تسجيل الدخول


معاوية بن صخر بن أبي سفيان

1 من 1
معاوية بن أبي سفيان:

معاوية بن أبي سفيان. واسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمُّه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، يكْنَى أبا عبد الرّحمن، كان هو وأبوه وأخوه من مسلمة الفتح. وقد روي عن معاوية أنه قال: أسلمت يوم القضية. ولقيت النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم مسلمًا.

قال أبو عمر: معاوية وأبوه من المؤلّفة قلوبهم، ذكره في ذلك بعضهم، وهو أحَد الذين كتبوا لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وولّاه عمر على الشّام عند موت أخيه يزيد. وقال صالح بن الوجيه: في سنة تسع عشرة كتب عمر رضي الله عنه إلى يزيد بن أبي سفيان يأمُرْه بِغَزْوِ قيسارية، فغزاها، وبها بطارقةُ الروم، فحاصرها أيامًا، وكان بها معاوية أخوه، فخلفه عليها، وصار يزيد إلى دمشق، فأقام معاوية على قيسارية حتى فَتَحَها في شوّال سنة تسع عشرة.

وتوفي يزيد في ذي الحجّة من ذلك العام في دمشق، واستخلف أخاه معاوية على عمله، فكتب إليه عمر بعَهْدِهِ على ما كان يزيد يَلي من عمل الشّام، ورزقه ألف دينار في كل شهر، هكذا قال صالح بن الوجيه، وخالفه الوليد بن مسلم.

حدّثنا خلف بن القاسم، حدّثنا أبو الميمون، حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا دُحَيم، حدّثنا الوليد بن مسلم ـــ أَنّ فَتْحَ بيت المقدس كان سنة ست عشرة صلحًا، وأنَّ عمر شهد فَتْحَها في حين دخوله الشّام. قال: وفي سنة تسع عشرة كان فتح جَلُولاء، وأميرُها سعد ابن أبي وقّاص، ثم كانت قيسارية في ذلك العام، وأميرُها معاوية بن أبي سفيان. وذكر الدّولابيّ، عن الوليد بن حماد، عن الحسن بن زياد، عن أبي إسماعيل محمد بن عبد الله البصريّ، قال: جزع عمر على يزيد جَزَعًا شديدًا، وكتب إلى معاوية بولايته الشّام، فأقام أربع سنين، ومات؛ فأقرَّه عثمان عليها اثنتي عشرة سنة إلى أن مات، ثم كانت الفتنة، فحارب معاوية عليًّا خمس سنين.

قال أبو عمر: صوابه أربع سنين، وقال غيره: ورد البريد بموت يزيد على عمر، وأبو سفيان عنده، فلما قرأ الكتاب بموت يزيد قال لأبي سفيان: أحْسَن الله عزاك في يزيد ورحمه، ثم قال له أبو سفيان: مَنْ وَلّيت مكانه يا أميرَ المؤمنين؟ قال: أخاه معاوية، قال: وصلَتْكَ رَحِم يا أمير المؤمنين.

وقال عمر إذ دخل الشّام، ورأى معاوية: هذا كسرى العرب، وكان قد تلقَّاه معاوية في موكب عظيم، فلما دنا منه قال له: أنْتَ صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم يا أميرَ المؤمنين قال: مع ما يبلغني عنك مِنْ وقوف ذوي الحاجات ببابك! قال: مع ما يبلغك من ذلك. قال: ولم تفعل هذا؟ قال: نحن بأَرْضٍ جواسيسُ العدوِّ بها كثيرة. فيجب أن نظْهِر من عِزِّ السّلطان ما نرهبهم به؛ فإِن أمرتني فعلت، وإن نَهيْتَنِي انتهيت. فقال عمر لمعاوية: ما أسألك عن شيء إِلا تركتني في مِثْل رواجب الضّرس، إن كان ما قلْت حقًا إنه لرأي أريب، وإن كان باطلًا إنه لخدعة أديب. قال: فمرني يا أمير المؤمنين. قال: لا آمُرُك ولا أنهاك. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، ما أَحْسَنَ ما صدَر الفتى عما أوردته فيه! قال: لحُسْنِ مصادِره وموارده جشمناه ما جشمناه.

وذُمّ معاوية عند عمر يومًا، فقال: دعونا من ذم فتى قريش من يضحك في الغضب، ولا ينال ما عنده إلَّا على الرَّضا، ولا يؤخذ ما فوق رأسه إلا من تحت قدميه. روى جبلة بن سُحَيْم عن ابن عمر، قال: ما رأيت أحدًا بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أسود من معاوية. فقيل له: فأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي! فقال: كانوا والله خيرًا من معاوية، وكان معاوية أَسْوَدَ منهم. وقيل لنافع: ما بال ابن عمر بايع معاوية. ولم يبايع عليًّا؟ فقال: كان ابن عمر يعطي يدًا في فرقة، ولا يمنعها من جماعة، ولم يبايع معاوية حتى اجتمعوا عليه. قال أبو عمر: كان معاوية أميرًا بالشّام نحو عشرين سنة، وخليفةً مثل ذلك، كان من خلافة عمر أميرًا نحو أربعة أعوام، وخلافة عثمان كلّها ـــ اثنتي عشرة سنة، وبايع له أَهْلُ الشّام خاصة بالخلافة سنة ثمان أو تسع وثلاثين، واجتمع النّاسُ عليه حين بايع له الحسَنُ بن علي وجماعة ممن معه، وذلك في ربيع أو جمادى سنة إحدى وأربعين، فيسمّى عام الجماعة. وقد قيل: إن عام الجماعة كان سنة أربعين، والأول أصحُّ. قال ابن إسحاق: كان معاوية أميرًا عشرين سنة، وخليفةً عشرين سنة. وقال غيره: كانت خلافته تسع عشرة سنة وتسعة أشهر وثمانية وعشرين يومًا. وتُوفِّي في النّصف من رجب سنة ستين بدمشق، ودُفِن بها، وهو ابنُ ثمان وسبعين سنة. وقيل: ابن ستّ وثمانين. قال الوليد بن مسلم: مات معاوية في رجب سنة ستين، وكانت خلافتُه تسع عشرة سنة ونصفًا. وقال غيره: تُوفِّي معاوية بدمشق، ودفن بها يوم الخميس لثمانٍ بقين من رجب سنة تسع خمسين، وهو ابنُ اثنتين وثمانين سنة، وكانت خلافته تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وعشرين يومًا، وكان يتمثَّلُ وهو قد احتضر: [الوافر]

فَهَلْ مِنْ خَالِدٍ إِمَّا هَلَكْنَا وَهَلْ بِالمَوْتِ يَا للَنَّاسِ عَارُ

وروى محمد بن عبد الله بن الحكم قال: سمعْتُ الشافعي يقول: لما ثقل معاوية كان يزيد غائبًا، فكتب إليه بحاله، فلما أتاه الرّسول أنشأ يقول: [البسيط]

جَاءَ
الَبَرِيدُ بِقِرْطَاسٍ يَحُثُّ بِهِ فَأَوْجَسَ القَلْبُ مِنْ قِرْطَاسِهِ فَزَعَا

قُلْنَا لَكَ الوَيْلُ مَاذَا في صَحِيفَتِكُمْ؟ قَالُوا: الخَليفَةُ أَمْسَى مُثْبَتًا وَجَعَا

فَمَادَتِ الأَرْضُ أَوْ كَادَتْ تَمِيدُ بِنَا كَأَنَّ ثَهْلَانَ
مِنْ
أَرْكَانِهِ
انْقَلَعَا

أَوْدَى ابْنُ هِنْدٍ وَأَوْدَى المَجْدُ يَتْبَعُهُ كَانَا جَمِيعًا فَظَلَّا
يَسْرِيَانِ
مَعَا

لَا يَرْقَعُ النَّاسُ مَا أَوْهَى وَإِنْ جَهِدُوا أنْ
يَرْقَعُوهُ
وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعَا

أَغَرُّ أَبْلَجُ
يُسْتَسْقَى
الغَمَامُ
بِهِ لَوْ قَارَعَ النَّاسَ عَنْ أَحْلَامِهِمْ قَرَعَا

قال الشّافعي: البيتان الأخيران للأعشى فلما وصل إليه وجده مغمورًا، فأنشأ يقول: [المنسرح]

لَوْ عَاشَ حَيٌّ عَلَى الدُّنْيَا لَعَاشَ إِمَا مُ النَّاسِ لَا عَاجِزٌ وَلَا وَكِلُ

الحوّلُ
القَلْبُ
الأَرِيبُ
وَلَنْ يَدْفَعَ وَقْتَ المَنِيَّةِ الحِيَلُ

فأفاق معاوية، وقال: يا بني؛ إني صحبتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فخرج لحاجةٍ فاتبعته بإداوة، فكساني أحَدَ ثوبيه الذي كان على جِلْدِه، فخبأته لهذا اليوم، وأخذ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من أظفاره وشعره ذات يوم، فأخذْتُه وخبأته لهذا اليوم، فإذا أنا مِتّ فاجعل ذلك القميصَ دون كَفَني مما يلي جلدي، وخُذْ ذلك الشّعر والأظفارَ فاجعَلْه في فمي، وعلى عيني ومواضع السّجود منّي، فإن نفع شيء فذاك، وإلا فإِنَّ الله غَفورٌ رحيم.(*)

وقال ابن بكير، عن الليّث: تُوفِّي معاوية في رجب لأربع ليالٍ بقين منه سنة [[ستين]]، وقال: إنه أول من جعل وليّ العهد خليفة بعده في صحته وقال الزّبير: هو أول من اتخذ ديوان الخاتم، وأمر بهدايا النّيروز والمهرجان. واتخذ المقاصير في الجوامع. وأوّل مَنْ قتل مسلمًا صَبْرًا حجرًا وأصحابه. وأوّل مَنْ أقام على رأسه حرسًا. وأول من قيدت بين يديه الجنائب. وأول من اتخذ الخصيان في الإسلام. وأول من بلغ درجات المنبر خمس عشرة رِقْاة. وكان يقول: أنا أوَّل الملوك.

قال أبو عمر: روى عنه من الصّحابة طائفة وجماعة من التّابعين بالحجاز والشّام والعراق. قال الأوزاعيّ: أدركَتْ خلافةُ معاوية جماعةٌ من أصحابِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لم ينتزعوا يدًا مِنْ طاعةٍ ولا فارقوا جماعةً، وكان زيد بن ثابت يأخذ العطاء من معاوية.

حدّثنا خلف بن قاسم قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن عمر. قال: حدّثنا أبو زَرْعة، قال: حدّثنا أبو مسهر، قال: حدّثنا سعيد بن عبد العزيز، عن أبي عبد ربه، قال: رأيت معاوية يصفّر لحيته كأنها الذّهب.

وروى ابن وهب، عن مالك، قال: قال معاوية: لقد يتفت الشّيب كذا وكذا سنة. وله فضيلة جليلة رُويت من حديث الشّاميين، رواها معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن الحارث بن زياد، عن أبي رُهْم السّماعي ـــ أنه سمع العرباض بن سارية يقول: سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ عَلمْ مُعَاوِيَةَ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ وَقِهِ العَذَابَ"(*)أخرجه أحمد في المسند 4/ 127، والبخاري في التاريخ الكبير 7/ 327، وابن حبان في صحيحه حديث رقم 2278، والطبراني في الكبير 18/ 252، وابن عدي في الكامل 5/ 1810، 6/ 2402، وذكره الهيثمي في الزوائد 9/ 359.. رواه عن معاوية بن صالح أسد بن موسى، وعبد الله بن صالح، وعبد الرحمن بن مهدي، وبشر بن السّري، وغيرهم، إلا أنَّ الحارث بن زياد مجهول لا يُعْرَف بغير هذا الحديث.

وروى أبو داود الطيّالسيِّ، قال: حدّثنا هشام، وأبو عوانة، عن أبي حمزة، عن ابن عبّاس أنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعث إلى معاوية يكتب له‏. ‏فقيل: إنه يأْكلُ، ثم بعث إليه، فقيل: إنه يأكل. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ"(*) أخرجه مسلم في الصحيح كتاب البر والصلة باب 25، حديث رقم 95، والبيهقي في الدلائل 6/ 243. ـــ من مسند أبي داود الطيّالسي. ومن جامع معمر رواية عبد الرّزاق، قال: حدّثنا معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ـــ أن معاوية لما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاريّ، فقال له معاوية: يا أبا قتادة؟ تَلْقَاني النّاس كلّهم غيركم يا معشر الأنصار! ما منعكم؟ قال: لم يكن معنا دوابّ. قال معاوية: فأين النّواضح، قال أبو قتادة: عقرناها في طلبك، وطلب أبيك يوم بَدْر. قال: نعم يا أَبا قتادة! قال أبو قتادة: إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لنا: "إنَّا نَرَى بَعْدَهُ أثرَةً". قال معاوية: فما أمركم عند ذلك؟ قال: أمرنا بالصبّر. قال: "فاصبِرُوا حتى تلقوه".(*) قال: فقال عبد الرّحمن بن حسان حين بلغه ذلك: [الوافر]

أَلَا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَخْرٍ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ نَثَا كَلَامِي

فَإِنَّا صَابِرُونَ وَمُنْظِرُوكُمْ إِلَى يَومِ التَّغَابُنِ وَالخِصَامِ

وروى ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرّحمن، قال: أخبرني المِسْورَ بن مخرمة أنه وفد على معاوية، قال: فلما دخلت عليه سلمت ـــ قال: فقال: ما فعل طَعْنُك على الأئمة يا مِسْوَر؟ قال: قلت: دَعْنَا من هذا وأحسن فيما قدمنا له. قال: والله لتكلمنّ بذات نفسك. قال: فلم أدع شيئًا أعيبه عليه إلا بينته له. فقال: لا أتبرأ من الذّنوب، فما لك يا مسور ذنوب تخافُ أن تهلك إنْ لم يغفرها الله لك؟ قال: فقلت: بلى. قال: فما جعلك أحقّ أن ترجو المغفرة مني، فوالله لما أَلى من الإصلاح بين النّاس وإقامة الحدود والجهاد في سبيل الله والأمور العظام التي لسْتُ أحصيها ولا تحصيها أكثر مما تلي، وإني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات ويَعْفُو عن السيّئات، والله لعلى ذلك ما كنْتُ لا أخيَّرُ بين الله وبين ما سواه إلا اخترْتُ الله على ما سواه. قال مسور: ففكرت حين قال ما قال، فعرفت أنه خصمني. قال: فكان إذا ذكر بعد ذلك دعا له بالخير.

وهذا الخبر من أصَحّ ما يُرْوَى من حديث ابن شهاب، رواه عنه معمر وجماعةٌ من أصحابه. روى أسد بن موسى، قال: حدّثنا أبو هلال، قال: حدّثنا قتادة، قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد؛ إن ها هنا ناسًا يشهدون على معاوية أنه من أهل النّار. قال: لعنهم الله، وما يدريهم مَنْ في النار.

قال أسد: وأخبرنا محمد بن مسلم الطّائفي، عن إبراهيم بن ميسرة. قال: بلغني أنَّ عمر بن عبد العزيز ما جلد سوطًا في خلافته إلّا رجلًا شتم معاوية عنده، فجلده ثلاثة أسواط. قال أسد: وأخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: حدّثنا عبد العزيز بن عمر، عن سليمان بن موسى، عن أبيه أنَّ عمر بن الخطّاب رزَقَ معاوية على عمله الشّام عشرة آلاف دينار كل سنة. قال معاوية: أعنت على عليّ بثلاث: كان رجلًا ربما أظهر سِرَّه، وكنت كَتُومًا لِسرِّي، وكان في أخبث جُنْد، وأشدّه خلافًا عليه، وكنت في أطوع جُنْد وأقلّه خلافًا عليّ، ولما ظفر بأصحاب الجمل لم أشكّ أنَّ بعض جنده سيعدُّ ذلك وهْنًا في دينه، ولو ظفروا به كان وَهْنًا في شوكته، ومع هذا فكنت أحبَّ إلى قريش منه، لأنيّ كنت أعطيهم، وكان يمنعهم، فكم سبب من قاطع إلي ونافر عنه.
(< جـ3/ص 470>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال