1 من 1
عبد الله بن جعفر الهاشمي:
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشيّ الهاشمي، يُكْنَى أبا جعفر. ولدته أمُّه أسماء بنت عُمَيس بأَرض الحبشة، وهو أولُ مولود وُلد في الإسلام بأرض الحبشة، وقدم مع أَبيه المدينة، وحفظ عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وروى عنه.
وتُوفِّي بالمدينة سنة ثمانين، وهو ابنُ تسعين سنة. وقيل: إنه تُوفِّي سنة أربع أو خمس وثمانين، وهو ابنُ ثمانين سنة. والأوَّلُ عندي أَوْلَى. وعليه أكثرهم أَنه تُوفِّي سنة ثمانين، وصَلَّى عليه أبان بن عثمان، وهو يومئذ أَميرُ المدينة، وذلك العام يعرف بعام الجُحَاف لسيلٍ كان بمكّة أَجْحف بالحاج، وذهب بالإبل، وعليها الحمولة.
وكان عبدُ الله بن جعفر كريمًا، جوادًا ظريفًا، خليقًا عفيفًا سخِيًّا يسمَّى بحر الجود، ويقال: إنه لم يكن في الإسلام أسْخَى منه، وكان لا يرى بسماع الغناء بأسًا.
روي أنَّ عبد الله بن جعفر كان إِذا قدم على معاوية أنزله دارَه، وأظهر له من برِّه وإِكرامه ما يستحقُّه، فكان ذلك يغيظ فاختة بنت قَرَظة بن عَبْد عمرو بن نوفل بن عبد مناف زوجة معاوية، فسمعت ليلة غناءً عند عبد الله بن جعفر؛ فجاءت إلى معاوية، وقالت: هلم فاسمع ما في منزل هذا الرّجل الذي جعلْتَه بين لحمك ودمك. قال: فجاء معاوية فسمع وانصرف، فلما كان في آخر الليَّل سمع معاويةُ قراءةَ عبد الله بن جعفر، فجاء فأَنْبَهَ فاختة، فقال: اسمعي مكانَ ما أَسمعتني.
ويقولون: إن أَجواد العرب في الإسلام عشرة. فأَجواد أهل الحجاز عبد الله بن جعفر، وعبيد الله بن عباس بن عبد المطّلب، وسعيد بن العاص. وأجود أهل الكوفة عتاب بن ورقاء أحد بني رباح بن يربوع، وأسماء بن خارجة بن حصن الفزاريّ، وعِكْرِمة ابن ربْعي الفياض أحد بني تيم الله بن ثعلبة. وأجود أَهل البصرة عمرو بن عبيد الله بن معمر، وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعيّ ثم أحد بني مليح وهو طلحة الطلحات، وعبيد الله بن أَبي بكرة. وأجودُ أهل الشّام خالد بن عبيد الله بن خالد بن أسد بن أبي العاص بن أميَّة. وليس في هؤلاء كلِّهم أجودُ من عبد الله بن جعفر، ولم يكن مُسْلِمٌ يبلغ مبلغه في الجود، وعُوتب في ذلك فقال: إنَّ الله عوَّدني عادة، وعوَّدْتُ الناسَ عادة، فأنا أخاف إنْ قطعتها قطعت عني.
ومدحه نُصيب فأعطاه إبلًا وخيلًا وثيابًا ودنانيرَ ودراهم، فقيل له: تُعْطى لهذا الأسود مِثْلَ هذا؟ فقال: إن كان أسوَد فشِعْرُه أبيض. ولقد استحقّ بما قال أكثر مما نال، وهل أعطيناه إلا ما يَبْلَى ويَفْنَى، وأعطانا مَدْحًا يُرْوى، وثناء يَبْقَى.
وقد قيل: إنَّ هذا الخبر إنما جرى لعبد الله بن جعفر مع عبد الله بن قيس الرّقيات.
وأخبارُه في الجود كثيرة جدًا. روى عنه ابناهُ إسماعيل، ومعاوية، وأَبو جعفر محمد بن علي، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزّبير، وسعد بن إبراهيم الأكبر، والشّعبي، ومورَّق العجلي، وعبد الله بن شداد، والحسن بن سعد، وعباس بن سهل بن سعد، وغيرهم.
(< جـ3/ص 17>)