تسجيل الدخول


حكيم بن حزام

حكيم بن حِزَام بن خُوَيلد الأسديّ، كنيته أبو خالد. ولد في الكعبة، وذلك أنّ أمِّه دخلَت الكعْبة في نِسْوَةٍ من قريش، وهي حاملٌ فضربها المخاض، فأُتِيَتْ بنطعٍ فولدت حكيمَ بن حزام عليه. وقد أدْرَكَ وَلَدُ حَكِيم بن حِزام كلهم النبي صَلَّى الله عليه وسلم يوم الفتح وصَحِبوا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. فهم من مُسْلِمة الفَتْح. قال حكيم بن حزام: أعقل حين أراد عبدُ المطَّلب أن يذبحَ ابنَه عبد الله، حين وقع نذرُه وذلك قبل مولد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخمس سنين. وشَهِدَ حَكِيم بن حِزَام مع أبيه الفِجَار، وقُتِل أبوه حِزَام بن خُويلد في الفِجَار الآخر. وقد بكى حَكيم بن حزام يومًا، فقال له ابنُه: ما يُبْكيك يَا أَبَهْ؟ قال: خِصَالٌ كلها أَبْكاني؛ أما أولها فَبُطء إسلامي حتى سُبِقْتُ في مواطن كلها صالحة، ونجوتُ يوم بدر، ويوم أُحُد، فقلت: لا أخرج أبدًا من مكة، ولا أُوْضع مع قريش ما بقيتُ، فأقمتُ بمكة، وَيَأْبَى الله أن يشرح قلبي بالإسلام، وذلك أني أنظر إلى بقايا من قريش لهم أسنان، متمسكين بما هم عليه من أمر الجاهلية، فأقتَدي بهم، ويا ليت أَنِّي لم أقتدِ بهم، فما أهلكنا إلا الاقتداء بآبائنا وكُبَرائنا، فلما غزا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكة جعلت أفكر، وأتاني أبو سفيان بن حرب، فقال: أبا خالد، والله إني لأخشى أن يأتينا محمد في جُمُوع يَثْرِبَ فهل أنت تابعي إلى سَرِف نستروِح الخبر؟ قلتُ: نعم، فخرجنا نتحدث ونحن مُشاة حتى إذا كنا بمر الظَّهْران إذا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في الدَّهْم من الناس، فَلَقِيَ العباسُ بن عبد المطلب أبا سفيان، فذهب به إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فرجعت إلى مكة فدخلت بيتي، فأَغْلَقْتُه عليّ وطويتُ ما رأيتُ وقلت: لا أُخْبِر قريشًا بذلك، ودخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مكة فَأَمَّن الناسَ فجئته ــ صَلَّى الله عليه وسلم ــ بعد ذلك بالبَطْحاء فأسلمتُ وصدَّقْتُه وشهدت أن ما جاء به حق، وخرجتُ معه إلى حُنَين فأَعطى رجالًا مِن المغانم أمولًا، وسألت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بحنين مائة من الإبل فأعطانيها، ثم سألته مائة فأعطانيها، ثم قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى وابدأ بمن تَعول"، فكان حكيم يقول: والذي بَعَثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أُفارِق الدنيا، فكان أبو بكر الصّدّيق يدعو حكيمًا ليعطيه فيأبى يقبل منه شيئًا، وكان عمر يدعو حكيمًا إلى عَطَائه فيأبَى يأخذه، فيقول عمر: أيها الناس أشهدكم على حكيم أني أدعوه إلى عطائه فيأبَى يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس شيئًا بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى توفي. قال حكيم بن حزام: كنت رجلًا تاجرًا أَخْرُجُ إلى اليمن وإلى الشام في الرحلتين، فكنت أربح أرباحًا كثيرة، فإذا ربحت عدت عَلَى فقراء قومي، ونحن لا نعبد شيئًا، وكنت أحضر الأسواق، وكانت لنا ثلاثة أسواق: سوق بعُكَاظ يقوم صُبْحَ ليلة هلال ذي القعدة عشرين يومًا ويحضرها العرب، وبها ابْتعتُ زَيْدَ بن حارثة لِعَمّتي خديجة بنت خُوَيْلِد، وهو يومئذ غلام، فأخذته بستمائة درهم، فلما تزوّج رسول صَلَّى الله عليه وسلم خديجةَ سألها زيدًا فَوَهَبتْه له، فأعتقه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وبها ابتعتُ حُلَّةَ ذِي يَزن، فقدم حكيم بالحُلَّة في هدنة الحُدَيْبية وهو يريد الشام في عِيرٍ، فأرسل بالحُلَّة إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فَأَبَى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يقبلها، وقال: "لا أقبل هَدِية مُشْرِكٍ"، قال حكيم: فجزعتُ جَزَعًا شديدًا حيث ردَّ هديتي، فخرجتُ فبعتها بسوق النَّبَط مِن أول سائِم سَامَنِي، وَدَسَّ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم إليها زَيْد بن حارثة، فاشتراها، فرأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يلبسها بَعْدُ، وكان سوق مَجَنَّةَ يقوم عَشْرَة أيام حتى إذا رأينا هلال ذي الحجة انصرفنا إلى سوق ذي المجاز فتقوم ثمانية أيام. وكل هذه الأسواق ألقَى بها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في المواسم يستعرض القبائل، قبيلةً قبيلةً، يدعوهم إلى الله، فلا أرى أحدًا يستجيب له، حتى بعث الله له قومًا أراد بهم كرامَتَه، هذا الحَيّ من الأنصار، فبايعوه وصَدَّقوا به وآمنوا به وبذلوا أنفسهم وأموالهم له، فجعل الله له دار هجرةٍ ومَلْجَأ، وسَبَقَ مَن سَبَقَ إليه، فالحمد لله الذي أكرم محمدًا بالنبوة ورزقه الله دار هجرة. وكان معاوية عام حَجَّ مَرّ به، وهو ابن مائة وعشرين سنة، فأرسل إليه بلَقُوح يَشْرَب من لَبَنِها، وذلك بعد أن سأله أَيَّ الطعام تأكل؟ فقال: أمّا مَضْغٌ فلا مَضْغَ فِيّ، فأرسل إليه باللقوح، وأرسل إليه بِصِلَةٍ فأبى أن يقبلها، وقال: لم آخذ من أحد قط بعد النبي صَلَّى الله عليه وسلم شيئًا. شهد بَدْرًا مع الكفار ونجا منهزمًا، فكان إذا اجتهد في اليمين قال: والذي نجاني يوم بدر، ولم يصنع شيئًا من المعروف في الجاهلية إلا وصنع في الإسلام مثله، كان من العلماء بأنساب قريش وأخبارها. وعن حَكِيم بن حِزام قال: قلت: أي رسول الله، أرأيتَ أمورًا كنتُ أتحنّث بها في الجاهلية من صَدقة أو عتاقة ــ أو صِلة رَحِمٍ، أَفِيها أَجْر؟ قال: فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما قد أسلفت من خير"، والتحنث: التعبد. ولحكيم بن حزام حديث في الكتب السِّتة، وروى عنه ابنه حزام، وعبد الله بن الحارث بن نَوفل، وسعيد بن المسيب، وغيرهم. وفاته: عاش رضي الله عنه مائة وعشرين سنة شَطرُها في الجاهلية وشطرها في الإسلام، مات لعشر سنوات من خِلاَفةِ معاوية، وكان قد عمي قبل موته.