تسجيل الدخول


معاوية بن صخر بن أبي سفيان

1 من 1
مُعَاوِيَةُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ

(ب د ع) مُعَاوِيَةُ بن صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف القُرَشي الأُمَوي. وهو معاوية بن أَبي سفيان، وأُمه هند بنت عُتْبَة بن ربيعة بن عبد شمس، يجتمع أَبوه وأُمه في: عبد شمس. وكنيته أَبو عبد الرحمن.

أَسلم هو وأَبوه وأَخوه يزيد وأُمه هند، في الفتح. وكان معاوية يقول: إِنه أَسلم عام القَضِية، وإِنه لقي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مسلمًا وكتم إِسلامه من أَبيه وأُمه.

وشهد مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حُنينًا، وأَعطاه من غنائم هوازن مائة بعير، وأَربعين أُوقية. وكان هو وأَبوه من المؤَلفة قلوبهم، وحسن إِسلامهما، وكتب لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.

ولما سير أَبو بكر رضي الله عنه الجيوش إِلى الشام سار معاوية مع أَخيه يزيد بن أَبي سفيان، فلما مات يزيد استخلفه على عمله بالشام، وهو دمشق. فلما بلغ خبر وفاة يزيد إِلى عمر، قال لأبي سفيان: أَحسن الله عزاءك في يزيد، رحمه الله! فقال له أَبو سفيان: من وَلّيتَ مكانه؟ قال: أَخاه معاوية قال: وَصَلَتكَ رَحِم يا أَمير المؤمنين.

أَخبرنا إِبراهيم بن محمد وغيره بإِسنادهم إِلى أَبي عيسى: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أَبو مُسْهِر، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن بن أَبي عَمِيرةَ ـــ وكان من أَصحاب النبي صَلَّى الله عليه وسلم ـــ أَنه قال لمعاوية: "الْلَّهُمَّ، اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًا، وَاهْدِ بِهِ"(*)ـــ أخرجه الترمذي (3842) وأحمد 4 / 216، 365، والطبراني في الكبير 2 / 399 وابن أبي شيبة 12 / 153.

قال: وأَخبرنا أَبو عيسى: حدثنا سُوَيد بن نصر، أَخبرنا عبد اللّه ـــ وهو ابن المبارك ـــ أَخبرنا يونس، عن الزهري، أَخبرنا حُمَيد بن عبد الرحمن: أَنه سمع معاوية خطب بالمدينة فقال: أَين علماؤُكم يا أَهل المدينة؟! سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ينهى عن هذه القُصَّة ويقول: "إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيْلَ حِيْنَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ"(*) أخرجه البخاري 4 / 211، 7 / 212 ومسلم في اللباس (122) والشافعي في المسند 1778..

وقال ابن عباس: معاوية فقيه.

وقال ابن عمر: ما رأَيت أَحدًا بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَسوَدَ من معاوية. فقيل له: أَبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي؟ فقال: كانوا ـــ والله ـــ خيرًا من معاوية وأَفضل، ومعاوية أَسود.

ولما دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام، ورأَى معاوية، قال: هذا كسرى العرب.

أَخبرنا يحيى بن محمود وغيره بإِسنادهما عن مسلم قال: أَخبرنا محمد بن مُثَنى، ومحمد بن بشار ـــ واللفظ لابن مثنى ـــ حدثنا أُمَيَّة بن خالد، حدثنا شعبة، عن أَبي حَمزَة القَصَّاب، عن ابن عباس قال: كنت أَلعبُ مع الصِّبيان، فجاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فتواريتُ خلف باب، قال: فجاء فَحَطأَني حَطْأَةً، وقال: "اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ". قال: فجئت فقلت: هو يأْكل. ثم قال: "اذْهَبْ، فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ". قال: فجئت فقلتُ: هو يأكل. فقال: "لاَ أَشْبَعَ الله بَطْنَهُ"(*).

أَخرج مسلم هذا الحديث بعينه لمعاوية، وأَتبعه بقول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ: إَنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (*)أخرجه مسلم في البر والصلة باب 25 (95) والبيهقي في الدلائل 6 / 243..

ولم يزل واليًا على ما كان أَخوه يتولاَه بالشام خلافةَ عمر، فلما استُخلِفَ عثمان جمع له الشام جميعه. ولم يزل كذلك إِلى أَن قُتِل عثمان، فانفرد بالشام، ولم يبايع عليًا، وأَظهر الطلب بدم عثمان، فكان وقعةُ صفين بينه وبين علي، وهي مشهورة. وقد استقصينا ذلك في كتابنا "الكامل في التاريخ".

ثم لما قتل علي واستخلِفَ الحسن بن علي، سار معاوية على العراق، وسار إِليه الحسن بن علي، فلما رأَى الحسن الفتنة وأَن الأَمر عظيم تُرَاق فيه الدماءُ، ورأَى اختلاف أَهل العراق، سَلَّم الأَمر إِلى معاوية، وعاد إِلى المدينة، وتسلم معاوية العراق، وأَتى الكوفة فبايعه الناس، واجتمعوا عليه، فسمي عام الجماعة. فبقي خليفة عشرين سنة، وأَميرًا عشرين سنة، لأَنه ولي دمشق أَربع سنين من خلافة عمر، واثنتي عشرة سنة خلافة عثمان مع ما أَضاف إِليه من باقي الشام، وأَربع سنين تقريبًا أَيام خلافة علي، وستة أَشهر خلافة الحسن. وسلم إِليه الحسن الخلافة سنة إحدى وأَربعين، وقيل: سنة أَربعين، والأَوّل أَصح. وتوفي مُعَاوية النِّصفَ من رجب سنة ستين، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وقيل: ابن ست وثمانين سنة. وقيل: توفي يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة تسع وخمسين؛ وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. والأَصح في وفاته أَنها سنة ستين.

ولما مرض كان ابنه يزيد غائبًا، ولما حَضَره الموتُ أَوصى أَن يكفَّن في قميص كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قد كساه إِياه، وأَن يجعل مما يلي جسده. وكان عنده قُلاَمة أَظفارِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأَوصى أَن تُسحَق وتجعل في عينيه وفمه، وقال: افعلوا ذلك، وخَلّوا بيني وبين أَرحم الراحمين.

ولما نزل به الموت قال: "ليتني كنت رجلًا من قريش بذي طُوّى، وأَني لم أَل من هذا الأَمر شيئًا".

ولما مات أَخذ الضحاكُ بن قيس أَكفانه، وصَعِد المنبرَ وخَطب الناسَ وقال: إِن أَمير المؤمنين معاويةَ كان حَدَّ العرب، وعَوْدَ العَرب، قطع الله به الفتنة، ومَلَّكه على العباد، وسيَّر جنوده في البر والبحر، وكان عبدًا من عبيد اللّه، دعاه فأَجابه، وقد قضي نَحبه، وهذه أَكفانه فنحن مُدرجوه ومدخلوه قبرَه، ومخلُّوه وعملَه فيما بينه وبين ربه، إِن شاءَ رَحِمه، وإِن شاءَ عَذَّبه.

وصلى عليه الضحاك، وكان يزيد غائبًا بحُوَّارِينَ، فلما ثَقُلَ معاويةُ أَرسل إِليه الضحاك، فقدم وقد مات معاوية، فقال: [البسيط].

جَاءَ الْبَرِيـدُ بِقِرْطَـاسٍ
يُحْثُّ
بِـهِ فَأَوْجَسَ الْقَلْبُ مِنْ قِرْطَاسهِ فَزِعَا

قُلْنَا لَكَ الْوَيْلُ! مَاذَا فِي صَحِيفَتِكُمْ؟ قَالُوا: الْخَلِيفَةُ أَمْسَى مُثْبَتًا وَجعَا

وهي أَكثر من هذا.

وكان معاوية أَبيضَ جميلًا، إِذا ضحك انقلب شفته العليا، وكان يَخضِبُ.

روى عنه جماعة من الصحابة: ابن عباس، والخُدْري، وأَبو الدرداءِ، وجَرِير، والنعمان بن بشير، وابن عمر، وابن الزبير، وغيرهم. ومن التابعين: أَبو سلمة وحميد، ابنا عبد الرحمن، وعروة، وسالم، وعَلْقَمة بن وَقَّاص، وابن سيرين، والقاسم بن محمد، وغيرهم.

رُوي عنه أَنه قال: مازلت أَطمع في الخلافة مُذ قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِنْ وُلِّيْتَ فَأَحْسِنْ" (*)

ورَوَى عبد الرحمن بن أَبزى، عن عمر أَنه قال: "هذا الأَمر في أَهل بَدْرٍ ما بقي منهم أَحد، ثمّ في أَهل أُحد ما بقي منهم أَحد، ثمّ في كذا وكذا، وليس فيها لطَلِيق، ولا لولد طَلِيق، ولا لمسلمة الفتح شيءٌ".

أَخرجه الثلاثة.
(< جـ5/ص 201>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال