تسجيل الدخول


حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي

1 من 1
حمزة بن عبد المطّلب

أسد الله وأسد رسوله وعمّه، رضي الله عنه، ابن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصيّ، وأمّه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مُرّة، وكَان يُكنى أبا عُمارة. وكان له من الولد يَعْلَى وكان يكنى به حمزة أبا يعلى، وعامر دَرَجَ، وأمّهما بنت الملّة بن مالك بن عُبادة بن حجر بن فائد بن الحارث بن زيد بن عُبيد بن زيد ابن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف من الأنصار، من الأوس، وعُمارة بن حمزة، وقد كان يكنى به أيضًا، وأمّه خولة بنت قيس بن قَهْد الأنصاريّة من بني ثعلبة بن مالك بن النجّار، وأُمامة بنت حمزة وأُمّها سلمى بنت عُميس أخت أسماء بنت عُميس الخثعمية، وأُمامة التي اختصم فيها عليّ وجعفر وزيد بن حارثة، وأراد كلّ واحد منهم أن تكون عنده فقضى بها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لجعفر من أجل أنّ خالتها أسماءَ بنت عُميس كانت عنده(*)، وزوّجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، سَلَمَةَ ابن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وقال: "هل جُزِيتَ سَلَمَةُ" فهلك قبل أن يجمعها إليه(*). وقد كان ليعلى بن حمزة أولاد، عُمارة والفضل والزبير وعقيل ومحمّد، درجوا فلم يبق لحمزة بن عبد المطّلب ولد ولا عقب.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر، قال أخبرنا عُبيد الله بن عبد الرّحمن بن مَوْهَب، قال سمعت محمّد بن كعب القُرَظي، قال: نال أبو جَهْل وعديّ بن الحمراء وابن الأصداء من النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، يومًا وشتموه وآذوه، فبلغ ذلك حمزة بن عبد المطّلب، فدخل المسجد مُغْضَبًا فضرب رأس أبي جهل بالقوس ضربةً أوضحت في رأسه، وأسْلَمَ حمزة فعَزّ به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، والمسلمون وذلك بعد دخول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، دار الأَرْقم في السنة السادسة من النبوّة.(*)

قال: أخبرنا محمّد بن عمر، قال أخبرنا محمّد بن صالح عن عِمْران بن مَنّاح، قال: لما هاجر حمزة بن عبد المطّلب إلى المدينة نزل على كلثوم بن الهِدْم، قال محمّد بن صالح، وقال عاصم بن عمر بن قتادة: نزل على سَعْد بن خَيْثَمَة.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر، قال أخبرنا عبد الله بن محمّد بن عمر قال: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين حمزة بن عبد المطّلب وزيد بن حارثة، وإليه أوصى حمزة ابن عبد المطّلب يوم أُحُد حين حضر القتالُ.(*)

قال: أخبرنا محمّد بن عمر، قال حدّثني شُعَيب بن عُبادة عن يزيد بن رومان قال: أول لواءٍ عقده رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حين قدم المدينة لحمزة بن عبد المطّلب، بعثه سريّةً في ثلاثين راكبًا حتى بلغوا قريبًا من سِيف البحر، يعترضُ لعير قريش وهي منحدرة إلى مكّة قد جاءت من الشأم وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة راكب، فانصرف ولم يكن بينهم قتال.(*)

قال محمّد بن عمر، وهو الخبر المُجْمَعُ عليه عندنا، إنّ أوّل لواء عقده رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لحمزة بن عبد المطّلب.(*)

قال: أخبرنا محمّد بن عمر، قال حدّثني موسى بن محمّد بن إبراهيم عن أبيه، قال: كان حمزة مُعْلِمًا يوم بدر بريشة نَعامة. قال محمّد بن عمر: وحمل حمزة لواء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في غزوة بني قينقاع ولم يكن الرايات يومئذ.

وقُتل، رحمه الله، يوم أُحُدٍ على رأس اثنين وثلاثين شهرًا من الهجرة وهو يومئذ ابن تسع وخمسين سنة، كان أسَنّ من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بأربع سنين، وكان رجلًا ليس بالطويل ولا بالقصير، قَتَله وحشيّ بن حرب وشقّ بطنه، وأخذ كبده فجاء بها إلى هند بنت عُتْبَة بن ربيعة، فمضَغَتْها، ثم لفظتها، ثمّ جاءت فَمَثَلَتْ بحمزة، وجعلت من ذلك مَسَكَتَين ومِعْضَدَين وخَدَمَتين حتى قدمت بذلك وبكبده مكّة.

وكُفّن حمزة في بُرْدة، فجعلوا إذا خَمّرُوا بها رأسه بَدَتْ قدَماه، وإذا خمّروا بها رجليه تنكشفُ عن وجهه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "غطوا وجهه!" وجَعَل على رجليه الحَرْمَلَ.(*)

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح، قال أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أنّ حمزة بن عبد المطّلب كُفّن في ثوب.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر، حدّثني عمر بن عثمان الجَحْشيّ عن آبائه، قالوا: دُفن حمزة بن عبد المطّلب وعبد الله بن جَحْش في قبر واحد، وحمزة خالُ عبد الله بن جحش.

قال: قال محمّد بن عمر: ونزل في قبر حمزة أبو بكر وعمر وعليّ والزّبير، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، جالس على حُفْرته: وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "رأيت الملائكة تغسل حمزة" لأنّه كان جُنُبًا ذلك اليوم(*)، وكان حمزة أول من صلّى رسول الله عليه ذلك اليوم من الشهداء، وكبّر عليه أربعًا، ثم جُمع إليه الشهداء فكلّما أُتِيَ بشهِيد وُضع إلى جنب حمزة فصلّى عليه وعلى الشهيد، حتى صلّى عليه سبعين مرّة(*). وسمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، البكاء في بني عبد الأشهل على قَتلاهم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لكنّ حمزة لا بواكيَ له" فسمع ذلك سعد بن معاذ فرجع إلى نساء بني عبد الأشهل فساقهنّ إلى باب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فبكين على حمزة، فسمع ذلك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فدعا لهنّ وردّهنّ، فلم تبك امرأةٌ من الأنصار بعد ذلك إلى اليوم على ميت إلا بَدَأتْ بالبكاء على حمزة ثمّ بكت على ميّتها.(*)

قال: أخبرنا شهاب بن عبّاد العبديّ، قال أخبرنا عبد الجبّار بن الوَرْد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، قال: لما أراد معاويةُ أن يُجْريَ عيْنَه التي بأُحُد كتبوا إليه: إنّا لا نستطيع أن نُجْريها إلا على قبور الشهداء، قال فكتب: انْبُشوهم. قال فرأيْتُهُم يُحمَلون على أعناق الرّجال كأنّهم قوم نيام، وأصابت المسحاةُ طرف رِجْل حمزة بن عبد المطّلب فانبعثت دمًا.

قال: أخبرنا سفيان بن عُيينة وإسماعيل بن إبراهيم الأسديّ عن عليّ بن زيد بن جُدعان، عن سعيد بن المسيّب قال: قال عليّ لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ألا تتزوّج ابنة عمّك ابنة حمزة فإنّها، قال سفيان، أجمل، وقال إسماعيل أحسن فتاة في قريش، فقال: "يا عليّ أما علمتَ أنّ حمزة أخي من الرّضاعة وأنّ الله حرّم من الرّضاع ما حرّم من النّسب؟"(*) قال: أخبرنا عبد الله بن نمير ومحمّد بن عُبيد، قالا أخبرنا الأعمش عن سعد بن عُبيدة عن أبي عبد الرّحمن السُّلَميّ عن عليّ قال: قلت يا رسول الله مالي أراك تتوق في نساء قريش وتَدَعُنا؟ قال: "عندك شيءٌ؟" قال قلت: نعم ابنة حمزة قال: "تلك ابنة أخي من الرّضاعة".(*)

قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأنصاريّ، قال أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عبّاس قال: أريد رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، على ابنة حمزة فقال: "إنها ابنة أخي من الرضاعة وإنّه يَحْرُمُ من الرّضاع ما يحرم من النّسَب"(*).

قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل، قال أخبرنا حمّاد بن سَلَمَة عن عمّار بن أبي عمّار أنّ حمزة بن عبد المطّلب سأل النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، أن يُريَه جبريل في صورته، قال: "إنّك لا تستطيع أن تراه"، قال: بلى، قال: "فاقعد مكانك"، قال فنزل جبريل على خشبة في الكعبة كان المشركون يضعون ثيابهم عليها إذا طافوا بالبيت فقال: "ارفع طَرْفَك فانْظُرْ"، فنظر فإذا قدماه مثل الزبرجد الأخضر فخر مغشيًّا عليه.(*)

قال: أخبرنا عُبيد الله بن موسى، قال أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن حارثة ابن مضرّب، عن عليّ قال: قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يوم بدر: "يا عليّ نادِ لي حمزة"، وكان أقربهم إلى المشركين.(*)

قال: أخبرنا أبو أُسامة حمّاد بن أسامة وإسحاق بن يوسف الأزرق عن ابن عون، عن عُمير بن إسحاق، قال: كان حمزة بن عبد المطّلب يقاتل بين يدي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يوم أُحُد بسيفين، ويقول: أنا أسد الله، وجعل يُقبل ويُدبر، قال فبينا هو كذلك إذ عثر عثرةً فوقع على ظهره، وبَصرَ به الأسودُ، قال أبو أسامة: فزرقه بحربة فقتله، وقال إسحاق بن يوسف: فطعنه الحبشيّ بحربة أو رُمْح فبقره.

قال: أخبرنا هَوْذة بن خليفة، قال أخبرنا عوف عن محمّد، قال: بلغني أن هند بنت عتبة بن ربيعة جاءت في الأحزاب يوم أُحُد وكانت قد نذرت لئن قدرت على حمزة بن عبد المطّلب لَتَأكُلَنّ من كبده: قال فلمّا كان حيث أصيب حمزة، ومثلوا بالقتلى وجاءُوا بحُزّة من كبد حمزة فأخذتها تمضغُها لتأكلها فلم تستطع أن تبتلعها، فلفظتها، فبلغ ذلك رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "إنّ الله قد حَرّم على النّار أن تذوق من لحم حمزة شيئًًا أبدًا". ثمّ قال محمّد: وهذه شديدة على هند المسكينة.(*)

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم، قال أخبرنا حمّاد بن سلمة، قال: أخبرنا عطاء بن السائب عن الشعبيّ عن ابن مسعود قال قال أبو سفيان يوم أُحُد: قد كانت في القوم مثلة وإن كانَتْ لَعَنْ غيرِ مَلإٍ مني، ما أمرتُ ولا نهيتُ ولا أحببتُ ولا كرهتُ، ساءني ولا سرّني، قال ونظروا فإذا حمزة قد بُقِر بطنُه وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع هندُ أن تأكلها، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أكلتْ منها شيئًا؟" قالوا: لا، قال: "ما كان الله لِيُدْخِلَ شيئًا من حمزة النّار".(*)

قال: أخبرنا خالد بن مَخْلَد، قال حدّثني عبد الرّحمن بن عبد العزيز، قال حدّثني الزهريّ عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال يوم أُحُد: "مَنْ رأى مقتلَ حمزة؟" فقال رجل: أعزّك الله، أنا رأيت مقتله. قال: "فانطَلِقْ فأرِناه". فخرج حتّى وقف على حمزة، فرآه قد شُقّ بطنه، وقد مُثل به، فقال: يا رسول الله مُثل به والله، فكره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أن ينظر إليه، ووقف بين ظَهْرَاني القَتْلى فقال: "أنا شهيد على هؤلاء، لُفّوهم في دمائهم فإنّه ليس من جريح يُجْرَح في الله إلاّ جاء جرحُه يومَ القيامة يَدْمي، لونه لون الدّم، وريحُه ريح المسك، قدّموا أكثرَهُم قُرْآنًا فاجْعَلُوهُ في اللّحد".(*)

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال أخبرنا صالح المُرّي، قال أخبرنا سليمان التيميّ عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هُريرة، أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقف على حمزة بن عبد المطلّب حيث اسْتُشْهِدَ، فنظر إلى منظرٍ لم ينظر إلى شيءٍ قطّ كان أوجع لقلبه منه، ونظر إليه قد مُثِلَ به فقال: "رحمة الله عليك، فإنّك كنت ما علمتُ، وَصولًا للرحم فَعولًا للخيرات، ولولا حزن مَنْ بعدك عليك لسرّني أن أتركك حتّى يحشرك الله من أرواح شتّى، أما والله عَلَيّ ذلك لأمْثُلَنّ بسبعين منهم مكانك!" فنزل جبريل، عليه السلام، والنّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، واقف بخواتيم النّحْل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، إلى آخر الآية، فكفّر النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، عن يمينه، وأمسكَ عن الّذي أراد، وصبر.(*)

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال أخبرنا أبو بكر بن عيّاش عن يزيد، عن مِقْسَم، عن ابن عبّاس، قال: لما قُتِل حمزةُ يوم أُحُد أقبلت صفيّةُ تطلبه لا تدري ما صَنَعَ، قال فَلَقِيَتْ عَلِيًّا والزّبير، فقال عليّ للزّبير: اذكر لأمّك، قال الزّبير: لا بل اذكر أنت لعَمّتِك، قالت: ما فَعَل حمزةُ؟ قال فأرياها أنّهما لا يدريان، قال فجاء النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "إني أخاف على عقلها"، قال فوضع يده على صدرها، ودعا لها فاسترجعت وبكت، ثم جاء فقام عليه وقد مُثل به، فقال: "لولا جزع النساء لتركتُه حتى يُحْشَرَ من حواصل الطير وبطون السباع"، قال ثمّ أمر بالقتلى فجعل يصلّي عليهم، قال فيَضَعُ تسعة وحمزة فيكبّر عليهم سبعًا ثمّ يُرْفَعُونَ ويُتْرَكُ حمزة، ثمّ يُجاءُ بتسعة فيكبّر عليهم حتى فرغ منهم.(*)

قال: أخبرنا رَوْح بن عبادة وعثمان بن عمر وزيد بن الحُباب عن أُسامة بن زيد، عن الزّهريّ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مرّ بعمّه حمزة يوم أُحُد وقد جُدّع ومُثل به، فقال: "لولا أن تَجِدَ صَفِيّةُ في نفسها لتركته حتى تأكله العافية، حتى يُحْشَرَ من بطون الطير والسباع"، قال فكُفّن في نَمِرَة إذا خُمّر برأسه بَدَتْ رجلاه، وإذا مدّتْ على رجليه بدا رأسه، قال وقلّت الثيابُ وكثرت القتلى، فكُفّن الرجل والرجلان والثلاثة في ثوبٍ واحد، وكان يجمع الثلاثة والاثنين في قبر ثمّ يَسْألُ أيّهم أكثر قُرْآنًا فيُقَدمُهُ في اللّحْد.(*)

قال: أخبرنا وكيع وعبد الله بن نُمَير عن هاشم بن عروة عن أبيه: أن حمزة بن عبد المطّلب كُفّن في ثوب واحد.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين، قال أخبرنا شَريك عن إبراهيم بن المهاجر عن إبراهيم، قال: قال خبّاب: كفّن حمزة في بردة، إذا غُطّي رأسه خرجت رجلاه وإذا غُطّيت رجلاه خرج رأسُه، فغُطّي رأسُه وجُعل على رجْليه إذْخِرٌ.

قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، قال أخبرنا محمّد بن صالح عن يزيد بن زيد، عن أبي أسيد الساعدي، قال: أنا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على قبر حمزة، فجعلوا يجرّون النّمِرَةَ فتنكشف قدماه ويجرّونها على قدميه فينكشف وجهه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اجعلوها على وجهه واجعلوا على قدميه من هذا الشجر"، قال فرفع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، رأسه فإذا أصحابه يبكون، فقال: "ما يُبكيكم؟" قيل: يا رسول الله لا نجد لعمّك اليوم ثوبًا واحدًا يسعه، فقال: "إنّه يأتي على النّاس زمانٌ يخرجون إلى الأرياف فيُصيبون فيها مطعمًا وملبسًا ومركبًا"، أو قال:" مراكب، فيكتبون إلى أهلهم: هلمّوا إلينا فإنّكم بأرضٍ جَرَديّة، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، لا يَصْبِرُ على لأوائِها وشِدّتِها أحدٌ إلاّ كُنْتُ له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة".(*)

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال أخبرنا سليمان بن المغيرة، قال أخبرنا هشام بن عروة، قال: أقبلت صفيّةُ بنت عبد المطّلب ومعها ثوبان تريد أن تكفّن أخاها حمزة بن عبد المطّلب فيهما، قال فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، للزّبير بن العوّام وهي أمّه وهو ابنها: "عَلَيْك المَرْأةَ"، قال فاستقبلها ليردّها، قالت: هكذا لا أرضَ لكَ ولا أمّ لك، فانتهت إليه فإذا إلى جنبه رجلٌ من الأنصار صريعٌ فكفّن حمزة في أوسع الثوبين وكفّن الأنصاري في الآخر.(*)

قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأنصاري، قال حدّثني أشعث قال: سئل الحسن أيُغَسّلُ الشّهداءُ؟ قال: نعم، قال وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لقد رأيتُ الملائكَةَ تغسّل حمزة".(*)

قال: أخبرنا وكيع والفضل بن دُكين عن شريك عن حصين عن أبي مالك: أنّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، صلّى على قتلى أُحُد عشرة عشرة، يصلّي على حمزة مع كلّ عشرة.(*)

قال: أخبرنا محمّد بن الفُضيل بن غزوان عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال: صلّى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على حمزة فكبّر عليه تسعًا، ثمّ جِيءَ بأُخرى فكبَّر عليها سبعًا، ثمّ جيء بأُخرى فكبّر عليها خمسًا، حتّى فرغ من جميعهم غيرَ أنّه وَتَرَ.(*)

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم، قال أخبرنا حمّاد بن سَلَمَة، قال أخبرنا عطاء بن السائب عن الشّعبيّ عن ابن مسعود قال: وضع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حمزة فصلّى عليه وجيء برجل من الأنصار فوُضع إلى جنبه فصلّى عليه، فرُفع الأنصاري وتُرك حمزة، ثمّ جيءَ بآخر فوُضع إلى جنب حمزة فصلّى عليه، فرُفع الأنصاري وتُرك حمزة، حتّى صلّى عليه يومئذ سبعين صلاة.(*)

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال أخبرنا همّام عن عطاء بن السائب عن الشعبيّ: أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، صلّى على حمزة بن عبد المطّلب ثمّ جيءَ برجل فوُضع فصلّى عليهما جميعًا، ثمّ رُفع الرّجل وجيءَ بآخر، فما زال يفعل ذلك حتى صلّى يومئذ على حمزة سبعين صلاة.(*)

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال أخبرنا أبو الأحوص، قال أخبرنا سعيد ابن مسروق عن أبي الضّحى، قال في قول الله جلّ ثناؤه: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [سورة آل عمران: 169]، قال: نزلت في قتلى أُحُد، ونزل فيهم: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [سورة آل عمران: 140]. قال: قُتِلَ يومئذ سبعون من المسلمين أربعة من المهاجرين: حمزة بن عبد المطّلب، ومُصْعب بن عُمير أخو بني عبد الدّار، والشمّاس بن عثمان المخزوميّ، وعبد الله بن جحش الأسديّ، وسائرهم من الأنصار.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن سفيان عن أبي هاشم عن أَبِي مِجْلَز عن قيس بن عُبَاد، قال: سمعت أبا ذَرّ يُقسم قسما: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [سورة الحج: 19] إِنها نزلت في هؤلاء الرّهط الستة يوم بدر: حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة.

قال: أخبرنا عثمان بن عمر وعُبيد الله بن موسى ورَوْح بن عبادة قالوا: أخبرنا أُسامة ابن زيد عن نافع عن ابن عمر قال: لمّا رجع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من أُحُدِ سمع نساء بني عبد الأَشْهَل يَبكين على هَلْكاهُنّ، فقال: "لكنّ حمزة لا بواكيَ له"، قال فاجتمع نساءُ الأنصار عنده فبكَيْن على حمزة ورقد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فاستيقظ وهنّ يبكين فقال: "يا وَيحهنّ إنّهن هاهنا حتى الآن، مُروهنّ فليرجعن ولا يَبكين على هالكٍ بعد اليوم".(*)

قال: أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقديّ قال: أخبرنا زهير بن محمّد، وأخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمّد الدَّراوَرْدِي جميعًا عن شريك بن أبي نمر عن عَطَاء بن يَسَار: أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مَرّ على نساء بني عبد الأشْهل لمّا فرغ من أُحُد فَسَمعهنّ يبكين على من اسْتُشْهد منهم بأُحُد، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لكنّ حمزة لا بواكي له". فسمعها سعد بن معاذ، فذهب إلى نساء بني عبد الأشهل فأمرهنّ أن يذهبن إلى باب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فيبكين على حمزة، فذهبن فبكين فسمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بكاءهنّ، فقال: "من هؤلاء؟"، فقيل: نساء الأنصار، فخرج إليهنّ فقال: "ارجعن، لا بكاء بعد اليوم".(*)

وقال عبد الملك بن عمرو في حديثه عن زهير بن محمّد: وقال: "بارك الله عليكنّ وعلى أولادكنّ وعلى أولاد أولادكنّ"، وقال عبد الله بن مسلمة في حديثه عن عبد العزيز بن محمّد: "رحمكنّ الله ورحم أولادكنّ وأولاد أولادكن".(*)

قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأنصاريّ قال: أخبرنا محمّد بن عمرو قال: أخبرنا محمّد بن إبراهيم قال: مَرّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حين انصرف من أُحُد، وبنو عبد الأشهل نساؤهم يبكين على قتلاهم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لكنّ حمزة لا بواكي له". فبلغ ذلك سعد بن معاذ، فساق نساءه حتى جاء بهنّ إلى باب المسجد يبكين على حمزة. قالت عائشة: فخرجنا إليهنّ نبكي معهنّ، فنام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ونحن نبكي ثم استيقظ فصلّى صلاة العشاء الآخرة، ثم نام ونحن نبكي، ثمّ استيقظ فسمع الصوت فقال: "ألا أراهنّ ها هنا إلى الآن؟ قولوا لهنّ فَلْيَرْجِِعْنَ"، ثمّ دعا لهنّ ولأزواجهنّ ولأولادهنّ، ثمّ أصبح فنهى عن البكاء كَأشَدّ ما نهى عن شيء.(*)

قال: أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فُديك قال: قال أخبرنا محمّد بن أبي حميد عن ابن المنكَدر قال: أقبل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من أُحُد، فمرّ على بني عبد الأشْهل، ونساء الأنصار يبكين على هلكاهُنّ يَنْدُبونهم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لكنّ حمزة لا بواكي له"، قال فدخل رجال من الأنصار على نسائهم فقالوا: حوّلوا بكاءكنّ ونَدْبكنّ على حمزة، فقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فَطال قيامُه يستمع، ثمّ انصرف فقام على المنبر من الغد فَنَهَى عن النياحة كأشدّ ما نَهَى عن شيء قطّّ، وقال: "كلّ نادبةٍ كاذبة إلّا نادبة حمزة".(*)

قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا حكيم بن سلمان قال: سمعتُ محارب بن دثار يذكر، قال: لمّا قُتل حمزة بن عبد المطّلب جعل النّاسُ يبكون على قتلاهم، فقال النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "لكنّ حمزة لا بواكي له"، قال فسمعتْ ذلك الأنصار فأمروا نساءهم فبكوا عليه، فجاءت امرأةٌ واضعة يدها على رأسها تَرِنّ، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "فعلتِ فعلَ الشيطان حين أُهبط إلى الأرض وضع يده على رأسه يَرِنّ، وإنّه ليسَ منّا من حَلَقَ ولا من خَرَقَ ولا من سَلَقَ".(*)

قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير قال: أخبرنا زياد بن المنذر عن أبي جعفر قال: كانت فاطمة تأتي قبر حمزةَ فتَرُمّه وتُصلِحُه‏ُ.
(< جـ3/ص 7>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال