تسجيل الدخول


الحارث بن هشام بن المغيرة

1 من 1
الحارث بن هشام المخزومي:

الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ، يُكْنَى أبا عبد الرّحمن، وأمه أم الجُلاس أسماء بنت مُخَرِّبَة بن جندل بن أُبين بن نهشَل بن دارم، شهد بَدْرًا كافرًا مع أخيه شقيقه أبي جهل، وفرَّ حينئذ، وقُتل أخوه، وعَيِّر الحارث بن هشام لفراره ذلك، فمما قيل فيه قول حسَّان بن ثابت: [الكامل]

إِنْ كُنْتِ كَاذِبَةً بِمَا حَدَّثْتِنِي فَنَجَوْتُ مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ

تَرَكَ الأَجِبَّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دَونَهُمْ وَنَجَا
بِرَأْسِ
طَمِرَّةٍ
وَلِجَامِ

فاعتذر الحارث بن هشام من فراره يومئذ بما زعم الأصمعي أنه لم يُسمع بأحسن من اعتذاره ذلك من فراره وهو قوله: [‏الكامل]

اللَّهُ يَعْلَمُ
مَا تَرَكْتُ
قِتَالَهُمْ حَتَّى رمَوْا فَرَسِي بِأَشْقَرَ مُزْبَدِ

وَوَجَدْتُ رِيحَ المَوْتِ مِنْ تِلْقَائِهِمْ فِي
مَأْزِقٍ
وَالخَيْلُ لَمْ تَتَبَدَّدِ

فَعَلِمْتُ أَنِّي إِنْ أُقَاتِلْ
وَاحِدًا أُقْتَلْ وَلَا يَنْكِي عَدُوِّي مَشْهَدِي

فَصَدَفْتُ عَنْهُمْ وَالأَحِبُّةُ دُونَهُمْ طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ
مُفْسِدِ

ثم غزا أُحُدًا مع المشركين أيضًا، ثم أسلم يوم الفتح وحسُنَ إسلامُه، وكان مِنْ فُضلاءِ الصّحابة وخيارهم، وكان من المؤلَّفةِ قلوبُهم، وممن حَسُن إسلامه منهم.

ورَوَيْنا أن أمَّ هانئ بنت أبي طالب استأمنَتْ له النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأمنَّه يوم الفتح، وكانت إذْ أمنته قد أراد عليُّ قتله، وحاول أنْ يغلبها عليه، فدخل النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم منزلها ذلك الوقت، فقالت: يا رسولَ الله؛ ألَا ترى إلى ابن أمِّي يريد قتل رجلٍ أجَرْته؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ وَأَمنَّا مَنْ أَمَّنْتِ"، فأمّنه(*) أخرجه البخاري في الصحيح 1/100،
4/122، 8/46، ومسلم في الصحيح 1/498، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (6)، باب استحباب صلاة الضحى.. (13)، حديث رقم (82/719)، وأبو داود في السنن
2/93، كتاب الجهاد، باب من أمان المرأة، حديث رقم 2763، وأحمد في المسند
6/341، 342، 343، 424، والبيهقي في السنن 9/95، والحاكم في المستدرك
4/45، 53، والطبراني في الصغير 2/67.
.

هكذا قال الزّبير وغيره، وفى حديث مالك وغيره أنَّ الذي أجارَتْه بعضُ بني زوجها هبيرة بن أبى وهب.

وأسلم الحارث فلم يُرَ منه في إسلامه شيء يُكْرَه، وشهِدَ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حُنينًا، فأعطاه مائة من الإبل كما أعْطى المؤلَّفة قلوبهم.

وروي أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذكر الحارث بن هشام وفِعْله في الجاهليّة في قِرَى الضّيف وإطعامِ الطّعام؛ فقال: "إنَّ الحارث لسرِيّ، وإن كان أبوه لسَرِيّا، ولودِدْت أنَّ الله هداه إلى الإسلام".(*)

وخرج إلى الشّام في زمن عمر بن الخطّاب راغبًا في الرّباط والجهاد، فتبعه أهلُ مكّة يبكون لفِرَاقِه، فقال: إنها النقلة إلى الله، وما كنت لأوثر عليكم أحدًا. فلم يزل بالشّام مُجَاهدًا حتى مات في طاعون عَمْوَاس سنة ثمان عشرة.

وقال المدائني: قتل الحارث بن هشام يوم اليَرْمُوك، وذلك في رجب سنة خمس عشرة، وفي الحارث بن هشام يقول الشّاعر: [الكامل]

أَحَسِبْتَ أَنَّ أَبَاكَ يَوْمَ تَسُبُّنِي فِي المَجْدِ كَانَ الحَارِثَ بْنَ هِشَامِ

أَوْلَى قُرَيشٍ بِالمَكَارِمِ
كُلِّهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ
كَانَ
وَالإِسْلَامِ

وأنشد الشّاعر أبو زيد عمر بن شَبّة للحارث بن هشام: [‏البسيط]

مَنْ كَانَ يَسْأَلُ عَنَّا
أَيْنَ
مَنْزِلُنَا فَالأُقْحُوَانَةُ مِنَّا
مَنْزِلٌ قَمِنُ

إِذْ نَلْبَسُ العَيْشَ صَفْوًا لَا يُكَدِّرُهُ طَعْنُ الوُشَاةِ وَلَا يَنْبُو بِنَا الزَّمَنُ

وخلف عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه على امرأته فاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وهي أمّ عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام، وقالت طائفة من أهل العلم بالنّسب: لم يَبْقَ من ولد الحارث بن هشام إلّا عبد الرّحمن بن الحارث، وأخْتُه أمّ حكيم بنت حكيم بنت الحارث بن هشام.

روى ابن المبارك، عن الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل بن أبي عَقْرب قال: خرج الحارث بن هشام من مكّة فجزع أهلُ مكّة جزَعًا شديدًا، فلم يَبْقَ أَحدٌ يطعم إِلّا وخرج معه يشيَّعه، حتى إذا كان بأعلى البطحاء أو حيثُ شاء الله من ذلك، وقف ووقف النّاس حوله يبكُون، فلما رأى جزَع الناس قال: يا أيها النّاس، إني والله ما خرَجْتُ رغبة بنفسي عن أنفسكم، ولا اختيار بلد على بلدكم، ولكِنْ كان هذا الأمر، فخرجَتْ فيه رجالٌ من قريش، والله ما كانوا من ذوي أسنانها ولا من بيوتاتها فأصبحنا والله لو أَنَّ جبال مكّة ذهب فأنفقناها في سبيل الله ما أَدركْنَا يومًا من أيّامهم، والله لئن فاتونا به في الدّنيا لنلتمسن أن نشاركهم به في الآخرة فاتقى الله امرؤٌ.

فتوجه إِلى الشّام واتبعه ثقلة فأصِيب شهيدًا.

روى عنه أبو نوفل بن أبي عقرب واسم أبي عقرب معاوية بن مسلم الكناني، وروى عنه ابنه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وذكر الزهري أن عبد الرحمن بن سعد المقعد أخبره أنَّ عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام أخبره عن أبيه أنه قال: يا رسول الله، أخبرني بأمْر أعتصم به. فقال: "امْلكْ عَلَيْكَ هَذَا"، وأشار إلى لسانه، قال: فرأيت أنَّ ذلك يسير‏.(*)

ومن رواية ابن شهاب لهذا الحديث عنه من يقول: قال عبد الرّحمن: فرأيتُ أنَّ ذلك شيء يسير، وكنتُ رجلًا قليل الكلام، ولم أفطن له، فلما رُمْتُه فإذا لا شيء أشدّ منه.
(< جـ1/ص 364>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال