تسجيل الدخول


الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي

1 من 1
الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي:

الحسَن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم القرشيّ الهاشميّ حفيد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ابن بنته فاطمة رضي الله عنها، وابن ابن عمه عليّ بن أبي طالب يُكْنَى أبا محمد، ولدته أمُّه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في النّصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، هذا أصح ما قيل في ذلك إن شاء الله، وعقَّ عنه رسول الله ـــ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـــ يوم سابعه بكبْشٍ، وحلق رأسه، وأمر أن يتصدَّق بزنةِ شعْره فضّة.

حدّثنا خلف بن قاسم، قال: حدّثنا ابن الورد، قال: حدّثنا يوسف بن زياد، حدّثنا أسد بن موسى، وحدّثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدّثنا قاسم بن أَصْبَغْ، قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: حدّثنا خلف بن الوليد أبو الوليد، قالا: حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن عليّ رضي الله عنه، قال: لما وُلِد الحسن جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سمَّيْتُموهُ؟" قُلْتُ: سميّتُه حَرْبًا. قال: "بَلْ هُوَ حَسَنٌ". فلما ولِد الحسَين قالَ: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟" قلت: سميته حَربًا. قال: "بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ". فلما ولد الثّالث جاء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟". قلت: حربًا. قال: "بَلْ هُوَ مُحْسِنٌ". زاد أسد، ثم قال: "إِنِّي سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاء وَلَدِ هَارُونَ: شَبَّر وشَبِّير ومُشَبّر"(*) أخرجه البخاري في الأدب المفرد 823، والبيهقي في السنن 6/166، 7/63، والحاكم في المستدرك 3/168، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال، حديث رقم 37692..

وبهذا الإسناد عن عليّ رضي الله عنه قال: كان الحسَن أشبه النّاس برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما بين الصَّدْر إلى الرأس، والحسين أَشبه الناس بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ما كان أسفل من ذلك.

وتواترت الآثار الصّحاح عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أَنه قال لحسن بن علي: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يُبْقِيَهُ حَتَّى يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيْمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمينَ"(*) ‏‏أخرجه أحمد في المسند 5/51 بلفظه، والبخاري في الصحيح 3/244، 99/71 بنحوه، والطبراني في الكبير 3/21، 22، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال، حديث رقم 34263.. رواه جماعه من الصّحابة.

وفي حديث أبي بكرة في ذلك: "وَإِنَّهُ رَيْحَانَتِي مِنَ الدُّنْيَا".(*) ولا أسَود ممن سمّاه رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سيّدًا، وكان رضي الله عنه حليمًا وَرعًا فاضلًا، دعاه ورعُه وفضْله إلى أنْ ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله، وقال: والله ما أحبَبتُ منذ علِمْتُ ما ينفعني وما يضرني أنّ إليَّ أَمْرَ أَمةِ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم على أن يهراق في ذلك محْجَمة دَم.

وكان من المبادرين إلى نُصْرَة عثمان والذابِّين عنه، ولما قتل أبوه علي رضي الله عنهما بايعه أكثرُ من أربعين ألفًا، كلُّهم قد كانوا بايعوا أباه عليًا قبل موته على الموت، وكانوا أطوَع للحسن وأحبَّ فيه منهم في أبيه، فبقي نحوًا من أربعةِ أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان، ثم سار إلى معاوية، وسار معاويةُ إليه، فلما تراءى الجمعان، وذلك بموضع يقال له: مَسْكن من أرض السوَاد بناحية الأنبار علم أنه لن تُغْلَبَ إحدى الفئتين حتى تذهب أكثر الأخرى، فكتب إلى معاوية يُخْبره أنه يصَيِّر الأمر إليه على أن يشترط عليه ألا يطلب أحدًا من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أَبيه، فأجابه معاوية، وكاد يطير فرحًا، إلا أنه قال: أَمَّا عشرة أَنفس فلا أؤمّنهم.

فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول: إني قد آلَيْتُ أَني متى ظفرْتُ بقيس بن سعد أَنْ أَقطع لسانه ويَده، فراجعه الحسن أني لا أُبايعك أَبدًا وأَنت تطلب قيْسًا أَو غيره بتَبِعَةٍ قلّت أَو كثرت. فبعث إِليه معاوية حينئذٍ برَقّ أَبيض. وقال: اكتُب ما شِئْتَ فيه وأَنا أَلتزمه.

فاصطلحا على ذلك، واشترط عليه الحسن أَن يكون له الأمر من بعده، فالتزم ذلك كله معاوية. فقال له عمرو بن العاص: إنهم قد انفلَّ حدّهم، وانكسرت شوكتُهم، فقال له معاوية: أما علمت أنه قد بايع عليًّا أربعون ألفًا على الموت، فوالله لا يُقتلون حتى يُقتل أعدادهم من أهل الشّام، ووالله ما في العيش خير بعد ذلك. واصطلحا على ما ذكرنا، وكان كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "إِنَّ اللَّهَ سَيُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمَين"(*) ‏‏أخرجه البخاري في الصحيح 3/244، 9/71 بنحوه، وأحمد في المسند 5/51، والطبراني في الكبير 3/21، 22، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال، حديث رقم 34264..

حدّثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدّثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: حدّثنا هارون بن معروف، حدّثنا ضمرة، عن ابن شَوْذَب، قال: لما قُتل عليّ سار الحسن فيمن معه من أهل الحجاز والعِراق، وسار معاوية في أهل الشّام، فالتَقوا، فكَرهَ الحسنُ القتالَ، وبايع معاوية على أن يَجْعَل العَهْدَ للحسن من بعده قال: فكان أصحابُ الحسن يقولون له: يا عار المؤمنين. فيقول: العار خَيْرٌ من النّار.

حدّثنا خلف بن قاسم، قال: حدّثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق بن معمر، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رِشْدين، قال: حدّثني عمرو بن خالد مرارًا، قال: حدّثني زهير بن معاوية الجُعْفِي، قال: حدّثني أبو رَوْق الهمدانيّ أن أبا الغَريف حدّثهم قال: كنا في مقدّمة الحسَن بن علي اثني عشر ألفًا بمسْكِن مستميتين تقطر أَسيافنا من الجدّ والحرص على قتال أهلِ الشّام. وعلينا أبو العمر طه، فلما جاءنا صُلْحُ الحسن بن علي كأنما كسِرت ظهورنا من الغيْظ والحزن. فلما جاء الحسَن الكوفة أتاه شيخٌ منّا يُكْنَى أبا عامر سُفيان بن ليلى، فقال: السّلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين. فقال: لا تقل يا أبا عامر، فإني لم أذلّ المؤمنين، ولكني كرهْتُ أن أقتلَهم في طَلَبِ الملك.

وحدّثنا خلف، حدّثنا عبد الله، حدّثنا أحمد، حدّثنا يحيى بن سليمان، حدّثني الحسن بن زياد، حدّثني أبو معشر، عن شرحبيل بن سَعْد قال: مكث الحسَنُ بن علي نحوًا من ثمانية أشهر لا يُسلّم الأمرَ إلى معاوية، وحجَّ بالناس تلك السنة سنة أربعين المغيرة ابن شُعبة من غير أن يؤمّره أحد، وكان بالطّائف. قال: وسلَّم الأمرَ الحسنُ إلى معاوية في النّصف من جمادى الأولى من سنة إحدى وأربعين، فبايع الناسُ معاوية حينئذ، ومعاوية يومئذ ابن ستّ وستين إِلّا شهرين.

قال أبو عمر رضي الله عنه: هذا أصحُّ ما قيل في تاريخ عام الجماعة، وعليه أكثر أهل هذه الصّناعة من أهل السّير والعلم بالخبر، وكلُّ من قال: إنّ الجماعة كانت سنة أربعين فقد وَهِم، ولم يقلْ بعلم، والله أعلم.

ولم يختلفوا أنّ المغيرة حجَّ عام أربعين على ما ذكر أبو معشر، ولو كان الاجتماع على معاوية قبل ذلك لم يكن كذلك، والله أعلم.

ولا خلاف بين العلماء أنّ الحسَن إنما سلّم الخلافة لمعاوية حياته لا غير، ثم تكون له من بعده، وعلى ذلك انعقد بينهما ما انعقد في ذلك، ورأى الحسنُ ذلك خيرًا مِن إراقة الدّماء في طلبها، وإن كان عند نفسه أحقَّ بها.

حدّثنا خلف، حدّثنا عبد الله، حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أحمد بن صالح، ويحيى ابن سليمان، وحَرْمَلة بن يحيى، ويونس بن عبد الأعلى، قالوا: حدّثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: لما دخل معاوية الكوفة حين سلّم الأمر إليه الحسنُ بن علي كلَّم عمرو بن العاص معاوية أن يأمر الحسن بن علي فيخطب النّاس، فكَرهَ ذلك معاوية، وقال: لا حاجةَ بنا إلى ذلك. قال عمرو: ولكني أريد ذلك ليبدوَ عِيُّه، فإنه لا يَدري هذه الأمور ما هي؟ ولم يَزل بمعاوية حتى أمر الحسن أَنْ يخطب، وقال له: قم يا حسن فكلّم الناس فيما جرى بيننا.

فقام الحسن فتشهّد، وحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال في بديهته: أما بعد أيّها النّاس، فَإِنّ الله هداكم بأوّلِنا، وحقَن دماءكم بآخرنا، وإنَّ لهذا الأمر مدّة، والدّنيا دُوَل، وإن الله عز وجل يقول: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}‏ [الأنبياء‏: 109 ـــ 111]. فلما قالها قال له معاوية: اجلس، فجلس ثم قام معاوية فخطب النّاس، ثم قال لعمرو: هذا مِنْ رأْيك‏.

وأخبرنا خلف، حدّثنا عبد الله، حدّثنا أحمد، قال: حدّثني يحيى بن سليمان، قال: حدّثني عبد الله الأجلح، أَنه سمع المجالد بن سعيد يذكر عن الشّعبي، قال: لما جرَى الصُّلْح بين الحسن بن علي ومعاوية قال له معاوية: قم فاخطُب النّاس، واذكر ما كنْتَ فيه‏.‏

فقام الحسن فخطب فقال: الحمدُ لله الذي هدَى بنا أوّلكم، وحقن بنا دماء آخركم، ألا إنّ أكْيَس الكيس التّقي، وأعجز العَجْز الفجور، وإنَّ هذا الأمر الذي اختلفْتُ فيه أنا ومعاوية إما أنْ يكونَ كان أحقّ به مني، وإمّا أنْ يكون حقي فتركتُه لله، ولإصْلَاح أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وحَقْنِ دمائهم، قال: ثم التفت إلى معاوية فقال‏: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأنبياء‏:‏ 111‏].‏ ثم نزل‏.‏

فقال عَمْرو لمعاوية: ما أَرَدْتُ إلا هذا‏.

ومات الحسن بن عليّ رضي الله عنهما بالمدينة واختلف في وقت وفاته؛ فقيل: مات سنة تسع وأَربعين. وقيل: بل مات في ربيع الأوّل من سنة خمسين بعدما مضى من إمارة معاوية عشر سنين. وقيل: بل مات سنة إحدى وخمسين، ودُفن ببقيع الغَرْقد وصلّى عليه سعيد بن العاص، وكان أميرًا بالمدينة قدّمة الحسين للصّلاة علي أخيه، وقال: لولا أنّها سنّة ما قدّمْتُك.

وقد كانت أباحَتْ له عائشة أن يُدْفن مع رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيتها، وكان سألها ذلك في مرضِه، فلما مات مَنَع من ذلك مَرْوان وبنو أُميّة في خبر يطول ذِكْرُه‏.

وقال قتادة وأَبو بكر بن حفص: سُمَّ الحسن بن علي رضي الله عنهما سمَّته امرأَته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكنديّ‏.

وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك، وكان لها ضرائر، والله أَعلم‏.

ذكر أَبو زيد عمر بن شبّة وأَبو بكر بن أَبي خيثمة قالا: حدّثنا موسى بن إسمعيل، قال: حدّثنا أَبو هلال، عن قتادة، قال: دخل الحسين على الحسن رضي الله عنهما، فقال: يا أَخي إني سُقيت السمَّ ثلاث مرات، لم أُسْقَ مِثْل هذه المرة إني لأضَعُ كَبدي. فقال الحسين: مَنْ سقاك يا أَخي؟ قال: ما سُؤالك عن هذا؟ أَتريدُ أَن تقاتلهم، أَكِلُهم إلى الله‏.

فلما مات ورَد البريد بموته على معاوية، فقال: يا عجبًا من الحسن، شرب شرْبةً من عَسَلٍ بماء رومة. فقضى نحبه‏.

وأَتى ابن عباس معاوية. فقال له: يابن عبّاس؛ احتسب الحسن، لا يحزنك الله ولا يسوءُك. فقال: أَما ما أَبقاك الله لي يا أَمير المؤمنين فلا يحزنني الله ولا يسوءني. قال: فأَعطاه على كلمته أَلف ألف وعروضًا وأشياء، وقال: خُذْها وأقْسِمْها على أهلك.

حدّثني عبد الوارث، حدّثنا قاسم، حدّثنا عبد الله بن رَوح، حدّثنا عثمان بن عمر ابن فارس، قال: حدّثنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: كنا عند الحسن بن علي، فدخل المخرج ثم خرج، فقال: لقد سُقِيت السمّ مرارًا وما سُقيْتُه مثلَ هذه المرّة، لقد لفظْتُ طائفة من كبدي، فرأيتني أَقلِبُها بعودٍ معي. فقال له الحسين: يا أخي، مَنْ سقاك؟ قال: وما تُريد إليه؟ أتريد أَنْ تقتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان الذي أظنُّ فالله أشدُّ نقمة، ولئن كان غيره ما أحِبُّ أن تقتل بي بريئًا.

وذكر معمر عن الزّهري، عن أنس، قال: لم يكن فيهم أحدٌ أشبه برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الحسن‏.‏

وقال أبو جحيفة: رأيت رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان الحسين يُشبهه‏.‏

قال أبو عمر رضي الله عنه: حفظ الحسن بن علي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحاديثَ ورواها عنه؛ منها حديثُ الدّعاء في القنوت، ومنها‏: "إِنَّا آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ".(*)

وروي عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من وجوهٍ أنه قال في الحسن والحسين‏: "إِنَّهُمَا سَيّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ".(*)

وقال‏: "اللّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فََأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا"(*) أخرجه أحمد في المسند 2/446، والبيهقي في السنن 10/233، وابن أبي شيبة 12/96، 98، والطبراني في الكبير 3/39، وذكره السيوطي في الجامع الكبير 2/244، 372، والمتقي الهندي في كنز العمال، حديث رقم 34255، 34279، 34280، 37697..

قيل: كانت سنّه يوم مات ستًّا وأربعين سنة، وقيل: سبعًا وأربعين‏.

وكان معاوية قد أشار بالبيعة إلى يزيد في حياة الحسن، وعَرَّض بها، ولكنه لم يكشفها، ولا عزَم عليها إلا بعد موت الحسن‏.

وروينا من وجوهٍ أن الحسن بن علي لما حضَرَته الوفاة قال للحسين أخيه: يا أخي؛ إنَّ أبانا ـــ رحمه الله تعالى ـــ لما قُبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم استشرف لهذا الأمر، ورجا أَنْ يكون صاحبَه، فصرفه الله عنه، وَوَلِيهَا أبو بكر، فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشوّف لها أيضًا، فصُرفتْ عنه إلى عمر، فلما احتضر عمر جعلها شورى بين ستّة هو أحدهم، فلم يشك أنها لا تَعْدُوه، فصرفت عنه إلى عثمان، فلما هلك عثمان بُويع، ثم نُوزع حتى جَرَّد السيف وطلبها، فما صفا له شيء منها، وإني والله ما أرى أن يَجمعَ الله فينا ـــ أَهْلَ البيت ـــ النبوّة والخلافة، فلا أَعرفنَّ ما استخفّك سفهاء أَهل الكوفة فأخرجوك‏.

وقد كنْتُ طلبْتُ إلى عائشة إِذا متّ أَنْ تأذن لي فأُدفن في بيتها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقالت: نعم. وإني لا أَدري لعلها كان ذلك منها حياء، فإذا أَنا متّ فاطلب ذلك إليها فإن طابت نفسُها فادفنِّي في بيتها، وما أَظنُّ القوم إِلا سيمنعونك إذا أَردْتَ ذلك، فإنْ فعلوا فلا تراجعهم في ذلك، وادفنّي في بقيع الغَرْقد، فإن فيمن فيه أَسوة‏.

فلما مات الحسن أَتَى الحسين عائشة، فطلب ذلك إليها، فقالت: نعم وكرامة. فبلغ ذلك مَرْوان، فقال مروان: كذب وكذبت، والله لا يدفن هناك أَبدًا، منعوا عثمان من دَفنِه في المقبرة، ويريدون دَفنَ الحسن في بيت عائشة!

فبلغ ذلك الحسين، فدخل هو ومن معه في السّلاح، فبلغ ذلك مَرْوان فاستلأم في الحديد أَيضًا، فبلغ ذلك أَبا هريرة فقال: والله ما هو إِلا ظلْم؛ يُمْنع الحسنُ أن يُدفْن مع أبيه، والله إنه لابْنُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم انطلق إلى الحسين فكلمه وناشده الله، وقال له: أليس قد قال أخوك: إنْ خفتَ أن يكونَ قتال فردُّوني إلى مقبرة المسلمين، فلم يزَلْ به حتى فعل، وحمله إلى البقيع، فلم يشهده يومئذ من بني أميّة إلا سعيد ابن العاص، وكان يومئذ أميرًا على المدينة، فقدّمه الحسين للصّلاة عليه وقال: هي السّنّة.

وخالد بن الوليد بن عقبة نَاشَدَ بني أمية أن يخلّوه يشاهد الجنازة، فتركوه، فشهد دفنَه في المقبرة، ودُفن إلى جنْب أمّه فاطمة رضي الله عنهما وعن بنيها أَجمعين‏.
(< جـ1/ص 436>)
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال