تسجيل الدخول


عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم الهاشمي

كنيته أبو محمد، وأبو جعفر؛ وهي أشهر، ولد بأَرض الحبشة، وكان أَبواه رضي الله عنهما هاجرا إِليها، فوُلِد هناك، وهو أَول مولود وُلِد في الإِسلام بأَرض الحبشة، قالوا: ولما هاجَر جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، حَمَل معه امرأته أسماء بنت عُمَيْس الخثعمية، فولدت له هناك عبد الله، وعونًا، ومحمدًا، ثم وُلِدَ للنجاشي بعدما ولدت أسماء ابنها عبد الله بأيام ابنٌ، فأرسل إلى جعفر، ما سميتَ ابنك؟ قال: عبد الله، فسمى النجاشي ابنه عبد الله، وأخذته أسماء بنت عميس، فأرضعته حتى فطمته بلبن عبد الله بن جعفر، ونزلت أسماء بذلك عندهم منزلة، فكان مَن أسلم من الحبشة يأتي أسماء بَعْدُ فيخبرها خبرهم، فلما ركب جعفر بن أبي طالب مع أصحاب السفينتين منْصَرَفَهم من عند النجاشي، حمل معه امرأته أسماء بنت عميس، وولده منها الذين ولدوا هناك، عبد الله، وعونا، ومحمدًا، حتى قدم بهم المدينة، فلم يزالوا بها حتى وَجّه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم جعفرًا إلى مؤتة فقُتل بها شهيدا. وروي عن يحيى بن أبي يَعْلَى قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول: أنا أحفظ حين دخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى أُمِّي؛ فنعَى لها أبي، فأنظر إليه، وهو يمسح على رأسي، ورأس أخي، وعيناه تُهْرَاقان الدموعَ حتى تقطر لِحْيَتُه، ثم قال: "اللهم إن جعفرًا قد قدم إلى أحسن الثواب، فاخلُفْه في ذريته بأحسن ما خَلَفْتَ أحدًا من عبادك في ذريته"، ثم قال: "يا أسماء: ألا أبشرك؟" قالت: بلى بأبي أنت وأمي، قال:"إن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة"، قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فأَعْلِم الناسَ بذلك، فقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأخذ بيدي يمسح رأسي حتى رَقِي على المنبر، وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى، والحزن يُعرف عليه، فتكلم فقال: "إن المرء كثير بأخيه وابن عمه ألا إن جعفرًا قد استشهد، وقد جُعِل له جناحان يطير بهما في الجنة"، ثم نزل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فدخل بيته وأدخلني معه، وأمر بطعامٍ فَصُنِع لأهلي، وأرسل إلى أخي، فتغدينا عنده، والله، غداءً طيبًا مباركًا، عَمَدَتْ سَلْمَى خادِمُه إلى شعير فطحنته، ثم نَسَفَتْه ثم أنضجته وأَدَمَتْه بزيت وجعلت عليه فُلْفُلًا، فتغذيت أنا وأخي معه، فأقمنا ثلاثة أيام في بيته ندور معه كلما صار في بيت إحدى نسائه، ثم رجعنا إلى بيتنا، فأتانا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأنا أساوم بشاة أخ لي فقال: "اللهم بارك له صفقته"، قال عبد الله: فما بعتُ شيئًا ولا اشتريت إلا بُورك لي فيه. وروي أنَّ عبد الله بن جعفر، وعَبْدَ الله بن الزبير بايعَا النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم وهما ابنا سَبع سنين. وروي عن عبد الله بن جعفر، قال: علمتني أمي أسماء بنت عُمَيْس شيئا أمرها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن تقوله عند الكرب: "الله اللهُ ربي لا أشرك به شيئا". وكان عبد الله بن جعفر قد خَرِبَ فُوْهُ وسقطت أسنانُه، فكان يُعْمَل له الثريد والشيء اللين فيأكله، وكان إذا قيل له: إنك ليس تأكل، شَقّ عليه ذلك، وروي أَن عبد اللّه بن جعفر أَسلف الزبير بن العوام أَلف أَلف درهم، فلما قتل الزبير قال ابنه عبد اللّه لعبد اللّه بن جعفر: إِني وجدت في كتب أَبي أَن له عليك أَلف أَلف درهم، فقال: هو صادق فاقبضها إِذا شئت، ثم لقيه فقال: يا أَبا جعفر وَهَمْتُ، المالُ لَكَ عَلَيْه، قال: فهو له، قال: لا أَريد ذاك، قال: فاختر إِذا شئت فهو له، وإِن كرهت ذلك فله فيه نَظِرَةٌ ماشئت، وإِن لم ترد ذلك فبعني من ماله ماشئت، قال: أَبيعك ولكن أُقوِّم، فَقَوَّم الأَموال ثم أَتاه فقال: أُحِبُّ أَن لا يحضرني وإِياك أَحد، قال: فانطَلِقْ، فمضى معه فأَعطاه حرابًا وشيئًا لا عمارة فيه وقَوَّمه عليه، حتى إِذا فرغ قال عبد اللّه بن جَعفر لغلامه: أَلق لي في هذا الموضع مصلى، فأَلقى له في أَغلظ موضع من تلك المواضع مُصَلَّى، فصلى ركعتين وسجد فأَطال السجود يدعو، فلما قضى ما أَراد من الدعاءِ قال لغلامه: احفر في موضع سجودي فحفر، فإِذا عين قد أَنْبَطَها، فقال له ابن الزبير: أَقلني، قال: أَمَّا دعائي وأَجابهُ الله إِيَّاي فلا أُقِيُلك فصار ما أَخذ منه أَعمر مما في يد ابن الزبير. وروي أن عبد الله بن جعفر قال: مر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على دابة، وأنا وعبيد الله بن العباس وقُثَم نلعب، فقال رسول الله: "احملوا إليّ هذا"، فوضعني بين يديه، ثم قال: "ارفعوا لي هذا"، فحمل قُثَم خلفه، وترك عبيد الله، ولم يستحِ من عمه أن حمل قثم وترك عبيد الله، وكان عبيد الله أحب إلى العباس من قثم، فمسح رأسي ثم قال: "اللهم اخلف جعفرًا في ولده"، قلت: ما فعل قثم؟ قال: استشهد، قلت: الله ورسوله أعلم بالخيرة قال: أجل. وتوفي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولعبد اللّه عشر سنين، وكان عبدُ الله بن جعفر كريمًا، جوادًا ظريفًا، خليقًا عفيفًا سخِيًّا يسمَّى "بحر الجود"، ويقال‏: إنه لم يكن في الإسلام أسْخَى منه، وكان لا يرى بسماع الغناء بأسًا، وُروي أنَّ عبد الله بن جعفر كان إِذا قدم على معاوية أنزله دارَه، وأظهر له من برِّه وإِكرامه ما يستحقُّه، ولم يكن مُسْلِمٌ يبلغ مبلغه في الجود، وعُوتب في ذلك فقال:‏ إنَّ الله عوَّدني عادة، وعوَّدْتُ الناسَ عادة، فأنا أخاف إنْ قطعتها قُطعت عني، ومدحه نُصيبٌ فأعطاه إبلًا وخيلًا وثيابًا ودنانيرَ ودراهم، فقيل له‏: تُعْطى لهذا الأسود مِثْلَ هذا؟ فقال:‏ إن كان أسوَد فشِعْرُه أبيض، ولقد استحقّ بما قال أكثر مما نال، وهل أعطيناه إلا ما يَبْلَى ويَفْنَى، وأعطانا مَدْحًا يُرْوى، وثناءً يَبْقَى، وقد قيل‏: إنَّ هذا الخبر إنما جرى لعبد الله بن جعفر مع عبد الله بن قيس الرّقيات‏، وأخبارُه في الجود كثيرة جدًا. وروي أن ابن عمر إذا سَلّم على ابن جعفر قال: سلام عليك يابن ذي الجناحين، وروي أنه لما حضرت معاوية الوفاة قال ليزيد: يا بنّي إنّ لِي خليلًا بالمدينة فاستوص به خيرا وأعرف له مكانه مني ــ يعني: عبد الله بن جعفر ــ قال: فلما مات معاوية رحل عبد الله بن جعفر إلى يزيد فأكرمه وألطفه، وقال له: ياأبا جعفر، كم كان أمير المؤمنين يجيزك به كل سنة؟ قال: كذا وكذا ألف دينار، قال: قد أضعفتها لك. وروي عن عبد اللّه بن جعفر ـــ قال: أَردفَنِي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وراءَه ذات يوم، فأَسَرَّ إِليَّ حديثًا لا أُحَدِّثُ به أَحَدًا من الناس، وكان أَحبَّ ما استتر به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لحاجته هَدَفٌ أَو حَائِشُ نَخْلٍ ــ يعني: حائطًا ــ فدخل حائطًا لرجل من الأَنصار، فإِذا فيه جَمَل، فلما رأَى النبي صَلَّى الله عليه وسلم جَرْجَر وذَرِفت عيناه، قال: فأَتاه النبي صَلَّى الله عليه وسلم فمسح رأْسه إِلى سَنَامه وذِفْرَيْه فسكن فقال: "من رب هذا الجمل؟" فجاءَ فتى من الأَنصار فقال: هو لي يا رسول الله، قال: "أَفَلَا تَتَّقِي الله فِي هَذِهِ الْبُهَيْمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ الله إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَى أَنَّكَ تُجِيْعُهُ وَتُدْئِبُهُ" . حفِظَ عبد الله عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وروى عنه أَحاديث، ورَوَى عن أبويه، فروى عن أُمه أَسماءَ، وروى عن عَمّه علي بن أَبي طالب، وأبي بكر، وعثمان، وعمار بن ياسر، فعن عبد الله بن جعفر قال: كان النبي صَلَّى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر يُلَقَّى بصبيان أهل بيته، وإنه جاء مَرّة من سفر فسُبِقَ بي إليه، فحملني بين يديه، ثم جِيءَ بأحد ابني فاطمة الحسن أو الحسين فأردفه خلفه، فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة. وتُوفِّي عبد الله بالمدينة سنة ثمانين، وهو ابنُ تسعين سنة، وعلى المدينة يومئذ أبان بن عثمان، وكان لابن جعفر صديقًا، كان كثير الغِشْيَانِ له، وكان ممن حضر غسله وكفنه، والناس يزدحمون على سريره، وأبان بن عثمان قد حمل السرير بين العمودين فما فارَقَه حتى وضَعه بالبقيع، وإن دموعه لتسيل على خديه وهو يقول: كنتَ والله خيرًا لا شَرّ فيك، وكنت والله شريفًا واصلًا بَرّا، كنتَ والله وكنتَ، كان عبد الله جعفر يوم توفي ابن تسعين سنة.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال