تسجيل الدخول


حكيم بن حزام

1 من 1
حَكِيم بن حِزَام

ابن خُويلد بن أسد بن عَبْد العُزّى بن قُصَيّ، وأمه أم حَكِيم بنت زُهَير بن الحارث بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني المُنْذِر بن عبد الله بن المُنْذِر بن المُغِيرَة بن عبد الله بن خالد بن حزام عن موسى بن عُقْبة عن أَبِي حَبِيبَة ـــ مولى الزبير ـــ قال: سمعت حكيم بن حزام يقول: ولدت قبل قدوم أصحاب الفيل بثلاث عشرة سنة، وأنا أعقل حين أراد عبدُ المطَّلب أن يذبحَ ابنَه عبد الله، حين وقع نذرُه وذلك قبل مولد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بخمس سنين.

قال محمد بن عمر: وشَهِدَ حَكِيم بن حِزَام مع أبيه الفِجَار، وقتل أبوه حِزَام بن خُويلد في الفِجَار الآخر. وكان حَكِيم يكنى أبا خالد، وكان له مِن الولد: عبد الله ويحيى وخالد وهشام، وأم شَيبة وأمهم زينب بنت العوام بن خُوَيلد بن أسد بن عبد العُزّى بن قُصَيّ. ويقال: بل أم هشام بن حَكِيم ـــ مُلَيْكَة بنت مالك بن سعد من بني الحارث بن فهر، وقد أدْرَكَ وَلَدُ حَكِيم بن حِزام كلهم النبي صَلَّى الله عليه وسلم، يوم الفتح وصَحِبوا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنا مَعْمَر بن راشد عن الزُّهْرِيّ عن عُروة قال: كان حَكِيم بن حِزَام رجلًا تاجرًا لا يَدَع سوقًا بمكة ولا تِهَامَةَ إلا حضرها، وكان يقول كان بتهامة أسواق، أعظمها سوق حُبَاشَة، وهي على ثماني مراحل من مكة طريق الجَنَد فكنتُ أحضرها، وقد رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حضرها، فاشتريتُ بها بَزًّا فقدِمت به مكةَ فذاك حين أرسلت خديجة إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، تدعوه إلى أن يخرج لها إلى سوق حُباشة، وبعثت معه غلامها مَيْسَرة، فخرجا فابتاعا بَزًّا من بَزّ الجَنَد وغيره، ومما فيها من التجارة، فرجعا به إلى مكة فربحا فيها ربحًا حسنًا، وكانت سوق تقوم كل سنة في رجب ثمانية أيام.(*)

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنا إبراهيم بن جعفر بن محمود عن أبيه وغيره قالوا: بكى حَكيم بن حزام يومًا، فقال له ابنُه: ما يُبْكيك يَا أَبَهْ؟ قال: خِصَالٌ كلها أَبْكاني، أما أولها فَبُطء إسلامي حتى سُبِقْتُ في مواطن كلها صالحة، ونجوتُ يوم بدر، ويوم أُحُد، فقلت لا أخرج أبدًا من مكة، ولا أُوْضع مع قريش ما بقيتُ، فأقمتُ بمكة، وَيَأْبَى الله أن يشرح قلبي بالإسلام، وذلك أني أنظر إلى بقايا من قريش لهم أسنان، متمسكين بما هم عليه من أمر الجاهلية، فأقتَدي بهم، ويا ليت أَنِّي لم أقتدِ بهم، فما أهلكنا إلا الاقتداء بآبائنا وكُبَرائنا، فلما غزا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكة جعلت أفكر، وأتاني أبو سفيان بن حرب، فقال: أبا خالد، والله إني لأخشى أن يأتينا محمد في جُمُوع يَثْرِبَ فهل أنت تابعي إلى سَرِف نستروِح الخبر؟ قلتُ: نعم. قال: فخرجنا نتحدث ونحن مُشاة حتى إذا كنا بمر الظَّهْران إذا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في الدَّهْم من الناس، فَلَقِيَ العباسُ بن عبد المطلب أبا سفيان، فذهب به إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فرجعت إلى مكة فدخلت بيتي، فأَغْلَقْتُه عليّ وطويتُ ما رأيتُ وقلت: لا أُخْبِر قريشًا بذلك، ودخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكة فَأَمَّن الناسَ فجئته صَلَّى الله عليه وسلم، بعد ذلك بالبَطْحاء فأسلمتُ وصدَّقْتُه وشهدت أن ما جاء به حق، وخرجتُ معه إلى حُنَين فأَعطى رجالًا مِن المغانم أمولًا، وسألته يومئذ فألحفتُ المسألة.(*)

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني مَعْمَر بن راشد عن الزُّهْرِي عن ابن المُسَيِّب وعروة بن الزبير قالا: حدّثنا حَكِيم بن حِزام قال: سألت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بحنين مائة من الإبل فأعطانيها، ثم سألته مائة فأعطانيها، ثم قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا حكيم إن هذا المال خَضرة حُلوة، فمن أخذه بسَخَاوة نَفْس بُورِك له فيه، ومَن أخذه بإشراف نَفْس لم يُبارَك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليدُ العُليا خيرٌ من اليد السُّفلى وابدأ بمن تَعول". قال: فكان حكيم يقول: والذي بَعَثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أُفارِق الدنيا. فكان أبو بكر الصّدّيق يدعو حكيمًا ليعطيه فيأبى يقبل منه شيئًا، وكان عمر يدعو حكيمًا إلى عَطَائه فيأبَى يأخذه، فيقول عمر: أيها الناس أشهدكم على حكيم أني أدعوه إلى عطائه فيأبَى يأخذه. فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس شيئًا بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حتى توفي.(*)

قال: أخبرنا يحيى بن خُلَيف بن عُقْبة قال: حدّثنا ابن عَوْن عن محمد قال: أُتِي النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم، بمال، فأتى رجل فسأله، فحثا له، ثم قال: "أزيدك؟!" فقال: نعم. فحثا له، ثم قال: "أزيدك؟!" فقال: نعم. قال: فحثا له. ثم قال: "أزيدك؟!" فقال: نعم. قال: فحثا له. ثم قال: "أَبْقِ لمن بَعْدَك". قال: ثم أتاه حَكِيم بن حِزَام فأراد أن يحثي له فقال: يا رسول الله، أَخْذُهُ خَيْرٌ أم تَرْكُهُ؟! قال: "لا بل تَرْكُه". قال: فَتَرَكَه. ثم قال: والله لا أقبل عطية أحدٍ بعدك.(*)

أخبرنا هشام أبو الوليد الطَّيَالسي قال: حدّثنا لَيْث بن سعد قال: أخبرنا بُكير بن عبد الله عن الضَّحّاك بن عبد الله بن خالد بن حِزام عن حَكِيم بن حِزام أنه أعان بفرسين يوم حُنين فأصيبا، فأتى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: إن فَرسَيَّ أصيبا فَعِضْني فأعطاه، ثم استزاده فزاده، ثم استزَاده، فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "يا حَكِيم بن حِزام، إن هذا المال خَضرة حُلوة، فمن سأل الناس أعطوه، والسائل فيها كالآكل ولا يشبع".(*)

قال: أخبرنا عبد الله بن نُمَير عن هِشام بن عُروة عن أبيه: أن حَكِيم بن حِزام أعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير. قال: ثم أعتق في الإسلام مائة رقبة وحمل على مائة بعير، ثم أتى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت شيئًا كنتُ فعلته في الجاهلية أَتَحَنَّثُ به، هل لي فيه من أجر؟ فقال صَلَّى الله عليه وسلم: "أسلمتَ على ما سلف لك من خير".(*)

قال: أخبرنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا يونس عن الزُّهْرِي عن عروة عن حَكِيم بن حِزام قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت أمورًا كنتُ أتَحنّث بها في الجاهلية، هل لي منها من شيء؟ قال: "أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير". قال: والتحنث: التعبد.(*)

قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزُّهْرِيّ عن أبيه عن صالح بن كَيْسان عن ابن شِهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن حَكِيم بن حِزام أخبره أنه قال لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أي رسول الله، أرأيتَ أمورًا كنتُ أتحنّث بها في الجاهلية من صَدقة أو عتاقة ـــ أو صِلة رَحِمٍ، أَفِيها أَجْر؟ قال: فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما قد أسلفت من خير".(*)

قال: أخبرنا الفَضْل بن دُكَين قال: حدّثنا سُفيان عن أَبِي حَصِين عن شَيْخٍ من أهل المدينة قال: بعثَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم، حَكِيم بن حِزَام بدينار يبتاع له به أُضحية، فَمَرّ بها فباعها بدينارين، فابتاع له أضحية بدينار، فأتى بها النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فتصدّق بدينار، ودعا له أن يبارك له في تجارته.(*)

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنا الضحاك بن عثمان عن أهله قالوا: قال حكيم ابن حزام: كنتُ أعالج البَزَّ والبُرَّ في الجاهلية، وكنت رجلًا تاجرًا أَخْرُجُ إلى اليمن وإلى الشام في الرحلتين، فكنت أربح أرباحًا كثيرة، فإذا ربحت عدت عَلَى فقراء قومي، ونحن لا نعبد شيئًا، أريد بذلك ثَرَاءَ الأموالِ والمَحَبَّة في العَشِيرة، وكنت أحضر الأسواق، وكانت لنا ثلاثة أسواق: سوق بعُكَاظ يقوم صُبْحَ ليلة هلال ذي القعدة عشرين يومًا ويحضرها العرب، وبها ابْتعتُ زَيْدَ بن حارثة لِعَمّتي خديجة بنت خُوَيْلِد، وهو يومئذ غلام، فأخذته بستمائة درهم، فلما تزوّج رسول صَلَّى الله عليه وسلم، خديجةَ سألها زيدًا فَوَهَبتْه له، فأعتقه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وبها ابتعتُ حُلَّّةَ ذِي يَزن فكسوتُها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فما رأيت أحدًا قط أجمل ولا أحسن من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في تلك الحُلَّة.

ويقال إِنَّ حَكِيم بن حِزام قدم بالحُلَّة في هدنة الحُدَيْبية وهو يريد الشام في عِيرٍ، فأرسل بالحلة إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فَأَبَى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أن يقبلها وقال: "لا أقبل هَدِية مُشْرِك". قال حكيم: فجزعتُ جَزَعًا شديدًا حيث ردَّ هديتي، فخرجتُ فبعتها بسوق النَّبَط مِن أول سائِم سَامَنِي، وَدَسَّ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، إليها زَيْد بن حارثة، فاشتراها فرأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يلبسها بَعْدُ.(*)

قال: وكان سوق مَجَنَّةَ يقوم عَشْرَة أيام حتى إذا رأينا هلال ذي الحجة انصرفنا إلى سوق ذي المجاز فتقوم ثمانية أيام.

وكل هذه الأسواق ألقَى بها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في المواسم يستعرض القبائل، قبيلةً قبيلةً، يدعوهم إلى الله، فلا أرى أحدًا يستجيب له، وأسرته أشد القبائل عليه، حتى بعث الله له قومًا أراد بهم كرامَتَه، هذا الحَيّ من الأنصار، فبايعوه وصَدَّقوا به وآمنوا به وبذلوا أنفسهم وأموالهم له، فجعل الله له دار هجرةٍ ومَلْجَأ، وسَبَقَ مَن سَبَقَ إليه، فالحمد لله الذي أكرم محمدًا بالنبوة ورزقه الله دار هجرة.

فحج معاوية، فسامني بداري بمكة، فَبِعْتها منه بأربعين ألف دينار، فبلغني أن ابن الزبير يقول: مَا يَدْرِي هذا الشيخُ مَا بَاعَ، لَيُرَدَّن عليه بيعُه، فقلت: والله ما ابتعتُها إلا بِزِقٍّ من خَمْر، ولقد وصلتُ الرَّحِمَ، وحملتُ الكَلَّ، وأعطيتُ في السبيل. وكان حَكِيم بن حِزام يشتري الظَّهْرَ والأَدَاة والزاد، ثم لا يَجِيئُهُ أحد يَسْتَحمله في السبيل إلا حمله. قال: فبينا هم يومًا في المسجد جلوسًا إذ دَخل رجل من أهل اليمن يطلب حُمْلاَنًا يريد الجهاد، قال: فَدُلَّ عَلَى حَكِيم بن حِزَام فجلس إليه فقال: إني رجل بَعِيد الشُّقّة، وقد أردتُ الجهاد فَدُلِلْتُ عليك لِتَحْمِلَ رُجْلَتِي وتعينني على ضعفي. قال: اجلس، فلما أمكنته الشمس وارتفعت ركع ركعات ثم انصرف، وأومأ إلى اليماني. قال: فتبعته فجعل كلما مرّ بِصُوفَة أو خِرْقَة أو شملة نَفَضَها وأخذها، فقلت: والله ما زاد الذي دلني على هذا أَنْ لَعِب بِي، أيّ شيء عند هذا من الخير بَعْدَ ما أرى؟!

قال: فدخل داره فألقى الصوفة مع الصوف، والخِرْقة مع الخِرَق، والشَّمْلَة مع الشِّمال، ثم قال لغلام له: هات بعيرًا ذَلُولًا مْوَقَّعًا. قال: فأتى به ذلولًا موقعًا سنتين، ثم دعا بجَهاز فشده على البعير، ثم دعا بخِطام فَخُطِم، ثم قال هَلُمّ جُوَالَقين، قال: فأُتي بجوالقين، فَأَمَر فَجُعِل فيهما دقيق وسُوَيْق وعُكَّة من زيت، وقال انظر: ملحًا وجرابًا مِن تمر. حتى إذا لم يبقى شيء مما يحتاج إليه مسافر إلا هيأه، أعطانيه وكساني، ثم دعا بخمسة دنانير فدفعها إليّ فقال: هذه للطريق، قال: فخرجت من عنده وكان هذا فعلَ حَكِيم بن حِزام.

وكان معاوية عام حَجَّ مَرّ به، وهو ابن مائة وعشرين سنة، فأرسل إليه بلَقُوح يَشْرَب من لَبَنِها، وذلك بعد أن سأله أَىَّ الطعام تأكل؟ فقال: أمّا مَضْغٌ فلا مَضْغَ فِيّ. فأرسل إليه باللقوح، وأرسل إليه بِصِلَةٍ فأبى أن يقبلها وقال: لم آخذ من أحد قط بعد النبي صَلَّى الله عليه وسلم، شيئًا، قد دعاني أبو بكر وعمر إلى حقي فأبيت أن آخذه، وذلك أني سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "الدنيا خَضِرَةٌ حُلْوَة مَن أخذها بسَخَاوة نفس بُورِك له فيها، ومَن أخذها بإشراف نفس لم يبارك له"، فقلت يومئذ: لَا أَرْزَأُ أحدًا بعدك شيئًا أبدًا(*).

قال: وكنت رجلًا مجدودًا في التجارة، ما بعتُ شيئًا قط إلا ربحتُ فيه، ولقد كانت قريش تبعث بالأموال وأبعثُ بمالي، فربما دعاني بعضهم أن يخالطني بنفقته، يريد بذلك الجَدَّ في مالي، وذلك أني كلما ربحت تحنَّثت به أو بعامته، أريد به ثراء المال والمحبة في الشعيرة.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أَبِي الزِّناد عن أبيه قال: قيل لحكيم بن حزام: ما المال يا أبا خالد؟ قال: قلة العيال.

أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدّثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال حكيم بن حزام: اسقوني ماءً. قالوا: قد شربت اليوم مرة، قال: فلا.

قال محمد بن عمر: وقدم حكيم بن حزام المدينة، ونزلها وبنى بها دارًا عند بلاط الفاكهة عند زقاق الصواغين، ومات بالمدينة سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان وهو ابن مائة وعشرين سنة.
(< جـ6/ص 50>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال