تسجيل الدخول


الحارث بن هشام بن المغيرة

الحارث بن هشام بن المغيرة القرشيّ المخزوميّ:
أمه: أم الجلاس أسماء بنت مُخَرِّبة بن جَنْدل التميمية. وهو أخو أبي جهل لأبويه، وابن عم خالد بن الوليد، وابن عم حَنْتَمَة أم عمر بن الخطاب على الصحيح، وقيل: أخوها. وَلد الحارثُ بن هشام: عبدَ الرحمن، وكان من أشراف قريش، والمنظور إليه، وله دار بالمدينة رَبَّة ــ يعني: كبيرة، كثيرة الأهل، وأمَّ حكيم تزوجها عِكْرِمَةُ بن أبي جهل بن هشام بن المُغِيرَة، ثم خلف عليها عمر بن الخطاب رحمة الله عليه، فولدت له فاطمة، وأمهما فاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وأبا سعيد، وفاطمةَ، وأمها ابنة ضَمْرَة بن ضَمْرَة، وقَرِيبةَ بنت الحارث بن هشام تزوجها الحارث بن معاذ، أخو سعد بن معاذ الأَنصاري، ودُرَّةَ بنت الحارث، وأمهما أم عبد الله بنت الأسود بن المطلب، وحَنْتَمَةَ بنت الحارث تزوّجها عبد الرحمن بن أمية التَّمِيمِيّ، فولدت له فَاخِتَةَ. قال الزُّبَيْرُ: لم يترك الحارث إلا ابنه عبد الرحمن، فأتى به، وبِنَاجِية بنت عُتْبة بن سَهْل إلى عُمر، فقال: زوّجوا الشريدةَ بالشريد، عسى الله أن ينشر منهما، فنشر الله منهما ولدا كثيرًا.
قال عبد الله بن عكرمة: لما كان يوم الفتح دخل الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة على أم هانئ بنت أبي طالب، فاستجارا بها، وقالا: نحن في جوارك! فأجارتهما، فدخل عليها علي بن أبي طالب، فنظر إليهما، فَشَهَرَ عليهما السيف، قالت: فألقيت عليهما ثوبًا، فاعتنقته، وقلت: تصنع هذا بي من بين الناس، لتبدأَنَّ بي قبلهما! قال: تُجيرين المشركين؟ فخرج، ولم يَكَدْ، فأتيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ما لقيت من ابن أُمِّي عَليٍّ ما كدت أفلت منه، أجرت حَمَوَيْن لي من المشركين، فَتَفَلَّتَ عليهما؛ ليقتلهما! فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ما كان ذلك له، قد أجرنا من أجرتِ، وأَمَّنَّا من أَمَّنْت"، فرجعت إليهما، فأخبرتهما، فانصرفا إلى منازلهما، فقيل لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة جالسان في ناديهما متفضّلان في المُلاَءِ المُزَعْفَر، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لا سبيل إليهما قد أَمَّنَّاهُمَا"، قال الحارث بن هشام: وجعلت أستحي أن يراني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأذكر رؤيته إياي في كل موطن مُوضِعًا مع المشركين، ثم أذكر بره، ورحمته، وصلته، فألقاه، وهو داخل المسجد، فتلقاني بالبِشْر، ووقف حتى جئته، فسلّمت عليه، وشهدت شهادة الحق، فقال: "الحمدُ لله الذي هَدَاك، ما كان مِثْلُك يجهلُ الإسلام!" قال الحارث بن هشام: فوالله مارأيت مثل الإسلام جُهِلَ(*).
شهد مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حُنينًا، وأعطاه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من غنائم حنين مائة من الإبل، ولم يزل مقيمًا بمكّة بعد أن أسلم حتّى توفّي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلمّا جاء كتابُ أبي بكر الصّدّيق يستنفر المسلمين إلى غزاة الروم، قدم الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو جميعًا على أبي بكر المدينة، فأتاهم أبو بكر في منازلهم، فسلّم عليهم، ورحّب بهم، وسُرّ بمكانهم، ثمّ خرجوا مع المسلمين غُزاةً إلى الشأم، فشهدوا، وشهد الحارث بن هشام، فِحْلًا، وأجنادين. قال الزُّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ في "المَوْفَقِيَّاتِ" في قصة سقيفة بني ساعدة: فقام الحارث بن هشام، وهو يومئذ سَيِّد بني مخزوم ليس أحد يعدل به إلا أهل السّوابق مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: والله لولا قولُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "الأئِمِّةُ مِنْ قُرَيْشٍ"(*) أخرجه أحمد في المسند 3/ 183، 129، وابن أبي شيبة في المصنف 12/170، الطبراني في الكبير 1/ 224، والبيهقي في السنن الكبرى 3/121، والحاكم في المستدرك 4/76 والهيثمي في الزوائد 5 /195، والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 14792، 33800.، ما أبعَدْنَا منها الأنصار، ولكانوا لها أهلًا، ولكنه قولٌ لا شك فيه، فوالله لو لم يبق مِنْ قريش كلها إلا رجل واحد لصيَّر الله هذا الأمْرَ فيه. وكان الحارث يحمل في قتال الكفار ويرتجز:
إنِّي بِرَبِّي والنَّبِيّ مُؤمِنٌ وَالبَعْثِ مِِنْ بَعْدِ المَمَاتِ مُوقِِنُ

أَقْبِحْ بِشَخْصٍ لِلْحَيَاةِ مَوْطِنُ
روت عائشة، أن رسول الله صَلََّى الله عليه وسلم سأله الحارث بن هشام: كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثَلِ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيَفْصِمُ عَنِّي، وَقَدْ وَعَيتُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي المَلَكُ رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي، فَأَعِي مَا يَقُولُ"، قَالَتْ أخرجه البخاري في الصحيح 1 / 2. ومسلم في الصحيح 4 / 1816 كتاب الفضائل (43) باب عرق النبي صَلَّى الله عليه وسلم في البرد وحين يأتيه الوحي. والنسائي في السنن 2/ 147 ـــ 148 كتاب الافتتاح (11) باب جامع ما جاء في القرآن(37) حديث رقم 934. عائشة: فلقد رأيته في اليوم الشديد البرد، فَيَفْصمُ عنه، وإن جبينه لَيَتفصَّدُ عرقًا(*). قال أبو نوفل بن أبي عَقْرب: خرج الحارث بن هشام من مكّة، فجزع أهلُ مكّة جزَعًا شديدًا، فلم يَبْقَ أَحدٌ يطعم إِلّا وخرج معه يشيَّعه، حتى إذا كان بأعلى البطحاء، أو حيثُ شاء الله من ذلك، وقف، ووقف النّاس حوله يبكُون، فلما رأى جزَع الناس، قال: يا أيها النّاس، إني، والله ما خرَجْتُ رغبة بنفسي عن أنفسكم، ولا اختيار بلد على بلدكم، ولكِنْ كان هذا الأمر، فخرجَتْ فيه رجالٌ من قريش، والله ما كانوا من ذوي أسنانها، ولا من بيوتاتها، فأصبحنا، والله لو أَنَّ جبال مكّة ذهب، فأنفقناها في سبيل الله ما أَدركْنَا يومًا من أيّامهم، والله لئن فاتونا به في الدّنيا لنلتمسن أن نشاركهم به في الآخرة، فاتقى الله امرؤٌ. قال الشّاعر في الحارث بن هشام:
أَحَسِبْتَ أَنَّ أَبَاكَ يَوْمَ تَسُبُّنِي فِي المَجْدِ كَانَ الحَارِثَ بْنَ هِشَامِ
أَوْلَى قُرَيشٍ بِالمَكَارِمِ
كُلِّهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ
كَانَ
وَالإِسْلَامِ
وأنشد الشّاعر أبو زيد عمر بن شَبّة للحارث بن هشام:
مَنْ كَانَ يَسْأَلُ عَنَّا
أَيْنَ
مَنْزِلُنَا فَالأُقْحُوَانَةُ مِنَّا
مَنْزِلٌ قَمِنُ
إِذْ نَلْبَسُ العَيْشَ صَفْوًا لَا يُكَدِّرُهُ طَعْنُ الوُشَاةِ وَلَا يَنْبُو بِنَا الزَّمَنُ
ذَكر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الحارث بن هشام، وفِعْله في الجاهليّة في قِرَى الضّيف، وإطعامِ الطّعام، فقال: "إنَّ الحارث لسرِيّ، وإن كان أبوه لسَرِيّا، ولودِدْت أنَّ الله هداه إلى الإسلام"(*). وخرج إلى الشّام في زمن عمر بن الخطّاب راغبًا في الرّباط، والجهاد، فتبعه أهلُ مكّة يبكون لفِرَاقِه، فقال: إنها النقلة إلى الله، وما كنت لأوثر عليكم أحدًا. شهد بَدْرًا كافرًا مع أخيه شقيقه أبي جهل، وفرَّ حينئذ، وقُتل أخوه، وعَيِّر الحارث بن هشام لفراره ذلك، فمما قيل فيه: قول حسَّان بن ثابت:
إِنْ كُنْتِ كَاذِبَةً بِمَا حَدَّثْتِنِي فَنَجَوْتُ مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ
تَرَكَ الأَجِبَّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دَونَهُمْ وَنَجَا
بِرَأْسِ
طَمِرَّةٍ
وَلِجَامِ
فاعتذر الحارث بن هشام من فراره يومئذ بما زعم الأصمعي أنه لم يُسمع بأحسن من اعتذاره ذلك من فراره، وهو قوله:
اللَّهُ يَعْلَمُ
مَا تَرَكْتُ
قِتَالَهُمْ حَتَّى رمَوْا فَرَسِي بِأَشْقَرَ مُزْبَدِ
وَوَجَدْتُ رِيحَ المَوْتِ مِنْ تِلْقَائِهِمْ فِي
مَأْزِقٍ
وَالخَيْلُ لَمْ تَتَبَدَّدِ
فَعَلِمْتُ أَنِّي إِنْ أُقَاتِلْ
وَاحِدًا أُقْتَلْ وَلَا يَنْكِي عَدُوِّي مَشْهَدِي
فَصَدَفْتُ عَنْهُمْ وَالأَحِبُّةُ دُونَهُمْ طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ
مُفْسِدِ
ثم غزا أُحُدًا مع المشركين أيضًا، ثم أسلم يوم الفتح، وحسُنَ إسلامُه، وكان مِنْ فُضلاءِ الصّحابة، وخيارهم، وكان من المؤلَّفةِ قلوبُهم، وممن حَسُن إسلامه منهم. روى الحارث بن هشام، أنه قال: رأيت رسول الله في حجته، وهو واقف على راحلته، وهو يقول: "والله إنك لخير أرض الله إليّ، ولولا أني أخرجتُ منك ما خرجتُ"، قال: فقلتُ ولم أنثن: يا ليتنا لم نفعل، فارجع إليها، فإنها منبتك ومولدك، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إني سألت ربي، فقلت: اللهم إنك أخرجتني من أحب أرضك إليّ، فأنزلني أحب أرضك إليك، فأنزلني المدينة"(*). وروى الحارث بن هشام أن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم تزوَّج أم سلمة في شّوال(*) أورده الهيثمي في الزوائد 4/285 الحديث. وروى عنه ابنه عبد الرحمن، أنه قال: يا رسول الله، أخبرني بأمر أعتصم به، قال: "امْلِكُ عَلَيْكَ هَذَا" أخرجه أحمد في المسند5/ 259. والطبراني في الكبير3/295. وذكره التبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم 4837.، وأشار إلى لسانه، قال: فرأيت ذلك يسيرًا، وكنت رجلًا قليل الكلام، ولم أفطن له، فلما رمته فإذا هو لا شيء أشد منه(*). وقال الواقديّ: عند أهل العلم بالسير من أصحابنا، أن الحارث بن هشام مات في طاعون عَمَواس. وأما ما رواه ابْنُ لَهِيعَة، أنَّ الحارث بن هشام كاتبَ عَبْدًا له، فذكر قصة فيها: فارتفعوا إلى عثمان، فهذا ظاهره أن الحارثَ عاش إلى خلافة عثمان، لكن ابن لَهِيعة ضعيف، ويحتمل أن تكون المحاكمة تأخرت بعد وفاةِ الحارث. وروى حبيب بن أبي ثابت، أن الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وعياش بن أبي ربيعة جرحوا يوم اليرموك، فلما أُثْبِتوا دعا الحارث بن هشام بماء؛ ليشربه، فنظر إليه عكرمة، فقال: ادفعه إلى عكرمة، فلما أخذه عكرمة نظر إليه عياش، فقال: ادفعه إلى عياش، فما وصل إلى عياش حتى مات، ولا وصل إلى واحد منهم، حتى ماتوا.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال