تسجيل الدخول


عمرو بن معد يكرب الزبيدي

يُكنى أَبا ثَور، وقد روى رُميح بن هلال، عن أبيه، قال: رأيتُ عمرو بن معديكرب في خلافةِ معاوية شيخًا عظيمَ الْخِلقَة، أعظم ما يكون مِنَ الرجال، أجَشَّ الصوت، إذا التفت التفت بجميع جَسده. قدم عمرو بن معديكرب في عشرة من زبيد من قومه على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادي، حين انتهى إليهم أمرُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: يا قيس، إنك سيد قومك اليوم، وقد ذُكِرَ لنا أن رجلًا من قريش، يقال له: محمد، قد خرج بالحجاز يقول: إنه نبي، فانْطَلِق بنا إليه حتى نعلم علمه، فإن كان نبيًا كما يقول، فإنه لن يخفى علينا إذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمه، فإنه إن يسبق إليه رجل من قومك سَادَنَا وَتَرأَّسَ علينا وكنا له أذْنَابًا. فأبَى عليه قيس وسفّه رأيه، فركب عَمرو بن معديكرب حتى قدم المدينة، فقال حين دخلها وهو آخذ بزمام راحلته: من سيد أهل هذه البحيرة من بني عمرو بن عامر؟ فقيل له: سعد بن عُبادة، فأقبل يقود راحلته حتى أناخ ببابه، فقيل لسعد: عمرو بن معديكرب، فخرج إليه سعد فرحَّب به وأمر برَحْله فحط وأكرمه وحَبَاه، ثم رَاحَ به إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأسلم وأقام أيامًا، وأجازه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، كما يُجيزُ الوفد، وانصرف راجعًا إلى بلاده. وقيل لم يَلْقَ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ وإنما قدم إلى المدينة بعد وفاته، وحضر القادسية، وأبْلَى فيها. وقيل: قدم على النبي صَلَّى الله عليه وسلم في وفد مُرَاد، لأَنه كان قد فارق قومه سعدَ العشيرة ونزل في مُرَاد، ووفد معهم إِلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فأَسلم معهم. وكان إِسلامه سنة تسع. وقال الواقدي: سنة عشر. ولما أَسلموا عادوا إِلى بلادهم، فلما توفي النبي صَلَّى الله عليه وسلم ارتدَّ مع الأَسود العَنْسي، فسار إِليه خالد بن سعيد بن العاص فقاتله، فضربه خالد على عاتقه، فانهزم، وأَخذ خالد سيفه الصِّمْصَامة، فلما رأَى عمرو قدومَ الإِمداد من أَبي بكر رضي الله عنه إِلى اليمن، عاد إِلى الإِسلام، ودخل على المهاجر بن أَبي أُمية بغير أَمان، فأَوثقه وسيرَّه إِلى أَبي بكر، فقال له أَبو بكر: أَما تستحيي! كلّ يوم مهزوم أَم مأْسور! لو نصرتَ هذا الدين لرفعَك الله! قال: لا جَرَم لأُقبِلَنَّ ولا أَعود، فأَطلقه ورجع إِلى قومه، ثم عاد إِلى المدينة. وقد سيَّره أَبو بكر إِلى الشام، فشهد اليرموك، ثم شهد القادسية؛ وقال عمرو بن معديكرب يوم القادسية: ألزموا خراطيم الفيلة السيوف: فإنه ليس لها مقتل إلا خرطومها. وقال أيضًا: كانت خيل المسلمين تنفر من الفيلة يوم القادسية، وخيل الفُرس لا تنفر، فأمرتُ رجلًا فَتَرَّسَ عني، ثم دنوتُ من الفيل وضربتُ خَطمه فقطعته، فَنَفَرَ ونفرت الفيلَة فحطمت العسكر، وألح المسلمون عليهم حتى انهزموا. قال نيار بن مكرم الأسلمي: شهدتُ القادسية فرأينا يومًا اشتد فيه القتال بيننا وبين الفُرس، ورأيتُ رجلًا يفعل بالعدو يومئذ الأفاعيل، قلت: مَن هذا جزاه الله خيرًا؟ قيل: عمرو بن معديكرب. قال قيْس بن أبي حازم: شهدتُ القادسية فسمعت عمرو بن معديكرب وهو يمشي بين الصَّفَّين وهو يقول: يا معشر المسلمين، كونوا أُسُودًا، أَسَدٌ أَغْنَى شَاتَه؛ فإنّ الفارس إذا ألقى رُمْحَه يئس، إنما الفارسي تيس بعد أن يضع نيزكه ــ والنَيْزَك هو الرُّمح القَصير ــ وأسوارهم لا تقع له نشابة، فقلنا له: احذر أبا ثَور، فرماه الأسوار فما أخطأ قوسه، وشد عليه عمرو فأخذه وسقطا إلى الأرض جميعًا فتكشف عنهما وإن عمرًا لعلى صدره يذبحه وأنا أنظر، وأخذ سَلَبه سوارين وَيَلْمَق ديباج. وأخرجها ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ وجهٍ آخر أطول مِنْ هذا؛ وفي آخرها: إذ جاءته نَشّابة فأصابت قَرَبوس سَرْجِه، فحمل على صاحبها، فأخذه كما تؤخذ الجارية، فوضعه بين الصفين، ثم احتزّ رَأْسَه، وقال: اصنعوا هكذا. قال عيسى الحناط: أتى عمرو بن معديكرب يوم القادسية بفرس فهزه، فقال: هذا ضعيف، ثم أتى بآخر فأخذ مَعرفته فهزه فقال: هذا ضعيف، ثم أتى بآخر فأخذ معرفته فهزه فقال: هذا ضعيف، ثم أتى بآخر فأخذ معرفته فهزه فركضه، فقال: لأصحابه إني حامل فعابر الجسر، فإن أسرعتم أدركتموني وقد عقر بي القوم ووجدتموني قائمًا بينهم، وإن أبطأتم عني وجدتموني قتيلًا بينهم قد قُتلت وجُردت، فحمل عمرو، فوجدناه قائمًا قد عقر به على ما وصف. قال ربيعة بن عثمان: لما ولّى عمرُ النعمانَ بن مقرن على الناس يوم نَهَاوَند كتبَ إليه: إِنّ في جندك عمرو بن معديكرب وطُلَيحة بن خُوَيلد الأسدي فأحضرهما وشاوِرْهما في الحرب. وأخرج الطَّبَرَانِيُّ عن محمد بن سلام الجمحي، قال: كتب عمر إلى سعد: إني أمددتُكَ بألفي رجل: عمرو بن معديكرب، وطليحة بن خُويلد. روى أبو طلق الغامدي عن عمرو بن معديكرب، قال: لقد رأيتنا من قريب ونحن إذا حججنا في الجاهلية نقول: لَبَّيْكَ تعظيما إليك عذرا هذي زُبَيد قد أتتك قسرا تقطع من بين عَضَاه سمرَا تَعْدُو بها مُضمّرات شُزْرَا يقطعن خَبتًا وجِبَالا وعْرَا قد تَرَكوا الأوثَان خِلْوًا صِفرَا فنحن والحمد لله نقول اليوم كما علمنا رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال شرَحبيل بن القعقاع: يا أبا ثور وكيف علمكم رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك، وكنا نمنع الناس أن يقفوا بعرفات في الجاهلية فأمرنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن نخلي بينهم وبين بطن عرفة، وإنما كان موقفهم ببطن محسر عشية عرفة يمنتها فَرَقًا من أن يتخطَّفنا الجن، وقال لنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أجِيزُوا بَطْنَ عَرفَةَ، فَإنَّما هُمْ إذَا أسْلَمُوا إخْوَانُكُم". ومن طريق خَالِدِ بْنِ قَطَنٍ، قال مَنْ شهد مَوْتَ عمرو بن معديكرب: كان قد رقد، فلما أرادوا الرحيلَ أيقظوه، فقام، وقد مال شقّه، وذهب لسانُه، فلم يلبث أنْ مات؛ مات رضي الله عنه في خلافة عثمان بالفالج، وقد جاوز المائة بعشرين سنة، وقيل بخمسين. وحكى أبُو عمرو أنه مات بالقادسية إمَّا قتيلًا، وإما عطشًا، وقيل: بل بعد وقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال