُ
يا قومنا لا تُشِبُّوا الحربَ إذ سكنت وَمَسِّكوا بحال السّلْمِ
واعتصموا
قد غَرّتِ الحربُ من قد كان قبَلَكُم من القرونِ وقد بادتْ بها الأُمَمُ
فأنْصِفوا قومكم لا تَهْلكوا بَذَخًا فرُبَّ ذي بَذَخٍ
زَلَّتْ
به
القَدَمُ
فكتب إليه عبد الله بن عباس: إني أرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه، ولست أَدَع النصيحة له فيما يجمع الله به الأُلْفَة، ويطْفِئ به النّائِرَة، ودخل عبد الله بن عباس على الحسين: فكلَّمه ليلًا طويلًا وقال: أنشدك الله أن تهلك غدًا بحال مَضْيَعَة، لا تأت العراق، وإن كنْتَ لابد فاعلًا فأقم حتى ينقضي المَوْسِم، وتلقى الناس، تعلم على ما يَصْدُرون، ثم ترى رأيك، وذلك في عشر ذي الحجة سنة ستين، فأبى الحسين إلا أن يمضي إلى العراق، فقال له ابن عباس: والله إني أظنّك ستقتل غدًا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان بين نسائه وبناته، والله إني لأخاف أن تكون الذي يُقَاد به عثمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الحسين: أبا العباس إنك شيخ قد كَبِرْت، فقال ابن عباس: لولا أن يُزْرِي ذلك بي أو بك لنَشَّبت يَدَي في رأسك، ولو أعلم أنا إذا تناصينا أقمتَ، لفعلتُ، ولكن لا أخَال ذلك نافعي، فقال له الحسين: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي أن تُسْتَحَل بي ــ يعني مكة ــ قال: فبكى ابن عباس، وقال: أقررتَ عَين ابن الزبير فذلك الذي سَلّى بنفسي عنه، ثم خرج عبد الله بن عباس من عنده وهو مُغْضَب، وابن الزبير على الباب، فلما رآه قال: يابن الزبير قد أتى ما أحببت، قرَّت عينك، هذا أبو عبد الله يخرج، ويتركك والحجاز
يا
لَكِ
مِنْ
قُبَّرَةٍ
بمَعْمَرِ
خَلَا لَكِ الجوُّ فَبِيضِي واصْفِرِي
ونَقِّرِي
ما شِئِتِ أَنْ تُنَقِّرِي
وبعث حسين إلى المدينة، فقدم عليه من خَفّ معه من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلًا ونساء وصبيان من أخواته وبناته ونسائهم، وتبعهم محمد بن الحنفية، فأدرك حسينًا بمكة، وأعْلَمَه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبى الحسين أن يقبل، فحبس محمد بن علي وَلَده فلم يبعث معه أحدًا منهم، حتى وَجَدَ الحسين في نفسه على محمد، وقال: تَرْغَبُ بولدك عن موضع أصَابُ فيه؟! فقال محمد: وما حاجتي أن تصابَ ويُصَابُون معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم! وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل، والكتب يدعونه إليهم، فخرج متوجهًا إلى العراق في أهل بيته وستين شيخًا من أهل الكوفة، وذلك يوم الاثنين في عَشْرِ ذِي الحجة سنة ستين، فكتب مروان إلى عُبيد الله بن زياد، أما بعد: فإن الحسين بن عليّ قد توجه إليك، وهو الحسين بن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وبالله ما أحد يُسلِّمه الله أحب إلينا من الحسين، فإياك أن تهيّج على نفسك ما لا يسده شيء ولا تنساه العامّة ولا تَدَعْ ذِكْرَه، والسلام، وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص، أما بعد: فقد توجه إليك الحسين، وفي مثلها تُعتق أو تكون عبدًا تسترق كما تسترق العبيد.
قال سفيان بن عيينة: حدثني لَبَطَة بن الفرزدق ــ وهو في الطواف وهو مع ابن شبرمة ــ قال: أخبرني أبي، قال: خرجنا حُجاجًا، فلما كنا بالصِّفاح إذا نحن بركب عليهم اليَلَامِق ومعهم الدُّرق، فلما دنوت منهم إذا أنا بحسين بن عليّ، فقلت: أي أبو عبد الله، قال: فرزدق، ما وراءك؟ قال: أنت أحب الناس، والقضاء في السماء، والسيوف مع بني أمية، قال: ثم دخلنا مكة فلما كُنّا بمنى، قلت له: لو أتينا عبد الله بن عمرو، فسألناه عن حُسين، وعن مخرجِه،ِ فأتينا منزله بمنى، فإذا نحن بصبية له سود مولّدين يلعبون قلنا: أين أبوكم؟ قالوا: في الفسْطَاط توضأ، فلم نلبث أن خرج علينا من فسْطَاطه، فسألناه عن حسين، فقال: أَمَا إنه لا يَحِيكُ فيه السلاح، قال: فقلت له: تقول هذا فيه، وأنت الذي قاتلته وأبها، فسبّني فسببته، ثم خرجنا حتى أتينا مَاءً لنا يقال له: تِعْشَار، فجعل لا يمر بنا أَحَدٌ إلا سألناه عن حسين، حتى مر بنا ركب فناديناهم: ما فعل حسين بن علي؟ قالوا: قُتِلَ، فقلت: فعل الله بعبد الله بن عمرو وفعل، قال سفيان: ذهب الفرزدق إلى غير معنى أو قال الوجه، إنما قال: لا يَحِيْكُ فيه السلاح، ولا يضره القتل مع ما قد سبق له، وروى مروان الأصفر، قال: حدثني الفرزدق بن غالب، قال: لما خرج الحسين بن علي ــ رحمه الله ــ لقيت عبد الله بن عمرو، فقلت له: إنّ هذا الرجل قد خرج فما ترى؟ قال: أرى أن تخرج معه، فإنك إن أردتَ دنيا أصبتها، وإن أردتَ آخرة أصبتها، قال: فَرَحلْتُ نحوه، فلما كنتُ في بعض الطريق بلغني قتله، فرجعتُ إلى عبد الله بن عمرو، فقلت: أين ما قلتَ لي؟ قال: كان رأيا رأيته، وقال إسماعيل بن يسار: لقي الفرزدق حسينًا بالصّفَاح فسلم عليه، فوصله بأربعمائة دينار، فقالوا: يا أبا عبد الله، تعطي شاعرًا مُبْتَهِرا، قال: إن خير ما أمضيت من مالك ما وَقَيْتَ به عرضك، والفرزدق شاعر لا يُؤْمَن، فقال قوم لإسماعيل: وما عسى أن يقول في الحسين، ومكانه مكانه، وأبوه وأمه مَن قد علمت، قال: أسكتوا فإن الشاعر ملعون، إن لم يقل في أبيه وأمه قال في نفسه، وقال يزيد الرِّشْك: حدثني مَنْ شَافَهَ الحسين، قال: رأيت أبنية مضروبة بفلاة من الأرض، فقلت: لِمَنْ هذه؟ قالوا: هذه لحسين قال: فأتيته فإذا شيخ يقرأ القرآن، قال: والدموع تسيل على خدّيه ولحيته، قال: قلت: بأبي وأمي يابن رسول الله، ما أنزلك هذه البلاد، والفلاة التي ليس بها أحد؟ قال: هذ كتب أهل الكوفة إليّ، ولا أراهم إلّا قاتليّ، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا الله حرمة إلّا انتهكوها، فيسلّط الله عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذلّ من فَرَمِ الأَمة ــ يعني مقنعتها، وقد كان الحسين قدَّمَ مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة المرادي، وينظر إلى اجتماع الناس عليه، ويكتب إليه بِخَبَرِهم، فقدم مسلم بن عقيل الكوفة مستخفيًّا، وأتته الشيعة، فأخذ بيعتهم، وكتب إلى حسين بن علي: إني قدمت الكوفة، فبايعني منهم إلى أن كتبت إليك ثمانية عشر ألفًا، فعجّل القدوم، فإنه ليس دونها مانع، فلما أتاه كتاب مسلم أغذّ السّير حتى انتهى إلى زُبَالة، فجاءت رُسُل أهل الكوفة إليه بديوان فيه أسماء مائة ألف، وكان النعمان بن بَشير الأنصاري على الكوفة في آخر خلافة معاوية، فهلك وهو عليها، فخاف يزيد ألا يُقْدِمَ النعمانُ على الحسين، فكتب إلى عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان وهو على البصرة، فضم إليه الكوفة، وكتب إليه بإقبال الحسين إليها، فإن كان لك جناحان فطر حتى تسبق إليها، فأقبل عبيد الله بن زياد على الظهر سريعًا حتى قدم الكوفة، فأقبل متعممًا متنكرًا حتى دخل السوق، فلما رأته السّفلة وأهل السوق خرجوا يشتدون بين يديه، وهم يظنون أنه حسين، وذاك أنهم كانوا يتوقعونه، فجعلوا يقولون لعبيد الله: يابن رسول الله، الحمدُ لله الذي أراناك، وجعلوا يقبِّلون يده ورِجْله، فقال عبيد الله: لشدّ ما فَسَدَ هؤلاء، ثم مَضَى حتى دخل المسجد، فصلى ركعتين، ثم صَعد المنبر، وكَشفَ عن وجهه، فلما رآه الناس مالَ بعضهم على بعض، وأقشعوا عنه، وبَنَى عبيد الله بن زياد تلك الليلة بأهله أم نافع بنت عمارة بن عُقْبة بن أبي مُعَيْط، وأتى تلك الليلة برسول الحسين بن علي قد كان أرسله إلى مُسلم بن عقيل يقال له: عبد الله بن بقطر، فقتله، وكان قَدِمَ مع عبيد الله من البصرة شريك بن الأعور الحارثي، وكان شيعة لعليّ، فنزل أيضًا على هانئ بن عُروة، فاشتكى شريك، فكان عبيد الله يَعوده في منزل هانئ، ومُسلم بن عقيل هناك لا يعلم به، فهيئوا لعبيد الله ثلاثين رجلًا يقتلونه إذا دخل عليهم، وأقبل عبيد الله فدخل على شريك يسأل به، فَجعل شريك يقول:
ما تنظرون بسلمى أن تحيّوها
اسقوني ولو كانت فيها نفسي، فقال عبيد الله: ما يقول؟ قالوا: يَهْجر، وتحشحش القوم في البيت، فأنكر عبيد الله ما رأى منهم، فَوَثَب، فخرج ودعا مولى لهانئ بن عروة كان في الشرطة فسأله فأخبره الخبر، فقال: أولا، ثم مضى حتى دخل القصر، وأرسل إلى هانئ بن عروة، وهو يومئذ ابن بضع وتسعين سنة، فقال: ما حملك على أن تُجير عدوّي، وتنطوي عليه؟ فقال: يابن أخي إنه جاء حَقٌ هو أَحَقُّ من حَقِّك، وَحَقِّ أهل بيتك، فوثب عبيد الله، وفي يده عَنَزَة، فضرَبَ بها رأس هانئ حتى خرج الزُجّ، واغترز في الحائط ونثر دماغ الشيخ؛ فقتله مكانه، وبلغ الخبرُ مُسْلِمَ بن عقيل، فخرج في نحو من أربعمائة من الشيعة، فما بلغ القصر إلّا وهو في نحو ستين رجلًا، فغربت الشمس، واقتتلوا قريبًا من الرحبة، ثم دخلوا المسجد، وكَثَرَهُمْ أصحاب عبيد الله بن زياد، وجاء الليل فهرب مسلم حتى دخل على امرأة من كِنْدَة يقال لها: طوعة، فاستجارَ بها، وعلم بذلك محمد بن الأشعث بن قَيْس، فأخبر به عبيد الله بن زياد، فبعثَ إلى مسلم فجيء به فأنّبه، وبكّته، وأمر بقتله، فقال: دَعني أوصي، قال: نعم، فنظر إلى عمر بن سعد بن أبي وقّاص، فقال: إن لي إليك حاجة، وبيني وبينك رَحِم، فقال عبيد الله: انظر في حاجة ابن عمك، فقام إليه، فقال: يا هذا، إنه ليس ها هنا رجل من قريش غيرك، وهذا الحسين بن علي قد أظلك، فأرسلْ إليه رسولًا، فلينصرف، فإن القوم غرّوه، وخدعوه، وكذبوه، وإنه إن قتل لم يكن لبني هاشم بعده نظام، وعليّ دَيْن أخذته منذ قدمت الكوفة، فاقضه عني، واطلب جثتي من ابن زياد فَوَارها، فقال له ابن زياد: ما قال لك؟ فأخبره بما قال، فقال: قل له: أمّا مالك فهو لك لا نمنعك منه، وأما حُسين، فإن تَرَكَنَا لم نُرِدُه، وأما جثته، فإذا قتلناه لم نبال ما صُنِعَ به، ثم أمر به فقتل، فقال عبد الله بن الزَّبِيْر الأسدي في ذلك:
إن كُنْتِ لا تَدْرِين ما الموتُ فانْظُري إلى هانئ في السوقِ وابنِ عقيلِ
تَرَي جَسَدًا قد غَيَّرَ الموتُ لَونَه ونَضْحَ دمٍ قد سَالَ كُلَّ مَسِيلِ
أصابَهما
أمرُ
الإمامِ
فأصبحا أحاديثَ من يَهوى بكلِ سبيلِ
تَرَيْ بَطَلًا قد هشّم السيفُ رأَسَه وآخرَ يَهوي من طَمار قتيل
أيركبُ
أسماءُ
الهماليجَ
آمنًا وقد
طَلَبَتْهُ
مَذْحجٌ بقتيلِ
فإنْ
أنتمُ
لم
تثأروا
بأخيكمُ فكونوا بَغَايَا أُرْضِيَت بقليلِ
يعني: أسماء بن خَارِجة الفَزَاري، كان عُبيد الله بن زياد بعثه، وعمرو بن الحجّاج الزبيدي إلى هانئ بن عُروة، فأعطياه العهود، والمواثيق، فأقبل معهما حتى دخل على عبيد الله بن زياد، فقتله.
وقضَى عمر بن سعد دَيْن مُسلم بن عَقِيل، وأخذ جثته، فكفّنه، ودفنه، وأرسل رجلًا إلى الحسين، فحَمَله على ناقة، وأعطاه نفقة، وأمره أن يبلّغه ما قال مُسلم بن عقيل، فلقيه على أربعِ مراحل فأخبره، وبعثَ عُبيد الله برأس مُسْلم بن عقيل، وهانئ بن عُروة إلى يزيد بن معاوية، وبلغ الحُسين قَتْلُ مسلم وهانئ، فقال له ابنه علي الأكبر: يا أبه، ارجع فإنهم أهل العراق وغَدْرهم، وقِلّة وفائهم، ولا يَفون لك بشيء، فقالت بنو عقيل لحسين: ليس هذا بحين رجوع، وحرضوه على المضي، فقال حسين لأصحابه: قد تَرون ما يأتينا، وما أرى القوم إلاّ سَيخذلوننا، فمن أحبَّ أن يرجع، فليرجع، فانصرفَ عنه الذين صاروا إليه في طريقه، وبقي في أصحابه الذين خرجوا مَعَهُ مِنْ مِكّة ونُفَيْرٌ مِنْ صَحْبِهِ في الطريق، فكانت خيلهم اثنين وثلاثين فرسًا، وجَمع عُبيد الله المقاتلة، وأمر لهم بالعطاء، وأعطى الشُرَطَ، ووجّه حصينَ بن تميم الطُّهْوي، إلى القادسية، وقال له: أقم بها فمن أَنْكَرْتَه؛ فخذه، وكان حسين قد وجّه قيس بن مسهر الأسدي إلى مسلم بن عقيل قبل أن يبلغه قتله، فأخذه حصين فوجّه به إلى عبيد الله، فقال له عبيد الله: قد قتل الله مسلما فأقم في الناس فاشتم الكذاب ابن الكذاب، فصعد قيس المنبر فقال: أيها الناس إني تركت الحسين بن علي بالحاجر، وأنا رسوله إليكم، وهو يستنصركم فأمر به عبيد الله فطرح من فوق القصر فمات، ووجه الحُصَين بن تميم الحر بن يزيد اليربوعي، من بني رياح في ألف إلى الحسين، وقال: سايره، ولا تَدَعه يرجع حتى يدخل الكوفة، وجَعْجِعْ به، ففعل ذلك الحر بن يزيد، فأخذ الحسين طريق العُذَيْب حتى نزل الجوف مسقط النجف مما يلي المائتين، فنزل قصر أبي مقاتل، فَخَفَقَ خَفْقَة، ثم انتبه يسترجع، وقال: إني رأيتُ في المنام آنفا فارسًا يسايرنا، ويقول: القومُ يَسْرُون، والمنايا تَسْرِي إليهم، فعلمتُ أنه نُعي إلينا أنفسنا، ثم سار حتى نزل بكَرْبلاء فاضطرب فيه، ثم قال: أي منزلٍ نحن به؟ قالوا: بكربلاء، فقال: يوم كربٍ وبَلَاء، فوجه إليه عبيد الله بن زياد عمر بن سعد بن أبي وقّاص في أربعة آلاف، وقد كان استعمله قبل ذلك على الرَّي وهَمذان، وقطع ذلك البعث معه، فلما أمره بالمسير إلى حسين تأبّى ذلك، وكَرِهَه، واستعفى منه، فقال له ابن زياد: أُعْطِي الله عهدًا لئن لم تَسر إليه وتُقدِم عليه، لأعزلنك عن عَملك، وأَهدم دارك، وأضرب عنقك، فقال: إذًا أفعل، فجاءته بنو زهرة، قالوا: ننشدك الله أن تكون أنت الذي تَلِي هذا من حسين، فتبقى عداوة بيننا وبين بني هاشم، فرجع إلى عبيد الله فاستعفاه فأبى أن يُعْفِيَه، فصمّم وسار إليه، ومع حسين يومئذ خمسون رجلًا، وأتاهم من الجيش عشرون رجلًًا، وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلًا، فلما رأى الحسين عمر بن سعد، قد قَصَدَ له فيمن مَعَه قال: يا هؤلاء، اسمعوا يرحمكم الله ما لنا ولكم؟ ما هذا بكم يا أهل الكوفة؟ قالوا: خِفْنا طرح العطاء قال: ما عند الله من العطاء خير لكم يا هؤلاء، دعونا، فنرجع من حيث جئنا، قالوا: لا سبيل إلى ذلك قال: فدعوني أمضي إلى الرّي، فأجاهد الدّيْلم، قالوا: لا سبيل إلى ذلك، قال: فدعوني أذهب إلى يزيد بن معاوية، فأضع يَدِي في يَدِه، قالوا: لا، ولكن ضع يَدَكَ في يَدِ عبيد الله بن زياد، قال: أما هذه فلا، قالوا: ليس لك غيرها، وبلغ ذلك عبيد الله بن زياد فهَمّ أن يُخلِّي عنه، وقال: والله ما عرض لشيء من عملي، وما أراني إلا مخل سبيله يذهب حيث شاء، فقال شِمْر بن ذي الجوشَن الضبابي: إنك والله إن فعلت وَفَاتَك الرجل لا تستَقِيلها أبدًا، وإنما كان هِمّةُ عبد الله أن يثبت على العراق فكتب إلى عمر بن سعد:
الآن حين تَعلْقَتْه حِبَالُنا يَرْجُو النجاة وَلَاتَ حِينَ مَنَاصِ
فناهِضْه، وقال لشِمْر بن ذي الجوشن: سر أنت إلى عمر بن سعد فإن مضى لما أمَرْتُه، وقاتل حسينًا، وإلا فاضرب عنقه وأنت على الناس، قال: وجعل الرجل، والرجلان، والثلاثة يتسللون إلى حسين من الكوفة، فبلغ ذلك عبيد الله، فخرج فعسكر بالنخَيْلة، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث، وأخذ الناسَ بالخروج إلى النخيلة، وَضَبَطَ الجسر، فلم يترك أحدًا يجوزه، وعقد عبيد الله للحصين بن تميم الطُّهْوِي على ألفين، ووجهه إلى عمر بن سعد، مددًا له، وقدم شِمْر بن ذي الجوشن الضبابي على عمر بن سعد بما أمره به عبيد الله عشية الخميس لتسع خلون من المحرم سنة إحدى وستين بعد العصر، فنودِي في العسكر فركبوا، وحسين جالس أمام بيته محتبيًّا، فنظر إليهم قد أقبلوا فقال للعباس بن علي بن أبي طالب: الْقَهم فاسألهم ما بدا لهم، فسألهم، فقالوا: أتانا كتاب الأمير يأمرنا أن نعرض عليك أن تنزل على حكمه أو نناجزك، فقال: انصرفوا عنا العشية حتى ننظر ليلتنا هذه فيما عرضتم، فانصرف عمر، وجمع حسين أصحابه في ليلة عاشوراء ليلة الجمعة، فحمد الله، وأثنى عليه، وذكر النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وما أكرمه الله به من النبوة، وما أنعم به على أمته، وقال: إني لا أحسب القوم إلا مقاتلوكم غدًا، وقد أذنت لكم جميعًا، فأنتم في حِلّ مني، وهذا الليل قد غشيكم، فمن كانت له منكم قوة فلضمَّ رجلًا من أهل بيتي إليه، وتفرقوا في سوادكم حتى يأتي الله:
{بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَآ أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ}
[سورة المائدة: 52] فإن القوم إنما يطلبونني، فإذا رأوني؛ لَهَوْا عن طلبكم، فقال أهل بيته: لا أباقنا الله بعدك، لا والله لا نفارقك حتى يصيبنا ما أصابك، وقال ذلك أصحابه جميعًا، فقال: أثابكم الله على ما تَنْوُون الجنة، وروى أبو الجحّاف، عن أبيه أن رجلًا من الأنصار أتى الحسين فقال: إن عَلَيَّ دينًا فقال: لا يقاتل معي من عليه دين، وروى الأسود بن قيس العبدي، قال: قيل لمحمد بن بشير الحضرمي: قد أسر ابنك بثغر الري! قال: عند الله احتسبه ونفسي، ما كنت أحب أن يؤسر، ولا أن أبقى بعده، فسمع قوله الحسين فقال له: رحمك الله أنت في حِلّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك، قال: أكلتني السباع حيًّا إن فارقتك قال: فاعط ابنك هذه الأثواب، والبرود يستعين بها في فكاك أخيه، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.
فلما أصبح يَوْمَه الذي قتل فيه ــ رحمة الله عليه ــ قال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة، وأنت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة، ثم قال حسين لعمر وأصحابه: لا تعجلوا حتى أخبركم خبري، والله ما أتيتكم حتى أتتني كتب أَمَاثِلكم، بأن السُّنَّة قد أُميتت، والنفاق قد نجم، والحدود قد عُطِّلت، فاقدمْ لعلّ الله تبارك وتعالى يصلح بك أمة محمد صَلَّى الله عليه وسلم فأتيتكم، فإذا كرهتم ذلك فأنا راجع عنكم، وارجعوا إلى أنفسكم فأنظرو هل يصلح لكم قتلي أو يحل لكم دمي؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن ابن عَمِّه؟ وابن أول المؤمنين إيمانًا؟ أَوَ لَيْس حمزة، والعباس، وجعفر عمومتي؟ أو لم يبلغكم قول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فِيَّ وفي أخي:
"هذان سيدا شباب أهل الجنة"؟
(*)
فإن صدقتموني، وإلا فاسألوا جابر بن عبد الله، وأبا سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، فقال شِمْر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول، فأقبل الحر بن يزيد أحد بني أحد بني رِيَاح بن يربوع على عمر بن سعد فقال: أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: نعم، قال: أما لكم في واحدة من هذه الخصال التي عرض رضًا؟ قال: لو كان الأمر إليّ فعلت، فقال سبحان الله ما أعظم هذا، أن يعرض ابن بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عليكم ما يعرض فتأبونه، ثم مال إلى الحسين فَقَاتَل معه حتى قُتِل، ففي ذلك يقول الشاعر المتوكل الليثي:
لَنِعم الحر حُر بني رِيَاح وحُر عند مُختلف الرّماحِ
ونِعم الحر ناداه حسين فَجَادَ بنفسه عند الصّباح
وقال الحسين: أما والله يا عمر، ليكونن لما ترى يوم يسوءك، ثم رفع حسين يده مَدًّا إلى السماء فقال: اللهم إن أهل العراق غرّوني وخدعوني، وصنعوا بحسن بن علي ما صنعوا، اللهم شتت عليهم أمرهم وأحصهم عددًا، وناهض عمر بن سعد حسينًا، فكان أول من قاتل مولى لعبيد الله بن زياد يقال له: سالم، فصل من الصف فخرج إليه عبد الله بن تميم الكلبي فقتله، والحسين جالس، عليه جبة خز دكناء، وقد وقعت النبال عن يمينه، وعن شماله وابن له ابن ثلاث سنين بين يديه فرماه عقبة بن بشر الأسدي، فقتله، ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بن علي فقتله، فقال سليمان بن قَتَّه:
وَعِنْدَ غَنِيٍّ قطرة من دمائنا وفي أسَدٍ أخرى تُعَدّ وتُذْكَرُ
ولبس حسين لامته، وأطاف به أصحابه يقاتلون دونه، حتى قتلوا جميعًا، وحسين عليه عمامة سوداء، وهو مختضب بسواد يقاتل قتال الفارس الشجاع، قال: ودعا رجل من أهل الشام، عليّ بن حسين ــ الأكبر ــ فقال: إن لك بأمير المؤمنين قَرابة، ورحمًا، فإن شئت أمناك، وامض حيث ما أحببت، فقال: أما والله لقرابة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كانت أولى أن ترعى من قرابة أبي سفيان، ثم كَرّ عليه وهو يقول:
أنا عليُّ بن حُسين بن عَلِيْ
نحن وبيتُ الله أَوْلَى بالنّبِيْ
مِنْ شَمِرٍ وعُمَر وابن الدّعِيْ
وأقبل عليه رجل من عبد القيس يقال له: مُرّة بن منقذ بن النعمان، فطعنه، فحُمِل فَوضِع قريبًا من أبيه، فقال له: قتلوك يا بني، على الدنيا بعدك العفاء، وَضَمّه أبوه إليه حتى مات، فجعل الحسين يقول: اللهم دَعَوْنَا لينصرُونا؛ فخذلونا، وقتلونا، اللهم فاحبس عنهم قَطْر السماء، وامنعهم بركات الأرض، فإن متعتهم إلى حين، ففرِّقْهم شِيَعًا، واجعلهم طرائِقَ قِدَدا، ولا تُرْضِي الولاةَ عنهم أبدًا، وجاء صبي من صبيان الحسين يشتدّ حتى جلس في حِجْر الحسين، فرماه رجل بسهم فأصاب ثُغْرَةَ نَحْرِه؛ فقتله، فقال الحسين: اللهم إن كنتَ حبست عنا النصر، فاجعل ذلك لما هو خير في العاقبة، وانتقم لنا من القوم الظالمين، وخرج القاسم بن حسن بن علي، وهو غلام عليه قميص ونعلان، فانقطع شِسْع نعله اليسرى، فحمل عليه عمرو بن سعيد الأزدي، فضربه، فسقط ونادى: يا عماه، فحمل عليه الحسين فضربه فاتقاها بيده فقطعها من المرفق فسقط وجاءت خيل الكوفيين؛ ليحملوه، وحمل عليهم الحسين فجالوا، ووطئوه حتى مات، ووقف الحسين على القاسم، فقال: عَزّ على عَمِّكَ أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك، يَوْمٌ كَثُرَ واتِرُه، وقَلّ ناصِرُه، وبعدًا لقوم قتلوك، ثم أمر به فحمل ورجلاه تخطَّان في الأرض حتى وضِعَ مع علي بن حسين، وعَطِشَ الحسين، فاستسقى وليس معهم ماء فجاءه رجل بماء فتناوله ليشرب، فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فيه، فجعل يتلقى الدّم بيده ويحمد الله، وتوجه نحو المُسناة يريد الفرات، فقال رجل من بني أبَان بن دارم: حولوا بينه وبين الماء، فعرضوا له، فحالوا بينه وبين الماء، وهو أَمَامَهُم، فقال حسين: اللهم أظْمِه، ورماه الأباني بسهم فأثبته في حَنَكِه، فانتزع السهم، وتلقى الدم فملأ كَفّه وقال: اللهم إني أشكوا إليك ما فعل هؤلاء، فما لَبِثَ الأباني إلا قليلًا حتى رئي وإنَّه ليؤتى بالقُلّة أو العس، إنْ كَانَ لَيَرْوِي عِدّة، فيشرَبَه فإذا نَزَعه عن فِيْه قال: اسقوني فقد قتلني العطش فما زال بذلك حتى مات، وجاء شِمْر بن ذي الجوشن فحال بين الحسين وبين ثَقَله، فقال الحسين: رَحْلِي لكم عن ساعة مباح، فامنعوه مِنْ جُهّالِكم وَطَغامِكم، وكونوا في دنياكم أحرار إذا لم يكن لكم دين، فقال شِمْر: ذلك لك يابن فاطمة، ولما قتل أصحابُه، وأهل بيته بقي الحسين عامّة النهار لا يُقْدِم عليه أحد إلا انصرفَ حتى أحاطت به الرجّالة، فما رأينا مكثورًا قط أربط جأشا منه، إنْ كَان ليقاتلهم قتال الفارس الشجاع، وإنْ كان ليشدّ عليهم فينكشفون عنه انكشاف المِعْزَى شَدّ فيها الأسَدُ، فمكث مَلِيًّا مِنَ النّهَار، والناس يتدافعونه، ويكرهون الإقدام عليه، فصاح بهم شِمْر بن ذي الجَوْشَن: ثكلتكم أمهاتُكم ماذا تنتظرون به؟ أقْدِمُوا عليه، فكان أول من انتهى إليه، زُرْعَة بن شَرِيك التميمي فضرب كتفه اليسرى، وضربه حسين على عاتقه فصرعه، وبرز له سِنَان بن أنس النخَعِي فطعنه في تَرقُوتَهِ، ثم انتزع الرمح فطعنه في بَوَانِي صدره، فخرّ الحسين صريعًا، ثم نزل إليه ليحتز رأسه ونزل معه خَوْلِي بن يزيد الأصبُحِي فاحتز رأسه، ثم أتى به عبيد الله بن زياد قال:
أوقِرْ رِكَابِي فِضّةً وذَهَبَا أنا قتلتُ المِلَكَ المُحَجَّبَا
قتلتُ خيرَ الناس أُمًّا وأَبَا وخيرهم إذ يُنْسَبُون نَسَبَا
فلم يعطه عبيد الله شيئًا، ووجدوا بالحسين ثلاثًا وثلاثين جراحة، ووجدوا في ثوبه مائة وبضعة عشر خَرْقًا من السهام وأثر الضرب.
استشهد ــ رضي الله عنه ــ يوم الجمعة يوم عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين، وله يومئذ ست وخمسون سنة وخمسة أشهر، وكان جعفر بن محمد يقول: قتل الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وقتل مع الحسين ــ رضي الله عنه ــ اثنان وسبعون رجلًا، وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلًا.
أما قاتل الحسين فقيل: هو سنان بن أنس النخعيّ، ويقال له أيضًا: سنان بن أبي سنان النخعيّ، وهو جدُّ شريك القاضي، قال مصعب: يصدق ذلك قول الشّاعر:
وَأَيُّ رَزِيَّةٍ عَدَلتْ حُسَينًا غَدَاةَ تُبِيرُهُ كَفَّا سِنَانِ
ويقال: بل الذي قتله رجلٌ من مذحج، وقيل: بل قتله شِمر بن ذي الجوشن ــ وكان أبرص ــ وأجْهَز عليه ــ الملعون ــ خولي بن يزيد الأصبحي من حمير؛ جزَّ رأسَه وأتى به عبيد الله بن زياد وقال:
أَوْقِرْ رِكَابِي فِضَّةً وَذَهَبا إِنِّي قَتَلْتُ المَلِكَ المُحَجَّبَا
قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمًّا وَأَبًا وَخَيْرَهُمْ إِذْ يُنْسَبُونَ نَسَبَا
وقال يحيى بن مَعين: أهل الكوفة يقولون: إنَّ الذي قَتَل الحسين عمر بن سَعْد بن أبي وقّاص، وقال يحيى: وكان إبراهيم بن سعد يَرْوي فَيه حديثًا أنه لم يقتله عمر بن سَعْد.
وقال أبو عمر: إنما نُسِب قتل الحسين إلى عمر بن سعد؛ لأنه كان الأمير على الخيل التي أخرجها عُبيد الله بن زياد إلى قتال الحسين، وأمَّر عليهم عمر بن سعد، ووعده أنْ يوليه الرّي إن ظفر بالحسين وقتَله، وكان في تلك الخيل ــ والله أعلم ــ قومٌ من مضر، ومن اليمن، وفي شعر سليمان بن قََََتَّة الخزاعيّ ــ وقيل: إنها لأبي الرميح الخزاعيّ ــ ما يدل على الاشتراك في دم الحسين ــ رضي الله عنه ــ فمن قوله في ذلك:
مَرَرْتُ عَلَى أَبْيَاتِ آلِ مُحَمَّدٍ فَلَمْ أَرَ مِنْ أَمْثَالِهَا حِينَ
حُلَّتِ
فَلَا يُبْعِدِ اللَّهُ البُيُوتَ
وَأَهْلَها وَإِنْ أَصْبَحَتْ مِنْهُمْ بِرَغْمِي تَخَلَّتِ
وَكَانُوا رَجَاءً ثُمَّ عَادُوا رَزِيَّةً لَقَدْ عَظُمَتْ تِلْكَ الرَّزَايَا وَجَلَّتِ
أُولَئِكَ قَومٌ لَمْ يَشِيمُوا سُيُوفَهُمْ وَلَمْ تَنْكَ فِي أَعْدَائِهِمْ حِينَ سُلَّتِ
وَإِنَّ قَتِيلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ أَذَلَّ
رِقَابًا
مِنْ
قُرَيشٍ فَذَلَّتِ
وفيها يقول:
إِذَا افْتَقَرَتْ قَيْسٌ جَبَرنَا فَقِيرَهَا وَتَقْتُلُنَا قَيْسٌ إِذَا النَّعْلُ زَلَّتِ
وَعِنْدَ غَنِيٍّ قَطْرَةٌ مِنْ دِمَائِنَا سَنَجْزِيهُمُ يَوْمًا بِهَا حَيْثُ حَلَّتِ
ومنها أَو من غيرها:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الأَرْضَ أَضْحَتْ مَرِيضَةً لِفَقْدِ حُسَينٍ وَالبِلَادُ اقْشَعَرَّتِ
وَقَدْ أَعْوَلتْ تَبِكِي السَّمَاءُ لِفَقْدِهِ وَأَنْجَمُهَا نَاحَتْ عَلَيْهِ وَصَلَّتِ
وصحَّ عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: لو كنْتُ فيمن قاتل الحسين ثم أُدخلت الجنّة لاستحييت أن أنظرَ إلى وجه رَسُولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم.
وكان ممن قُتل مع الحسين ــ رضي الله عنه: العباسي بن علي بن أبي طالب الأكبر؛ قتله زيد بن رقاد الجَبَنيّ، وحكيم السِّنْبسِيّ، من طَيِّئ، وجعفر بن علي بن أبي طالب الأكبر، وعبد الله بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن الحسين؛ قتلهم هانئ بن ثبيت الحضرمي، وعثمان بن علي بن أبي طالب؛ رماه خَوْلِي بن يزيد بسهم فأثبته، وأجهز عليه رجل من بني أَبَان بن دارم، وأبو بكر بن علي بن أبي طالب ويقال: إنه قتل في ساقية، ومحمد بن علي بن أبي طالب الأصغر، وأمه أم ولد؛ قتله رجل من بني أبان بن دارم، وعلي بن حسين بن علي الأكبر؛ قتله مُرّة بن منقذ بن النعمان العبدي، وجعفر بن الحسين، وأبو بكر بن الحسين؛ قتلهما عبد الله بن عُقْبَةَ الغَنَوِي، وعبد الله بن الحسن؛ قتله ابن حَرْمَلَة الكاهلي من بني أسد، والقاسم بن الحسن؛ قتله سعيد بن عمرو الأزدي، وعون بن عبد الله بن جعفر؛ قتله عبد الله بن قُطْبَة الطائي، ومحمد بن عبد الله بن جعفر؛ قتله عامر بن نهشل التميمي، ومسلم بن عقيل بن أبي طالب؛ قتله عبيد الله بن زياد بالكوفة صَبْرًا، وجعفر بن عقيل؛ قتله بشر بن حَوْطِ الهَمْدَاني، ويقال: عروة بن عبد الله الخثعمي، وعبد الرحمن بن عقيل؛ قتله عثمان بن خالد بن أسير الجهني، وبشر بن حَوط، وعبد الله بن عقيل؛ وأمه أم ولد؛ قتله عمرو بن صُبْح الصّدَائِي، وعبد الله بن عقيل الآخر؛ وأمه رقية بنت علي بن أبي طالب؛ قتله عمرو بن صُبْح الصّدَائِي، ويقال: قتله أسيد بن مالك الحضرمي، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل قتله لَقِيط الجهني، ورجل من آل أبي لهب، لم يُسَمّ، ورجل من آل أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ويقال له: أبو الهياج، وكان شاعرا، وسليمان مولى الحسين بن علي؛ قتله سليمان بن عوف الحضرمي، ومنْجِح، مولى الحسين بن علي، وعبد الله بُقْطر، رضيع للحسين قتل بالكوفة، رُمِيَ به من فوق القصر، فمات وهو الذي قيل فيه:
وآخر يَهْوي من طَمَارِ قتيل
وكان ممَن قُتِلَ مع الحسين ــ رضي الله عنه ــ من سائر الناس من قبائل العرب، من القبيلة الرجل، والرجلان، والثلاثة، ممن صبر معه، وقد كان ابنا عبد الله بن جعفر، لجأا إلى امرأة عبد الله بن قُطبة الطائي، ثم النبهاني، وكانا غلامين لما يبلغا، وقد كان عمر بن سعد، أَمَرَ مناديًا فنادى: من جاء برأس فله ألف درهم، فجاء ابن قُطبة إلى منزله، فقالت له امرأته: إنّ غلامين لجأا إلينا فهل لك أن تشرف بهما، فتبعث بهما إلى أهلهما بالمدينة قال: نعم، أرنيهما، فلما رآهما ذبحهما، وجاء برءوسهما إلى عُبيد الله بن زياد، فلم يعطه شيئًا، فقال عُبيد الله: وَدِدْتُ أنه كان جَاءَني بهما حَيّين فمنَنَتُ بهما على أبي جعفر ــ يعني عبد الله بن جعفر ــ وبلغ ذلك عبد الله بن جعفر، فقال: وددت أنه كان جاءني بهما فأعطيته ألفي ألف.
ولم يَفْلتْ من أهل بيت الحسين بن علي الذين معه إلا خمسة نفر هم: علي بن حسين الأصغر، وهو أبو بَقيّة ولد الحسين، وكان مريضًا فكان مع النساء، وحسن بن حسن بن علي، وله بقية، وعمرو بن حسن بن علي، ولا بقية له، والقاسم بن عبد الله بن جعفر، ومحمد بن عقيل الأصغر، فَإنّ هؤلاء استضْعِفُوا، فَقُدِمَ بهم، وبنساء الحسين بن علي، وهُنَّ: زينب، وفاطمة ابنتا علي بن أبي طالب، وفاطمة، وسُكَينة ابنتا الحسين بن علي، والرباب بنت أُنَيْفْ الكلبية؛ امرأة الحسين بن علي، وهي أم سُكَينة، وعبد الله ــ المقتول ــ ابني الحسين بن علي، وأم محمد بنت حسن بن علي، امرأة علي بن حسين، وموالي لهم، ومماليك عبيد، وإماء، فَقُدِم بهم على عبيد الله بن زياد، مع رأس الحسين بن علي، ورءوس من قتل معه رضي الله عنه وعنهم.
ولما قُتل الحسين ــ رضي الله عنه ــ انتهب ثَقَله فأخَذَ سَيْفَه؛ القُلَانِس النهْشلِي، وأخذ سيفًا آخر؛ جميع بن الخلق الأودي، وأخذ سراويله، بَحْر ــ الملعون ــ بن كعب التميمي فتركه مُجَرَّدًا، وأخذ قطيفته: قَيْس بن الأشعث بن قيس الكِندي، فكان يقال له: قيس قطيفة، وأخذ نَعليه: الأسود بن خالد الأودي، وأخذ عمامته: جابر بن يزيد، وأخذ بُرْنُسَه ــ وكان من خز: مالك بن بشير الكندي، وأخذ رجلٌ من أهل العراق: حُلِيَ فاطمة بنت حسين وهو يبكي فقالت: لم تبكي؟ فقال: أسلب ابنة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولا أبكي؟ فقالت: دَعْه، قال: إني أخاف أن يأخذه غيري، وكان علي بن حسين الأصغر، مريضًا نائمًا على فراش: فقال شِمْر بن ذي الجوشن ــ الملعون: اقتلوا هذا، فقال له رجلٌ من أصحابه: سبحان الله!! أتقتل فتى حدثا مريضًا لم يقاتل، وجاء عمر بن سعد فقال: لا تَعْرِضوا لهؤلاء النّسْوة، ولا لهذا المريض، قال علي بن حسين: فغيَّبني رجل منهم، وأكرم نزلي، واحتضنني، وجعل يبكي كلما خرج، ودخل، حتى كنت أقول: إن يكن عِنْدَ أحدٍ من الناس وفاءً فعند هذا، إلى أن نادى مُنَادِي ابن زياد: ألا من وجد علي بن حسين، فليأتِ به، فقد جَعَلْنا فيه ثلاثمائة درهم قال: فدخل ــ والله ــ عَليّ وهو يبكي، وجعل يربط يَدَيّ إلى عنقي وهو يقول: أخاف، فأخرجني ــ والله ــ إليهم مربوطًا حتى دفعني إليهم وأخذ ثلاثمائة درهم وأنا أنظر إليها، فأُخِذْتُ، فأُدخِلْتُ على ابن زياد فقال: ما اسمك؟ فقلت: علي بن حسين، قال: أو لم يقتل الله عليًّا؟ قلتُ: كان لي أخ يقال له: عليُّ أكبَرَ مني قتله الناس، قال: بل الله قَتَلَه، قلتُ:
{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}
[سور الزمر: 42] فأمر بقتله، فصاحت زينب بنت علي: يا ابن زياد حَسْبك من دمائنا، أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه، فتركه، ولما أمر عُمر بن سعد بثَقَلِ الحسين أن يدخل الكوفة إلى عبيد الله بن زياد، وبعث إليه برأسه مع خَوْلِي بن يزيد الأصبحي، فلما حُمِلَ النساء والصبيان فمروا بالقتلى صرخت امرأة منهن: يا محمداه، هذا حسين بالعراء مُرَمل بالدماء، وأهله، ونساؤه سبايا، فما بقي صديق، ولا عدو إلا أكبَّ باكيًا، ثم قُدِمَ بهم على عبيد الله بن زياد، فقال عبيد الله: من هذه؟ فقالوا: زينب بنت علي بن أبي طالب، فقال: فكيف رأيتِ الله صنع بأهل بيتك، قالت: كُتِبَ عليهم القَتْلُ فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بيننا وبينك وبينهم، قال: الحمد لله الذي قتلكم، وأكذب حديثكم: قالت: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمدٍ، وطَهّرنا تطهيرًا، فلما وُضِعَت الرءوس بين يدي عبيد الله بن زياد، جعل يضرب بقضيب معه على فِي الحسين وهو يقول:
يُفَلِّقْنَ هامًا من رجال أعزّة
علينا وَهُم كانوا أَعَقَّ وأَظْلَمَا
فقال له زَيد بن أرقم: لو نَحّيْتَ هذا القضيب، فإن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان يضع فَاهُ على موضع هذا القضيب
(*)
، وفي رواية أنس بن مالك قال: شهدت عبيد الله بن زياد حيث أتى برأس الحسين ــ رضي الله عنه ــ قال: فجعل ينكت بقضيب معه على أسنانه ويقول: إن كان لَحَسَنُ الثَّغْرِ قال: فقلت والله لأسوءنك، فقلت: أما إني قد رأيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقبل مَوْضِعَ قضيَبَك مِنْ فِيْه
(*)
.
وأَمَرَ عبيد الله برأس الحسين فنصب روى ذلك زِرّ بن حُبَيْش قال: أول رأس رفع على خشبةٍ رأسُ الحسين، وقال الشعبي: رأس الحسين أول رأس حمل في الإسلام، وقال عامر: رأيت رأس الحسين بن علي بعد أن قُتِلَ قَدْ نَصَلَ الشّيب من صِبْغ السّواد، وأمر عبيد الله بن زياد بحبس مَنْ قُدِمَ به عليه من بقية أهل الحسين معه في القصر، فقال ذكوان أبو خالد: خَلّ بيني وبين هذه الرءوس فأدفنها، ففعل، فكفنها، ودفنها بالجَبّانة، وركب إلى أجسادهم فكفنهم ودفنهم، وكان زهير بن القَيْن قد قتل مع الحسين فقالت امرأته، لغلام له يقال له شجرة: انطلق فكفن مولاك، قال: فجئت فرأيت حسينًا ملقى فقلت: أكفن مولاي وأدع حسينا!! فكفنت حسينًا، ثم رجعت، فقلت ذاك لها، فقالت: أحسنت، وأعطتني كفنًا آخر، وقالت: انطلق فكفّن مولاك، ففعلت.
وأقبل عمر بن سعد، فدخل الكوفة، فقال: ما رجع رجل إلى أهله بشر مما رجعتُ به، أطعتُ ابن زياد وعصيتُ الله وقطعتُ الرّحم.
وقدِم رسول من قبل يزيد بن معاوية يأمر عبيد الله بن زياد أن يرسل إليه بثَقَل الحسين، ومن بقي من ولده، وأهل بيته، ونسائه، فأسلفهم أبو خالد ذكوان عشرة آلاف درهم فتجهزوا بها.
وقد كان عبيد الله لما قُتِلَ الحسين بعث زَحْر بن قيس الجُعْفِي إلى يزيد بن معاوية يخبره بذلك، فقدم عليه فقال: ما وراءك؟ قال: يا أمير المؤمنين، أبشر بفتح الله وبنصره، وَرَدَ علينا الحسين بن عليّ، في ثمانية عشر من أهل بيته، وفي سبعين من شيعته، فسرنا إليهم فخيّرناهم الاستسلام والنزول على حكم عبيد الله بن زياد، أو القتال، فاختاروا القتال على الاستسلام، فجعلوا يُبَرْقِطُون إلى غير وَزَرِ، ويلوذون مِنّا بالآكام والأَمَرِ والحُفَرِ لِواذًا كما لاذ الحمائم مِنْ صَقْرٍ، فَنَصَرَنا الله عليهم، فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جَزْرَ جَزُورٍ أو نَوْمَة قائلٍ حتى كفى الله المؤمنين مَؤُنَتهم، فأتينا على آخِرِهم فهاتيك أجسادهم مُطَرّحَة مُجَرّدَة وخدودهم معفَّرَة ومناخرهم مرمّلة تَسْفِي عليهم الرّيحُ ذيولَها بقيّ سَبْسَب تنتابهم عُرُج الضبَاع زُوّاهم العِقْبَان والرّخَم، فدمعت عينا يزيد بن معاوية، وقال: قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، وقال: كذلك عاقبة البغي، والعقوق، ثم تمثل يزيد قائلًا:
مَن يَذُق الحربَ يَجِدْ طَعْمَهَا مُرًّا
وتترُكْهُ
بِجَعْجَاعِ
قال يزيد بن أبي زياد: لما أُتِيَ يزيد بن معاوية برأس الحسين بن علي، جعل ينكت بمخْصَرةٍ معه سِنّه ويقول: ما كنت أظن أبا عبد الله يبلغ هذا السّن، ثم أتى يزيد بن معاوية بثَقَلِ الحسين ومن بقي من أهله ونسائه، فأُدخِلوا عليه قد قُرنوا في الحبال، فوقفوا بين يديه، فقال له علي بن حسين: أنشدك بالله يا يزيد ما ظنك برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لو رآنا مقرّنين في الحبال، أما كان يرق لنا، فأمر يزيد بالحبال فقطعت وعُرفَ الانكسار فيه، وقالت له سكينة بنت حسين: يا يزيد، أبنات رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سبايا!! فقال: يا بنت أخي، هو والله عليّ أشدّ منه عليك، وقال: أقسمت بالله لو أن بين ابن زياد وبين حسين قرابة ما أقدم عليه، ولكن فرقت بينه وبينه سُمية، وقال: قد كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين، فرحم الله أبا عبد الله عَجل عليه ابن زياد، أما والله لو كنت صاحبه، ثم لم أَقْدِر على دفع القتل عنه إلا بنقص بعض عمري لأحببت أن أدفعه عنه، ولوددتُ أني أُتيت به سالمًا، ثم أقبل على عليّ بن حسين فقال: أبوك قطع رحمي ونازعني سلطاني فجزاه الله جزاء القطيعة والإثم، فقام رجل من أهل الشام فقال: إن سباياهم لنا حلال، فقال علي بن حسين: كذبت ولؤمت ما ذاك لك إلا أن تخرج من ملتنا وتأتي بغير ديننا فأطرق يزيد مليا، ثم قال للشامي: اجلس، ثم أمر بالنساء فأدخلن على نسائه وأمر نساء آل أبي سفيان فأقمن المأتم على الحسين ثلاثة أيام، فما بقيت منهن امرأة إلا تلقتنا تبكي وتنتحب، ونُحْنَ على حسين ثلاثًا، وبكت أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر عَلَى حسين، وهي يومئذ عند يزيد بن معاوية، فقال يزيد: حُقّ لها أن تُعْوِل عَلَى كَبِير قريش وسيدها، وقالت فاطمة بنت علي لامرأة يزيد: ما تُرك لنا شيء، فأبلغت يزيد ذلك، فقال يزيد: ما أَتَى إليهم أعظم، ثم ما ادعوا شيئًا ذهب لهم إلا أضعفه لهم، ثم دعا بعلي بن حسين، وحسن بن حسن، وعمرو بن حسن، فقال لعمرو بن حسن وهو يومئذ ابن إحدى عشرة سنة: أتصارع هذا؟ ــ يعني: خالد بن يزيد، قال: لا، ولكن أعطني سكينًا وأعطه سكينًا حتى أقاتله، فضمه إليه يزيد، وقال: شِنْشِنَةٌ أعرفها من أخْزَمَ، هل تلد الحية إلا حية؟!
ثم بعث يزيد إلى المدينة، فقُدِم عليه بعِدّةِ من ذوي السِّن من موالي بني هاشم، ثم من موالي عليّ، وضم إليهم أيضًا عِدّةً من موالي أبي سفيان، ثم بعث بثَقَل الحسين ومن بقي من نسائه، وأهله، وولده معهم، وجهزهم بكل شيء لم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر لهم بها، وقال لعلي بن حسين: إن أحببت أن تقيم عندنا، فنصل رحمك، ونعرف لك حقك فعلت، وإن أحببت أن أردك إلى بلادك وأصلك، قال: بل تردني إلى بلادي، فرده إلى المدينة ووصله، وأمر الرّسل الذي وجّههم معهم أن ينزلوا بهم حيث شاءوا، ومتى شاءوا، وبعث بهم مع مُحْرز بن حُريث الكلبي، ورجل من بهراء، وكانا من أفاضل أهل الشام، قال: وبعث يزيد برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد بن العاص وهو عامل له يومئذ على المدينة فقال عمرو: وددت أنه لم يبعث به إليّ، فقال مروان: اسكت، ثم تناول الرأس فوضعه بين يديه، وأخذ بأرنبته فقال:
يا حَبّذَا بَرْدُكَ في اليدينِ ولونك الأحمر في الخدّينِ
كأنما باتا بُمِجْسَدَيْنِ
والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان، وسمع عمرو بن سعيد الصّيحة من دور بني هاشم فقال:
عِجّت نساءُ بني زياد عَجّةً كَعَجِيْجِ نِسْوَتِنَا غداةَ الأرنَبِ
ثم خرج عمرو بن سعيد إلى المنبر، فخطب الناس، ثم ذكر حُسينًا وما كان من أمره، وقال: والله لوددت أن رأسه في جَسَده، وروحه في بدنه يَسبُّنا ونمدحه، ويقطعنا ونصِلُه كعادتنا وعادته، فقام ابن أبي حُبَيش، أحد بني أسد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ فقال: أما لو كانت فاطمة حية؛ لأحزنها ما ترى، فقال عَمرو: اسكت لا سكتّ، أتنازعني فاطمة وأنا من عَفّرَ ظِبَابها، والله إنه لابننا، وإن أمه لابنتنا، أجل والله لو كانت حية؛ لأحزنها قَتْلُه، ثم لم تَلُمْ من قَتَله يدفع عن نفسه، فقال ابن أبي حبيش: إنه ابن فاطمة، وفاطمة بنت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، ثم أمر عمرو بن سعيد: برأس الحسين فكفّن ودفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة.
وقال عبد الله بن جعفر: لو شهدته لأحببت أن أقتل معه، ثم قال: عزّ عليّ بمصرع حسين.
وروى ابن أبي مليكة، قال: بينما ابن عباس جالس في المسجد الحرام وهو يتوقع خَبر الحسين بن عليّ، إلى أن أتاه أتٍ، فسارّه بشيء، فأظهر الاسترجاع، فقلنا: ما حدث يا أبا العباس؟ قال: مُصيبة عظيمة عند الله نحتسبها، أخبرني مولاي أنه سمع ابن الزبير يقول: قُتل الحسين بن علي، فلم يبرح حتى جاءه ابن الزبير، فعزّاه ثم انصرف، فقام ابن عباس فدخل منزله ودخل عليه الناس يعزُّونه.
وفي رواية ابن جُرَيْج، قال: كان الْمِسوَر بن مَخْرَمَة بمكة حين جاء نَعِيّ الحسين بن عليّ، فلقي ابنَ الزبير، فقال له: قد جاءك ما كنت تمنّى، موت حسين بن علي، فقال ابن الزبير: يا أبا عبد الرحمن، تقول لي هذا؟ فوالله ليته بقي ما بقي بالجمّاء حجر، والله ما تمنيت ذلك له، قال المسور: أنت أشرتَ عليه بالخروج إلى غير وجه، قال: نعم، أشرتُ به عليه، ولم أدرِ أنهُ يُقتل، ولم يكن بيدي أجله، ولقد جئتُ ابن عباس فعزّيته، فعرفت أن ذلك يثقل عليه مني، ولو أني تركت تعزيته قال: مثلي يُترك!! لا يعزيني بحسين فما أصنع؟ أخوالي وَغِرَة الصدور عليّ، وما أدري على أي شيء ذلك، فقال له المسور: ما حاجتك إلى ذكر ما مضى وَنَثّه، دع الأمور تمضي وبرّ أخوالك، فأبوك أحمَدُ عندهم منك.
وروى محمد بن عمر بسنده عن رجل قال: سمعت ابن عباس، وعنده محمد بن الحنفية، وقد جاءهم نعي الحسين بن علي، وعزاهم الناس، فقال ابن صفوان: إنا لله وإنا إليه راجعون، أي مصيبة يرحم الله أبا عبد الله، وآجركم الله في مصيبتكم، فقال ابن عباس: يا أبا القاسم، ما هو إلا أن خرج من مكة؛ فكنْتُ أتوقع ما أصابَه، قال ابن الحنيفة: وأنا والله، فعند الله نحتسبه، ونسأله الأجر، وحسن الخلف، قال ابن عباس: يا أبا صفوان، أما والله لا يُخَلّد بَعْدُ صاحبُك الشامتُ بموته، فقال ابن صفوان: يا أبا العباس، والله ما رأيت ذلك منه، ولقد رأيته محزونا بمقتله كثير الترحّم عليه، قال: يريك ذلك لما يعلم من مودتك لنا فوصل الله رحمك، لا يحبنا ابن الزبير أبدًا، قال ابن صفوان: فخذ بالفضل فأنت أولى به منه، وقال شَهر بن حَوْشَب: إنا لعند أم سَلَمة زوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم، قال: فسمعنا صارخة، فأقبلت حتى انتهت إلى أم سلمة، فقالت: قتل الحسين، قالت: قد فعلوها، ملأ الله بيوتهم أو قبورهم عليهم نارًا، ووقعت مغشيًا عليها، قال: وقمنا.
قال الربيع بن خُثَيْم حين قُتل الحسين:
{اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}
[سورة الزمر: 46]، وقال الربيع بن خثيم لما أصيب الحسين بن علي: لقد قتلوا صِبْية لو أدركهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ لأجلسهم في حِجْره، ولوضع فمه على أفمامهم، وقال منذر: كنا إذا ذكرنا الحسين بن علي، ومَن قُتِلَ معه، قال محمد بن الحنفية: قد قَتَلوا سبعة عشر شابًّا كلهم قد ارتكضوا في رَحِمَ فاطمة، وروى أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن، قال: لقيني رأس الجالوت، فقال: والله إنّ بيني وبين داود لسبعين أبًا، وإن اليهود لتلقاني فتعظمني، وأنتم ليس بينكم، وبين نبيكم إلا أب واحد قتلتم ولده، وروى عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، قال: مر عمر بن سعد ــ يعني ابن أبي وقاص ــ بمجلس بني نَهْد حين قَتل الحسين فسلم عليهم، فلم يَردوا عليه السلام، قال مالك: فحدثني أبو عُيينة البارقي، عن عبد الرحمن بن حميد، في هذا الحديث قال: فلما جازَ قال:
أتيتُ الذي لم يأتِ قبلي ابنُ حُرّة فَنَفْسي ما أخزت وقومي أذلتِ
وروى أبو إسحاق السبيعي قال: كان شِمْر بن ذي الجوشن الضبابي لا يكاد أولًا يحضر الصلاة معنا، فيجيء بعد الصلاة فيصلي، ثم يقول: اللهم اغفر لي، فإني كريم لم تلدني اللئام، قال: فقلت له: إنك لسيئ الرأي يوم تسارع إلى قتل ابن بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: دعنا منك يا أبا إسحاق، فلو كنا كما تقول وأصحابك كنا شرًّا من الحمير السّقّاءات، وقال أبو إسحاق: رأيت قَاتِل حُسين بن علي؛ شِمْر بن ذي الجوشن ما رأيت بالكوفة أحدًا عليه طَيْلَسان غيره، وروى شريك، عن مغيرة، قال: قالت مُرْجَانة لابنها عبيد الله بن زياد: يا خَبِيث، قتلتَ ابن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لا ترى الجنة أبدًا، وروى عبد الله بن شريك قال: رأيت بشر بن غالب يَتَمَرّغ على قبر الحسين ندامةٍ على ما فاته من نصره.
وروى جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن حسين، قال: حُمِلْنا من الكوفة إلى يزيد بن معاوية ــ بدمشق ــ فغصّت طرق الكوفة بالناس يبكون، فذهب عامة الليل مايقدِرُون أن يجُوزوا بنا لكثرة الناس، فقلت: هؤلاء الذي قتلونا وهم الآن يبكون، وروى شَهْر بن حَوْشَب، قال: سمعتُ أم سلمة حين أتاها قتل الحسين: لَعَنتْ أهلَ العراق، وقالت: قتلوه قتلهم الله، غَرّوه ودلّوه لعنهم الله، وروى سليمان بن مسلم، صاحب السّقط، عن أبيه قال: كان أول من طعن في سرادق الحسين عمر بن سعد، قال: فرأيته هو وابنيه ضُرِبَت أعناقهم، ثم علقوا على الخشب، وأْْلهِبَ فيهم النيران.
وقال أبو رجاء: لا تسبوا عليا يالَهْفتا على أسهم رَمَيتُه بهنّ يوم الجمل مع ذاك قَصُرْن والحمد لله عنه، قال: إنّ جارًا لنا من بَلْهُجيم جاءنا من الكوفة، فقال: ألم تروا إلى الفاسق ابن الفاسق قتله الله، الحسينِ بن علي، قال: فرماه الله بكوكبين في عينيه، فذهب بصره، وقال حاجب عبيد الله بن زياد: دخلت معه القصر حين قتل الحسين، قال فاضطرم في وجهه نارًا أو كلمة نحوها، فقال: هكذا بكمّه على وجهه، وقال لا تحدثن بهذا أحدًا، وروى عمار بن أبي عمار، عن أم سلمة قالت: سمعت الجنّ تنوح على الحسين، وروى حنش بن الحارث، عن شيخ من النخع، قال: قال الحجاج: من كان له بلاء فليقم؟ فقام قوم، فذكروا، وقام سنان بن أنس فقال: أنا قاتل حسين، فقال: بلاء حسن، ورجع سنان إلى منزله، فاعتقِلَ لسانه، وذهب عَقْله، فكان يأكل، ويُحْدِث في مكانه.
وروت نَضْرة الأزدية قالت: لما قُتِلَ الحسين بن عليّ مطرت السماء دمًا، فأصبحت خيامنا، وكل شيء مِنّا مُلِئ دَم، كذلك روى سُلَيم القاصّ، قال: مُطِرنا دمًا يوم قتل الحسين، وقال محمد بن عمر: حدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، قال: أرسل عبد الملك إلى ابن رأس الجالوت، فقال: هل كان في قتل الحسين علامة؟ فقال ابن رأس الجالوت: ما كُشِفَ يومئذ حجر إلا وجد تحته دم عبيط، وروى محمد بن سيرين قال: لم تكن ترى هذه الحُمْرة في السماء عند طلوع الشمس وعند غروبها حتى قُتل الحسين ــ رضي الله عنه ــ وروى ذلك الأسود بن قيس، قال: أحمرّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر يُرَى ذلك في آفاق السماء كأنها الدم.
وكان سليمان بن صُرَد الخزاعي فيمن كَتَبَ إلى الحسين بن علي أن يقدَم الكوفة، فلما قَدِمها أمسك عنه، ولم يقاتل معه، فلما قُتِلَ الحسين ــ رحمه الله ورضي عنه ــ ندم هو، والمسيّب بن نَجَبَة الفزاري، وجميع من خذل الحسين، ولم يقاتل معه، فقالوا: ما المخرج والتوبة ممما صنعنا؟! فخرجوا فعسكروا بالنُّخَيْلَة لمستهلّ شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين، وولوا أمرهم سليمان بن صُرَد، وقالوا: نخرج إلى الشام؛ فنطلبُ بدم الحسين، فسموا التوابين، وكانوا أربعة آلاف فخرجوا فأتوا عين الوردة، وهي بناحية قَرْقِيسِياء، فلقيهم جَمْع أهل الشام وهم عشرون ألفًا عليهم الحُصَين بن نُمَير، فقاتلوهمْ فترجّل سليمان بن صُرَد وقاتل، فرماه يزيد بن الحُصَين بن نُمَير بسهم؛ فقتله فسقط، وقال: فُزْتُ، ورب الكعبة، وقُتِل عامّة أصحابه، ورجع من بقي منهم إلى الكوفة، وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجَّاج بن يوسف، أما بعد يا حجَّاج، فجنبني دماء بني عبد المطلب فإني رأيتُ آل حرب لما قتلوهم لم يُنَاظَروا.
وقال سليمان بن قَتَّة يرثي الحسين بن علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنهما:
وإِنَّ قَتِيلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ أَذَلَّ
رِقابًا من
قريشٍ
فَذَلّتِ
مررت
على أبيات آلِ محمدٍ فألفيتُها
أمثالُها
حين
حُلّتِ
وكانوا
لنا غُنْمًا فعادوا رَزِيّةً لقد عَظُمَتْ تلك الرزايا وجَلّتِ
فلا يُبْعِدِ
الله الديارَ
وأهلَها وإن أصبحتْ منهم بِرَغْمِي تَخلَّتِ
إذا افتقرت قيسٌ جَبَرنا فقيرَها وتقتلنا قيسٌ
إذا
النّعلُ زَلّتِ
وعند
غَنِيٍّ قطرةٌ من دمائنا سنجزيهمُ يومًا بها حيث حَلّتِ
ألم تر أن الأرض أضحت مريضة لفقد حسينٍ
والبلادُ
اقشعرّتِ
فقال له عبد الله بن حسن بن حسن: ويحك ألا قلت:
أَذلّ رَقَاب المسلمين فَذَلّتِ
وقال أبو الأسود الدِّيْلي في قتل الحسن ــ رضي الله عنه:
أقولُ وذاك من جزعٍ وَوَجدٍ أزال الله مُلكَ بني
زيادِ
وأبعدهم بما غَدرُوا
وخانُوا كما بَعُدَت ثمودُ وقومُ عادِ
هموا خَشَمُوا الأنوف وكن شُمّا بقتل ابن القعَاسِ أخي مُرادِ
قتيلُ السّوق
يالكَ
من قتيلٍ به نَضْحٌ مِن أحْمَر كالجِسَادِ
وأهل نَبيّنا
من
قَبلُ
كانوا ذَوي كرم
دعائم
للبلادِ
حسين ذو الفضول وذو المعالي يَزِيْن الحاضِرين
وكُلَّ بَادٍ
أصابَ العِزَّ مَهْلِكُهُ
فَأَضحَى عَمِيدًا بَعْدَ مَصْرَعِهِ فؤادِي
وقال أبو الأسود الديلي أيضًا:
أيرجو مَعشرٌ قَتَلُوا حُسينًا شَفَاعةَ جَدّه يومَ الحِسَابِ
وكان قد لقي عبيد الله بن الحر الجُعْفي، حسين بن علي، فدعاه حسين إلى نصرته والقتال معه فأبَى، وقال: قد أعييت أباك قبلك، قال: فإذا أبيت أن تفعل فلا تسمع الصيّحة علينا فوالله لا يسمعها أحد، ثم لا ينصرنا، فيرى بعدها خيرًا أبدًا، قال عبيد الله: فوالله لَهِبْتُ كَلِمَتَه تلك فخرجت هاربًا من عبيد الله بن زياد، مخافة أن يوجّهني إليه فلم أزل في الخوف حتى انقضى الأمر، فندم عبيد الله على تركه نُصْرةَ حسين ــ رضي الله عنه ــ فقال:
يقولُ أميرٌ غادِرٌ حَقُّ غادرِ ألا كنْتَ قاتلْتَ الشهيد ابن فاطِمَهْ!
ونفسي على خذلانِه واعتزالِه وَبَيْعةِ
هذا
النّاكِث
العهد
لائِمَه
فيا ندمًا ألّا
أكونَ
نَصَرْتُهُ ألا
كلُّ
نفس لا
تُسدّدُ
نادمَهْ
وإنّي لأني لم أكن من حُمَاته لذُو حسرةٍ
ما أن
تفارقُ
لازمَهْ
سقى الله أرواحَ الذين تأزّروا على
نصرهِ
سُقْيًا من الغيثِ دائِمَهْ
وقفتُ على أجداثهم ومحالِهم فكاد الحَشَا يَرْفَضّ والعينُ
ساجمهْ
لَعَمْري لقد كانوا مصاليت في الوَغى
سِراعًا إلى الهَيجا حُمَاةً خَضَارِمَهْ
تَأَسَّوْا على نصر ابن بنتِ نبيِّهم
بأسيافهم آسَادَ غِيلٍ
ضَراغِمَه
وقد طاعنوا من دونه برماحهم عصائب بورًا نابذتهم مَجَارِمَه
فإن
يُقْتلُوا
فكلُّ نفسٍ زكيّةٍ على الأرضِ قد أضحَت لكَ اليومَ واجِمَهْ
وما إن رأى الراءون أصبر منهم
لدى الموت سادات وزهرا قماقمه
أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا فدع
خطة
ليست
لنا
بملائمهْ!!
لعمري لقد
رغَّمتمونا بقتلهم فكم
ناقم منا عليكم وناقمهْ
أهمّ مرارا أن أسير
بجحفل
إلى فئة زاغت عن
الحق ظالمهْ
فكفوا وإلا زرتكم في كتائب
أشد عليكم من زحوف الديالمهْ
وقال عبيد الله بن الحر أيضًا:
أيرجو ابن الزبير اليوم نَصري
بعاقبة ولم
أنصر حُسينَا
وكان
تَخلّفي عنه تبابا وتركي
نَصره غُبنا وحَيْنَا
ولو أني أواسيه
بنفسي
أصبت فضيلة وقررت عَيْنا
وقال عبيد الله بن الحر أيضا:
يا لكِ حسرةً
ما دمْتُ حيًّا تردّد بين حَلْقي والتَرَاقي
حُسينًا حين يطلبُ بذل نَصْري على أهل العداوة والشّقاقِ
ولو
أني
أواسِيه
بنفْسِي لَنِلْتُ
كَرامةً
يَوْمَ التّلاقِ
مع ابن المصطفى نفسي فداه فَولّى
ثم
ودّعَ
بالفِرَاق
غداة
يقول لي بالقصرِ قولًا أَتَتْرُكُنا
وتُزْمِعُ
بانْطِلَاق؟
فلو فَلَقَ التلَهّفُ قَلبَ حَيّ لَهّم
اليومَ
قلبي
بانفِلَاقِ
فقد فاز الأُولَى نَصَروا حُسينًا وخَابَ الآخَرُون أولو النّفَاقِ
وقال عَبِيدةَ بن عمرو الكندي أحد بني بداء بن الحارث، يرثي الحسين بن علي وولده ــ رضي الله عنهم ــ ويذكر قَتْلَهم، وَقَتَلَتَهم:
صحا القلب بعد الشيب عن أمّ عامر وأذهَله
عنها صروف
الدوائرِ
وَمَقْتل
خَيْر الآدميين
والدًا وجدًّا إذا عُدّتْ مَسَاعي المَعَاشِر
دعاه
الرجال
الحائِرُون
لِنَصْرِه فكلًا
رأيناه
له
غَيْرَ
ناصرِ
وجدناهُمُ
مِنْ
بِيْن
ناكِثِ
بَيْعَة وساع
به عند الإمام
وغادِرِ
ورامٍ
له
لما
رآه وطاعن ومُسْلٍ
عليه
المُصْلِتين
وناحِرِ
فيا عَينُ أَذْرِي الدمع منك وأسْبِلِي على خير بادٍ في الأنام وحاضرِ
على
ابن علي
وابن
بنت محمدٍ نبّي الهُدَى وابن الوصيّ المُهَاجِر
تداعتْ
عليه
من
تميم
عصابَةٌ وأُسْرَةُ سوءٍ من كلابِ بن عامر
ومن حَيّ وَهْبِيل
تداعت عصابة عليه
وأخرى أردفت من يُحَابِر
وخمسون شيخا من أَبَان
بن دارم تداعَوا
عليه. كاللّيوث
الخَواطِرِ
ومن
كلّ حَيّ
قد تداعى
لقتله ذوو النّكثِ والإفراطِ أهلُ التفاخرِ
شفى الله نفسي من سنان ومالكٍ ومن صاحب الفُتْيا لَقِيط بن ياسرِ
ومن
مرّة
العبدي
وابن مساحق ومن فارس الشقراء كَعْبَ بن جابر
ومن
أورق
الصيداء وابن
موزع ومِنْ
بَجْرِ تَيْمِ اللاّت والمرءِ عامر
ومن
نفرٍ من
حضرموتٍ
وتغلب ومن مانعيه الماء في شهر نَاجِرِ
وخَوْلِيّ
لا
يقتلك
ربي
وهانئٍ وثعلبةَ
المَسْتُوه
وابن
تباحر
ولا سَلّم الله ابن
أبجر ما دعت حَمَامَةُ أَيْكٍ
في غُصُون
نَوَاضر
ومِنْ ذلك
الفَدْمُ
الأباني
والذي رَمَاه
بسهم
ضَيْعَةً
والمهاجر
ولا ابن رقاد لا نَجا من
حَذَارِه ولا ابن يزيد من حَذَار المُحَاذِر
ومن روس ضُلّال
العراق وغيرهم تميم
ومن
ذاك اللَّعين ابن زاجر
ولا
الحنظليين
الذين
تتابعت نِبَالهم
في
وَجْهه
والخَوَاصر
ولا نفر من آل سعد بن مذحجٍ ولا
الأبرص الجِلْف اللئيم العناصر
ولا عصبة من طَيِّىء أحدقت به ولا
نفرِ
منا
شِرارَ السرائر
ولا
الخَثْعَمِيين
الذي
تنازلوا عليه
ولا
من
زَاره بالمناسر
ولا شَبَثٍ
لا
سلّم
الله
نَفسه ولا قَى ابن سعدٍ حَدّ أبيضَ باتر
والقوم الذين سماهم في شعره: سنان بن أنس النخعي، ومالك؛ رجل من وَهْبيل من النخع، ومرة بن كعب؛ رجل من أشراف عبد القيس، ونوفل بن مساحق، من بني عامر بن لؤى، وكعب بن جابر الأزدي، وأورق الصيداء؛ رجل منهم كان أَفْوَه، وابن موزّع؛ رجل من همدان، بحر بن مالك من بني تميم بن ثعلبة، وخَوْلِي بن يزيد الأصبحي المحرّق بالنار، وهانئ بن ثُبيت الحضرمي، وثعلبة المستوه؛ رجل من بني تميم كان مأبونًا، وابن تباحر؛ رجل من بني تيم الله يقال له: عمرو بن يَبْحر بن أبْجَر حجار بن أبجر، وبجير بن جابر العجلي، والذي رماه الغنوي الذي رمى ابن الحسين فقتله، وابن زاجر؛ رجل من بني مَنْقِر من بني تميم، والأبرص الجلف ــ يعني: شِمْر بن ذي الجَوْشَن، وشبث بن ربعي الرّياحي، وقال عبيد الله بن الحُرّ أيضًا:
تبيت
نساء
من
أمية نُوّمًا وبالطّف هام ما ينام جميمها
وما ضَيّع
الإسلامَ
إلا
قبيلةٌ تأمر
نُوَكَاها
وطال
نعيمها
وأضحت قناة الدِّين في كفّ ظالمٍ إذا اعوجّ منها جانب لا يقيمُها
وقال عُمَارة بن عمير: لما جيء برأس ابن زياد وأصحابه، نُضِّدَتْ في المسجد، فانتهيت إليهم وهم يقولون: قد جاءت، قد جاءت، فإذا حَيّة قد جاءت تتخلل الرءوس حتى دخلت في منخر عبيد الله بن زياد، فمكثت هُنَية، ثم خرجت، فذهبت حتى تغيبت، ثم قالوا: قد جاءت، قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين، أو ثلاثًا، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وروى عبد الرحمن بن أبي نعيم أن رجلًا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب، فقال ابن عمر: انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وسمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول:
"الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا!"
(*)
أخرجه الترمذي في السنن 5/ 615 كتاب المناقب (50) باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام (31) حديث رقم3770 وقال أبو عيسى هذا حديث صحيح
.
واختلف في سنّ الحسين ــ رضي الله عنه ــ يوم قَتْله، فقيل: قُتِل وهو ابنُ سبع وخمسين، وقيل: قُتل وهو ابن ثمان وخمسين، وقال قتادة: قُتل الحسين وهو ابن أربعٍ وخمسين سنة وستة أشهر، قال جعفر بن محمد: تُوفي عليُّ بن أبي طالب، وهو ابنُ ثمان وخمسين سنة، وقُتل الحسين بن عليّ وهو ابنُ ثمان وخمسين سنة، وتُوفِّي علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وتُوفِّي محمد بن علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة رحمه الله تعالى ورضي عنه.
الصفحة الأم
|
مساعدة
|
المراجع
|
بحث
|
المسابقات
الاسم :
البريد الالكتروني :
*
عنوان الرسالة :
*
نص الرسالة :
*
ارسال