تسجيل الدخول


عائشة بنت أبي بكر الصديق بن أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد...

عائشة بنت أبي بكر الصّديق القرشية التميمية:
الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، أم المؤمنين، وزوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأشهر نسائه، وقد كان النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يخاطب عائشة بقوله: عويش؛ أورد الطَّبَرَانِيُّ عن مسلم بن يسار، قال: بلغني أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم دخل على عائشة فقال: "يَا عُوَيْشُ، مَالِي أَرَاكِ أَشْرَقَ وَجْهُكِ..." الحديث(*).
وكانت ــ رضي الله عنها ــ تُكْنى أم عبد الله؛ فقد روى عبّاد بن حمزة، عن عائشة قالت: أتيت النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، كنيت نساءك فاكنني، قال: "اكتني بابن أختك عبد الله"(*)، وقيل: إنها ولدت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولدًا فمات طفلًا، قال ابن حجر: ولم يثبت هذا.
ووُلِدت عائشة ــ رضي الله عنها ــ بعد المبعث بأربع سنين أو خمس.
وأبوها ــ رضي الله عنه ــ خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، روى ابن أَبِي عَوْن قال: قالت عائشة كنت أستبّ أنا وصفيّة فسببت أباها فسبّت أبي وسمعه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "يا صفيّة تسبّين أبا بكر! يا صفيّة تسبّين أبا بكر!"(*)، وروى ابن المُسيَّب قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لأبي بكر: "يا أبا بكر ألا تعذرني من عائشة؟" قال: فرفع أبو بكر يده فضرب صدرها ضربةً شديدة، فجعل رسول الله يقول: "غفر الله لك يا أبا بكر، ما أردتُ هذا"(*).
وأمها أم رُومَان ابنة عامر بن عُوَيمر الكنانية، وقيل: بنت عُمَيْر بن عامر.
ومن آل بيت عائشة ــ رضي الله عنها: أختها أم كلثوم، وأخوها من الرضاعة عوف بن الحارث، وابن أخيها القاسم، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر، وبنت أخيها الآخر حفصة، وأسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وحفيده عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن، وابنا أختها: عبد الله، وعروة ابنا الزبير بن العوام من أسماء بنت أبي بكر، وحفيدا أسماء عباد، وحبيب، ولدا عبد الله بن الزبير، وحفيد عبد الله عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، وبنت أختها عائشة بنت طلحة من أم كلثوم بنت أبي بكر.
وروى عبد الله بن عبد الله بن عُبَيْد قال: وَجَدَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى خديجة حتى خُشي عليه حتى تزوّج عائشة(*)، وروى يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عائشة قالت: لما توفيت خديجة قالت خولة بنت حكيم بن الأوقص ــ امرأة عثمان بن مظعون ــ وذلك بمكة: أي رسول الله ألا تزوج؟ قال: "ومن؟" قالت: إن شئت بِكْرًا، وإنْ شئت ثيبًا قال: "فمن البكر؟" قالت: ابنة أحب خلق الله إليك: عائشة بنت أبي بكر، قال: "ومن الثيب؟" قالت: سودة بنتُ زَمَعَة بن قيس آمنت بك واتبعتك على ما أنت عليه، قال: "فاذهبي فاذكريهما عليّ"، فجاءت فدخلت بيت أبي بكر، فوجدت أم رومان ــ أم عائشة ــ فقالت: أيْ أم رومان، ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة! قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله أخطب عليه عائشة، قالت: وَدَدتَ، انتظري أبا بكر فإنه آت، فجاء أبو بكر فقالت: يا أبا بكر ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة! قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، قال: وهل تصلح له، إنما هي بنت أخيه، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: "ارجعي وقولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي"، فأتت أبا بكر فقال: ادعي لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فجاء فأنكحه، وهي يومئذ بنت ست سنين، وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "وَمَنْ الْثَّيِّبُ؟" قالت: سودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك، قال: "اذْهَبِي فَاذْكُرِيْهَا عَلَيَّ"، قالت: فخرجت فدخلت على سودة فقلت: يا سودة، ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة! قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أخطبك عليه، قالت: وَدَدتَ، أدخلي على أبي فاذكري ذلك له ــ وهو شيخ كبير قد تخلف عن الحج ــ قالت: فدخلت عليه فقلت: إن محمد بن عبد الله أرسلني أخطب عليه سودة، قال: كُفْءٌ كريم، فماذا تقول صاحبتك؟ قالت: تحب ذلك، قال: ادعيها، فدعتها، فقال: إن محمد بن عبد الله أرسل يخطبك وهو كُفْءٌ كريم، أفتحبين أن أُزوجك؟ قالت: نعم، قال: فادعيه لي، فدعته فجاء فزوجها، وجاء أخوها عبد بن زمعة من الحج فجعل يحثو التراب على رأسه، وقال بعد أن أسلم، أني لسفيه يوم أحثو التراب على رأسي أن تزوج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سودة(*)أخرجه أحمد في المسند 6/ 210 ـــ 211..
وروى حبيب مولى عروة قال: لما ماتت خديجة حزن عليها النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم حزنًا شديدًا فبعث الله جبريل فأتاه بعائشة في مَهْد، فقال: يا رسول الله، هذه تُذهب بعض حُزن، وإنّ في هذه خلفًا من خديجة، ثمّ ردّها فكان رسول الله يختلف إلى بيت أبي بكر ويقول: "يا أم رومان استوصي بعائشة خيرًا واحفظيني فيها"، فكانت لعائشة بذلك منزلة عند أهلها ولا يشعرون بأمر الله فيها، فأتاهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يومًا في بعض ما كان يأتيهم، وكان لا يخطئه يومًا واحدًا أن يأتي إلى بيت أبي بكر منذ أسلّم إلى أن هاجر، فيجد عائشة متستّرة بباب دار أبي بكر تبكي بكاءً حزينًا، فسألها فشكت أمّها فذكرت أنّها تولع بها، فدمعت عينا رسول الله ودخل على أمّ رُومَان فقال: "يا أمّ رومان ألم أوصك بعائشة أن تحفظيني فيها؟" فقالت: يا رسول الله إنّها بلّغت الصّديق عني وأغضبته علينا، فقال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "وإن فعلت"، قالت أمّ رومان: لا جَرَم لا سُؤْتها أبدًا(*).
وكانت عائشة وُلدت السنة الرابعة من النبوّة في أوّلها وتزوّجها رسول الله في السنة العاشرة في شوّال وهي يومئذ بنت ستّ سنين وتزوّجها بعد سودة بشهر، وروى ابن عبّاس قال: خطب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الصدّيق عائشة فقال أبو بكر: يا رسول الله لقد كنت وعدت بها أو ذكرتها لمُطَعِم بن عَدِيّ بن نَوْفَل لابنه جُبَيْر، فدعني حتى أَسُلُّها منهم، ففعل، ثمّ تزوّجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وكانت بِكْرًا(*).
وروى فُضَيْل بن مَرْزُوق، عن عَطِيّة قال: خطب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر وهي صَبِيَّة، فقال أبو بكر: أي رسول الله، أيتزوّج الرجل ابنة أخيه؟ فقال: "إنّك أخي في ديني" قال: فزوّجها إيّاه على متاع بيتٍ قيمته خمسون أو نحو من خمسين فأتتها حاضنتها وهي تلعب مع الصبيان فأخذت بيدها فانطلقت بها إلى البيت فأصلحتها وأخذت معها حجابًا فأدخلتها على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم(*).
وروى عطيّة العَوْفِي أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم تزوّج عائشة على بيت قيمته خمسون أو نحو من خمسين درهمًا(*).
وروى عبد الله بن عروة، عن عائشة قالت: تزوّجني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في شوّال، وأُدخلت عليه في شوّال، فأيّ نسائه كان أحظى عنده منّي؟ وكانت تستحبّ أن تُدخل نساؤها في شوّال(*). وقال أبو عاصم: إنّما كره الناس أن يدخلوا النساء في شوّال لطاعون وقع في شوّال في الزمن الأوّل.
وروت عَمْرَة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زُرَارة قالت: سمعتُ عائشة تقول: تزوّجني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في شوّال سنة عشر من النبوّة قبل الهجرة بثلاث سنين وأنا ابنة ستّ سنين، وهاجر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقدم على المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل، وأَعرسَ بي في شوّال على رأس ثمانية أشهر من المهاجَر، وكنت يوم دخل بي ابنة تسع سنين(*).
وروى عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: تزوّجني رسول الله وإني لألعب مع الجواري، فما دريت أنّ رسول الله تزوّجني حتى أخذتني أمّي فحبستني في البيت عن الخروج فوقع في نفسي أني تزوّجت، فما سألتها حتى كانت أمّي هي التي أخبرتني(*).
وقالت عائشة: تزوّجني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأنا بنت ستّ سنين ودخل عليّ وأنا بنت تسع سنين، ولقد دخلت عليه وإني لألعب بالبنات مع الجواري فيدخل فَيَنْقَمِعْنَ منه صواحبي فيخرجن فيخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فَيُسَرِّبُهُنّ عليّ(*)، وفي رواية عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: تزوّج بي النّبي صَلَّى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع سنين ودخل بي وأنا ابنة تسع سنين، وكنت ألعب بالبنات مع صواحبي فإذا جاء وهنّ بين أيدينا يقول لنا النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "مكانكنّ"(*)، وروى أُبِي عُبَيْدة أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم تزوّج عائشة وهي ابنة سبع سنين وبنى بها وهي ابنة تسع، ومات عنها وهي ابنة ثماني عشرة(*).
وروت عَمْرَة بنت عبد الرحمن، عن عائشة أنّها سُئلت: مَتَى بَنَى بِكِ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ فقالت: لما هاجر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى المدينة خلّفنا وخلّف بناته، فلمّا قدم المدينة بعث إلينا زيد بن حارثة وبعث معه أبا رافع مولاه وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم أخذها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من أبي بكر يشتريان بها ما يحتاجان إليه من الظَّهْر وبعث أبو بكر معهما عبدَ الله بن أُرَيْقِط الدّيلي ببعيرين أو ثلاثة، وكتب إلى عبد الله بن أبي بكر يأمره أن يحمل أهله؛ أمّي أمّ رُوَمان، وأنا، وأختي أسماء امرأة الزبير، فخرجوا مصطحبين، فلمّا انتهوا إلى قُدَيْد اشترى زيد بن حارثة بتلك الخمسمائة ثلاثة أبعرة ثمّ رحلوا من مكّة جميعًا وصادفوا طلحة بن عبيد الله يريد الهجرة بآل أبي بكر فخرجنا جميعًا وخرج زيد بن حارثة وأبو رافع بفاطمة وأمّ كلثوم وسَوْدَة بنت زَمْعَة، وحمل زيد أمّ أيمن وأُسامة بن زيد، وخرج عبد الله بن أبي بكر بأمّ رُوَمان وأختيه، وخرج طلحة بن عبيد الله واصطحبنا جميعًا حتى إذا كنّا بالبيض من منى نَفَرَ بعيري وأنا في مِحَفّة معي فيها أمّي، فجعلت أمّي تقول: وابنتاه! واعروساه! حتى أدرك بعيرنا وقد هبط من لَفْت فسلّم الله عز وجلّ، ثمّ إنَّا قدمنا المدينة فنزل مع عيال أبي بكر، ونزل آل رسول الله، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يومئذٍ يبني المسجد وأبياتًا حول المسجد فأنزل فيها أهله، ومكثنا أيَامًا في منزل أبي بكر، ثمّ قال أبو بكر: يا رسول الله ما يمنعك أن تبني بأهلك؟ قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "الصَّدَاق"، فأعطاه أبو بكر الصداق اثنتي عشرة أوقيّة ونشًّا فبعث بها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلينا، وبنى بي رسول الله في بيتي هذا الذي أنا فيه وهو الذي توفّي فيه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وجعل رسول الله لنفسه بابًا في المسجد وجاه باب عائشة، قالت: وبنى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بسَودة في أحد تلك البيوت التي إلى جنبي فكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يكون عندها(*)، وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنّ سودة لمّا كبرت وهبت يومها لي فكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقسم لي يومي ويومها(*).
وروى عبد الملك بن عمير، عن عائشة أنّها قالت: أُعطيتُ خلالًا ما أُعْطيتْها امرأة؛ ملكني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأنا بنت سبع سنين، وأتاه الملك بصورتي في كفّه فنظر إليها وبنى بي لتسع سنين، ورأيت جبريل ولم تره امرأة غيري، وكنت أحبّ نسائه إليه، وكان أبي أحبّ أصحابه إليه، ومرض رسول الله في بيتي فمرّضته فقُبض ولم يشهده غيري والملائكة(*).
وروى حُمَيْد بن عَرِيب قال: وقع رجل في عائشة يوم الجمل واجتمع عليه الناس، فقال عمّار: ما هذا؟ قالوا: رجل يقع في عائشة، فقال له عمّار: اسكت مقبوحًا منبوحًا، أتقع في حبيبة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ إنّها لزوجته في الجنّة، روى ذلك أبو محمّد مولى الغفاريّين أنّ عائشة قالت للنبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: من أزواجك في الجنّة؟ قال: "أنت منهن"(*)، وروى مصعب بن إسحاق بن طلحة قال: أُخبرت أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "لقد أُريتها في الجنّة ليهوَّن بذلك عليّ موتي كأنّي أرى كفيّها"، يعني: عائشة(*).
وروى هشام، عن أبيه قال: كان الناس يَتَحرَّون بهداياهم يوم عائشة، قالت: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقالوا: يا أم سلمة، إن الناس يَتَحرَّون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد من الخير كما تريد عائشة، فمري رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان ــ أو حيثما دار ــ قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صَلَّى الله عليه وسلم، قالت: فأعرض عني فلما عاد إليّ ذكرت له ذلك، فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرتُ له ذلك، فقال: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ، لاَ تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ ــ وَالله ــ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرَهَا"(*)أخرجه البخاري في الصحيح 5/ 37، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب فضل عائشة رضي الله عنها..
وقال أبو سلمة: إن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يومًا: "يَا عَائِشُ، هَذَا جِبْرِيْلُ يُقْرِئُكِ الْسَّلَامَ"، فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، تَرَى ما لا أَرَى(*)أخرجه البخاري في الصحيح 5/ 36، كتاب فضائل أصحاب النبي باب فضل عائشة رضي الله عنها..
وروى ربيعة بن عثمان قال: أسرى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ليلة ثمّ قال لعائشة: "لأنت أحبّ إليّ من زُبْد بتمر"(*).
وروت فاطمة بنت مسلم، عن فاطمة الخزاعيّة قالت: سمعت عائشة تقول يومًا: دخل عليّ يومًا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقلت: أين كنت منذ اليوم؟ قال: "يا حُمَيراء كنت عند أمّ سلمة"، فقلت ما تشبع من أمّ سلمة؟ قالت فتبسّم فقلت: يا رسول الله ألا تخبرني عنك لو أنّك نزلت بعُدوتين؛ إحداهما لم تُرْعَ والأخرى قد رُعيت أيّهما كنت ترعى؟ قال: "التي لم ترع"، قلت: فأنا ليس كأحد من نسائك، كلّ امرأة من نسائك قد كانت عند رجل غيري، قالت فتبسّم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم(*).
وروى محمد بن عمر بسنده عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا عائشة ما يخفى عليّ حين تغضبين عليّ وحين ترضين" قلت: بمَ تعرف ذلك يا رسول الله؟ قال "أما حين ترضين فتقولين لا وربّ محمد، وأمّا حين تغضبين فتقولين لا وربّ إبراهيم"، قالت: قلت صدقتَ والله يا رسول الله إني إنما أهجر اسمك(*).
وفي وصف حجاب السيدة عائشة ــ رضي الله عنها ــ فقد روى ابن جريج، عن عطاء قال: كنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير قلت: وما حجابها يومئذٍ؟ قال: هي حينئذٍ في قبّة لها تركيّة عليها غشاؤها بيننا وبينها، ولكن قد رأيت عليها درعًا معصفرًا وأنا صبيّ. وروت أمّ نصر عن مُعَاذَة قالت: رأيت على عائشة مِلْحَفًا معصفرًا. وروى الحسن بن مسلّم، عن صفيّة قالت: رأيت عائشة طافت بالبيتِ وهي منتقبة. وروى عبد الله بن أَبِي مُلَيْكَة قال: رأيت على عائشة ثوبًا مضَرّجًا، فقلت: وما المضَرّج؟ فقال: هذا الذي تسمّونه المورّد. وروت حبيبة بنت عبّاد البارقيّة، عن أمّها قالت: رأيت على عائشة درعًا أحمر وخِمارًا أسود، وروت أمّ المغيرة مولاة الأنصار أنها سألت عائشة عن الحرير، قالت: قد كنّا نكسى ثيابًا على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقال لها: السِّيَرَاء فيها شيء من حرير(*). وروى يحيَى بن سعيد عن القاسم بن محمّد يحدّث أنّه كان عليه كساء خزّ في يوم بارد وأنّه ألبسه عائشة فلم تؤخّره. وروى نافع مولى ابن عبد الله بن عمر، عن القاسم بن محمّد أنّ محمّد بن الأشعث قال لعائشة: ألا نجعل لك فروًا نُهديه إليك فإنّه أدفأ تلبسينه، فقالت: إني لأكره جلود الميتة، فقال: إني سأقوم عليه ولا أجعله لك إلاّ زكيًّا، فجعله لها فأرسل به إليها فكانت تلبسه. وروى هشام بن حسّان، عن شُميسة أنّها دخلت على عائشة وعليها ثياب من هذه السِّيْد الصفاق، ودرع، وخمار، ونقبة قد لُوِّنَتْ بشيء مِنْ عُصْفُر. وروى القاسم بن محمّد يحدّث أنّ عائشة كانت تلبس الأحمرين المذهّب والمُعَصْفَر وهي مُحْرِمَة. وروى عمرو بن أبي عمرو قال: سألت القاسم بن محمّد قلت: إنّ ناسًا يزعمون أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم نهى عن الأحمرين العصفر والذهب، فقال: كذبوا، والله لقد رأيت عائشة تلبس المُعَصْفَرات وتلبس خَوَاتِم الذهب. وروت بَكْرة بنت عقبة أنّها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة فسألتها عن الحنّاء، فقالت: شجرة طيّبة وماء طهور، وسألتها عن الحفاف فقالت لها: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن ممّا هما فافعلي. وروت أمّ نهار عن أمينة قالت: رأيت على عائشة مِلْحَفَة مُوَرَّسَة وخِمَارًا جَيشانيًّا إلى السواد ما هو. وروى عِكْرمة قال: كانت عائشة وأزواج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم يختضبن بالحنّاء وهنَ حُرُمٌ وذلك بعد وفاة النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ويحججن في المُعَصْفَرَات. وروت عائشة بنت طلحة عن عائشة زوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قالت: خرجنا مع النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم حتى إذا كنّا بالقَاحَة سال على وجهي من رأسي صُفْرَة ممّا جَعلْتُ في رأسي من الطِّيب حين خرجت فقال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "إنّ لونك الآن يا شُقَيْرَاء لَحَسَن"(*).
وروى إسحاق الأعمى قال: دخلت على عائشة فاحتجبتْ مني فقلت: تحتجبين مني ولست أراك؟ قالت: إن لم تكن تراني فإنّي أراك. وروى عِكْرِمَة قال: كانت عائشة تحتجب من حسن وحسين، قال: فقال ابن عبّاس: إنّ دخلوهما عليها لَحِلّ. وروى محمد بن عمر، عن أَبِي جعفر قال: كان حسن وحسين لا يدخلان على أزواج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال ابن عبّاس: أما إنّ دخولهما على أزواج النبيّ لحلّ لهما. قال محمد بن عمر: لأنّهما ولد ولد النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وقد قال أبو حنيفة ومالك بن أنس: الرّجل يتزوّج المرأة فلا تحلّ لولده ولا لولد ولده من الذكور أن يتزوّجها أبدًا لا هم ولا أولادهم ولا أولاد بناتهم وهذا مجمع عليه. وروى أبو سعيد أنّ داخلًا دخل على عائشة وهي تَخِيطُ نقبةً لها فقال: يا أمّ المؤمنين أليس قد أكثر الله الخير؟ قالت: دَعنا منك، لا جديدَ لمن لا خَلَقَ له.
وروى القاسم بن محمّد، عن عائشة قالت: فُضّلتُ على نساء النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم بعشر، قيل: ماهنّ يا أمّ المؤمنين؟ قالت: لم ينكح بكرًا قطّ غيري، ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله عز وجلّ براءتي من السماء، وجاءه جبريل بصورتي من السماء في حريرة وقال: تزوّجها فإنّها امرأتك، فكنتُ أغتسل أنا وهو من إناء واحد، ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلّي وأنا معترضة بين يديه ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري، وقبض الله نفسه وهو بين سَحري ونحري، ومات في الليلة كان يدور عليّ فيها ودفن في بيتي(*).
وروى هشام بن عُرْوة عن أبيه قال: ربّما روت عائشة القصيدة ستّين بيتًا والمائة بيت.
وروى عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة قال: سمعتُ عبد الرحمن الأَعْرَج يحدّث في مجلسه بالمدينة يقول: أطعم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عائشة بخيبر ثمانين وسقًا تمرًا وعشرين وسقًا شعيرًا، ويقال قمح.
وروى هشام بن عروة، عن عائشة قال: رأيتها تصدّق بسبعين ألفًا وإنّها لترفع جانب درعها.
وروى محمد بن المنكدر، عن أمّ ذرّة قالت: بعث ابن الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين يكون مائة ألف فدعت بطبق، وهي يومئذ صائمة، فجعلت تقسم في الناس، قال: فلمّا أمست قالت: يا جارية هاتي فطري، فقالت أمّ ذَرَّة: يا أمّ المؤمنين أما استطعت فما أنفقت أن تشتري بدرهم لحمًا تفطرين عليه؟ فقالت: لا تُعَنِّفِيني، لو كنت أَذْكَرْتِني لفعلت.
وروى مُصعب بن سعد قال: فرض عمر لأمهَات المؤمنين عشرة آلاف وزاد عائشة ألفين، وقال: إنّها حبيبة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
وروى قيس ابن أبي حازم أنّ عمرو بن العاص قال: يا رسول الله مَن أحبّ الناس إليك؟ قال: "عائشة"، قال: إنمّا أقول من الرجال، قال: "أبوها"(*).
وروى مَسْرُوق قال: قالت امرأةٌ لعائشة: يا أُمّه، قالت: إني لست بأُمّك إنّما أنا أمّ رجالكم.
وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أُريتك في المنام مرّتين، أُتيت بك في سرقة حرير فأكشفها فإذا هي أنت"، قال: "فيقال هذه امرأتك"، قال: "فأقول إن كان هذا من عند الله يمضه"(*).
وروى عامر الشَّعْبِيّ، عن مَسْرُوق قال: قالت لي عائشة: لقد رأيتُ جبريل واقفًا في حجرتي هذه على فرس ورسول الله يناجيه، فلمّا دخل قلت: يا رسول الله من هذا الذي رأيتك تناجيه؟ قال: "وهل رأيته؟" قلت: نعم، قال: "فبمن شبّهته؟" قلت: بِدِحْيَةَ الكَلْبِيّ، قال: "لقد رأيت خيرًا كثيًرا، ذاك جبريل"، قالت: فما لبثت إلا يسيرًا حتى قال: "يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام"، قلت: وعليه السلام، جزاه الله من دخيل خيرًا(*).
وروى عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم أنّ عائشة كانت تصوم الدهر.
وروى عَلْقَمة بن أَبِي علقمة، عن أمّه قالت: دخلتْ حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة أمّ المؤمنين، وعلى حفصة خمار رقيق فشقّته عائشة وكَسَتها خِمارًا كثيفًا. وروت عمرة، عن عائشة أنّها قالت: لا بدّ للمرأة من ثلاثة أثواب تصلّي فيهنّ: درع وجلباب وخِمار، وكانت عائشة تحلّ إزارها فتجلبَب به.
وروى خَيْثَمَةَ قال: كانت عائشة إذا سُئلت: كيف أصبحت؟ قالت: صالحة والحمد لله، وروى عبد الرحمن بن سَابِط، عن ابن عبّاس أنّه أتى عائشة في شيء وجدت عليه فيه فقال: أمّ المؤمنين، ما سميّت أمّ المؤمنين إلاّ لتسعدي، وإنّه لاسمك قبل أن تولدي.
وكانت عائشة ــ رضي الله عنها ــ أعلم النّاس يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
وروى أبو بُرْدة بن أبي موسى، عن أبيه قال: ما كان أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يشكّون في شيءٍ إلا سألوا عنه عائشة فيجدون عندها من ذلك عِلْمًا.
وروى الأعمش، عن مسلم، عن مسروق أنّه قيل له: هل كانت عائشة تُحسن الفرائضَ؟ قال: إي والّذي نفسي بيده! لقد رأيتُ مَشيخة أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض.
وروى أبو سلمة بن عبد الرّحمن قال: ما رأيتُ أحدًا أعلَمَ بسُنَنِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ولا أفقهَ في رأيٍ إن احْتيجَ إلى رأيه ولا أعلم بآية فيما نزَلَت ولا فريضة من عائشة.
وروى محمود بن لبيد قال: كان أزواجُ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم يَحْفَظْنَ من حديث النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم كثيرًا ولا مثْلًا لعائشة وأمّ سَلَمة، وكانت عائشة تُفتي في عهد عمر وعثمان، إلى أن ماتت يرحمها الله، وكان الأكابر من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عمرُ وعثمان بعده يرسلان إليها فيسألانها عن السّنَن.
وكان مسروق إذا روى عنها يقول: حدثتني الصدِّيقة بنت الصدِّيق، البريئة المبرأة، وكان أكابر الصحابة يسألونها عن الفرائض.
وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة من أفقه الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة.
وقال عروة: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة، ولو لم يكن لعائشة من الفضائل إلا قصة الإفك لكفى بها فضلًا وعُلُوّ مجد، فإنها نزل فيها من القرآن ما يتلى إلى يوم القيامة.
وروى القاسم بن محمد أن عائشة اشتكت فجاء ابن عباس فقال: يا أم المؤمنين تَقْدَمِينَ على فرَطِ صِدْق، على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وعلى أبي بكرأخرجه البخاري 5/36، كتاب فضائل أصحاب النبي باب فضل عائشة رضي الله عنها..
عن عبد الرّحمن بن أَبي الزّناد، عن أَبيه قال: ما رأيْتُ أَحدًا أَرْوَى لشعْرٍ من عُروة، فقيل له: ما أَرواك يا أَبا عبد الله؟ قال: وما روايتي من رواية عائشةَ! ما كان ينزل بها شيء إلّا أَنشدت فيه شعرًا.
وقال الزّهري: لو جُمع علم عائشةَ إلى علم جميع أَزواج النّبي صَلَّى الله عليه وسلم وعِلْم جميع النّساء لكان عِلْمُ عائشةَ أفضل‏، وكذلك حديث أَبي موسى الأشعريّ، وحديث أَنَس عن النّبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: ‏"‏فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَام‏"(*)أخرجه البخاري في الصحيح 4/200، 5/36، 7/97، 98، ومسلم في الصحيح كتاب فضائل الصحابة حديث رقم 89، والترمذي في السنن حديث رقم 3887، والنسائي في السنن 7/68، وابن ماجه في السنن حديث رقم 3281، وأحمد في المسند 3/264، 6/159، والدارمي في السنن2/106، والحاكم 3/587، والطبراني في الكبير 19/28، وأبو نعيم في الحلية 9/25، وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم 34386..
وفيها يقول حسان بن ثابت:
حَصَانٌ رَزَانٌ
مَا تُزَنّ ُ
بِريبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ
عَقِيلَةُ أَصْلٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ
غَالِب كِرَامِ المَساعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ
مُهَذَّبَةٌ
قَدْ
طَهَّرَ
اللَّهُ خِيْمَهَا وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ بَغْيٍ
وَبَاطِلِ
فَإِنْ كَانَ مَا قَدْ قِيلَ عَنِّي قُلْتُهُ فَلَا رَفَعَتْ صَوْتِي إِلَيَّ أَنَامِلي
وَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِط بِهَا الدَّهْرَ بَلْ قَوْلُ امْرئٍ مُتَمَاحِلِ
فَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي لِآلِ رَسُولِ
اللَّهِ زَيْنِ
المَحَافِلِ
رَأَيتُكِ وَلْيَغْفِرْ
لَكِ
اللَّهُ
حُرَّةً مِنَ المُحْصَنَاتِ غَيْرَ ذَاتِ الغَوَائِلِ
وقال أبو عمر: أمر النبي صَلَّى الله عليه وسلم بالذين رَمَوْا عائشة بالإفك حين نزل القرآن ببراءتها فجُلِدوا الحدَّ ثمانين(*) فيما ذكر جماعة من أهل السِّيَر والعلم بالخبر، وقال قوم: إنَّ حسّانَ بن ثابت لم يُجْلَد معهم، ولا يصحّ عنه أنه خاض في الإفك والقذف، ويزعمون أنه القائل:
لَقَدْ ذَاقَ عَبْدُ اللَّهِ مَا كَانَ أَهْلَهُ وَحَمْنَةَ إِذْ قَالُوا هَجيرًا وَمِسْطَح
وعبد الله هو عبد الله بن أبيّ أنه ابن سلول، وآخرون يصحّحون جَلْدَ حسّان بن ثابت، ويجعلونه من جملة أهلِ الإفك في عائشة، وأنشد ابن إسحاق هذا البيت على خلاف ما مضى من أبياتٍ ذكرها فقال قائل من المسلمين:
لَقَدْ ذَاقَ حَسَّانُ الَّذِي كَانَ أَهْلَهُ وَحَمْنَةَ إِذْ قَالُوا هَجِيرًا وَمِسْطَحُ
قال أبو عمر: وهذا عندي أصحّ، لأن عبد الله بن أُبيّ بن سلول لم يكن ممن يستر جَلْدُه عن الجميع لو جُلد، وقد روي أنّ حسّان بن ثابت استأذن على عائشة بعدما كُفّ بصره، فأذنت له، فدخل عليها فأكْرَمَتْه، فلما خرج من عندها قيل لها: أهذا من القوم قالت: أليس يقول:
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وعِرْضِي لِعرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
هذا البيت يَغْفِرُ له كل ذنب‏.
وقال عُمارَة بن عُمَيْر: حدّثني من سمع عائشة ــ عليها السلام ــ إذا قرأت هذه الآية: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنّ}، بكت حتى تبلّ خمارها.
وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكثير الطيب، وروت أيضًا عن أبيها، وعن عمر، وفاطمة، وسعد بن أبي وقاص، وأسيد بن حُضَير، وجذامة بنت وهب، وحمزة بنت عمرو، وروى عنها من الصحابة: عمر، وابنه عبد الله، وأبو هريرة، وأبو موسى، وزيد بن خالد، وابن عباس، وربيعة بن عمرو الجرشي، والسائب بن يزيد، وصفية بنت شيبة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وغيرهم، وروى عنها من مواليها: أبو عمر، وذكوان، وأبو يونس، وابن فروخ، ومن كبار التابعين: سعيد بن المسيب، وعمرو بن ميمون، وعلقمة بن قيس، ومسروق، وعبد الله بن حكيم، والأسود بن يزيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو وائل، وآخرون كثيرون.
وروت عائشة بنت طلحة، عن عائشة زوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قالت: سألت النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم عن الجهاد فقال:"جِهَادُكُنّ الحجّ"(*). وروى جعفر بن بُرقان قال: سألتُ الزهري عن الرجل يخيّر امرأته فتختاره قال: حدّثني عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: أتاني نبّي الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "إني سأعرض عليك أمرًا فلا عليك أن لا تعجلي به حتى تشاوري أبويك"، فقلت: وما هذا الأمر؟ قالت: فتلا عليّ: {يَا أَيهُّا النَّبيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنيَْا وَزِينَتَهَا} إلى قوله: {فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ للِْمُحْسِنَاتِ مُنكُنَّ أَجْرًا عَظِيْمًا} [سورة الأحزاب: 28، 29] قالت عائشة: في أيّ ذلك تأمرني أن أشاور أبويّ! بل أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قال فسُرّ بذلك النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وأعجبه وقال: "سأعرض على صواحبك ما عرضت عليك"، قالت: فلا تخبرهنّ بالذي اخترتُ، فلم يفعل، كان يقول لهنّ كما قال لعائشة، ثمّ يقول: "قد اختارت عائشة الله ورسوله والدار الآخرة"، قالت عائشة: فقد خيّرنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فلم نَرَ ذلك طلاقًا(*).
روى ابن أَبِي مُلَيْكَة قال: كان ابن الزبير إذا حدّث عن عائشة قال: والله لا تكذب عائشة على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أبدًا.
وروى أبو أمامة أن عمر بن الخطاب قال: أَدنوا الخيل وانتضلوا وانتعلوا، وإياكم وأخلاقَ الأعاجم، وأن تجلسوا على مائدة يشرب عليها الخمر، ولا يحل لمؤْمن ولا مؤْمنة تدخل الحمام إلا بمئزر إلا من سقم، فإن عائشة حدثتني أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال وهو على فراشي: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَضَعَتْ خِمَارَهَا عَلَى غَيْرِ بَيْتِهَا، هَتَكَتِ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ"(*).
وعن ابن عبَّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ‏"‏أَيَّتْكُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الأَدْبَبِ، يُقْتَلُ حَوْلَها قَتْلَى كَثِيرٌ، وَتَنْجُو بَعْدَمَا كَادَتْ‏"‏‏(*)ذكر الألباني في الأحاديث الصحيحة، رقم 474.، وهذا الحديث من أعلام نبوته صَلَّى الله عليه وسلم.
وروى أُسامة بن زيد، عن بعض أصحابه، عن عائشة أنّها قالت حين حضرتها الوفاة: يا ليتني لم أُخلق، يا ليتني كنت شجرة أسبّح وأقضي ما علي.
وروى ابن أَبِي مُلَيْكَة أنّه حدّثه ذَكْوَان حاجب عائشة أنّه جاء يستأذن على عائشة فجئت وعند رأسها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقلت: هذا عبد الله بن عباس يستأذن عليك، فأكبّ عليها ابن أخيها فقال: هذا ابن عبّاس يستأذن عليك، وهي تموت، فقالت: دعني من ابن عبّاس فإنّه لا حاجة لي به ولا بتزكيته، فقال: يا أمتّاه إنّ ابن عبّاس مِنْ صَالحي بَنيِك يُسَلِّم عليكِ ويُوَدِّعُكِ، قالت: فَأْذَنْ له إِنْ شِئْتَ، فأدخلتُه فلمّا أن سلّم وجلس قال: أبشري، قالت: بما؟ قال: ما بينك وبين أن تلقي محمدًا صَلَّى الله عليه وسلم والأحِبَّة إلا أن تخرج الرُّوحُ من الجسد، وكنتِ أَحَبّ نساء رسول الله إلى رسول الله، ولم يكن رسول الله يحبّ إلا طَيِّبًا، وسَقَطت قِلاَدَتُكِ ليلة الأَبْـْوَاء فأصبح رسول الله ليطلبها حين يصبح في المنزل، فأصبحَ الناس ليس معهم ماء فأنزل الله أن تيمّموا صعيدًا طَيّبًا فكان ذلك من سببك، وما أذن الله لهذه الأمّة من الرخصة، فأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات جاء بها الروح الأمين فأصبح ليس مسجد من مساجد الله يُذكر فيه إلا هي تُتلى فيه آناء الليل والنهار، فقالت: دعني منك يا ابن عبّاس فوالذّي نفسي بيده لوددتُ أني كنت نَسيًا منسيًّا(*).
وروى عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قالت عائشة عند موتها: لاَ تُدْنوا منّي النار ولا تحملوني على قطيفة حمراء.
وروى عروة بن الزبير، عن عائشة أنّها قالت: قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا عائشة إن أردتِ اللحوق بي فليكفيك من الدنيا كزاد الراكب، وإيّاك ومجالسة الأغنياء، ولا تستخلقي ثوبًا حتى ترقعيه"(*).
وروى جعفر بن محمّد عن أبيه أنّ عائشة قالت: إذا كُفْنتُ وحُنّطتُ ثمّ دلاّني ذَكوان في حفرتي وسوّاها عليّ فهو حرّ.
وروى ابن أبي الزناد عن أبيه قال: دخل ابن أبي عتيق على عائشة وهي ثقيلة فقال: يا أُمَّه كيف تجدينك جُعلت فداك؟ قالت: هو والله الموت قال: فلا إذًا، فقالت: لا تدع هذا على حال، تعني المزاح.
وروى سالم سَبَلان قال: ماتت عائشة ليلة سبع عشرة من شهر رمضان بعد الوتر فأمرت أن تُدفَن من ليلتها فاجتمع النّاس وحضروا فلم نَر ليلة أكثر ناسًا منها نزل أهل العوالي، فدفنت بالبقيع.
وروى محمّد بن عمر، عن عثمان بن أبي عتيق عن أبيه قال: رأيت ليلة ماتت عائشة حُمل معها جريد في الخِرَق فيه النّار ليلًا ورأيت النّساء بالبَقِيع كأنّه عيد.
وروى محمد بن عمر بسنده أن أبا هريرة صلّى على عائشة في رمضان سنة ثمانٍ وخمسين ودفنت بعد الإيتار.
وعن عروة قال: كنت خامس خمسة في قبر عائشة؛ عبد الله بن الزبير، والقاسم بن محمد، وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن، وصلى عليها أبو هريرة بعد الوتر في شهر رمضان.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال