الرئيسية
الصحابة
فضائل
مواقف إيمانية
كرامات
الأوائل
الأنساب
الغزوات
فوائد
مسابقات
تسجيل الدخول
البريد الالكتروني :
كلمة المرور :
تسجيل
تسجيل مشترك جديد
المصادر
مختصر
موجز ما ذكر عنه في الكتب الأربعة
تفصيل ما ذكر عنه في الكتب الأربعة
ما ذكر عنه في الطبقات الكبير
ما ذكر عنه في الاستيعاب في معرفة الأصحاب
ما ذكر عنه في أسد الغابة
ما ذكر عنه في الإصابة في تميز الصحابة
مواقفه الإيمانية
الزهد
الخوف
التواضع
الانفاق في سبيل الله
العلم
الورع
الصبر
مواقف أخرى
طرف من كلامه
سلمان أبو عبد الله الفارسي
سَلْمانُ الفارسي:
ذكر ابن منده أن اسمه مابِه بن بود، وقيل بهبود، وقيل: اسمه مابه بن بوذخشان بن مورسلان، من ولد آب الملك، ويقال: مولى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ويعرف بسلمان الخير، كان أصلُه من فارس من رام هرمز، من قرية يقال لها: جيء، وكان إذا قيل له: ابنُ من أنت؟ قال: أنا سليمان ابن الإسلام، من بني آدم، وروى أبو قرة الكنديِّ، عن سلمان الفارسيّ قال: كنْتُ من أبناء أساورة فارس، وكان يُكنى أبا عبد الله، وكان له ثلاث بنات: بنت بأَصبهان، وابنتان بمصر.
روى ابن عبّاس قال: حدّثني سلمان الفارسي حديثه مِنْ فِيْهِ قال: كنتُ رجلًا من أهل أصبهان من قرية يقال لها: جَيّ، وكان أبي دِهْقَانَ أرضه، وكنتُ من أحبّ عباد الله إليه، فما زال في حُبّه إيـّايّ حتى حَبَسَني في البيت كما تُحبس الجارية، قال فاجتهدتُ في المجوسيّة حتى كنتُ قاطن النار التي نوقدُها لا نتركها تخبو، وكانت لأبي ضيعة في بعض عمله، وكان يعالج بُنْيانًا له في داره فدعاني فقال: أي بُنَيّ! إنّه قد شغلني بُنْياني كما ترى، فانْطَلقْ إلى ضيعتي فلا تحتبس عليّ، فإنّك إن فعلتَ شَغلتَني عن كل ضيعة وكنتَ أهمّ عندي مما أنا فيه، فخرجتُ فمررتُ بكنيسة للنصارى فسمعتُ صلاتهم فيها فدخلتُ عليهم أنظر ما يصنعون فلم أزل عندهم، وأعجبني ما رأيتُ من صلاتهم وقلتُ في نفسي: هذا خير من ديننا الّذي نحن عليه، فما بَرحْتُهم حتى غابت الشمس، وما ذهبتُ إلى ضيعة أبي ولا رجعتُ إليه حتى بَعَثَ الطّلَبَ في أثَري، وقد قلتُ للنصارى حين أعجبني ما رأيت من أمرهم وصلاتهم: أين أَصْلُ هذا الدين؟ قالوا: بالشأم، قال: ثمّ خرجتُ فرجعتُ إلى أبي فقال: أيّ بُنيّ أين كنتَ؟ قد كنتُ عهدتُ إليك وتقدّمتُ ألا تحتبس، قال: قلتُ: إني مررتُ على ناسٍ يصلّون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيتُ من أمرهم وصلاتهم ورأيتُ أنّ دينهم خير من ديننا، قال: فقال لي: أَيْ بنيّ! دينك ودين آبائك خير من دينهم، قال: قلتُ: كلاّ والله! قال فخافني فجعل في رجلي حديدًا وحبسني، وأرسلتُ إلى النصارى أخبرهم أني قد رضيتُ أمرهم وقلتُ لهم: إذا قَدِمَ عليكم رَكْبٌ من الشأم فآذنوني، فقدم عليهم ركب منهم من التجّار فأرسلوا إليّ فأرسلت إليهم: إن أرادوا الرّجوع فآذنوني، فلمّا أرادوا الرّجوع أرسلوا إليّ فرميتُ بالحديد من رجلي، ثمّ خرجتُ فانطلقتُ معهم إلى الشأم، فلمّا قدمتُ سألتُ عن عالمهم فقيل لي: صاحب الكنيسة أُسْقُفهم، قال: فأتيتُه فأخبرتُه خبري وقلتُ: إني أُحبّ أن أكون معك أخدمك، وأصلّي معك، وأتعلّم منك فإنّي قد رغبتُ في دينك، قال: أقِمْ، فكنتُ معه، وكان رجل سَوْءٍ في دينه، وكان يأمرهم بالصدقة ويرغّبهم فيها، فإذا جمعوا إليه الأموال اكتنزها لنفسه حتى جمع سبع قِلال دنانير ودراهم، ثمّ مات فاجتمعوا ليدفنوه، قال: قلتُ: تعلمون أنّ صاحبكم هذا كان رجل سَوء، فأخبرتهم ما كان يصنع في صدقتهم، قال: فقالوا: فما علامة ذلك؟ قال: قلتُ: أنا أدلّكم على ذلك، فأخرجتُه فإذا سبع قِلال مملوءةٍ ذهبًا ووَرِقًا، فلمّا رأوها قالوا: والله لا نـُغَيّبُه أبدًا، ثمّ صلبوه على خشبة ورجموه بالحجارة وجاؤوا بآخر فجعلوه مكانه، قال سلمان: فما رأيتُ رجلًا لا يصلّي الخـَمْسَ كان خيرًا منه وأعظم رغبةً في الآخرة ولا أزهد في الدنيا ولا أدأب ليلًا ولا نهارًا منه، وأحببتُه حبًّا ما علمتُ أني أحببتُ شيئًا كان قبله، فلمّا حضره قَدَرُهُ قلتُ له: إنّه قد حضرك من أمْر الله ما ترى، فماذا تأمرني وإلى مَن توصي بي؟ قال: أيْ بُنيّ ما أرى أحدًا من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلًا بالموصل، فأما الناس فقد بدّلوا وهلكوا، فلمّا توفّي أتيتُ صاحبَ الموصل فأخبرته بعهده إليّ أن ألحَقَ به وأكون معه، قال: أقِمْ، فأقمتُ معه ما شاء الله أن أقيمَ على مثل ما كان عليه صاحبه، ثمّ حضَرَتْه الوفاةُ فقلتُ: إنّه قد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى مَن توصي بي؟ قال: أي بُنيّ والله ما أعلم أحدًا على أمرنا إلا رجلًا بنَصيبين وهو فلان فالحَقْ به، قال: فأتيتُ على رجل على مثل ما كان عليه صاحباه فأخبرتُه خبري فأقمتُ معه ما شاء الله أن أقيم، فلمّا حضرته الوفاةُ قلت له: إنّ فلانًا كان أوصى بي إلى فلان وفلان إلى فلان وفلان إليك، فإلى مَن توصي بي؟ قال: أي بنيّ والله ما أعلم أحدًا من الناس على ما نحن عليه إلا رجلًا بعَمّورِيَة من أرض الروم فإن استطعتَ أن تلحق به فالحق، فلمّا توفّي لحقتُ بصاحب عمّورية فأخبرتُه خبري وخبر من أوصى بي حتى انتهيتُ إليه فقال: أقِمْ، فأقمتُ عنده فوجدتُه على مثل ما كان عليه أصحابه، فمكثتُ عنده ما شاء الله أن أمكث وثاب لي شيء حتى اتّخذت بقرات وغُنيمةً، ثمّ حضرته الوفاة فقلتُ له: إلى من توصي بي؟ فقال لي: أي بني، والله ما أعلم أنه أصبح في الأرض أحدٌ على مثل ما كنّا عليه آمُرُكَ أن تأتيه، ولكنّه قد أظَلّك زمانُ نبي يُبْعث بدين إبراهيم الحنيفيّة، يخرج من أرض مُهاجَرِه وقَراره ذاتُ نخل بين حَرّتَينِ، فإن استطعتَ أن تَخْلُصَ إليه فاخلص وإنّ به آياتٍ لا تخفى: إنّه لا يأكل الصدقة، وهو يأكل الهديّة، وإنّ بين كتفيه خاتم النبوّة إذا رأيتَه عرفتَه، قال: ومات فمَرّ بي رَكْبٌ من كَلْبٍ فسألـْتُهُم عن بلادهم، فأخبروني عنها فقلت: أعْطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني حتى تَقْدَموا بي أرضَكم، قالوا: نعم، فاحتملوني حتى قدموا بي وادي القرى فظلموني فباعوني عبدًا من رجل من يهود فرأيتُ بها النخل، وطمعتُ أن تكون البلدة التي وُصِفَت لي وما حَقّت لي ولكني قد طمِعْتُ حين رأيتُ النخل، فأقمتُ عنده، حتى قدم رجل من يهود بني قُرَيـْظَةَ فابتاعني منه، ثمّ خرج بي حتى قدمتُ المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتُها فعرفتُها بصفة صاحبي وأيقنتُ أنّها هي البلدة التي وُصِفَتْ لي، فأقمتُ عنده أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله صَلَّى الله عليه وسلم وخَفِيَ علىّ أمره حتى قدم المدينة، ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فوالله إني لفي رأس نخلة وصاحبي جالس تحتي إذ أقبل رجل من يهود من بني عمّه حتى وقف عليه فقال: أي فلان، قاتل الله بني قَيْلَةَ إنّهم آنفًا ليَتقاصفون على رجلٍ بقُباء قدم من مكّة يزعمون أنّه نبيّ، قال فوالله إنْ هو إلا قالها، فأخذَتـْني العُرَواء فرجفَتِ النخلةُ حتى ظننتُ لأسقطنّ على صاحبي، ثمّ نزلتُ سريعًا أقول: ماذا تقول، ما هذا الخبر؟ قال فرفع سيّدي يده فلكمني لكمةً شديدةً ثمّ قال: ما لك ولهذا؟ أقْبِلْ على عملك، قلتُ: لا شيءَ إنّما أردتُ أن أسْتَثْبِتَهُ هذا الخبر الذي سمعتُه يذكر، قال: أقْبِلْ على شأنك، قال فأقبلتُ على عملي ولَهِيتُ منه، فلمّا أمسيتُ جمعتُ ما كان عندي ثمّ خرجتُ حتى جئتُ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلتُ عليه ومعه نفر من أصحابه فقلتُ: إنّه بلغني أنّك ليس بيدك شيء وأنّ معك أصحابًا لك، وأنّكم أهل حاجة وغُرْبة وقد كان عندي شيء وضعتُه للصدقة فلمّا ذُكر لي مكانُكم رأيتُكم أحقّ الناس به فجئتكم به، ثمّ وضعتُه له فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"كُلوا"
، وأمسك هو، قال قلتُ في نفسي: هذه والله واحدة، ثمّ رجعتُ وتحوّل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى المدينة وجمعتُ شيئًا ثمّ جئتُه فسلّمتُ عليه وقلتُ له: إني قد رأيتُك لا تأكل الصدقة وقد كان عندي شيء أحبّ أن أكرمك به من هديـّة أهديتُها كرامة لك ليست بصدقة، فأكل وأكل أصحابه، قال: قلتُ في نفسي: هذه أخرى، قال ثمّ رجعتُ فمكثتُ ما شاء الله ثمّ أتيتُه فوجدتُه في بَقيع الغَرقد قد تبع جنازةً، وحوله أصحابه وعليه شَمْلتانِ مؤتزرًا بواحدة مُرْتَديًا بالأخْرى، قال: فسلّمتُ عليه، ثمّ عدلتُ لأنظر في ظهره فعرف أني أريد ذلك وأسْتَثْبِتُهُ، قال: فقال بردائه فألقاه عن ظهره فنظرتُ إلى خاتم النبوّة كما وصف لي صاحبي، قال: فأكببتُ عليه أّقبّلُ الخاتم من ظهره وأبكي، قال: فقال:
"تحول عنك"
، فتحوْلتُ فجلستُ بين يديه فحدّثتُه حديثي كما حدّثتُك يا ابن عبّاس فأعجبه ذلك، وأحبّ أن يسمعه أصحابه، ثمّ أسلمتُ وشغلني الرّقّ وما كنتُ فيه حتى فاتني بَدْرٌ وأحدٌ، ثمّ قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"كاتب"
، فسألتُ صاحبي ذلك فلم أزل حتى كاتبني على أن أُحْيِيَ له ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية من وَرِق، ثمّ قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"أعينوا أخاكم بالنخل"
، فأعانني كلّ رجل بقدره بالثلاثين، والعشرين، والخمس عشرة، والعشر، ثمّ قال:
"يا سلمان اذهَب ففَقرْ لها فإذا أنتَ أردتَ أن تضعها فلا تضعها حتى تأتيَني فتُؤذِنـِنَي فأكون أنا الذي أضعها بيدي"
، فقمتُ في تفقيري فأعانني أصحابي حتى فَقّرنا شَرَبًا ثلاثمائة شَرَبَةٍ، وجاء كلّ رجل بما أعانني به من النخل، ثمّ جاء رسول الله فجعل يضعها بيده وجعل يسوّي عليها شربها ويبرّك حتى فرغ منها رسول الله جميعًا، فلا والذي نفس سلمان بيده ما ماتت منه وَديـّة وَبَقيَت الدراهم، فبينا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ذاتَ يوم في أصحابه إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابها من بعض المعادن فتصدّق بها إليه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"ما فعل الفارسيّ المسكين المُكاتَبُ؟ ادعوه لي"
، فدُعيتُ له فجئتُ فقال:
"اذهب بهذه فأدّها عنك ممّا عليك من المال"
، قال: وقلت: وأين يقع هذا ممّا عليّ يا رسول الله؟ قال:
"إنّ الله سيؤدّي عنك"
(*)
، قال ابن إسحاق: فأخبرني يزيد بن أبي حبيب أنّه كان في هذا الحديث أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وضعها يومئذٍ على لسانه ثم قلبها ثمّ قال لي:
"اذهب فأدّها عنك"
(*)
.
ثمّ عاد حديثُ ابن عبّاس ويزيد أيضًا، قال سلمان: فوالذي نفسي بيده لوزنتُ له منها أربعين أوقيّة حتى وفّيتُه الذي له، وعَتَقَ سلمان وشهد الخندق وبقية مشاهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حُرًّا مسلمًا حتى قبضه الله.
وروى أبو عثمان النّهْديّ، عن سلمان قال: كاتبتُ أهلي على أن أغرس لهم خمسمائة فَسيلةٍ فإذا عَلِقَتْ فأنا حُرّ فذكرتُ ذلك للنبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فقال:
"إذا أردتَ أن تغرس فآذِنّي"
، قال: فآذنتُه فغرس رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بيده إلا واحدة غرستُها بيدي فعلـِقْنَ جُمَعَ إلا الواحدةَ التي غرستُ
(*)
، وقال الحسن: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم،
"سلمان سابـِقُ فارِسَ"
(*)
، وقيل: إِنه أَسلم بمكة، وليس بشيء.
شهد الخندق، وبقية المشاهد، وفتوحَ العراق، ووُلي المدائن، وقال ابْنُ عَبْدِ البر: أَول مشاهده الخندق، وهو الذي أَشار بحَفْره، فقال أَبو سفيان وأصحابه، إذ رأَوه: "هذه مكيدة ما كانت العَربُ تكيدها"، وروى كثير بن عبد الله الـمُزَني، عن أبيه، عن جدّه أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خطّ الخندق من أُجُمِ الشّيْخَينِ، طرف بني حارثة عامَ ذُكرَتِ الأحزاب خِطّةً من الـمَذار، فقطع لكلّ عشرةٍ أربعين ذراعًا، فاحتجّ المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي، وكان رجلًا قويًّا، فقال المهاجرون: سلمان منّا، وقالت الأنصار: لا بل منّا، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"سلمان منّا أهلّ البيت"
(*)
، قال عمرو بن عوف: فدخلتُ أنا، وسلمان، وحُذيفة بن اليمان، ونعمان بن مُقَرّن الـمُزني، وستّة من الأنصار تحت أصل ذُباب فضربنا حتى بـَلَغنا النّدى فأخرج الله صخرةً بيضاء مَرْوَةً من بطن الخندق فكسَرَتْ حديدَنا، وشقّت علينا فقلتُ لسلمان: ارْقَ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو ضارب عليه قُبّة تُرْكيّة، فرقى إليه سلمان فقال: يا رسول الله صخرة بيضاء خرجت من بطن الخندق، فكسرَتْ حديدَنا وشقّتْ علينا؛ فإمّا أنّ نَعْدِلَ عنها، والمَعْدِلُ قريب، أو تأمرنا فيها بأمرك فإنـّا لا نحبّ أن نجاوز خطّك فقال:
"أرِني مِعْوَلَك يا سلمان"
، فقبض معوله ثمّ هبط علينا فكنّا على شقّة الخندق فنزل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فَتَـنَحَّى فضرب ضربة صدعها وبرق منها برقة أضاء ما بين لابـَتَيْها، فكبّر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، تكبير فتح، فكبّرنا، ثمّ ضرب الثانية فبرق منها برقة أضاء ما بين لابْـَتـَيْها حتى كأن مصباحًا في جوف بيتٍ مُظْلِمٍ، فكبّر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، تكبير فتح، فكبّرنا، ثمّ ضرب الثالثة فكسّرها، وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها فكبّر تكبير فتحٍ، فكبرّنا، ثمّ رقي حتى إذا كان في مَقْعَد سلمان قال سلمان: يا رسول الله لقد رأيتُ شيئًا ما رأيتُ مثله قطّ فالتفتَ إلى القوم فقال:
"هل رأيتم؟"
قالوا: نعم، بأبينا أنت وأمّنا يا رسول الله، رأيناك تضرب فتخرج برق كالموج فتكبرّ فنكبّر لا نرى ضياءً غير ذلك، قال:
"صدقتم، ضربت ضربتي الأولى، فبرق الذي رأيتم فأضاء لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسرى كأنـّها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل أنّ أُمتي ظاهرة عليها، ثمّ ضربتُ ضربتي الثانية، فبرق الذي رأيتم أضاء لي معها قصور الحمر من أرض الروم كأنـّها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل أنّ أُمّتي ظاهرة عليها، ثمّ ضربتُ الثالثة، فبرق الذي رأيتم أضاء لي معها قصور صَنْعاء كأنـّها أنياب الكلاب وأخبرني جبرائيل أنّ أُمّتي ظاهرة عليها يبلغهم النصرُ فأبشروا"
، يــُرَدّدُها ثلاثًا، فاستبشر المسلمون وقالوا: موعودُ صادقٍ بارٍّ وعدنا النّصْرَ بعد الـحَصْرِ والفتوح، فتراءوا الأحزاب، فقال الله تعالى:
{وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا. مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}
[سورة الأحزاب: 22، 23] إلى آخر الآية
(*)
.
يُعَدُّ في الكوفيين، ورُوي عن سليمان أنه تلا هذه الآية:
{الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}
[الأنعام: 82]، فقال له زيد بن صوحان: يا أبا عبد الله، وذكر الخبر. وروى مالك قال: كان سلمان يعمل الخوص بيده، فيعيش منه، ولا يقبل من أحدٍ شيئًا، قال: ولم يكن له بيت، وإنما كان يستظل بالجُذور والشَّجر، وإنّ رجلًا قال له: ألَا أبْنِي لك بيتًا تسكنُ فيه؟ فقال: ما لي به حاجةٌ، فما زال به الرجلُ حتى قال له: إني أعرف البَيت الذي يوافقك، قال: فصِفْه لي، قال: أبني لك بيتًا إذا أنت قمْتَ فيه أصاب رأسَك سَقْفُه، وإن أنت مددت فيه رِجْلَيْكَ أصاب أصابعَهما الجِدَارُ، قال: نَعَمْ، فبنى له بيتًا كذلك، ورُوِيَ عن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم من وجوهٍ أنه قال:
"لَوْ كَانَ الَدِّينُ عِنْدَ الثِّرَيَّا لَنَالَهُ سلمانُ"
، وفي رواية أخرى:
"لَنَالَهٌ رِجَالٌ مِنْ فَارِسٍ"
(*)
أخرجه البخاري 8/641 في التفسير ومسلم 4/ 1972ـ 1973 في فضائل الصحابة 231 / 2546
. ورُوي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: كان لسلمان مجلسٌ من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ورُوي من حديث ابن بُريدة، عن أبيه، عن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أنه قال:
"أَمَرني رَبِّي بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّهُمْ: عَلِيٌّ، وَأَبُو ذَرٍ، وَالْمِقْدَادُ، وَسَلْمَانُ"
(*)
، وقال أبو هريرة: كان سليمانُ صاحبَ الكِتَابين، قال قتادة: يعني: الإنجيلَ والفُرْقان، وقال الحسن: عاد الأميرُ سلمانَ في مرضه فقال له سلمان: أما أنت أيـّها الأمير، فاذكر الله عند همّك إذا هممتَ، وعند لسانك إذا حكمتَ، وعند يدك إذا قسمتَ، قُمْ عني، والأمير يومئذٍ سعد بن مالك، وقيل: إِن سلمان لقي بعض الحواريين، وروى شيخ من بني عبس، عن أبيه قال: أتيت السوقَ فاشتريت عَلَفًا بدرهم، فرأيتُ سلمان ولا أعرفه، فسخّرتُه فحملتُ عليه العلف، فمرّ بقوم فقالوا: نحمل عنك يا أبا عبد الله، فقلتُ: مَن هذا؟ قالوا: هذا سلمان صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقلتُ: لم أعرفك، ضَعْه عافاك الله، فأبَى حتى أتى به منزلي فقال: قد نويتُ فيه نيّةً فلا أضعه حتى أبلغ بيتَك، وروى مَيْسَرَةُ أنّ سلمان كان إذا سجدت له العجم طأطأ رأسه وقال: خشعتُ لله، وروى جعفر بن برقان قال: بلغني أنّه قيل لسلمان الفارسيّ: ما يُكْرِهُك الإمارة؟ قال: حلاوة رِضاعها ومرارة فِطامها، وروى عبادةُ بن نُسَيّ أنّ سلمان كان له حُبىً من عبَاءٍ وهو أمير الناس، وقال النعمان بن حُميد: دخلتُ مع خالي على سلمان بالمدائن وهو يعمل الخوص، فسمعتُه يقول: أشتري خوصًا بدرهم، فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم فأعيد درهمًا فيه وأُنـْفِقُ درهمًا على عيالي وأتصدّق بدرهم، ولو أنّ عمر بن الخطّاب نهاني عنه ما انتهيتُ، وقال عبد الله بن بُرَيـْدة: كان سلمان إذا أصاب الشيء اشترى به لحمًا ثمّ دعا المُجَذَّمِين فأكلوه معه، وروى إبراهيم التّيْميّ قال: كان سلمان إذا وُضِعَ الطّعام بين يديه قال: "الحمد لله الذي كفانا المئونةَ، وأحسن الرّزق"، وفي لفظ "وأوسع علينا في الرزق"، وروى أبو ليلى الكنديّ قال: قال غلام سلمان: كاتِبْني، قال: ألك شيءٌ؟ قال: لا، قال: فمن أين؟ قال: أسأل الناس، قال: تريد أن تُطْعِمَني غُسالة الناس، وسُرِقَ عَلَفُ دابـّته فقال لجاريته أو لغلامه: ولولا أني أخاف القِصاص لضربتُك، وروى أبو قلابة أنّ رجلًا دخل على سلمان وهو يعجن فقال: أين الخادم؟ قال: بعثناها لحاجة فكرهنا أن نجمع عليها عَمَلَينِ، قال: إنّ فُلانًا يُقْرئك السّلام، فقال له سلمان: منذ كم قدمتَ؟ قال: منذ ثلاثة أيام، قال: أما إنّك لو لم تُؤدّها لكانت أمانةً لم تُؤدّها، ودخل سعد بن أبي وقّاص على سلمان يعوده، قال: فبكى سلمان فقال له سعد: ما يُبْكيك يا أبا عبد الله؟ تُوفّي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو عنك راضٍ، وتلقى أصحابَك، وتَرِدُ عليه الحوْضَ، قال سلمان: والله ما أبكي جَزَعًا من الموت، ولا حِرْصًا على الدنيا، ولكنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عهد إلينا عهدًا فقال:
"لتكُنْ بُلْغَةُ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب"
، وحولي هذه الأساود، قال: وإنمّا حوله جَفْنَةٌ أو مَطْهَرةٌ أو إجّانة، فقال له سعد: يا أبا عبد الله اعهد إلينا بعهد نأخذه بعدك، فقال يا سعد اذكر الله عند همّك إذا هممتَ، وعند حُكْمِك إذا حكمتَ، وعند يدك إذا قسمتَ
(*)
، وروى رجاء بن حَيْوَةَ قال: قال أصحاب سلمان لسلمان: أوْصِنا، فقال: مَن استطاع منكم أن يموت حاجًّا أو معتمرًا أو غازيًا أو في ثقل الغُزَاة فَلْيَمُتْ، ولا يموتنّ أحدكم فاجرًا ولا خائنًا.
وروى أنس قال: لـمّا قّدِمَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المدينة آخى بين سلمان وحُذيفة
(*)
، وروى محمد بن عبد الله، عن الزّهْرّي أنــّهما كانا يُنْكِران كلّ مؤاخاة كانت بعد بدر ويقولان: قَطَعَتْ بـَدر المواريثَ، وسلمان يومئذٍ في رقّ، وإنّما عَتَقَ بعد ذلك، وروى زاذان قال: سئل عليّ عن سلمان الفارسي فقال: ذاك امرؤ منّا وإلينا أهل البيت، مَنْ لكم بمثل لقمان الحكيم، عَلِمَ العلمَ الأوّل، والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأوّل، وقرأ الكتاب الآخر، وكان بحرًا لا يُنْزَفُ. قال: أخبرنا حمّاد بن عمرو النصيبيني، وروى يزيد بن عَمِيرَة السّكْسَكيّ ــ وكان تلميذًا لمعاذٍ ــ أنّ مُعاذًا أمره أن يطلب العلم من أربعةٍ: أحدهم سلمان الفارسي، وروى شِمْرِ بن عَطيّة، عن رجل من بني عامر، عن خالٍ له أنّ سلمان لـمّا قَدِمَ على عمر قال للناس: اخرجوا بنا نَتَلَقّ سلمانَ، وروى سالم بن أبي الجعد أنّ عمر جعل عطاء سلمان ستّة آلاف، وروى مالك بن عُمير قال: كان عطاء سلمان الفارسيّ أربعة آلاف، وروى ميمون قال: كان عطاء سلمان الفارسي أربعة آلاف وعطاء عبد الله بن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقلت: ما شأن هذا الفارسي في أربعة آلاف، وابن أمير المؤمنين في ثلاثة آلاف وخمسمائة؟ قالوا: إن سلمان شهد مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مشهدًا لم يشهده ابن عمر، وروى الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفًا من الناس يخطب في عباءة يفترش نِصْفَها ويلبس نِصْفَها، وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سَفِيف يديه، وروى خليفة بن سعيد المـُراديّ، عن عمّه قال: رأيتُ سلمان الفارسيّ بالمدائن في بعض طرقها يمشي فزحمَتْه حِمْلةٌ من قصب، فأوجعَتْه فتأخّر إلى صاحبها الذي يسوقها فأخذ بعضده فحرّكه ثمّ قال: لا مِتّ حتى تُدْرِكَ إمارةَ الشباب، ويقال: إنه أدرك عيسى بن مريم، وقيل: بل أدرك وصيّ عيسى، وذكر ابن حجر العسقلاني أن قصته رُويت من طرق كثيرة، من أصحها ما أخرجه أحمد من حديثه نفسه، وأخرجها الحاكم من وَجْهٍ آخر عنه أيضًا، وأخرجه الحاكم من حديث بُريدة، وعلق البخاري طرفًا منها، وفي سياق قصته في إسلامه اختلافٌ يتعسَّر الجَمْعُ فيه، ورَوى البُخَارِيُّ في صحيحه، عن سلمان، أنه تداوَله بضعة عشر سيّدًا، قال الذهبِي: وجدت الأقوال في سِنه كلها دالةٌ على أنه جاوز المائتين وخمسين، والاختلاف إنما هو في الزائد؛ قال: ثم رجعت عن ذلك وظهر لي أنه ما زاد على الثمانين، قال ابن حجر العسقلاني: "لم يذكر مستنده في ذلك، وأظنه أخذه من شهود سلمان الفتوحَ بعد النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وتزوُّجه امرأة من كندة وغير ذلك؛ مما يدلّ على بقاء بعض النشاط، لكن إن ثبت ما ذكروه يكون ذلك من خوارق العادات في حقه، وما المانع من ذلك؟!، فقد روى أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانيين" من طريق العباس بن يزيد، قال: أهل العلم يقولون: عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيها.
سكن أَبو الدرداء الشام، وسكن سلمان العراق، فكتب أَبو الدرداء إِلى سلمان: "سلام عليك، أَما بعد: فإِن الله رزقني بعدك مالًا وولدًا، ونزلت الأَرض المقدسة"؛ فكتب إِليه سلمان: "سلام عليكم، أَما بعد: فإِنك كتبت إِليّ أَن الله رزقك مالًا وولدًا، فاعلم أَن الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكن الخير أَن يكثر حلمك، وأَن ينفعك علمك، وكتبت إِلي أَنك نزلت الأَرض المقدسة، وإِن الأَرض لا تَعْمل لأحَد، اعمل كأَنك ترى، واعدد نفسك من الموتى"، وروى أَنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"إِنَّ الجَنَّةَ تَشْتَاقُ إِلَى ثَلَاثَةٍ: عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَسَلْمَانَ"
(*)
ذكره التبريزي في المشكاة حديث 6225 وكنز العمال حديث 33112.
، وروى عائذ بن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان، وصُهيب، وبلال في نَفر، فقالوا: ما أخذَتْ سيوفُ الله من عُنق عدوّ الله مأخذها، فقال أبو بكر: أتقولون هذا لِشَيْخِ قريش وسيّدهم، وأتى النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فأخبره، فقال:
"يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ جَلَّ وَعَلاَّ"
، فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا يا أبا بكر، يغفر الله لك
(*)
أخرجه مسلم في فضائل الصحابة 170 وأحمد 5/ 64، والطبراني في الكبير 18/ 98، وأبو نُعَيْم في الحلية 1/ 346
، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين أبي الدرّداء، فكان إذا نزل الشّام نزل على أبي الدّرداء، وروى أبو جحيفة أنّ سلمان جاء يزُور أبا الدَّرداء فرأى أمّ الدّرداء مبتذلة فقال: ما شأنك؟ قالت: إنّ أخاك ليس له حاجةٍ في شيء من الدّنيا، قال: فلما جاء أبو الدّرداء رحَّبَ بسلمان وقرَّب له طعامًا، قال سلمان: اطْعَم، قال: إني صائمٌ، قال: أقسمتُ عليك إِلّا مَا طعمت، إني لسْتُ بآكل حتى تطعم، قال: وبات سلمان عند أبي الدّرداء، فلما كان اللّيل قام أبو الدّرداء فحبسه سلمان، قال: يا أبا الدّرداء إن لربّك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا، وإن لجسدك عليك حقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، قال: فلما كان وَجْه الصَّبح قال: قم الآن، فقاما فصلّيا، ثم خرجا إلى الصَّلاة، قال: فلما صلّى رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم قام إليه أبو الدّرداء وأخبره بما قال سلمان، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مثل ما قال سلمان
(*)
. وفي رواية قال رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال:
"لقد أُشْبعَ سلمانُ عِلْمًا"
(*)
، وفي رواية أخرى قال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم:
"عُوَيـْمِرُ! سلمان أعْلَمُ منك"
، وهو يضرب على فخذ أبي الدّرداء، ثلاث مرّات،
"لا تَخُصّ ليلةَ الجمعة بقيام بين الليالي ولا تخصّ يوم الجمعة بصيام بين الأيـّام"
(*)
، وفي رواية قال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم:
"عُويمر سلمان أعلم منك، لا تُحَقْحِقْ فتـُقْطَعَ ولا تَحْبِسْ فتُسْبَقَ، اقْصِدْ تُبْلِغْ سَيْرَ الرِكابات تَطَأ فيها البَرْدَيــْنِ والخَفْقَتَينِ من الليل"
(*)
روى عن سلمان من الصّحابة ابن عمر، وابن عبّاس، وأنس، وأبو الطُّفيل، وروى عنه أنس، وكعب بن عُجرة، وابن عباس، وأبو سعيد، وعقبة بن عامر، وغيرهم من الصحابة، ومن التابعين: أبو عثمان النَّهْدِي، وطارق بن شهاب، وسعيد بن وهب، وشرحبيل بن السِّمط، وغيرهم، وروى قَرْثَع الضَّبِّي، عن سلمان الفارسي قال: قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"هَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ الجُمُعَةِ"؟
قال: قلت: الله ورسوله أَعلم قال:
"هُوَ الَّذِي جَمَعَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِيه أَبَاكُمْ،
أَوْ
أَبَاكَ، آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَتَطَهَّرُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ يَأْتِي الجُمُعَةَ لَا يَتَكَلَّمُ، حَتَّى يَقْضِيَ الإِمَامُ صَلَاتَهُ إِلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا"
(*)
ذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 216.
، وروى عبد اللّه بن وديعة، عن سلمان الفارسي أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال:
"مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَتَطَهَّرَ مِمَّا اسْتَطَاعَ مِنَ الطُّهْرِ، ثُمَّ ادّهَنَ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ أَنْصَتَ، غَفَرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى"
(*)
أخرجه أحمد في المسند 3/ 81، 5/ 420 والبيهقي في السنن 3/ 232.
، ورواه ابن عجلان بسنده، عن ابن وديعة، عن أَبي ذرِّ، وذكر معمر، عن رجل من أصحابه، قال: دخل قومٌ على سلمان، وهو أميرٌ على المدائن وهو يعمل هذا الخوص، فقيل له: لم تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق؟ فقال: إني أحب أن آكل من عمل يدي، وروى هُذَيم قال: رأيتُ سلمان الفارسيّ على حمارٍ عُرْيٍ، وعليه قميصٌ سُنْبُلانّي قصير ضيّق الأسفل، وكان رجلًا طويل الساقين كثير الشعر، وقد ارتفع القميص حتى بلغ قريبًا من رُكْبَتَيْه، قال: ورأيتُ الصبيان يحضرون خلفه فقلتُ: ألا تَنَحّوْنَ عن الأمير؟ فقال: دَعْهم فإنمّا الخير والشرّ فيما بعد اليوم، وكان يقول: إن استطعتَ أن تأكلَ من التراب فكُل منه ولا تكونَنّ أميرًا على اثنين، واتقِ دعوة المظلوم المضطرّ فإنّها لا تُحْجب.
مات سنة ست وثلاثين، وقيل: سبع وثلاثين، وروى أنس قال: دخل ابن مسعود على سلمان عند الموت، فهذا يدل على أنه مات قبل ابن مسعود، ومات ابن مسعود قبل سنة أربع وثلاثين، فكأنه مات سنة ثلاث أو سنة اثنتين، وقيل: تُوفِّي سلمان رضي الله عنه في آخر خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين، وقيل: بل تُوفِّي سنة ست وثلاثين في أولها، وقيل: تُوِّفي في آخر خلافةِ عمر، وقال الشَّعبي: تُوفِّي سَلمان في علية لأبي قرة الكنديّ بالمدائن، وروى عامر الشّعْبيّ قال: أصاب سلمان صُرّةَ مسكٍ يومَ فُتِحَتْ جلولاءُ، أصابها من بَلَنْجَر، فاستودعها امرأتَه، فلمّا حضرته الوفاةُ قال هاتي هذه المِسكَةَ، فمرسها في ماء ثمّ قال: انْضِحيها حولي فإنّه يأتيني زُوّار الآن، قال ففعَلَت فلم يمكث بعد ذلك إلاّ قليلًا حتّى قُبِضَ، وروى عبد الله بن سلام أنّ سلمان قال له: أيْ أُخَيّ، أيـّنا مات قبل صاحبه فَليَتَرَاءَ له، قال عبد الله بن سلام: أوَ يكون ذلك؟ قال: نعم إنّ نَسَمَةَ المؤمن مخلاَةٌ تذهب في الأرض حيث شاءت ونسمة الكافر في سجْنٍ، فمات سلمان، فقال عبد الله: فبينما أنا ذاتَ يومٍ قائل بنصف النهار على سرير لي فأغْفَيْتُ إغْفاءةً إذ جاء سلمان فقال: السلام عليك ورحمة الله، فقلتُ: السلام عليك ورحمة الله أبا عبد الله، كيف وجدتَ منزلَك؟ قال: خيرًا وعليك بالتوكّل فنِعْم الشيء التوكّل، وعليك بالتوكّل فنعم الشيء التوكّل، وعليك بالتوكّل فنِعْم الشيء التوكّل، وقال محمد بن عمر: تُوفّي سلمان الفارسيّ في خلافة عثمان بن عفّان بالمدائن.
الصفحة الأم
|
مساعدة
|
المراجع
|
بحث
|
المسابقات
الاسم :
البريد الالكتروني :
*
عنوان الرسالة :
*
نص الرسالة :
*
ارسال