تسجيل الدخول


سلمان أبو عبد الله الفارسي

1 من 1
سَلْمَانُ الفَارِسيُّ

(ب د ع) سَلْمَانُ الفَارِسيّ، أَبو عبد اللّه، ويعرف بسلمان الخير، مولى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وسئل عن نسبه فقال: أَنا سلمان ابن الإِسلام. أَصله من فارس، من رامَهُرْمز، وقيل إِنه من جَيّ، وهي مدينة أَصفهان، وكان اسمه قبل الإِسلام مابه بن بوذخشان بن مورسلان بن بهبوذان بن فيروز بن سهرك، من ولد آب الملك.

وكان ببلاد فارس مجوسيًا سَادنَ النار، وكان سبب إِسلامه ما أَخبرنا أَبو المكارم منصور بن مكارم بن أَحمد بن سعد المؤدب، أَخبرنا أَبو القاسم نصر بن محمد بن صفوان المعدل، أَخبرنا أَبو البركات سعد بن محمد بن إِدريس، والخطيب أَبو الفضائل الحسن بن هبة الله، قالا: أَخبرنا أَبو الفرج محمد بن إِدريس بن محمد بن إِدريس، أَخبرنا أَبو منصور المظفر بن محمد الطوسي، أَخبرنا أَبو زكرياءَ يزيد بن محمد بن إِياس بن القاسم الأَزدي الموصلي، أَخبرنا علي بن جابر، أَخبرنا يوسف بن بهلول، أَخبرنا عبد اللّه بن إِدريس، حدثنا محمد بن إِسحاق (ح) قال أَبو زكرياءَ: وأَخبرنا عمران بن موسى، أَخبرنا جعفر بن محمد الثقفي، أَخبرنا زياد بن عبد اللّه البكائي، عن ابن إِسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لَبِيد، عن ابن عباس (ح) قال أَبو زكرياءَ: وحدثنا عبد اللّه بن غنام ابن حفص بن غياث، وأَخبرنا نُمير، أَخبرنا يونس، عن ابن إِسحاق، عن عاصم بن عمر ابن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس، قال: حدثني سلمان قال: كنت رجلًا من أَهل فارس من أَصبهان، من جَيّ، ابن رجل من دهاقينها ـــ وفي حديث ابن إِدريس: وكان أَبي دِهْقان أَرضه، وكنت أَحبَّ الخلق إِليه ـــ وفي حديث البكائي: أَحب عباد الله إِليه، فأَجلسني في البيت كالجواري، فاجتهدت في الفارسية ـــ وفي حديث علي بن جابر: في المجوسية ـــ فكنت في النار التي تُوقد فلا تَخْبو، كان أَبي صاحب ضيعة، وكان له بناءٌ يعالجه ـــ زاد ابنُ إِدريس في حديثه: في داره ـــ فقال لي يومًا: يا بني، قد شغلني ما ترى فانطلق إِلى الضيعة، ولا تَحْتَبِسْ فتشغلني عن كل ضيعة بهَمِّي بك، فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون، فمِلْت إِليهم وأَعجبني أَمرهم، وقلت ـــ هذا والله خير من ديننا. فأَقمت عندهم حتى غابت الشمس، لا أَنا أَتيت الضيعة، ولا رجعت إِليه، فاستبطأَني وبعث رُسُلًا في طلبي، وقد قلت للنصارى حين أَعجبني أَمرهم: أَين أَصْلُ هذا الدين؟ قالوا: بالشام.

فرجعت إِلى والدي، فقال: يا بني، قد بعثت إِليك رسلًا، فقلت: مررت بقوم يصلون في كنيسة، فأَعجبني ما رأَيت من أَمرهم، وعلمت أَن دينهم خير من ديننا. فقال: يا بني، دينك ودينُ آبائك خيرٌ من دينهم، فقلت: كلا والله. فخافني وقيّدني.

فبعثت إِلى النصارى وأَعلمتهم ما وافقني من أَمرهم، وسأَلتهم إِعلامي من يريد الشام، ففعلوا. فأَلقيت الحديد من رجلي، وخرجت معهم، حتى أَتيت الشام، فسأَلتهم عن عالمهم، فقالوا: الأُسْقُفُّ، فأَتيته، فأَخبرته، وقلت: أَكون معك أَخدمك وأُصلي معك؟ قال: أَقم. فمكثت مع رجل سَوْءٍ في دينه، كان يأمرهم بالصدقة، فإذا أعطوه شيئًا أمسكه لنفسه، حتى جمع سَبْع قلال مملوءة ذهبًا ووَرِقًا، فتوفي، فأَخبرتهم بخبره، فزبَرُوني، فدللتهم على ماله فصلبوه، ولم يُغَيِّبُوه ورجموه، وأَحلُّوا مكانه رجلًا فاضلًا في دينه زُهْدًا ورغبة في الآخرة وصلاحًا، فأَلقى الله حُبَّه في قلبي، حتى حضرته الوفاة، فقلت: أَوصني، فذكر رجلًا بالموصل، وكنا على أَمر واحد حتى هلك.

فأَتيت الموصل، فلقيت الرجل، فأَخبرته بخبري، وأَن فلانًا أَمرني بإِتيانك، فقال: أَقم. فوجدته على سبيله وأَمره حتى حضرته الوفاة، فقلت له: أَوصني، فقال: ما أَعرف أَحدًا على ما نحن عليه إِلا رجلًا بعَمُّورية.

فأَتيته بعَمُّورية، فأَخبرته بخبري، فأَمرني بالمقام وثاب لي شيء، واتخذت غُنَيْمَة وبُقَيْرات، فحضرته الوفاة فقلت: إِلى من توصي بي؟ فقال: لا أَعلم أَحدًا اليوم على مثل ما كنا عليه، ولكن قد أَظَلَّكَ نبي يُبْعث بدين إِبراهيم الحَنِيفيّة، مُهَاجَرُه بأَرض ذات نَخْل، وبه آيات وعلامات لا تخفى، بين منْكَبَيه خاتم النبوّة، يأْكل الهدية ولا يأْكل الصدقة، فإِن استطعت فتخلص إِليه. فتوفي.

فمرّ بي ركب من العرب، من كلب، فقلت: أَصحبكم وأَعطيكم بقراتي وغنمي هذه، وتحملوني إِلى بلادكم؟ فحملوني إِلى وادي القرى، فباعوني من رجل من اليهود، فرأَيت النخل، فعلمت أَنه البلد الذي وُصف لي، فأَقمت عند الذي اشتراني، وقدم عليه رجل من بني قُرَيظة فاشتراني منه، وقدم بي المدينة، فعرفتها بصفتها، فأَقمت معه أَعمل في نخله، وبعث الله نبيه صَلَّى الله عليه وسلم، وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة، فنزل في بني عمرو بن عَوْف، فإِني لفي رأْس نَخْلة إِذ أَقبل ابن عم لصاحبي، فقال: أَي فلان، قاتل الله بني قَيْلة، مررت بهم آنفًا وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة، يزعم أَنه نبي، فوالذي ما هو إِلا أَن سمعتها، فأَخذني القُرُّ ورَجَفَتْ بي النخلة، حتى كدْت أَن أَسقط، ونزلت سريعًا، فقلت: ما هذا الخبر؟ فلكمني صاحبي لكمة، وقال: وما أَنت وذاك؟ أَقْبل على شأْنك. فأَقبلت على عملي حتى أَمسيت، فجمعت شيئًا فأَتيته به، وهو بقباءَ عند أَصحابه، فقلت: اجتمع عندي، أَردت أَن أَتصدق به، فبلغني أَنك رجل صالح، ومعك رجال من أَصحابك ذَوُو حاجة، فرأَيتكم أَحق به، فوضعته بين يديه، فكف يديه، وقال لأَصحابه: "كلوا". فأَكلوا، فقلت: هذه واحدة، ورجعت.

وتحوّل إِلى المدينة، فجمعت شيئًا فأَتيته به، فقلت: أَحببت كرامتك فأَهديت لك هدية، وليست بصدقة، فمدَّ يده فأَكل، وأَكل أَصحابه، فقلت: هاتان اثنتان، ورجعت.

فأَتيته وقد تَبِع جنازة في بقيع الغَرْقد، وحوله أَصحابه، فسلمت، وتحولت أَنظر إِلى الخاتم في ظهره، فعلم ما أَردت، فأَلقى رداءَه، فرأَيت الخاتم، فقبلته، وبكيت، فأَجلسني بين يديه، فحدثته بشأَني كلِّه كما حدثتُك يا ابن عباس، فأَعجبه ذلك، وأَحب أَن يسمعه أَصحابه، ففاتني معه بَدْر وأُحُد بالرِّق، فقال لي: "كاتب يا سلمان عن نفسك"، فلم أَزل بصاحبي حتى كاتَبْتُه، على أَن أَغِرس له ثلاثمائة وَدِيَّة وعلى أَربعين أُوقية من ذهب، فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "أَعِينُوا أَخَاكُمْ بِالنَّخْلِ" (*) أحمد في المسند 5/ 443 والطبراني 6/ 276 والبيهقي في الدلائل 1/ 89 وذكره الزيلعي في نصب الراية 4/ 281.، فأَعانوني بالخَمْس والعَشْر، حتى اجتمع لي، فقال لي: "فقِّر لها ولا تضع منها شيئًا حتى أَضعه بيدي"، ففعلت، فأَعانني أَصحابي حتى فرغت، فأَتيته، فكنت آتيه بالنخلة فيضعها، ويسوي عليها ترابًا، فأَنصرف، والذي بعثه بالحق فما ماتت منها واحدة، وبقي الذهب، فبينما هو قاعد إِذ أَتاه رجل من أَصحابه بمثل البيضة، من ذهب أَصابه من بعض المعادن فقال: "ادع سلمان المسكين الفارسي المكاتب"، فقال: "أَدِّ هذه"، فقلت: يا رسول الله، وأَين تقع هذه مما عَلَيَّ؟ (*)وروى أَبو الطفيل، عن سلمان، قال: أَعانني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ببيضة من ذهب، فلو وزنت بأَحد لكانت أَثقل منه.

وقيل: إِنه لقي بعض الحواريين، وقيل: إِنه أَسلم بمكة، وليس بشيء.

وأَول مشاهده مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الخندق، ولم يتخلف عن مشهد بعد الخندق، وآخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بينه، وبين أَبي الدرداء.

أَخبرنا عبد اللّه بن أَحمد بن عبد القاهر، قال: أَخبرنا أَبو محمد جعفر بن أَحمد القاري، أَخبرنا الحسن بن أَحمد بن شاذان، أَخبرنا أَحمد بن عثمان بن أَحمد بن السماك، أَخبرنا يحيى بن جعفر، أَخبرنا حماد بن مسعدة، أَخبرنا ابن أَبي ذئب، عن سعيد بن أَبي سعيد، عن عبد اللّه بن وديعة، عن سلمان الفارسي أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَتَطَهَّرَ مِمَّا اسْتَطَاعَ مِنَ الطُّهْرِ، ثُمَّ ادّهَنَ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ أَنْصَتَ، غَفَرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى"(*) أخرجه أحمد في المسند 3/ 81، 5/ 420 والبيهقي في السنن 3/ 232..

رواه آدم بن أَبي إِياس، عن ابن أَبي ذئب، عن سعيد، عن أَبيه، عن ابن وديعة، عن سلمان.

ورواه ابن عجلان، عن سعيد، عن أَبيه، عن ابن وديعة، عن أَبي ذرِّ.

وأَخبرنا إِبراهيم بن محمد بن مهران، وإِسماعيل بن علي بن عبيد اللّه، وأَبو جعفر عبيد اللّه بن أَحمد بن علي بإِسنادهم إِلى محمد بن عيسى السلمي، قال: حدثنا سفيان ابن وكيع، أَخبرنا أَبي، عن الحسن بن صالح، عن أَبي ربيعة الإِيادي، عن الحسن، عن أَنس ابن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِنَّ الجَنَّةَ تَشْتَاقُ إِلَى ثَلَاثَةٍ: عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَسَلْمَانَ" (*) ذكره التبريزي في المشكاة حديث 6225 وكنز العمال حديث 33112..

وكان سلمان من خيار الصحابة وزهَّادهم وفضلائهم، وذوي القُرْب من رسول الله؛ قالت عائشة: كان لسلمان مَجْلِس من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بالليل، حتى كاد يغلبنا على رسول الله.

وسئل علي عن سلمان، فقال: عَلِم العِلْم الأَول والعلم الآخر، وهو بحر لا يَنْزِف، وهو منا أَهلَ البيت.

وكان رسول الله قد آخى بين سلمان وأَبي الدرداء، وسكن أَبو الدرداء الشام، وسكن سلمان العراق، فكتب أَبو الدرداء إِلى سلمان: سلام عليك، أَما بعد، فإِن الله رزقني بعدك مالًا وولدًا، ونزلت الأَرض المقدسة. فكتب إِليه سلمان: سلام عليكم، أَما بعد، فإِنك كتبت إِليّ أَن الله رزقك مالًا وولدًا، فاعلم أَن الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكن الخير أَن يكثر حلمك، وأَن ينفعك علمك، وكتبت إِلي أَنك نزلت الأَرض المقدسة، وإِن الأَرض لا تَعْمل لأحَد، اعمل كأَنك ترى، واعدد نفسك من الموتى.

وقال حذيفة لسلمان: أَلا نبني لك بيتًا؟ قال: لِمَ؟ لتجعلني مالكًا، وتجعل لي دارًا مثل بيتك الذي بالمدائن، قال: لا، ولكن نبني لك بيتًا من قصب ونُسَقِّفُه بالبَرْدي، إِذا قمت كاد أَن يصيب رأْسك، وإِذا نمت كاد أَن يصيب طرفيك، قال: فكأَنك كنت في نفسي.

وكان عطاؤُه خمسة آلاف، فإِذا خرج عطاؤه فرقه، وأَكل من كسب يده وكان يَسُفُّ الخوص.

وهو الذي أَشار على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بحفر الخندق لما جاءَت الأَحزاب، فلما أَمر رسول الله بحفره احتج المهاجرون والأَنصار في سلمان، وكان رجلًا قويًا، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقال الأَنصار: سلمان منا، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ"(*) أخرجه الطبراني 6/ 261، والحاكم 3/ 598..

وروى عنه ابن عباس، وأَنس، وعقبة بن عامر، وأَبو سعيد، وكعب بن عُجْرة، وأَبو عثمان النهدي، وشرحبيل بن السِّمط، وغيرهم.

أَخبرنا أَبو منصور بن السِّيحي، أَخبرنا أَبو البركات محمد بن محمد بن خميس. أَخبرنا أَبو نصر بن طوق، أَخبرنا أَبو القاسم بن المرجي، أَخبرنا أَبو يعلى الموصلي، أَخبرنا محمد ابن الصباح، حدثنا جرير، عن منصور عن إِبراهيم، عن علقمة، عن قَرْثَع الضَّبِّي، عن سلمان الفارسي، قال: قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ الجُمُعَةِ"؟ قال: قلت: الله ورسوله أَعلم، قال: "هُوَ الَّذِي جَمَعَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِيه أَبَاكُمْ، أَوْ أَبَاكَ، آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَتَطَهَّرُ يَوْمَ الجُمُعَةِ ثُمَّ يَأْتِي الجُمُعَةَ لَا يَتَكَلَّمُ، حَتَّى يَقْضِيَ الإِمَامُ صَلَاتَهُ إِلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا"(*) ذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 216..

وتوفي سنة خمس وثلاثين، في آخر خلافة عثمان، وقيل: أَول سنة ست وثلاثين، وقيل: توفي في خلافة عُمَر، والأَول أَكثر.

قال العباس بن يزيد: قال أَهل العلم: عاش سلمان ثلثمائة وخمسين سنة. فأَما مائتان وخمسون فلا يشكون فيه.

قال أَبو نعيم: كان سلمان من المُعَمَّرين، يقال: إِنه أَدرك عيسى بن مريم!! وقرأَ الكتابين، وكان له ثلاث بنات: بنت بأَصبهان، وزعم جماعة أَنهم من ولدها، وابنتان بمصر.

أَخرجه الثلاثة.
(< جـ2/ص 510>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال