تسجيل الدخول


عمر بن الخطاب

1 من 1
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ

(ب د ع) عُمَرُ بنُ الخَطَّاب بن نُفَيل بن عبد العُزَّى بن رِياح بن عبد اللّه بن قُرْط بن رَزَاح بن عَدِيّ بن كعب بن لُؤَيّ القرشي العدوي، أَبو حَفْص.

وأُمه حَنْتَمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد اللّه بن عُمَر بن مخزوم. وقيل: حنتمة بنت هشام بن المغيرة، فعلى هذا تكون أُخت أَبي جهل، وعلى الأَوّل تكون ابنة عمه ــ قال أَبو عمر: ومن قال ذلك ــ يعني بنت هشام ــ فقد أَخطأَ، ولو كانت كذلك لكانت أُخت أَبي جهل والحارث ابني هشام، وليس كذلك وإِنما هي ابنة عمهما، لأَن هشامًا وهاشمًا ابني المغيرة أَخوان، فهاشم والد حَنْتَمة، وهشام والد الحارث، وأَبي جهل، وكان يقال لهاشم جَدِّ عمر: ذو الرمحين.

وقال ابن منده: أُم عمر أُخت أَبي جهل. وقال أَبو نعيم: هي بنت هشام أُخت أَبي جهل، وأَبو جهل خاله. ورواه عن ابن إِسحاق.

وقال الزبير: حنتمة بنت هاشم فهي ابنة عم أَبي جهل ــ كما قال أَبو عمر ــ وكان لهاشم أَولاد فلم يعقبوا.

يجتمع عمر وسعيد بن زيد ــ رضي الله عنهما ــ في نفيل.

ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة. رُوِي عن عمر أَنه قال: ولدت بعد الفِجَار الأَعظم بأَربع سنين.

وكان من أَشرف قريش وإِليه كانت السفارة في الجاهلية، وذلك أَن قريشًا كانوا إِذا وقع بينهم حرب أَو بينهم وبين غيرهم، بعثوه سفيرًا، وإِن نافرهم منافر أَو فاخرهم مفاخر، رضوا به، بعثوه منافرًا ومفاخرًا.

إِسْلَامُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ

لما بعث الله محمدًا صَلَّى الله عليه وسلم، كان عمر شديدًا عليه وعلى المسلمين. ثم أَسلم بعد رجال سبقوه ــ قال هلال بن يساف: أَسلم عمر بعد أَربعين رجلًا وإِحدى عشرة امرأَة. وقيل: أَسلم بعد تسعة وثلاثين رجلًا وعشرين امرأَة، فكمل الرجال به أَربعين رجلًا.

أَخبرنا أَبو محمد عبد اللّه بن علي بن سويدة التكريتي بإِسناده إِلى أَبي الحسن علي بن أَحمد بن مَتُّويه قال: أَنبأَنا أَحمد بن محمد بن أَحمد الأَصفهاني، أَنبأَنا عبد اللّه بن محمد بن جعفر الحافظ، حدّثنا أَبو بكر بن أَبي عاصم، حدّثنا صفوان بن المغلس، حدّثنا إِسحاق ابن بشر. حدّثنا خلف بن خليفة، عن أَبي هاشم الرُّمَّاني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أَسلم مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلًا وامرأَة. ثم إِن عُمَر أَسلم فصاروا أَربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال/ 64].

وقال عبد اللّه بن ثعلبة بن صُعَير: أَسلم عمر بعد خمسة وأَربعين رجلًا وإِحدى عشرة امرأَة.

وقال سعيد بن المسيَّب: أَسلم عمر بعد أَربعين رجلًا وعَشْرِ نسوة، فما هو إِلا أَن أَسلم عمر فظهر الإِسلام بمكة.

وقال الزبير: أَسلم عُمَر بعد أَن دخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم دار الأَرقم، وبعد أَربعين أَو نَيِّف وأَربعين بين رجال ونساءِ.

وكان النبي صَلَّى الله عليه وسلم قد قال: "الْلَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامِ بِأَحَبِّ الْرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ: عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ عَمْرِو بْنِ هِشَامِ ــ يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ".

أَنبأَنا أَبو ياسر بن أَبي حَبَّة بإِسناده إِلى عبد اللّه بن أَحمد، حدثني أَبي، حدثنا أَبو المغيرة، حدثنا صفوان، حدثنا شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب: خرجت أَتعرض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قبل أَن أُسلم، فوجدته قد سبقني إِلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة "الحاقة" فجعلت أَعجب من تأْليف القرآن ــ قال، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش. قال: فقرأَ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ}. قال. قلت: كاهن. قال: {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}. {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}... إِلى آخر السورة، فوقع الإِسلام في قلبي كل موقع.(*)

أَنبأَنا العدل أَبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صَصْرِي التغلبي الدمشقي، أَنبأَنا الشريف النقيب أَبو طالب علي بن حَيْدَرة بن جعفر العلوي الحسيني، وأَبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد قراءَة عليهما وأَنا أَسمع، قالا: أَنبأَنا الفقيه أَبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أَبي العلاءِ المصِّيصي، أَنبأَنا أَبو محمد عبد الرحمن بن عُثمان بن القاسم ابن أَبي نصر، أَنبأَنا أَبو الحسن خَيثمة بن سليمان بن حَيدَرة، أَنبأَنا محمد بن عوف، أَنبأَنا سفيان الطائي قال: قرأْت على إِسحاق بن إِبراهيم الحنفي قال: ذكره أُسامة بن زيد، عن أَبيه، عن جدّه أَسلم قال: قال لنا عمر بن الخطاب: أَتحبون أَن أُعلمكم كيف كان بَدْءُ إِسلامي؟ قلنا: نعم. قال: كنت من أَشدِّ الناس على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فبينا أَنا يومًا في يوم حار شديد الحرِّ بالهاجرة، في بعض طرق مكة، إِذ لقيني رجل من قريش فقال: أَين تذهب يا ابن الخطاب؟ أَنت تزعم أَنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأَمر في بيتك؟! قال قلت: وماذا ذاك؟ قال: أُختك قد صَبَأَت. قال: فرجعت مُغْضَبًا ــ وقد كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إِذا أَسلما عند الرجل به قوة، فيكونان معه، ويصيبان من طعامه. وقد كان ضم إِلى زوج أُختي رجلين ــ قال: فجئت حتى قَرَعت الباب، فقيل: مَنْ هَذَا؟ قلتُ: ابن الخطاب ــ قال: وكان القوم جلوسًا يقرأُون القرآن في صحيفة معهم ــ فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا، وتركوا ــ أَو: نسوا الصحيفة من أَيديهم. قال: فقامت المرأَة ففتحت لي، فقلت: يا عدوة نفسها، قد بلغني أَنك صَبَوت! قال: فأَرفع شيئًا في يدي فأَضربها به، قال: فسال الدم. قال: فلما رأَت المرأَة الدم بكت، ثم قالت: يا ابن الخطاب، ما كنت فاعِلًا فافعل، فقد أَسلمت. قال: فدخلتُ وأَنا مُغْضَب فجلست على السرير. فنظرت فإِذا بكتاب في ناحية البيت، فقلت: ما هذا الكتاب؟ أَعطينيه. فقالت لا أُعطيك، لست من أَهله، أَنت لا تغتسل من الجنابة، ولا تَطْهُر، وهذا لا يمسه إِلا المطهرون! قال: فلم أَزل بها حتى أَعطتنيه، فإِذا فيه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فلما مررت بـ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ذعِرْتُ ورمَيتُ بالصحيفة من يدي ــ قال: ثم رجعت إِليّ نفسي، فإِذا فيها: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد/ 1] ــ قال: فكلما مررت باسم من أَسماءِ الله عز وجل ذُعِرْتُ، ثم تَرجع إِليّ نفسي، حتى بلغتُ: {ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد/ 7] حتى بلغت إِلى قوله: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ــ قال فقلت: "أَشهدُ أَن لا إِله إِلا الله، وأَشهد أَن محمدًا رسول الله" ــ قال: فخرج القوم يتبادرون بالتكبير، استبشارًا بما سَمِعُوهُ مني، وحَمِدوا الله عز وجل، ثم قالوا: يا ابن الخطاب، أَبشِر، فإِن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين فَقَالَ: "الْلَّهُمَّ، أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَدِ الْرَّجُلَيْنِ: إِمَّا عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَإِمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"، وَإِنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ الله لَكَ. فَأَبْشِرْ ــ قَالَ: فَلَمَّا عَرَفُوا مِنِّي الْصِّدْقَ قلتُ لَهُمْ: أَخبروني بِمَكَانِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: هُوَ فِي بَيْتٍ فِي أَسْفَلِ الْصَّفا ــ وصَفُوه ــ قال: فخرجتُ حتى قرعت الباب، قيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب. قال: وقد عرفوا شدّتي على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. ولم يعلموا بإِسلامي ــ قال: فما اجترأَ أَحد منهم أَن يفتح الباب! قال: فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "افْتَحُوا لَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يَهْدِهِ". قال: ففتحوا لي، وأَخذ رجلان بعضُدي حَتَّى دَنَوْتُ مِنَ الْنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم، قَالَ: فَقَالَ: "أَرْسِلُوهُ" قَالَ: فَأَرْسَلُونِي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِمَجْمَعِ قَمِيْصِي فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَسْلِمْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، الْلَّهُمَّ اهْدِهِ". قَالَ قُلْتُ: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّكَ رَسُولِ الله"، فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ تَكْبِيْرَةً، سُمِعَتْ بِطُرُقِ مَكَّةَ ــ قَالَ: وَقَدْ كَانَ اسْتَخْفَى ــ قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ فَكُنْتُ لاَ أَشَاءُ أَنْ أَرَى رَجُلًا قَدْ أَسْلَمَ يُضْرَبُ إِلاَّ رَأَيْتُهُ ــ قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: لاَ أَحِبُّ إِلاَّ أَنْ يُصِيْبَنِي مَا يُصِيْبُ الْمُسْلِمِيْنَ، قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى خَالِي ــ وَكَانَ شَرِيْفًا فِيْهِمْ ــ فَقَرَعْتُ الْبَابَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: أَشْعَرْتَ أَنِّي قَدْ صَبَوْتُ؟ قَالَ: فَعَلْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: لاَ تَفْعَلْ! قَالَ، فَقُلْتُ: بَلَى، قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: لاَ تَفْعَلْ! وَأَجَافَ الْبَابُ دُونِي وَتَرَكَنِي. قَالَ قُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ! قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَجُلًا مِنْ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ، فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: أَشْعَرْتَ أَنِّي قْدَ صَبَوْتُ؟ قَالَ: فَعَلْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ! قُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: لاَ تَفْعَلْ! قَالَ: ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ، وَأَجَافَ الْبَابَ دُوْنِي. قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ انْصَرَفْتُ. فَقَالَ لِي رَجُلٌ: تُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ إِسْلَامُكَ؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِذَا جَلَسَ الْنَّاسُ فِي الْحِجْرِ وَاجْتَمِعُوا أَتَيْتَ فُلَانًا ــ رَجُلًا لَمْ يَكُنْ يَكْتُمُ الْسِّرَّ ــ فَاصْغَ إِلَيْهِ، وَقُلْ لَهُ ــ فِيْمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ــ: "إِنِّي قَدْ صَبَوْتُ"، فَإِنَّهُ سَوْفُ يَظْهَرُ عَلَيْكَ وَيُصِيحُ وَيُعْلِنُهُ. قَالَ: فَاجْتَمَعَ الْنَّاسُ فِي الْحِجْرِ، فَجِئْتُ الْرَّجُلَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقُلْتُ: أَعْلِمْتُ أَنِّي قَدْ صَبَوْتُ"؟ فَقَالَ: "أَلاَ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَا". قَالَ: فَمَا زَالَ الْنَّاسُ يَضْرِبُونَنِي وَأَضْرِبْهُمْ، قَالَ: فَقَالَ خَالِي: مَا هَذَا؟ فَقِيْلَ: ابْنُ الْخَطَّابِ! قَالَ: فَقَامَ عَلَى الْحِجْرِ فَأَشَارَ بِكُمِّهِ فَقَالَ: "أَلاَ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ ابْنَ أُخْتِي". قَالَ: فَانْكَشَفَ الْنَّاسُ عَنِّي، وَكُنْتُ لاَ أَشَاءَ أَنْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ يُضْرَبُ إِلاَّ رَأَيْتُهُ وَأَنَا لاَ أُضْرِبُ. قَالَ فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُصِيْبُنِي مِثْلُ مَا يُصِيْبُ الْمُسْلِمِيْنَ؟ قَالَ: فَأَمْهَلْتُ حَتَّى إِذَا جَلَس الْنَّاسُ فِي الْحِجْرِ، وَصَلْتُ إِلَى خَالِي فَقُلْتُ: اسْمَعْ. فَقَالَ: مَا أَسْمَعُ؟ قَالَ قُلْتُ: جِوَارُكَ عَلَيْكَ رَدٌّ. قَالَ: فَقَالَ: لاَ تَفْعَلْ يَا ابْنَ أُخْتِي. قَالَ قُلْتُ: بَلْ هُوَ ذَاكَ. فَقَالَ: مَا شِئْتَ! قَالَ: فَمَازِلْتُ أُضْرَبُ وَأَضْرِبُ حَتَّى أَعْزَّ الله الْإِسْلَامَ(*)أخرجه البيهقي من دلائل النبوة 2 / 5 والهيثمي في الزوائد 9 / 67..

أَنبأَنا أَبو جعفر بن أَحمد بن علي بإِسناده، عن يونس بن بُكَير، عن ابن إِسحاق قال: ثم إِن قريشًا بعثت عمر بن الخطاب، وهو يومئذ مشرك، في طلب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ورسولُ الله فِي دَارٍ فِي أَصْلِ الْصَّفا، فَلقيه النَّحام ــ وهو نعيم بن عبد اللّه ابن أَسيد، وهو أَخو بني عدي بن كعب، قد أَسلم قبل ذلك، وعمر متقلد سيفه ــ فقال: يا عمر، أَين تريد؟ فقال: أَعمد إِلى محمد الذي سفَّه أَحلام قريش، وشتم آلهتهم، وخالف جماعتهم. فقال النحام: والله لبئس المَمْشَى يا عمر! ولقد فَرَّطت وأَردت هَلَكة عَدِيّ بن كعب! أَو تراك تفلت من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدًا؟ فتحاورا حتى ارتفعت أَصواتهما، فقال له عمر: إِني لأَظنك قد صبوت، ولو أَعلم ذلك لبدأْت بك! فلما رأَى النحَّام أَنه غير مُنْتَهٍ قال: فإِني أَخبرك أَن أَهلك وأَهل خَتَنِك قد أَسلموا، وتركوك وما أَنت عليه من ضلالتك. فلما سمع عمر تلك يقولها قال: وأَيّهم؟ قال: خَتَنك وابن عَمِّك وأَختك. فانطلق عمر حتى أَتى أُخته، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِذا أَتته طائفة من أَصحابه من ذوي الحاجة، نظر إِلى أُولي السعة، فيقول: "عندك فلان". فوافق ذلك ابن عَمِّ عمر وَخَتَنة ــ زوج أَخته ــ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فدفع إِليه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم خباب بن الأَرَتّ، وقد أَنزل الله تعالى: {طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى}.

وذكر نحْو ما تقدم، وفيه زيادة ونقصان. قال ابن إِسحاق: فقال عمر عند ذلك ــ يعني إِسلامه: والله لنحن بالإِسلام أَحق أَن نُبَادِي منا بالكفر، فَلَيَظْهَرَنَّ بمكة دين الله، فإِن أَراد قومنا بغيًا علينا ناجزناهم، وإِن قومنا أَنصفونا قبلنا منهم. فخرج عمر وأَصحابه فجلسوا في المسجد، فلما رَأَتْ قريش إِسلام عمر سُقِط في أَيديهم.

قال ابن إِسحاق: حدثني نافع، عن ابن عمر قال: لما أَسلم عمر بن الخطاب قال: أَيُّ أَهل مكة أَنقلُ للحديث؟ فقالوا: جميل بن مَعْمَر. فخرج عمر وخرجت وراء أَبي، وأَنا غُلَيِّم أَعقل كُلَّ ما رأَيت، حتى أَتاه فقال: يا جميل هل علمت أَني أَسلمت؟ فوالله ما راجعه الكلام حتى قام يجرّ رداءَه، وخرج عمر يتبعه، وأَنا مع أَبي، حتى إِذا قام على باب مسجد الكعبة، صرخ بأَعلى صوته: يا معشر قريش، إِن عمر قد صبأَ. فقال عمر: كذبت! ولكني أَسلمت. فثاوَرُوه، فقاتلوه وقاتلهم حتى قامت الشمس على رؤوسهم، فطَلَحَ وعرَّشوا على رأْسه قيامًا وهو يقول: "اصنعوا ما بدا لكم، فأَقسم بالله لو كنا ثلاثمائة رجل تركتموها لنا، أَو تركناها لكم".

وذكر ابن إِسحاق أَن الذي أَجار عمر هو "العاص بن وائل" أَبو "عمرو بن العاص السهمي" وإِنما قال عمر إِنه خاله لأَن حَنْتمَة أَمَّ عمر هي بنت هاشم بن المغيرة، وأَمها الشفاء بنت عبد قيس بن عَدِيّ بن سعد بن سَهْم السهمية، فلهذا جعله خاله، وأَهل الأم كلهم أَخوال، ولهذا قال النبي صَلَّى الله عليه وسلم لسعد بن أَبي وقاص:أخرجه الترمذي في السنن 5 / 607 كتاب المناقب (50) باب مناقب سعد بن أبي وقاص (27) حديث رقم 3752، والحاكم في المستدرك 3/352، 498، والطبراني في الكبير 1 / 107 والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 33331، 37084. "هذا خالي" لأَنه زُهْري، وأُم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم زُهْرية. وكذلك القول في خاله الآخر الذي أَغلق الباب في وجهه أَنه أَبو جهل، فعلى قول من يجعل أم عمر أخت أَبي جهل، فهو خال حقيقة، وعلى قول من يجعلها ابنة عم أَبي جهل، يكون مثل هذا.

وكان إِسلام عمر في السنة السادسة، قاله محمد بن سعد.

أَخبرنا غير واحد إِجازة قالوا: أَنبأَنا أَبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا الحسن بن علي، أَنبأنا أَبو عمر بن حَيُّويَة، أَنبأَنا أَحمد بن معروف، أَنبأَنا أَبو علي بن القَهْم أَنبأَنا محمد ابن سعد، أَنبأَنا محمد بن عمر، حدّثنا أَبو حَرْزة يعقوب بن مجاهد، عن محمد بن إِبراهيم، عن أَبي عَمْرو ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي صَلَّى الله عليه وسلم.

حَزْرة: بفتح الحاءِ المهملة، وتسكين الزاي، وبعدها راءٌ، ثم هاءٌ.

قال وأَنبأَنا محمد بن سعد أَنبأَنا أَحمد بن محمد الأَزرقي المكي، حدّثنا عبد الرحمن ابن حسن، عن أَيوب بن موسى قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:أخرجه الترمذي في السنن 5 / 576 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (18) حديث رقم 3682 وأحمد في المسند 2 / 53، 401، والحاكم في المستدرك 3/86، 87 وكنز العمال حديث رقم 32714، 32717. "إِن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق: فرق الله به بين الحق والباطل".

وقال ابن شهاب: بلغنا أَن أَهل الكتاب كانوا أَوّل من قال لعمر: الفاروق.

أَنبأنَا أَبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صَصْري الدمشقي، أَنبأَنا الشريف أَبو طالب علي بن حَيْدرة بن جعفر العَلَوي الحُسَيني، وأَبو القاسم الحُسَين بن الحسن بن محمد الأَسدي قالا: أَنبأَنا الفقيه أَبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أَبي العلاء المصيصي، أَنبأَنا أَبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أَبي نصر، أَنبأَنا أَبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حَيْدَرة، حدثنا أَبو عُبَيدة السَّرِيّ بن يحيى بن أَخي هَنَّاد بن السَرِيّ بالكوفة، حدثنا شعيث بن إِبراهيم، حدثنا سيف بن عمر، عن وائل بن داود، عن يزيد البهيّ قال: قال الزبير بن العوّام: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اللهم أَعِزّ الإِسلامَ بعُمَر بن الخطاب" أخرجه ابن ماجه في السنن 1 / 39 في المقدمة باب فضل عمر رضي الله عنه حديث رقم 105، والبيهقي 6 / 370 و المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 32768، 32773، 32774، 35840، 35881..

أَنبأَنا أَحمد بن عثمان بن أَبي علي، أَنبأَنا أَبو رُشَيد عبد الكريم بن أَحمد بن منصور ابن محمد بن سعيد، أَنبأَنا أَبو مسعود سليمان بن إِبراهيم بن محمد بن سليمان، حدثنا أَبو بكر أَحمد بن موسى بن مَرْدُوَيه، حدثنا عبد اللّه بن جعفر، حدثنا أَحمد بن يونس، حدثنا جَعْفر بن عون ويعلى بن عبيد والفضل بن دُكَين قالوا: حدثنا مِسْعَر، عن القاسم ابن عبد الرحمن قال: قال عبد اللّه بن مسعود: كان إِسلام عمر فتحًا. وكانت هجرته نَصْرًا، وكانت إِمارته رَحْمة. ولقد رأَيتُنا وما نستطيع أَن نصلي في البيت حتى أَسلم عمر، فلما أَسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا.

قال: وحدثنا ابن مَرْدُويه، حدثنا أَحمد بن كامل، حدثنا الحسن بن علي المعمري، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا جرير، عن عمر بن سعيد، عن مسروق، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة قال: لما أَسلم عمر كان الإِسلام كالرجل المقبل، لا يزداد إِلا قُرْبًا. فلما قتل عمر كان الإِسلام كالرجل المدبر، لا يزداد إِلا بعدًا.

هِجْرَتُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ

أَنبأَنا عبد الوهاب بن هبة الله الدقاق إِذنًا، أَنبأَنا أَبو بكر محمد بن عبد الباقي، حدثنا أَبو محمد الجوهري إِملاء، أَنبأَنا أَبو الحسن علي بن أَحمد الحافظ، حدثنا أَبو رَوْق أَحمد بن محمد بن بكر الهِزَّاني بالبصرة، حدثنا الزبير بن محمد بن خالد العثماني بمصر سنة خمس وستين ومائتين، حدثنا عبد اللّه بن القاسم الأُبليّ، عن أَبيه، عن عقيل بن خالد، عن محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس، عن أَبيه، عن عبد اللّه بن العباس قال: قال لي علي بن أَبي طالب: ما علمت أَن أَحدًا من المهاجرين هاجر إِلا مختفيًا، إِلا عمر بن الخطاب، فإِنه لما هَمَّ بالهجرة تقلَّد سيفه، وتنكَّب قوسه، وانتضى في يده أَسهمًا، واختَصَر عنَزَتُه، ومضى قِبَل الكعبة، والمَلأَ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعًا متمكنًا، ثم أَتى المقام فَصلى متمكنًا، ثم وقف على الحَلق واحدة واحدة، وقال لهم: شَاهَتِ الوجوه، لا يُرْغِمُ الله إِلا هذه المعاطس، من أَرادَ أَن تَثْكُله أُمّه، ويُوتِم ولده، ويُرْمِل زوجته، فليلقني وراءَ هذا الوادي. قال علي: فما تبعه أَحد إِلا قوم من المستضعفين عَلَّمَهم وأَرشدهم ومَضَى لوجهه.

أَنبأَنا عُبَيد اللّه بن أَحمد بن علي بإِسناده عن يونس بن بُكير عن ابن إِسحاق قال: حدثني نافع، عن عبد اللّه بن عمر، عن أَبيه عمر بن الخطاب قال: لما اجتمعنا للهجرة اتَّعدتُ أَنا وعيّاش بن أَبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل: قلنا: الميعاد بيننا "التَّنَاضِب من أَضاة بني غفار، فمن أَصبح منكم لم يأْتها فليمض صاحباه. فأَصبحتُ عندها أَنا وعياش بن أَبي ربيعة، وحُبِس عنا هشام، وفُتِن فافتتن. وقدمنا المدينة.

قال ابن إِسحاق: نزل عمر بن الخطاب، وزيد بن الخطاب، وعمرو وعبد اللّه ابنا سراقة، وحُنيس بن حُذَافة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل، وواقد بن عبد اللّه، وخوْلي بن أَبي خَوْلي، وهلال بن أَبي خَوْلي، وعياش بن أَبي ربيعة، وخالد وإِياس وعَاقِل بنو البُكير ـــ نزل هؤلاء على رفاعة بن المنذر، في بني عمرو بن عوف.

أَنبأَنا أَبو الفضل عبد اللّه بن أَحمد بن عبد القاهر، أَنبأَنا أَبو بكر أَحمد بن علي بن بدران، أَنبأَنا أَبو محمد الحسن بن علي الفارسي، أَنبأَنا أَبو بكر القُطَيعي، أَنبأَنا عبد اللّه ابن أَحمد، حدثني أَبي، حدثنا عمرو بن محمد أَبو سعيد، حدثنا إِسرائيل، عن أَبي إِسحاق، عن البراءِ بن عازب قال: أَوّل من قدم علينا من المهاجرين مُصْعَب بن عمير أَخو بني عبد الدار، ثم قدم علينا ابن أُم مكتوم الأَعمى، أَخو بني فهر. ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكبًا، فقلنا: ما فعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: هو على أَثري. ثم قدم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَبو بكر معه.

شُهُودُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ بَدْرًا وَغَيْرَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ

شهد عمر بن الخطاب مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بدرًا، وأُحدًا، والخندق وبيعة الرضوان، وخيبر، والفتح، وحُنَينًا، وغيرها من المشاهد، وكان أَشد الناس على الكفار. وأَراد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَن يرسله إِلى أَهل مكة يوم الحديبية، فقال: "يا رسول الله، قد علمت قريش شدة عداوتي لها، وإِن ظفروا بي قتلوني". فتركه، وأَرسل عثمان.

أَنبأَنا أَبو جعفر بن السمين بإِسناده إِلى يونس بن بُكَير عن ابن إِسحاق ـــ في مسير رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلى بدر ـــ قال: وسلك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذات اليمين على واد يقال: "ذَفِران"، فخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى إِذا كان ببعضه نزل. وأَتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عِيرهم، فاستشار رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الناس، فقال أَبو بكر فأَحسن، ثم قام عمر فقال فأَحسن. وذكر تمام الخبر.

وهو الذي أَشار بقتل أَسارى المشركين ببدر، والقصة مشهورة.

وقال ابن إِسحاق وغيره من أَهل السير: ممن شهد بدرًا من بني عدي بن كعب: عُمَر ابن الخطاب بن نفيل، لم يختلفوا فيه.

وشهد أَيضًا أُحدًا، وثبت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.

أَنبأَنا عبيد اللّه بن أَحمد بإِسناده عن يونس بن بكير عن محمد بن إِسحاق قال: حدثني الزهري وعاصم بن عُمَر بن قتادة قالا: لما أَراد أَبو سفيان الانصراف أَشرف على الجبل، ثم نادى بأَعلى صوته: إِن الحرب سجال يوم بيوم بدر، اعْل هُبَل ـــ أَي أَظهر دينك ـــ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: "قم فأَجبه". فقال: الله أَعلى وأَجلّ، لا سواءَ قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، فلما أَجاب عمر أَبا سفيان قال أَبو سفيان. هلم إِلي يا عُمَر. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ائته، فانظر ما يقول". فجاءَه، فقال له أَبو سفيان: أَنشدك الله يا عمر، أَقتلنا محمدًا؟ قال: لا، وإِنه ليسمع كلامك الآن. فقال أَبو سفيان: أَنت أَصدق عندي من ابن قمئة وأَبرـــ لقول ابن قمئة لهم: قد قتلت محمدًا.

عِلْمُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ

أَنبأَنا أَحمد بن عثمان بن أَبي يعلى، أَنبأَنا أَبو رُشَيْد عبد الكريم بن أَحمد بن منصور ابن محمد بن سعيد، حدثنا أَبو مسعود سليمان بن إِبراهيم بن محمد بن سليمان، حدثنا أَبو بكر بن مَرْدُويه، حدثنا عبد اللّه بن جعفر، حدثنا أَحمد بن يونس، حدثنا عبد العزيز ابن أَبان، حدثنا أَبو الأَحوص سَلام بن سُلَيم، عن الأَعمش، عن أَبي وائل قال: قال ابن مسعود: لو أَن عِلْم عمر وُضِع في كفّة ميزان، ووُضِع عِلم الناس في كِفة ميزان لرجح علم عمر. فذكرته لإِبراهيم فقال: قد والله، قال عبد اللّه أَفضل من هذا. قلت: ماذا قال؟ قال: لما مات عمر ذهب تسعة أَعشار العلم.

أَنبأَنا إِسماعيل بن علي بن عبيد وغيره بإِسنادهم إِلى محمد بن عيسى: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن عُقَيل، عن الزهري، عن حمزة بن عبد اللّه بن عمر، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "رأَيت كأَني أُتيتُ بقَدَح لبن، فشربت منه، وأَعطيت فَضْلي عُمَر بن الخطاب". فقالوا: ما أَوّلته يا رسول الله؟ قال: "العلم" أخرجه الترمذي ف السنن 5 / 578 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (18) حديث رقم 3687..

أَنبأَنا أَبو محمد بن أَبي القاسم الحافظ إِجازة أَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو الأَغرّ قَراتِكِين بن الأَسعد، حدثنا أَبو محمد الجوهري، حدثنا أَبو بكر أَحمد بن محمد بن الفضل بن الجراح، حدثنا أَبو جعفر أَحمد بن عبد اللّه النِّيِري، حدثنا أَبو السائب قال: سمعتُ شيخًا من قريش يذكر عن عبد الملك بن عُمَير، عن قَبِيصة بن جابر قال: والله ما رأَيت أَحدًا أَرأَف برعيته، ولا خيرًا من أَبي بكر الصديق. ولم أَر أَحدًا أَقرأَ لكتاب الله، ولا أَفقه في دين الله، ولا أَقْومَ بحدود الله، ولا أَهيبَ في صدور الرجال من عمر بن الخطاب. ولا رأَيت أَحدًا أَشد حياء من عثمان بن عفان.

زُهْدُهُ وَتَوَاضُعُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ

أَنبأَنا أَبو محمد بن أَبي القاسم الدمشقي إِجازة، أَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو بكر بن لمَزْرَفي، حدثنا أَبو الحسين بن المهتدي، أَنبأَنا علي بن عمر بن محمد الحَرْبي، حدثنا أَبو سعيد حاتم بن الحسن الشاشي، حدثنا أَحمد بن عبد اللّه، حدثنا سفيان، عن إِسماعيل بن أَبي خالد، عن قيس بن أَبي حازم، قال: قال طلحة بن عبيد اللّه: ما كان عمر بن الخطاب بأَوّلنا إِسلامًا ولا أَقدمنا هجرة، ولكنه كان أَزهدنا في الدنيا، وأَرغبنا في الآخرة.

قال: وأَنبأَنا أَبي، حدثنا أَبو علي المقرئُ كتابة ـــ وحدثني أَبو مسعود الأَصبهاني عنه ـــ أَنبأَنا أَبو نعيم الحافظ، حدثنا أَبي، حدثنا أَبو عبد اللّه محمد بن أَحمد بن أَبي يحيى، حدثنا أَحمد بن سعيد بن جرير، حدثنا عبد الرحمن بن مغْراءَ الدوسي، حدثنا محمد بن عمرو، عن أَبي سلمة قال: قال سعد بن أَبي وقاص: والله ما كان عمر بأَقدمنا هجرة، وقد عَرَفْتُ بأَيّ شيءَ فَضَلَنَا؛ كان أَزهدنا في الدنيا.

أَنبأَنا ابن أَبي حَبَّة وغيره، أَنبأَنا أَبو غالب بن البنا، أَنبأَنا أَبو محمد الجوهري، أَنبأَنا أَبو عمر بن حَيُّوية، وأَبو بكر محمد بن إِسماعيل بن العباس قالا: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، أَنبأَنا الحسين بن الحسن، حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، أَنبأَنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت: أَن عمر استسقى، فأُتِي بإِناء من عَسَل فوضعه على كفه ـــ قال: فجعل يقول: "أَشربها فتذهب حلاوتها و تبقى نقمتها"، قالها ثلاثًا، ثم دفعه إِلى رجل من القوم فشربه.(*)

أَنبأَنا أَبو محمد القاسم بن علي، أَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا إِسماعيل بن أَحمد أَبو القاسم، أَنبأَنا أَبو الحسين بن النَّقُور، أَنبأَنا أَبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى، أَنبأَنا عبد اللّه بن محمد البَغَويّ، حدثنا داود بن عمرو، أَنبأَنا ابن أَبي غَنِية، هو يحيى بن عبد الملك، حدثنا سلامة بن صبيح التميمي قال: قال الأَحنف: كنت مع عمر بن الخطاب، فلقيه رَجُل فقال: يا أَمير المؤمنين، انطلق معي فَأَعْدِني على فلان، فإِنه قد ظلمني. قال: فرفع الدّرة فخفق بها رأْسه فقال: تَدَعُونَ أَمير المؤمنين وهو مُعْرِض لكم، حتى إِذا شُغِل في أَمر من أُمور المسلمين أَتيتموه: أَعدِنِي أَعدِنِي! قال: فانصرف الرجل وهو يتذَمَّر ـــ قال: عَلَيّ الرجلَ. فأَلقى إِليه المخْفَقَة وقال: امتثل. فَقَالَ: لا والله، ولكن أَدَعُها لله ولك. قال: ليس هكذا، إِما أَن تدعها لله إِرادة ما عنده أَو تدعها لي، فأَعلم ذلك. قال: أَدعها لله. قال: فانصرف. ثم جاءَ يمشي حتى دخل منزله ونحن معه، فصلى ركعتين وجلس فقال: يا ابن الخطاب، كنت وضيعًا فرفعك الله، وكنت ضالًا فهداك الله، وكنت ذليلًا فأَعزك الله، ثم حملك على رقاب الناس فجاءَك رجل يَسْتَعدِيك فضربته، ما تقول لربك غدًا إِذا أَتيته؟ قال: فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة حتى ظننا أَنه خير أَهل الأَرض.

قال: وحدثنا أَبي، حدثنا أَبو بكر محمد بن الحسن، أَنبأَنا أَبو الحسين المهتدي، أَنبأَنا عيسى بن علي، أَنبأَنا عبد اللّه بن محمد، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا عبد الجبار بن الورد، عن ابن [[أبي]] مُلَيكة قال: بينما عمر قد وضع بين يديه طعامًا إِذ جاءَ الغلام فقال: هذا عتبة بن فَرْقَد بالباب، قال: وما أَقدم عتبة؟ ائذن له. فلما دخل رأَى بين يدي عمر طعامه: خبز وزيت. قال: اقترب يا عتبة فأَصب من هذا. قال: فذهب يأْكل فإِذا هو طعام جِشَب لا يستطيع أَن يُسِيغه. قال: يا أَمير المؤمنين، هل لك في طعام يقال له: الحُوَّاري؟ قال: ويلك، ويَسَع ذلك المسلمين كلهم؟ قال: لا والله. قال: ويلك يا عُتْبة، أَفأَردت أَن آكل طَيِّبًا في حياتي الدنيا وأَستمتع؟.

وقال محمد بن سعد: أَنبأَنا الوليد بن الأَغر المكي، حدّثنا عبد الحميد بن سليمان، عن أَبي حازم قال: دخل عمر بن الخطاب على حفصة ابنته، فقدمت إِليه مَرَقًا باردًا وخبزًا وصَبَّت في المَرَق زيتًا، فقال: أُدْمان في إِناء واحد! لا أَذوقه حتى أَلقى الله عز وجل.

أَنبأَنا عمر بن محمد بن طَبَرْزد، أَنبأَنا أَبو غالب بن البناء، أَنبأَنا أَبو محمد الجوهري، أَنبأَنا أَبو عمر بن حيُّوية وأَبو بكر بن إِسماعيل قالا: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا الحسين بن الحسن، أَنبأَنا عبد اللّه بن المبارك، أَنبأَنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أَنس قال: لقد رأَيت بين كتفي عمر أَربع رِقاع في قميصه.

وأَنبأَنا غير واحد إِجازة، أَنبأَنا أَبو غالب بن البناء، أَنبأَنا أَبو محمد، أَنبأَنا أَبو الفضل عُبَيد اللّه بن عبد الرحمن بن محمد، حدثنا عبد اللّه بن أَبي داود، حدثنا المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي، حدثني أَبي، حدثنا شعبة، عن سعيد الجريري، عن أَبي عثمان قال: رأَيت عمر بن الخطاب يرمي الجمرة وعليه إِزار مرقوع بقطعة جِرَاب.

فَضَائِلُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ

أَنبأَنا أَبو عبد اللّه محمد بن محمد بن سرايا بن علي الفقيه، وأَبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أَبي العز، وأَبو عبد اللّه الحسين بن أَبي صالح بن فَنَّاخِسْرو التكريتي وغيرهم بإِسنادهم إِلى محمد بن إِسماعيل الجعفي: حدثنا سعيد بن أَبي مريم، أَنبأَنا الليث، حدثني عُقَيل، عن ابن شهاب قال: أَخبرني سَعِيد بن المسيَّب رضي الله عنه: أَن أَبا هريرة قال: بينا نحن عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِذْ قال: "بينا أَنا نائم رأَيتُني في الجنة فإِذا امرأَة تتوضأَ إِلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالت: لعمر. فذكرت غَيْرته، فولّيت مدبرًا". فبكى عمر وقال: أَعليك أَغار يا رسول الله؟!(*)أخرجه البخاري في الصحيح 5 / 12 كتاب فضائل أصحاب النبي باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه..

قال: وحدثنا محمد بن إِسماعيل: حدثنا محمد بن عبيد اللّه، حدثنا إِبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أَبي أُمامة بن سهل أَنه سمع أَبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "بينا أَنا نائم رأَيت الناس يعرَضون عليّ وعليهم قمص منها ما يبلغ الثُديَّ، ومنها ما دون ذلك، وعُرض عليّ عمر ابن الخطاب وعليه قميص يَجُرُّه" قالوا: فما أَوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 1 / 12 كتاب الإيمان باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال..

أَنبأَنا أَحمد بن عثمان بن أَبي علي، أَنبأَنا أَبو رُشَيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور، أَنبأَنا أَبو مسعود سليمان بن إِبراهيم بن محمد، حدثنا أَبو بكر أَحمد بن موسى بن مَرْدُويه، حدثنا أَحمد بن محمد بن عبد اللّه بن زياد، حدثنا أَحمد بن عبد الجبار العُطَاردي، حدثنا أَبو معاوية الضرير، عن الأَعمش، عن عطية، عن أَبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِن أَهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما يرى الكوكب الدرِّي في الأُفق من آفاق السماءِ، وإِن أَبا بكر وعمر منهم وَأَنْعما"(*)أخرجه الترمذي في السنن 5 / 567 كتاب المناقب (50) باب مناقب أبي بكر الصديق (14) حديث رقم 3658، و ابن ماجه في السنن 1 / 37 في المقدمة باب فضل أبي بكر الصديق حديث رقم 96، و أحمد في المسند 3 / 27، 72، 93، و الطبراني في الكبير 6 / 160، و المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 32650..

أَنبأَنا أَبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن الدمشقي، أَنبأَنا أَبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القَيْسِي، أَنبأَنا الفقيه أَبو القاسم علي بن محمد بن علي المصيصي، أَنبأَنا أَبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أَبي نصر، أَنبأَنا أَبو الحسن خَيْثَمة بن سليمان بن حيْدَرة الأَطرابلسي، حدّثنا أَبو قِلاَبَةَ الرقاشي، حدثنا محمد بن الصباح، حدّثنا إِسماعيل بن ذكريا، عن النضر أَبي عُمر الخَزَّاز، عن عكرمة، عن ابن عباس أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لما انتفض حِرَاءُ قال: "اسكن حراءُ، فما عليك إِلا نبي وصديق وشهيد". وكان عليه النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأَبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحةُ، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، وسعيد بن زيد.(*)

قال: وأَنبأَنا أَبو الحسن خيثمة: حدّثنا محمد بن عوف الطائي وأَبو يحيى بن أَبي سبرة قالا: حدثنا أَبو جابر محمد بن عبد الملك، حدثنا المعلى بن هلال، حدّثنا ليث بن أَبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "وزيراي من أَهل السماءِ جبريل وميكائيل، ووزيراي من أَهل الأَرض أَبو بكر وعمر".(*)

قال: وأَنبأَنا خيثمة، أَنبأَنا إِبراهيم بن أَبي العنبس القاضي، حدثنا عبيد اللّه بن موسى، أَنبأَنا يونس ابن أَبي إِسحاق، عن الشعبي، عن علي بن أَبي طالب قال: كنت مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فأَقبل أَبو بكر وعمر فقال لي النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "يا علي، هذان سيدا كهول أَهل الجنة من الأَولين والآخرين، إِلا النبيين والمرسلين"، ثم قال لي: "يا علي، لا تخبرهما"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 570 كتاب المناقب (50) باب مناقب أبي بكر و عمر رضي الله عنهما كليهما (16) حديث رقم 3664، والهيثمي في الزوائد 9 / 56، و المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 32652، 36090، 36128، 36149..

أَنبأَنا أَبو إِسحاق إِبراهيم بن محمد وغيره بإِسنادهم عن أَبي عيسى الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أَبو عامر هو العَقدي، حدثنا خارجة بن عبد اللّه، عن نافع، عن ابن عمر: أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "إِن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه".

قال: وقال ابن عمر: "ما نزل بالناس أَمر قَطّ فقالوا فيه، وقال فيه عمر ـــ أَو: قال ابن الخطاب ـــ شك خارجة ـــ إِلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 576 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (18) حديث رقم 3682 و أحمد في المسند 2 / 53، 401، و الطبراني في الكبير 1 / 339، 19 / 313، و الهيثمي في الزوائد 9 / 69، و ابن حبان في صحيحه حديث رقم 2183، 2185.

وذلك نحو ما قال في أَسارى بدر، فإِنه أَشار بقتلهم، وأَشار غيره بمفاداتهم، فأَنزل الله تبارك وتعالى: {لَّوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال/ 68]. وقوله في الحجاب، فأَنزله الله تعالى، وقوله في الخمر.

قال: وأَنبأَنا أَبو عيسى، حدّثنا محمد بن المُثَنَّى، حدّثنا عبد اللّه بن داود الواسطي أَبو محمد، حدّثني عبد الرحمن ابن أَخي محمد بن المُنْكَدِر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال عمر لأَبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال أَبو بكر: أَما إِنك إِن قلت ذلك، فلقد سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "ما طلعت الشمس على رجل خَيْر من عمر"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 577 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (18) حديث رقم 3684..

قال: وأَنبأَنا أَبو عيسى، حدثنا سلمة بن شَبِيب، حدّثنا المُقْرِئَ، عن حيوة بن شُرَيح، عن بكر بن عمْرو، عن مِشْرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 578 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (18) حديث رقم 3686..

قال: وأَنبأَنا أَبو عيسى، حدّثنا علي بن حُجْر، حدّثنا إِسماعيل بن جعفر، عن حُمَيد، عن أَنس: أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "دخلت الجنة، فإِذا أَنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لشاب من قريش، فظننت أَني أَنا هو، فقلت: ومن هو؟ قالوا: عمر بن الخطاب"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 578 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب (18) حديث رقم 3688..

قال: وأَنبأَنا أَبو عيسى، حدّثنا الحسين بن حُرَيث، أَنبأَنا عليّ بن الحسين بن واقد، حدّثني أَبي، حدّثنا عبد اللّه بن بُريدة قال: سمعت بُريدة يقول: خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي في السنن 5 / 579 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر ابن الخطاب (18) حديث رقم 3690. في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءَت جارية سوداءُ فقالت: يا رسول الله، إِني كنت نذرت إِن ردك الله سالمًا أَن أَضرب بين يديك بالدفِّ وأَتغنى. قال: "إِن كنت نذرت فاضربي، وإِلاَّ فلا". فجعلت تضرب، فدخل أَبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عليّ وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فأَلقت الدفَّ تحت استها، وقعدت عليه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إن الشيطان أخرجه الترمذي في السنن 5 / 579 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب (18) حديث رقم 3690 و البيهقي في السنن 10 / 77 وأورده ابن حجر في الفتح 11/ 588 والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 35839. ليخاف منك يا عمر، إِني كنت جالسًا وهي تضرب، فدخل أَبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخلتَ أَنتَ يا عمر فأَلقت الدف".(*)

قال: وحدّثنا أَبو عيسى: حدّثنا قتيبة، حدّثنا الليث، عن ابن عجلان، عن سعد بن إِبراهيم عن أَبي سَلَمَة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قد كان يكون في الأُمم مُحَدِّثون، فإِن يكن في أُمتي أَحد فعمر بن الخطاب"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 581 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب (18) حديث رقم 3693..

أَنبأَنا أَحمد بن عثمان بن أَبي علي، أَنبأَنا أَبو رشيد عبد الكريم بن أَحمد بن منصور، أَنبأَنا أَبو مسعود سليمان بن إِبراهيم، أَنبأَنا أَبو بكر أَحمد بن موسى بن مَرْدُويه، حدثنا محمد بن سفيان بن إِبراهيم، حدثنا مسلم بن سعيد، أَنبأَنا مجاشع بن عمرو، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أَبيه، عن الحسن: أَن عمر بن الخطاب خطب إِلى قوم من قريش بالمدينة فردوه، وخطب إِليهم المغيرة بن شعبة، فزوجوه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لقد رَدُّوا رجلًا ما في الأَرض رجلٌ خيرًا منه".(*)

قال: وأَنبأَنا أَبو بكر قال: أَنبأَنا عبد الرحمن بن الحسن الأَسدي، حدثنا عيسى بن هارون بن الفرج، حدثنا أَحمد بن منصور، حدثنا إِسحاق بن بشر، حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أَبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أَنه قال: أَكثروا ذكر عمر، فإِنكم إِذا ذكرتموه ذكرتم العدل، وإِذا ذكرتم العدل ذكرتم الله تبارك وتعالى.

قال: وأَنبأَنا أَبو بكر، حدثنا عبد اللّه بن إِسحاق، حدثنا جعفر الصائغ، حدثنا حسين بن محمد المرودي، حدثنا فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، عن أَبيه: أَنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فعرض له في خطبته أَن قال: "يا ساريةَ بن حصن، الجبل الجبل ـــ من استرعى الذئب ظَلَم". فتلفَّت الناسُ بعضهم إِلى بعض، فقال عليّ: صدق، والله ليخرجن مما قال. فلما فرغ من صلاته قال له علي: ما شيءٌ سنح لك في خطبتك؟ قال: ما هو؟ قال: قولك: "يا سارية، الجبلَ الجبلَ، من استرعى الذئب ظلم" قال: وهل كان ذلك مني؟ قال: نعم، وجميع أَهل المسجد قد سمعوه. قال: إِنه وقع في خلَدِي أَن المشركين هَزَموا إِخواننا، فركبوا أَكتافهم، وأَنهم يمرون بجبل، فإِن عدلوا إِليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا، وأَن جاوزوا هلكوا، فخرج مني ما تزعم أَنك سمعته. قال: فجاءَ البَشِير بالفتح بعد شهر، فذكر أَنهُ سُمع في ذلك اليوم في تلك الساعة، حين جاوزوا الجبل صوت يشبه صوت عمر، يقول: "يا ساريةَ ابن حصن، الجبلَ الجبلَ" قال: فعدلنا إِليه، ففتح الله علينا.

قال: وحدثنا أَبو بكر، حدثنا دعْلَج بن أَحمد، حدثنا محمد بن يحيى بن المنذر، حدثنا أَبو عتاب سهل بن حماد، حدثنا المختار بن نافع، عن أَبي حَيَّان التَّيْمِي، عن أَبيه، عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "رحم الله أَبا بكر، زَوجني ابنته، وحملني إِلى دار الهجرة، وأَعتق بلالًا من ماله، رحم الله عمر، يقول الحق وإِن كان مرًّا، تركه الحق وماله من صديق"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 591 كتاب المناقب (50) باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه (20) حديث رقم 3714..

قال: وحدثنا أَبو بكر حدثنا أَحمد بن كامل، حدثنا أَبو إِسماعيل الترمذي، حدثنا إِسحاق بن سعيد الدمشقي، حدثنا سعيد بن بشير، عن حرب بن الخطاب، عن روح، عن أَبي سلمة، عن أَبي هريرة قال: إِن نبي الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "ركب رجل بقرة فقالت البقرة: "إِنا والله ما لهذا خلقنا! ما خلقنا إِلا للحراثة". فقال القوم: سبحان الله! فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "أَنا أَشهد، وأَبو بكر وعمر يشهدان، وليسا ثَمَّ" أخرجه الترمذي في السنن 5 / 575 كتاب المناقب (50) باب (17) حديث رقم 3677.(*)

قال: وحدثنا أَبو بكر، حدثنا محمد بن أَحمد بن إِبراهيم، حدثنا بكر بن سهل، حدثنا عبد الغني بن سعيد، حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، عن ابن جريج، عن عطاءٍ، عن ابن عباس قال: "قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِن الله عز وجل يباهي بالناس يوم عرفة عامة، ويباهي بعمر بن الخطاب خاصة"(*) أورده الهيثمي في الزوائد 9 / 73..

أَخبرنا أَبو الفضل عبد اللّه بن أَحمد الخطيب، أَنبأَنا أَبو محمد جعفر بن أَحمد بن الحسين السراج، أَنبأَنا الحسن بن أَحمد بن شاذان، أَنبأَنا عثمان بن أَحمد بن السماك، حدثنا أَحمد بن الخليل البُرْجُلاني، حدثنا أَبو النضر المسعودي، عن أَبي نهشل، عن أَبي وائل قال: قال عبد اللّه بن مسعود: فضل الناسَ عمرُ بن الخطاب بأَربع: بذكر الأَسرى يوم بدر، أَمر بقتلهم، فأَنزل الله تعالى: {لَّوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. وبذكر الحجاب، أَمر نِساءَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم أَن يَحْتَجِبْنَ، فقالت زينب: إِنك علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا، فأَنزل الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} وبدعوة النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "اللهم أَيِّد الإِسلام بعمر"، وبرأْيه في أَبي بكر(*) أخرجه أحمد في المسند 1 / 456، و الهيثمي في الزوائد9 / 70..

أَنبأَنا أَبو محمد، أَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو طالب علي بن عبد الرحمن، أَنبأَنا أَبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين، أَنبأَنا أَبو محمد بن النحاس، أَنبأَنا أَبو سعيد بن الأَعرابي، حدثنا الغَلاَبي ـــ وهومحمد بن زكريا ـــ حدثنا بشر بن حجر السامي، حدثنا حفص بن عمر الدارمي، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سويد بن غفلة قال: مررت بقوم من الشيعة يشتمون أَبا بكر وعمر، وينتقصونهما، فأَتيت علي بن أَبي طالب فقلت: يا أَمير المؤمنين إِني مررت بقوم من الشيعة يشتمون أَبا بكر وعمر وينتقصونهما، ولولا أَنهما يعلمون أَنك تضمر لهما على ذلك لما اجترأوا عليه! فقال علي: معاذ الله أَن أُضمر لهما إِلا على الجميل! أَلا لعنة الله على من يضمر لهما إِلا الحسن! ثم نهض دامع العين يبكي، فنادى: الصلاةَ جامعةً، فاجتمع الناس، وإِنه لعلى المنبر جالس، وإِن دموعه لتتحادر على لحيته، وهى بيضاء، ثم قام يخطب خطبة بليغة موجزة، ثم قال: "ما بالُ أَقوام يذكرون سَيِّدَيْ قريش وأَبوَي المسلمين بما أَنا عنه متنزه ومما يقولون بريءٌ، وعلى ما يقولون معاقب، فوالذي فلق الحبةَ وبرأَ النسمة لا يحبهما إِلا كل مؤمن تقي، ولا يُبْغِضهما إِلا كل فاجر غَوِيّ، أَخوا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وصاحباه ووزيراه..." الحديث.

قال: وأَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو الحسن علي بن أَحمد منصور الفقيه، حدثنا أَبو بكر الخطيب، حدثنا محمد بن أَحمد بن رزق، حدثنا أَحمد بن علي بن عبد الجبار بن خيرويه أَبو سهل الكَلْوَذَانِي، حدثنا محمد بن يونس القرشي، حدثنا روح بن عبادة، عن عوف عن قسامة بن زهير قال: وقف أَعرابي على عمر بن الخطاب فقال: [الرجز]

يَا عُمَرَ الْخَيرِ جُزِيتَ الْجَنَّةْ جَهِّزْ بُنَيَّاتِـي وَاكْسُهُنَّـهْ

أُقْسِمُ
بِـالله
لَتَفْعَلَنَّـهْ

قال: فإِن لم أَفعل يكون ماذا يا أَعرابي؟ قال: أَقْسِم باللّهِ لأَمْضِيَنَّه. قال: فإِن مَضَيتَ يكون ماذا يا أَعرابي؟ قال: [الرجز]

وَالله عَنْ حَالِي لَتُسْأَلَنَّهْ ثُمَّ تَكُونُ الْمَسْأَلاَتُ عَنَّهْ

وَالْوَاقِفُ الْمَسْؤُولُ بَيْنَهُنَّهْ إِمَّا إِلَى نَـارٍ وَإِمَّا جَنَّهْ

قال: فبكى عمر حتى اخضَلَّت لحيته بدموعه، ثم قال: يا غلام، اعطه قميصي هذا، لذلك اليوم لا لشعره، والله ما أَملك قميصًا غيره!.

وروى زيد بن أَسلم، عن أَبيه أَن عمر بن الخطاب طاف ليلة، فإِذا هو بامرأَة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون، وإِذا قدْر على النار قد ملأَتها ماء، فدنا عمر بن الخطاب من الباب، فقال: يا أَمة الله، أَيْشٍ بكاءُ هؤلاءِ الصبيان؟ فقالت: بكاؤُهم من الجوع. قال: فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت: قد جعلت فيها ماءً أُعَللِّهم بها حتى يناموا، أُوهمهم أَن فيها شيئًا من دقيق وسمن. فجلس عمر فبكى، ثم جاءَ إِلى دار الصدقة فأَخذ غرَارة، وجعل فيها شيئًا من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم، حتى ملأَ الغرارة، ثم قال: يا أَسلم، احمل عليّ. فقلت: يا أَمير المؤمنين، أَنا أَحمله عنك! فقال لي: لا أُمَّ لك يا أَسلم، أَنا أَحمله لأَني أَنا المسؤول عنهم في الآخرة ـــ قال: فحمله على عنقه حتى أَتى به منزل المرأَة ـــ قال: وأَخذ القدر، فجعل فيها شيئًا من دقيق وشيئًا من شحم وتمر، وجعل يحرك بيده وينفخ تحت القدر ـــ قال أَسلم: وكانت لحيته عظيمة، فرأَيت الدخان يخرج من خَلَل لحيته، حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا، ثم خرج وَرَبض بحذائهم كأَنه سَبْعٌ، وخفت منه أَن أَكلمه، فلم يزل كذلك حتى لعبوا وضحكوا، ثم قال: يا أَسلم، أَتدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت: لا، يا أَمير المؤمنين! قال: رأَيتهم يبكون، فكرهتُ أَن أَذهب وأَدعهم حتى أَراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي.

خِلَافَتُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ وَسِيْرَتُهُ

أَنبأَنا محمد بن محمد بن سرايا وغير واحد بإِسنادهم، عن محمد بن إِسماعيل قال: حدثنا محمد بن عبد اللّه بن نُمَير، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا عبيد اللّه، حدثني أَبو بكر بن سالم، عن سالم، عن عبد اللّه بن عمر: أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "رأَيت في المنام أَني أَنزع بدلو بَكْرَة على قليب، فجاءَ أَبو بكر فنزع ذُنوبًا أَو ذنوبين نزعًا ضعيفًا، والله يغفر له، ثم جاءَ عمر بن الخطاب فاستحالت غَرْبًا، فلم أَر عبقريًّا يفري فَرْيه، حتى رَوِيَ الناس، وضربوا بعَطَن"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 5 / 13، كتاب المناقب باب فضل عمر وأورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 32691.

وهذا لما فتح الله على عمر من البلاد، وحمل من الأَموال، وما غنمه المسلمون من الكفار.

وقد ورد في حديث آخر: "وإِن وليتموها ـــ يعني الخلافة ـــ تجدوه قويًا في الدنيا، قويًّا في أَمر الله"، وقد تقدّم.

قال أَحمد بن عثمان: أَنبأَنا أَبو رُشَيد، أنبأَنا أَبو مسعود سليمان، أَنبأَنا أَبو بكر بن مَرْدُويه الحافظ قال: حدّثنا سليمان بن أَحمد، حدّثنا هاشم بن مرثد، حدّثنا أَبو صالح الفراءُ، حدّثنا أَبو إِسحاق الفزاري، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كُهَيل، عن أَبي الزعراء ـــ أَو: عن زيد بن وهب ـــ أَن سويد بن غفلة الجُعْفي دخل على علي بن أَبي طالب في إِمارته فقال: يا أَمير المؤمنين، إِني مَرَرْتُ بنفر يذكرون أَبا بكر وعمر بغير الذي هُم أَهلٌ له من الإِسلام.. وذكر الحديث، قال: فلما حَضَرت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الوفاة قال: "مُرُوا أَبا بكر أَن يصلي بالناس" (*)، وهو يرى مكاني، فصلى بالناس سبعة أَيام في حياة رسول صَلَّى الله عليه وسلم، فلما قَبَضَ الله نبيه ارتدّ الناسُ عن الإِسلام، فقالوا: نصلي ولا نعطي الزكاة، فرضي أَصحابُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَبَى أَبو بكر منفردًا برأْيه، فرَجَحَ برأْيه رأْيهم جميعًا، وقال: "والله لو منعوني عَقَالًا ما فَرَض الله ورسوله لجاهدتهم عليه، كما أُجاهدهم على الصلاة". فأَعطى المسلمون البيعة طائعين، فكان أَوّل من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أَنا، فمضى رحمة الله عليه وترك الدنيا وهي مقبلة، فخرج منها سليمًا، فسار فينا بسيرة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لا ننكر من أَمره شيئًا، حتى حضرته الوفاة، فرأَى أَن عمر أَقوى عليها، ولو كانت محاباة لآثر بها ولده، واستشار المسلمين في ذلك، فمنهم من رضي، ومنهم من كره، وقالوا: أَتؤمر علينا من كان عَنَّانًا وأَنت حَيّ؟ فماذا تقول لربك إِذا قدمت عليه؟ قال: أَقول لربي إِذا قدمت عليه: إِلهي أَمَّرتُ عليهم خير أَهلك" فأَمَّر علينا عمر، فقام فينا بأَمر صاحبيه، لا ننكر منه شيئًا، نعرف فيه الزيادة كل يوم في الدين والدنيا، فتح الله به الأَرضين، ومَصَّرَ به الأَمصار، لا تأْخذه في الله لومة لائم، البعيد والقريب سواءٌ في العدل والحق، وضرب الله بالحق على لسانه وقلبه، حتى إِن كنا لنظن أَن السكينة تنطق على لسانه، وأَن ملكًا بين عينيه يُسَدِّده ويوفقه.. الحديث.

قال: وأَنبأَنا ابن مَرْدُويه، حدثنا عبد اللّه بن إِسحاق بن إِبراهيم، حدثنا أَحمد بن القاسم البزار، حدثنا يحيى بن مسعود، حدثني عبد اللّه بن محمد بن أَيوب، حدثني إِسماعيل بن عبد الرحمن الهاشمي، عن عبد خيْر، عن علي بن أَبي طالب قال: إِن الله جعل أَبا بكر وعمر حجة على من بعدهما من الولاة إِلى يوم القيامة، فسبقا والله سبقًا بعيدًا، وأَتعبا والله من بعدهما إِتعابًا شديدًا، فذِكْرُهما حُزنٌ للأُمة، وطَعْنٌ على الأَئمة.

أَنبأَنا عبد الوهاب بن هبة الله إِذنًا، أَنبأَنا أَبو بكر محمد بن عبد الباقي، أَنبأَنا الحسن ابن علي، أَنبأَنا أَبو عمر، أَنبأَنا أَبو الحسن، أَنبأَنا الحسين بن القَهْم، حدثنا محمد بن سعد، حدثنا محمد بن عمر، حدثني أَبو بكر بن عبد اللّه بن أَبي سبرة، عن عبد المجيد بن سُهَيل، عن أَبي سلمة بن عبد الرحمن (ح) قال: وأَخبرنا بَرَدان بن أَبي النضر، عن محمد ابن إِبراهيم بن الحارث التيمي، قال: وأَنبأَنا عمرو بن عبد اللّه بن عَنْبَسة، عن أَبي النضر، عن عبد اللّه البهي ـــ دخل حديث بعضهم في بعض ـــ أَن أَبا بكر الصدّيق لما مرض دعا عبد الرحمن ـــ يعني ابن عوف ـــ فقال له: أَخبرني عن عمر بن الخطاب. فقال عبد الرحمن: ما تسأَلني عن أَمر إِلا وأَنت أَعلم به مني! قال أَبو بكر: وإِن! فقال عبد الرحمن: هو والله أَفضل من رأْيك فيه. ثم دعا عثمان بن عفان فقال: أَخبرني عن عمر. فقال: أَنت أَخبرنا به! فقال: على ذلك يا أَبا عبد اللّه. فقال عثمان: اللهم عِلْمي به أَن سريرته خير من علانيته، وأَن ليس فينا مثله! فقال أَبو بكر يرحمك الله! والله لو تركتهُ ما عدوتك. وشاوَرَ معهما سعيد بن زيد أَبا الأَعور، وأَسيد بن حُضَير وغيرهما من المهاجرين والأَنصار، فقال أَسيد: "اللهم أَعلمه الخِيرَة بعدك، يرضى للرضى، ويسخط للسخط، الذي يُسِرّ خير من الذي يُعْلِن، ولن يَلِيَ هذا الأَمر أَحد أَقوى عليه منه"، وسَمِعَ بعضُ أَصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بدخول عبد الرحمن وعثمان على أَبي بكر وخَلْوتهما به، فدخلوا على أَبي بكر، فقال له قائل منهم: "ما أَنت قائل لربك إِذا سأَلك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته؟" فقال أَبو بكر: أَجلسوني، أَبالله تخوفونني؟ خاب من تزوّد من أَمركم بظلم، أَقول: "اللهم، استخلفت عليهم خير أَهلك، أَبْلِغْ عني ما قلت لك مَنْ وَرَاءَك" ثم اضطجع، ودعا عثمان بن عفان فقال: اكتب: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما عَهِد أَبو بكر بن أَبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أَوّل عهده بالآخرة داخلًا فيها، حيث يُؤمِنُ الكافر، ويُوقِنُ الفاجر، ويصدُقُ الكاذب؛ أَنني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأَطيعوا، وإِني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإِياكم خيرًا، فإِن عدل فذلك ظني به، وعلمي فيه، وإِن بَدّل فلكل امرئٍ ما اكتسب والخيرَ أَردت، ولا أَعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أَيّ منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله". ثم أَمر بالكتاب فختمه، ثم أَمره فخرج بالكتاب مختومًا ومعه عمر بن الخطاب، وأَسد بن سَعْيَة القُرَظي، فقال عثمان للناس: أَتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد علمنا به ـــ قال ابن سعد: على القائل ـــ وهو عمر، فأَقروا بذلك جميعًا ورضوا به وبايعوا، ثم دعا أَبو بكر عمر خاليًا فأَوصى بما أَوصاه به، ثم خرج فرفع أَبو بكر يديه مدًا، ثم قال: اللهم، إِني لم أُرِدْ بذلك إِلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم ما أَنت أَعلم به، واجتهدت لهم رأَيي، فولَّيت عليهم خيرهم وأَقواهم عليهم، وأَحرصهم على ما فيه رشدهم، وقد حضرني من أَمرك ما حضرني، فاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، وأَصلح لهم ولاتهم، واجعله من خلفائك الراشدين يَتَّبعْ هدي نبي الرحمة وهدي الصالحين بعده، وأَصلح له رعيته.(*)

وروى صالح بن كيسان، عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أَبيه: أَنه دخل على أَبي بكر في مرضه الذي توفي فيه فأَصابه مُفِيقًا، فقال له عبد الرحمن: أَصبحت بحمد الله بارئًا. فقال أَبو بكر: تُرَاه؟ قال: نعم. قال: إِني على ذلك لشديد الوجَع، وما لَقِيتُ منكم يا معشر المهاجرين أَشدّ عليّ من وجعي، إِني وَلَّيت أَمركم خيركم في نفسي، فكلكم وَرِم من ذلك أَنفُه، يريد أَن يكون الأَمر له، قد رأَيتم الدنيا قد أَقبلت ولَمَّا تُقبل، وهي مُقْبِلة حتى تتخذوا سُتور الحرير ونضائد الديباج، وتأَلموا من الاضطجاع على الصوف الأَذْرَبِيِّ، كما يأْلم أَحدكم أَن ينام على حَسَك السعدان.

أَنبأَنا أَبو محمد بن أَبي القاسم، أَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو القاسم بن السمرقندي، أَنبأَنا أَبو الحسين بن النَّقُّور، أَنبأَنا عيسى بن علي، أَنبأَنا أَبو القاسم البغوي، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أَبِي غَنِيَّة عن الصلت بن بهرام، عن يسار قال: لما ثقل أَبو بكر أَشرف على الناس من كُوَّة فقال: يا أَيها الناس، إِني قد عهدت عهدًا أَفترضون به؟ فقال الناس: قد رضينا يا خليفة رسول الله. فقال علي: لا نرضى إِلا أَن يكون عمر بن الخطاب.

أَنبأَنا أَبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صَصْري التغلبي، أَنبأَنا الشريف أَبو طالب علي بن حَيْدَرَة بن جعفر العلوي الحُسَيني وأَبو القاسم الحُسين بن الحسن بن محمد الأَسدي قالا: أَنبأَنا أَبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أَبي العلاءِ، أَنبأَنا أَبو محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم، أَنبأَنا أَبو الحسن خَيثمة بن سليمان بن حَيْدَرة، حدثنا سليمان بن عبد الحميد المهراني، أَنبأَنا عبد الغفار بن داود الحراني، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن سليمان بن أَبي خيثمة، عن جدّته الشفاء ـــ وكانت من المهاجرات الأَوَل ـــ وكان عمر إِذا دخل السوق أَتاها، قال: سأَلتها من أَوّل من كتب: "عمر أَمير المؤمنين"؟ قالت: كتب عمر إِلى عامله على العراقين: "أَن ابعث إِليّ برجلين جَلدين نبيلين، أَسأَلهما عن أَمر الناس"، قال: فبعث إِليه بعديّ بن حاتم، ولَبيد بن ربيعة، فأَناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، فاستقبلا عمرو بن العاص، فقالا: استأْذن لنا على أَمير المؤمنين. فقلت: أَنتما والله أَصبتما اسمه، وهو الأَمير، ونحن المؤمنون. فانطلقت حتى دخلت على عمر، فقلت: يا أَمير المؤمنين. فقال: لتخرجَنَّ مما قلت أَو لأَفعلن! قلت: يا أَمير المؤمنين، بعث عامل العراقين بعديّ بن حاتم ولبيد بن ربيعة، فأَناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم استقبلاني فقالا: استأْذن لنا على أَمير المؤمنين، فقلت: أَنتما والله أَصبتما، اسمه هو الأَمير، ونحن المؤمنون.

وكان قبل ذلك يكتب: "من عمر خليفة خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم"، فجرى الكتاب "من عمر أَمير المؤمنين" من ذلك اليوم.

وقيل: إِن عمر قال: إِن أَبا بكر كان يقال له "يا خليفة رسول الله"، ويقال لي: يا خليفة خليفة رسول الله، وهذا يطول، أَنتم المؤْمنون وأَنا أَميركم.

وقيل: إِن المغيرة بن شعبة قال له ذلك، والله أَعلم.

سِيْرَتُهُ

وأَما سيرته فإِنه فتح الفتوح ومَصَّر الأَمصار، ففتح العراق، والشام، ومصر، والجزيرة، وديار بكر، وأَرمينية، وأَذربيجان، وأَرانيه، وبلاد الجبال، وبلاد فارس، وخوزستان وغيرها.

وقد اختلف في خراسان، فقال بعضهم: فتحها عمر، ثم انتقضت بعده ففتحها عثمان. وقيل: إِنه لم يفتحها، وإِنما فتحت أَيام عثمان. وهو الصحيح.

وأَدرّ العطاءَ على الناس، ونَزَّل نفسه بمنزلة الأَجير وكآحاد المسلمين في بيت المال، ودَوّن الدواوين، ورَتَّب الناس على سابقتهم في العطاء والإِذن والإِكرام، فكان أَهل بدر أَوّل الناس دخولًا عليه، وكان عَلِيٌّ أَوّلهم. وكذلك فعل بالعطاءِ، وأَثبت أَسماءَهم في الديوان على قربهم من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فبدأَ ببني هاشم، والأَقرب فالأَقرب.

أَنبأَنا القاسم بن علي بن الحسن إِجازة، أَنبأَنا أَبي، أَنبأَتنا فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلويه قالت: أَنبأَنا أَبو بكر أَحمد بن الخطيب، أَنبأَنا أَبو بكر الحِيْرِي، أَنبأَنا أَبو العباس الأَصم، أَنبأَنا الرَّبيع قال: قال الشافعي: أَخبرني عمي محمد بن علي بن شافع، عن الثقة ـــ أَحسبه محمد بن علي بن الحسن أَو غيره ـــ عن مولى لعثمان بن عفان قال: بينا أَنا مع عثمان في مال له بالعالية في يوم صائف، إِذ رأَى رجلًا يسوق بَكْرَين، وعلى الأَرض مثل الفراش من الحر، فقال: ما على هذا لو أَقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح. ثم دنا الرجل فقال: انظر من هذا؟ فنظرت فقلت: أَرى رجلًا مُعْتَمًّا بردائه، يسوق بَكْرَين. ثمّ دنا الرجل فقال: انظر. فنظرت فإِذا عمر بن الخطاب، فقلت: هذا أَمير المؤمنين. فقام عثمان فأَخرج رأْسه من الباب فإِذا نَفْح السموم، فأَعاد رأسه حتى حاذاه، فقال: ما أَخرجك هذه الساعة؟ فقال: بكران من إِبل الصدقة تخلَّفا، وقد مُضِي بإِبل الصدقة، فأَردت أَن أُلْحِقَهما بالحِمَى، وخشيت أَن يضيعا، فيسأَلني الله عنهما. فقال عثمان: يا أَمير المؤمنين، هَلُمَّ إِلى الماءِ والظل ونكفيك. فقال: عُدْ إِلى ظلك. فقلت: عندنا من يكفيك! فقال: عد إِلى ظلك. فمضى، فقال عثمان: من أَحب أَن ينظر إِلى القوي الأَمين فلينظر إِلى هذا! فعاد إِلينا فأَلقى نفسه.

روى السَّرِيّ بن يحيى، حدثنا يحيى بن مصعب الكلبي، حدثنا عمر بن نافع الثقفي، عن أَبي بكر العبسي قال: دخلت حين الصدقة مع عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أَبي طالب، فجلس عثمان في الظل، وقام عليّ على رأْسه يملي عليه ما يقول عمر، وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر، عليه بردتان سوداوان، متزر بواحدة وقد وضع الأُخرى على رأْسه، وهو يتفقد إِبل الصدقة، فيكتب أَلوانها وأَسنانها. فقال علي لعثمان: أَما سمعت قول ابنة شعيب في كتاب الله عز وجل: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَويُّ الْأَمِينُ}، وأَشار علي بيده إِلى عمر، فقال: هذا هو القوي الأَمين.

أَنبأَنا غير واحد إِجازة، عن أَبي غالب بن البناءِ، أَنبأَنا أَبو علي الحسن بن محمد بن فهد العلاف، حدثنا أَبو الحسن محمد بن عبد اللّه بن محمد بن أَحمد بن حماد الموصلي، حدَّثنا أَبو الحسين محمد بن عثمان، حدثنا محمد بن أَحمد بن أَبي العوام، حدثنا موسى ابن داود الضبي، [[أَنبأَنا]] محمد بن صبيح، عن إِسماعيل بن زياد قال: مَرَّ علي بن أَبي طالب على المساجد في شهر رمضان، وفيها القناديل، فقال: نور الله على عُمَرَ قبره كما نور علينا مساجدنا.

وروى حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة، قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب إِلى مكة، فما ضرب فسطاطًا ولا خِباءً حتى رجع. وكان إِذا نزل يُلْقى له كساءٌ أَو نِطْع على الشجر، فيستظل به.

وروى موسى بن إِبراهيم المروزي، عن فضيل بن عياض، عن ليث، عن مجاهد قال:

أَنفق عمر بن الخطاب في حَجَّة حجها ثمانين درهمًا من المدينة إِلى مكَّة، ومن مكة إِلى المدينة، قال: ثمّ جعل يتأَسف ويضرب بيديه على الأُخرى، ويقول: ما أَخلقنا أَن نَكُونَ قد أَسرفنا في مال الله تعالى.

أَنبأَنا أَبو محمد بن أَبي القاسم إِذنًا، أَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو غالب بن البناء، أَنبأَنا أَبو محمد الجوهري، أَنبأَنا أَبو عمر بن حَيُّويه وأَبو بكر بن إِسماعيل قالا: أَنبأَنا يحيى بن محمد أَنبأَنا الحسين بن الحسن، أَنبأَنا ابن المبارك، عن مالك بن مِغْول: أَنه بلغه أَن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أَنفسكم قبل أَن تحاسبوا، فإِنه أَهون ـــ أَو قال: أَيسر ـــ لحسابكم، وزنوا أَنفسكم قبل أَن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأَكبر: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة/ 18].

وله في سيرته أَشياء عجيبة عظيمة، لا يستطيعها إِلا من وفقه الله تعالى، فرضي الله عنه وأَرضاه، بمنه وكرمه.

مَقْتَلُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ

أَنبأَنا أَبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن الشافعي، أَنبأَنا أَبو العشائر محمد بن خليل، أَنبأَنا أَبو القاسم علي بن محمد بن علي، أَنبأَنا أَبو محمد بن عبد الرحمن بن عثمان، أَنبأَنا أَبو الحسن خيثمة بن سليمان، حدثنا عبد اللّه بن الحسن الهاشمي، حدثنا عبد الأَعلى بن حماد، حدثنا يزيد بن زُرَيع، حدثنا سعيد بن أَبي عروبة، حدَّثنا قتادة، عن أَنس: أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم صعد أُحدًا ومعه أَبو بكر وعُمَر وعثمان، فرجَفَ، فضربه برجله وقال: "اثبت أُحد، فما عليك إِلا نبي وصديق وشهيدان"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 5 / 14 كتاب فضائل أصحاب النبي صَلَّى الله عليه وسلم وأبو داود في السنن 2 / 618 كتاب السنة باب ما جاء في الخلفاء حديث رقم 4651 والترمذي في السنن 5 / 583 كتاب المناقب (50) باب (19) حديث رقم 3697..

أَنبأَنا القاسم بن علي بن الحسن كتابة، أَنبأَنا أُبَي، أَنبأَنا أَبو محمد بن طاوس، أَنبأَنا طراد بن محمد ـــ وأَنبأَنا به عاليًا أَبو الفضل عبد اللّه بن أَحمد، أَنبأَنا طَرَّاد بن محمد إِجازة إِن لم يكن سماعًا، أَنبأَنا الحسين بن بشران، أَنبأَنا أَبو علي بن صفوان، أَنبأَنا أَبو بكر بن أَبي الدنيا، حدثنا أَبو خيثمة، حدثنا يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد بن المسيب: أَن عمر بن الخطاب لما نفر من مِنَى، أَناخ بالأَبطح، ثمّ كَوَّم كومة من البطحاءِ، فأَلقى عليها طرف ردائه، ثمّ استلقى ورفع يديه إِلى السماءِ، ثمّ قال: اللهم، كَبُرت سني، وضَعُفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إِليك غيرَ مُضَيَّع ولا مُفَرِّط! فما انْسلخ ذو الحجة حتى طعِن فمات.

أَنبأَنا أَبو محمد بن أَبي القاسم، أَنبأَنا أُبي، أَنبأَني أَبو محمد بن الأَكفاني، أَنبأَنا عبد العزيز الكناني، أَنبأَنا تمام بن محمد، وعبد الرحمن بن عثمان، وعقيل بن عبد اللّه ـــ قال: وأَخبرني أَبو محمد بن الأَكفاني، أَنبأَنا أَبو عبد اللّه محمد بن عقيل بن الكريزي، أَنبأَنا أَبو محمد بن أَبي نصر التميمي، أَنبأَنا أَحمد بن القاسم بن معروف، حدَّثنا أَبو زرعة، حدثنا أَبو اليمان، أَنبأَنا شعيب، عن الزهري، أَخبرني محمد بن جُبَيْر بن مطعم، عن جبير بن مطعم، قال: حججت مع عمر آخر حَجّة حجها، فبينا نحن واقفون على جبل عَرَفة، صَرخ رجل فقال: يا خليفة. فقال رجل من لهِبْ ـــ وهو حَيٌّ من أَزد شنوءَة يعتافون ـــ: ما لك؟ قطع الله لهجتك ـــ وقال عقيل: لهاتك ـــ والله لا يقف عمر على هذا الجبل بعد هذا العام أَبدًا. قال جبير: فوقعت بالرجل اللِّهْبيّ فشتمته، حتى إِذا كان الغد وقف عمر وهو يرمي الجمار، فجاءَت عمر حصاة عائرة من الحَصَى الذي يرمي به الناس، فوقعت في رأْسه، فَفَصَدَت عِرْقًا من رأْسه، فقال رجل: أُشْعِرَ أَمير المؤمنين ورَب الكعبة، لا يقف عمر على هذا الموقف أَبدًا بعد هذا العام ـــ قال جبير: فذهبت أَلتفت إِلى الرجل الذي قال ذلك، فإِذا هو اللِّهبي، الذي قال لعمر على جبل عرفة ما قال.

لِهْب: بكسر اللام، وسكون الهاءِ.

أَخبرنا أَبو الفضل بن أَبي الحسن الفقيه بإِسناده عن أَبي يعلى، حدَّثنا أَحمد بن إِبراهيم البكري، حدَّثنا شبابة بن سَوّار، حدَّثنا سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أَبي الجعد، عن معدان بن أَبي طلحة اليعمري قال: خطب عمر الناس، فقال: رأَيت كأَن ديكًا نَقَرني نقرة أو نقرتين، ولا أَدري ذلك إِلا لحضور أَجلي، فإِن عَجِلَ بي أَمر فإِن الخلافة شورى في هؤلاءِ الرهط الستة الذين توفي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.

وأَنبأَنا أَحمد بن عثمان، أَنبأَنا أَبو رُشَيد عبد الكريم بن أَحمد بن منصور، أَنبأَنا أَبو مسعود سليمان بن إِبراهيم، أَنبأَنا أَبو بكر بن مَرْدُويه، حدَّثنا عبد اللّه بن إِسحاق، حدَّثنا محمد بن الجهم السِّمَّري، حدَّثنا جعفر بن عون، أنبأَنا محمد بن بشر، عن مِسْعَر بن كدام، عن عبد الملك بن عمير، عن الصقر بن عبد اللّه، عن عروة، عن عائشة قالت: بكت الجن على عمر قبل أَن يموت بثلاث، فقالت: [الطويل]

أَبَعْدَ قَتِيلٍ
بِالْمَدِيْنَةِ أَصْبَحَتْ لَهُ الْأَرْضُ تَهْتَزُّ
العِضَاهُ بِأَسْوُقِ

جَزَى الْلَّهُ خَيْرًا مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ يَدُ الْلَّهِ فِي ذَاكَ الأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ

فَمَنْ يَسْعَ أَوْ يَرْكَبْ جَنَاحَي نَعَامَةٍ لِيُدْرِكَ مَا قَدَّمْتَ بِالْأَمْسِ يُسْبقِ

قَضَيْتَ أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَا بَوَائِقَ
فِي
أَكْمامِهَا
لَمْ
تُفَتَّقِ

فَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مَمَاتُهُ بِكَفَّيْ سَبَنْتَي أَخْضَرِ الْعَيْنِ مُطْرِقِ

قيل: إِن هذه الأَبيات للشماخ، أَو لأَخيه مُزَرَّد.

أَنبأَنا مسمار بن عُمَر بن العُوَيس النَّيَّار وأَبو عبد اللّه الحسين بن أَبي صالح بن فناخسرو وغيرهما بإِسنادهم إِلى محمد بن إِسماعيل: حدَّثنا موسى بن إِسماعيل، أَنبأَنا أَبو عَوَانة، عن حُصَين، عن عمرو بن ميمون قال: رأَيت عُمَر بن الخطاب قبل أَن يصاب بأَيام بالمدينة، وقف على حُذَيفة بن اليمان وعثمان بن حُنَيف قال: كيف فعلتما؟ أَتخافان أَن تكونا قد حمَّلتما الأَرض ما لا تُطِيق؟ قالا: حملناها أَمرًا هي له مُطِيقة، ما فيها كبير فضل. قال: انظرا أَن تكون حَمّلتما الأَرض ما لا تطيق: قالا: لا. فقال عمر: لئن سلمني الله لأَدعَنَّ أَرامل أَهل العراق لا يَحْتَجْن إِلى رجل بعدي أَبدًا ـــ قال: فما أَتت عليه إِلاَّ رابعة حتى أُصيب ـــ قال: إِني لقائم ما بيني وبينه إِلا عبد اللّه بن عبّاس غداة أُصيب، وكان إِذا مَرَّ بين الصَّفين قال: استووا، حتى إِذا لم ير فيهن خَلَلًا تقدَّم فكبَّر، وربما قرأَ بسورة "يوسف" أَو "النحل" أَو نحو ذلك في الركعة الأُولى، حتى يجتمع الناس، فما هو إِلا أَن كبَّر فسمعته يقول: قتلني ـــ أَو: أَكلني الكلب ـــ حين طعَنه، فطار العِلْج بسكين ذات طرفين، لاَ يَمُرّ على أَحد يمينًا وشمالًا إِلاَّ طعنه، حتى طَعَنَ ثلاثَةَ عَشَر رجلًا مات منهم سبعة، فلما رأَى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرْنُسًا، فلمّا ظنَّ العِلْجُ أَنَّه مأْخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدَّمه، فمن يلي عمر، فقد رأَى الذي أَرى، وأَما نواحي المسجد فإِنهم لا يدرون، غير أَنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون: "سبحان الله، سبحان الله" فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلمّا انصرفوا قال: يا [[ابن]] عباس، انظر من قتلني. فجال ساعة، ثم جاءَ المسجد فقال: غلام المغيرة بن شعبة. قال: الصَّنَع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله! لقد أَمرت به معروفًا! الحمد لله الذي لم يجعل مَنِيَّتي بيد رجل يَدَّعي الإِسلام، قد كنت أَنت وأَبوك تُحَبَّان أَن يكثر العُلوج بالمدينة ـــ وكان العبّاس أَكثرهم رقيقًا ـــ فقال: إِن شئت فعلت؟ أَي: إِن شئت قتلنا فقال: كذبت! بعدما تكلَّموا بلسانكم، وصلُّوا قبلتكم وحَجُّوا حجكمْ. واحتُمِل إِلى بيته، فانطلقا معه، وكَأَنَّ الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل يقول: لا بأْس وقائل يقول: أَخاف عليه. فأُتي بنبيذ فشَربه، فخرج من جوفه. ثمّ أُتي بلبن فشربه، فخرج من جوفة. فعرفوا أَنَّه ميت. فدخلنا عليه وجاءَ الناس يُثْنُون عليه، وجاءَ غلام شاب فقال: أَبشر ـــ يا أَمير المؤمنين ـــ ببشرى الله لك، من صحبة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقَدَمِ في الإِسلام ما قد علمت، ثمّ وَلِيتَ فعدَلْتَ، ثمّ شهادةٌ. قال: وَدِدْت أَن ذلك كَفَافًا، لا عليّ ولا لي. فلمّا أَدبرا إِذ إِزاره يَمَسّ الأَرض، قال: ردوا عليّ الغلام، قال: يا [[ابن]] أَخي، ارفع ثوبك فإِنه أَنقى لثوبك، وأَتْقى لربك، يا عبد اللّه بن عمر، انظر ما عَلَيَّ من الدَّين فحسَبُوه فوجدوه ستة وثمانين أَلفًا أَو نحوه ـــ قال: إِن وَفَى له مال آل عمر فأَده من أَموالهم، وإِلاَّ فَسَلْ في بَني عَدِيّ، فإِن لم تف أَموالهم فَسَلْ في قريش، ولا تَعْدهم إِلى غيرهم، فأَدِّ عني هذا المال، وانطلق إِلى عائشة أُمِّ المؤمنين فقل لها: يقرأُ عليك عُمَرُ السّلام ـــ ولا تقل "أَمير المؤمنين" فإِنِّي لست اليوم للمؤمنين أَميرًا ـــ وقل: يستأذن عمر بن الخطَّاب أَن يُدْفَن مع صاحبيْه. فَسَلم واستأذن، ثمّ دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأُ عليك عمرُ بن الخطَّاب السّلامَ، ويستأذن أَن يدفن مع صاحبيه. فقالت: كنت أُريده لنفسي، ولأَوثِرَنَّ به اليوم على نفسي. فلمّا أَقبل قيل: هذا عبد اللّه بن عمر قد جاءَ. قال: ارفعوني. فأَسنده رجل إِليه، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب، قد أَذنت. قال: الحمد لله، ما كان شيءٌ أَهم إِليّ من ذلك، فإِذا أَنا قبِضت فاحملوني، ثم سلِّم فقل: يستأْذن عمر بن الخطَّاب، فإِن أَذنت فأَدخلوني، وإِن ردَّتْني رُدُّوني إِلى مقابر المسلمين. وجاءَت أُم المؤمنين حفصة، والنساءُ تسير معها، فلمّا رأَيناها قمنا، فَوَلَجَت عليه فبكت عنده ساعة، واستأْذن الرجال، فوَلَجَت داخلًا لهم، فسمعنا بكاءَها من الدَّاخل، فقالوا: أَوْصِ يا أَمِيرَ المؤمنين. استخلف. قال: ما أَجدُ أَحقَّ بهذا الأَمر من هؤلاءِ النفر ـــ أَو: الرهط ـــ الذين تُوُفِّي رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. فسمَّى: عليًّا، وعثمان، والزُّبير، وطلحة، وسعدًا، وعبد الرحمن بن عوف، وقال: يَشْهَدُكم عبدُ اللّه بن عمر، وليس له من الأَمر شيءٌ كَهَيْئة التعزية له ـــ فإِذا أَصابت الإِمرةُ سعدًا فهو ذاك، وإِلاَّ فليستعن به أَيُّكم ما أُمِّر، فإِني لم أَعزله من عجز ولا خيانة... وذكر الحديث(*) أخرجه البخاري في الصحيح 5/ 19 ـــ 21 كتاب المناقب فضائل أصحاب النبي صَلَّى الله عليه وسلم باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقد تقدم في ترجمة عثمان بن عفان.

وروى سِمَاك بن حرب، عن ابن عباس أَن عمر قال لابنه عبد اللّه: خذ رأْسي عن الوسادة فضعه في التراب، لعَل الله يرحمني! وويلٌ لي وويلٌ لأُمي إِنْ لم يرحَمني الله عز وجل! فإِذا أَنا مِتَّ فاغمض عيني، واقصدوا في كَفَني، فإِنَّه إِن كان لي عند الله خير أَبدلني ما هو خير منه، وإِن كنت على غير ذلك سَلَبني فَأَسْرَعَ سَلْبي، وأَنشد: [الطويل]

ظَلُومٌ لِنَفْسِي غَيْرَ إِنِّي مُسْلِمٌ أُصَلِّي الصَّلاَةَ كُلَّهَا وَأَصُومُ

أَنبأَنا أَبو محمد، أَخبرنا أَبي، أَنبأَتنا أُم المجتبى العلوية، قالت: قرأَ علي إِبراهيم بن منصور، أَخبرنا أَبو محمد بن المقري، أَنبأَنا أَبو يعلى، أَنبأَنا أَبو عباد قطن بن نُسَير الغُبَري، أَنبأَنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت، عن أَبي رافع قال: كان أَبو لؤلؤةَ عبدًا للمغيرة بن شعبة، وكان يصنع الأَرحاءِ وكان المغيرةُ يستغله كُلَّ يوم أَربعة دراهم، فلقي أَبو لؤلؤة عُمر فقال: يا أَمير المؤمنين، إِن المغيرة قد أَثقلَ عَلَي غلتي، فكلِّمْه يخفف عني. فقال له عمر: اتق الله، وأَحسن إِلى مولاك ـــ ومن نِيّة عمر أَن يلقى المغيرة فيكلمه يخفف عنه، فغضب العبد وقال: وسع الناس كلَّهم عَدلُه غيري. فأَضمر على قتله، فاصطنع له خنْجَرًا له رأسان، وشَحَذَه وسَمَّه، ثم أَتى به الهرمزان فقال: كيف ترى هذا؟ قال: أَرى، أَنك لا تضرب به أَحدًا إِلا قتلته. قال: فَتَحيَّن أَبو لؤلؤة عمر، فجاءَه في صلاة الغَدَاة حتى قام وراءَ عمر ـــ وكان عمر إِذا أُقيمت الصلاة يقول: "أَقيموا صفوفكم"، فقال كما كان يقول، فلما كَبَّر ووَجَأَه أَبو لؤلؤة في كتفه، وَوَجَأَه في خاصرته، وقيل: ضربه ست ضربات، فسقط عمر، وطعن بخنْجَره ثلاثة عشر رَجُلًا، فهلك منهم سبعة وأَفرَقَ منهم ستة، وحُمَل عمر فَذهب به.(*) وقيل: إِن عمر قال لأَبي لؤلؤة: أَلا تصنع لنا رحًا؟ قال: بلى، أَصنع لك رَحًا يتحدث بها أَهل الأَنصار. ففزع عمر من كلمته، وعلِيٌّ معه، فقال علي: إِنه يَتَوَعَّدُك يا أَمير المؤمنين.

قال: وأَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو بكر محمد بن عبد الباقي، أَنبأَنا أَبو محمد الجوهري، أَنبأَنا أَبو عمر بن حَيويه، أَنبأَنا أَحمد بن معروف، أَنبأَنا الحُسَين بن محمد، حدثنا محمد بن سعد، أَنبأَنا عبيد اللّه بن موسى، عن إِسرائيل بن يونس، عن كثير النَّواء، عن أَبي عُبَيد، مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت مع علي فسمعنا الصيحة على عمر، قال: فقام وقمت معه، حتى دخلنا عليه البيت الذي هو فيه فقال: ما هذا الصوت؟ فقالت له امرأَة: سقاه الطبيب نبيذًَا فخرج، وسقاه لبنًا فخرج، وقال: لا أَرى أَن تمسي فما كنت فاعلًا فافعل. فقالت أُم كلثوم: واعُمَرا! وكان معها نسوة فبكين معها، وارتج البيت بكاء، فقال عمر: والله لو أَنَّ لي ما على الأَرض من شيءٍ لافتديت به من هول المطَّلع. فقال ابن عباس: والله إِني لأَرجو أَن لا تراها إِلا مقدار ما قال الله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم/ 71] إِن كنت ـــ ما علمنا ـــ لأَمير المؤمنين، وأَمين المؤمنين، وسيد المؤمنين، تقضي بكتاب الله، وتُقسمُ بالسَّوية. فأَعجبه قولي، فاستوى جالسًا فقال: أَتشهد لي بهذا يا ابن عباس؟ قال: فكففت، فضرب على كتفي فقال: اشهد. فقلت: نعم، أَنا أَشهد.

ولما قضي عمر رضي الله عنه، صلى عليه صُهيب، وكَبَّر عليه أَربعًا.

أَنبأَنا عبد الوهاب بن هبة الله بن أَبي حَبَّة بإِسناده عن عبد اللّه بن أَحمد قال: حدَّثني أَبي، أَنبأَنا علي بن إِسحاق، أَنبأَنا عبد اللّه، أَنبأَنا عمر بن سعيد بن أَبي حسين، عن ابن أَبي مليكة: أَنه سمع ابن عباس يقول: وضع عمر على سريره، فَتَكَنَّفهَ الناس يَدْعون ويصَلون قبل أَن يُرْفَع، وأَنا فيهم، فلم يَرُعْنِي، إِلا رجل قد أَخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت فإِذا هو علي بن أَبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أَحدًا أَحبُّ إِليَّ ألقى الله بمثل عمله منك وأَيم الله، إِن كنت لأَظن ليجعلنك الله مع صاحبيك، وذلك أَني كنت أُكثر أَن أَسمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أَنا وأَبو بكر وعمر، ودخلت أَنا وأَبو بكر وعمر، وخرجت أَنا وأَبو بكر وعمر. وإِن كنت أَظن ليجعلنك الله معهما أخرجه البخاري في الصحيح 5/ 14 كتاب فضائل أصحاب النبي صَلَّى الله عليه وسلم باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومسلم في الصحيح كتاب فضائل الصحابة باب (2) حديث رقم (14/ 2389)، وأحمد في المسند 1/ 12..

ولما توفي عمر صُلِّي عليه في المسجد، وحُمِل على سرير رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، غَسَّله ابنه عبد اللّه، ونزل في قبره ابنه عبد اللّه، وعثمان بن عفان، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف.

روى أَبو بكر بن إِسماعيل بن محمد بن سعد عن أَبيه أَنه قال: طعن عمر يوم الأَربعاءِ لأَربع ليال بقين من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين، ودفن يوم الأَحد صباح هلال المحرم سنة أَربع وعشرين، وكانت خلافته عشر سنين، وخمسة أَشهر، وأَحدًا وعشرين يومًا.

وقال عثمان بن محمد الأَحمسي: هذا وهم، توفي عمر لأَربع ليال بقين من ذي الحجة، وبيع عثمان يوم [[الإثنين]] لليلة بقيت من ذي الحجة.

وقال ابن قتيبة: ضربه أَبو لؤلؤة يوم [[الإثنين]] لأَربع بقين من ذي الحجة، ومكث ثلاثًا، وتوفي، فصلى عليه صُهَيب، وقبر مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَبي بكر.

وكانت خلافته عشر سنين، وستة أَشهر، وخمس ليال، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقيل: كان عمره خمسًا وخمسين سنة، والأَول أَصح ما قيل في عمر.

أَنبأَنا أَحمد بن عثمان بن أَبي علي، والحسين بن يوحن بن أَتويه بن النعمان الباوَرْدي قالا: حدثنا الفضل بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الرحمن البيلي الأَصبهاني، أَخبرنا أَبو القاسم أَحمد بن منصور الخليلي البلخي، أَنبأَنا أَبو القاسم علي بن أَحمد بن محمد الخزاعي، أَنبأَنا أَبو سعيد الهيثم بن كليب بن شريح بن معقل الشاشي، أَنبأَنا أَبو عيسى الترمذي، قال: حَدَّثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أَبي إِسحاق، عن عامر بن سعد، عن جرير، عن معاوية أَنه سمعه يخطب قال: مات رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة، وأَبو بكر وعمر وأَنا ابن ثلاث وستين سنة أخرجه الترمذي في السنن 5/ 565 كتاب المناقب (50) باب (13) حديث رقم 3654 وأحمد في المسند 4 / 97، 100..

وقال قتادة: طُعن عمر يوم الأَربعاء، ومات يوم الخميس.

وكان عمر أَعْسَرَ يَسَر: يعمل بيديه. وكان أَصلع طويلًا، قد فَرَعَ الناس، كأَنه على دابة.

قال الواقدي: كان عمر أَبيض أَمهق، تعلوه حمرة، يُصَفِّر لحيته، وإِنما تغير لونه عام الرمادة لأَنه أَكثر أَكل الزيت، لأَنه حرم على نفسه السمن واللبن حتى يخصب الناس فتغير لونه.

وقال سماك: كان عمر أَروح كأَنه راكب، وكأَنه من رجال بني سدوس. والأَروح: الذي يتدانى قدماه إِذا مشي.

وقال زر بن حبيش: كان عمر أَعسر يَسَر، آدم.

وقال الواقدي: لا يعرف عندنا أَن عمر كان آدم إِلا أَن يكون رآه عام الرمادة.

قال أَبو عمر: وصفه زر بن حبيش وغيره أَنه كان آدم شديد الأَدَمة، وهو الأَكثر عند أَهل العلم.

وقال أَنس: كان عمر يخضب بالحناء بحتًا.

وهو أَوّل من اتَّخَذَ الدِّرَّة، وأَوّل من جمع الناس على قيام رمضان، وهو أَوّل من سُمِّي "أَمير المؤمنين"، وأَكثر الشعراء مراثيه، فمن ذلك قول حسان بن ثابت الأَنصاري: [المنسرح]

ثَلَاثَةٌ
بَرَّزُوَا
بِفَضْلِهُمُ نَضَّرَهُمْ
رَبُّهُمْ
إِذَا
نُشِــرُوا

فَلَيْسَ مِنْ مُؤمِنٍ لَهُ بَصَرٌ يُنْكِرُ
تَفْضِيلَهُمْ
إِذَا
ذُكــِـرُوا

عَاشُوا بِلَا فُرْقَةٍ ثَلَاثَتُهُمْ وَاجْتَمَعُوا فِي الْمَمَاتِ إِذ قُبـِـرُوا

وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت زوج عمر بن الخطاب: [الخفيف]

عَيْنُ
جُودِي
بِعَبْرَةٍ
ونَحِيبِ لاَ تَمَلِّي عَلَى الْإِمَامِ
الْنَّجِيبِ

فَجَعَتْنِي
الْمَنُونُ
بِالْفَارِسِ
الْـ مُعْلَمِ
يَوْمَ
الْهِيَاجِ
وَالْتَّلْبِيْبِ

عِصْمَةُ الْنَّاسِ وَالْمُعِينُ عَلَى الْـ دَّهْرِ وَغَيْثُ الْمُنْتَابِ وَالْمَحْرُوبِ

رَزَاح: بفتح الراء، والزاي.
(< جـ4/ص 137>)
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال