زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عوف بن غنم بن مالك...
يكنى أبا سعيد، وقيل: يكنى أبا عبد الرحمن، وقيل: غير ذلك.
كان زيد يكتب الكتابينْ جميعًا: كتاب العربية وكتاب العبرانية، وأول مشهد شهده زَيد بن ثابت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الخندق وهو ابن خمس عشرةَ سنة، وكان ممّن ينقل الترابَ يومئذ مع المسلمين فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أما إِنه نِعْمَ الغلام". وغَلَبته عيناه يومئذ، فرقَد، فجاء عُمارة بن حَزْم فأخذ سلاحه، وهو لا يشعُر، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا أَبَا رقّاد، نِمتَ حتى ذهبَ سلاحُك"، وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَنْ له عِلمٌ بسلاح هذا الغلام؟" فقال عُمارة بن حَزْم: يا رسول الله، أنا أخذتُه، فَرَدَّه، فَنَهَى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يومئذ أن يُرَوَّع المؤمن، أو أن يُؤخذ متاعُه لاَعِبًا جدًّا.
وكان عمره لما قدِم النبي صَلَّى الله عليه وسلم المدينة إحدى عشرة سنة، وكان يوم بعاث ابن ستِّ سنين، وفيها قُتِلَ أبوه، واستصغره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم بدر، فرده، وشهد أحدًا، وقيل: لم يشهدها، وإنما شهد الخندق أول مشاهدة، وكانت راية بني مالك بن النجار يوم تبوك مع عُمارة بن حزم، فأخذها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ودفعها إلى زيد بن ثابت، فقال عمارة: يا رسول الله، بلغك عني شيء؟ قال: "لَا، وَلَكِنَّ القُرْآنَ مُقَدَّمٌ، وَزَيْدٌ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ مِنْكَ".
ويحكي زيد بن ثابت: لما قَدِمَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، المدينة أُتِي بي إليه فقيل: يا رسول الله، غلامٌ من بني النجار قد قرأ ست عشرة سورة، فأمره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يتعلّم كتابَ يَهُود، وقال: "إني لم آمنهم أن يبدلوا كتابي"، قال: فتعلمته في بضع عشرة ليلة. وكان زيد بن ثابت يتعلّم في مَدَارِس مَاسِكَة، فَعلم كتابَهم في خمس عشرة ليلة حتى كان يَعلم ما حرّفوا وَبَدَّلُوا.
وقال زَيد بن ثابت، قال: قال لي رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إنه تأتيني كتب من أناس لا أحِبّ أن يقرأها كل أحد، فهل تستطيع أن تَعَلَّمَ كتابَ العِبرانية، أو قال: السُّريانية؟"، قلت: نعم، قال: فتعلمتُها في سبع عشرةَ ليلة، وكتب بعده لأبي بكر، وعمر.
وعن زيد بن ثابت قال: دخلتُ عَلَى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يُمِلُّ في بعض حوائجه فقال: "ضَع القَلَمَ على أُذُنك فهو أَذْكَر لِلْمُمِلِّ". وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أعلمهم بالفرائض زيد".
وقال ثابت بن عبيد: كان زيد بن ثابت من أَفْكَه الناس في بيته.
عن زيد بن ثابت، قال: أَرْسَلَ إِلَيَّ أبو بكر الصّدّيق مَقْتَلَ أهل اليمامة فقال: إن القتل قد اسْتَحَرَّ بقرّاء الناس، وإني أخشى أن يذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تَجْمَعَ القرآن وأنت رجل شاب عاقل لانَتّهمك، وقد كنتَ تكتبُ لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الوحيَ فَتَتَبَّع القرآنَ واجمعه، قال زيد: فوالله لو كلّفني نَقْلَ جبل أنقلُه حَجَرًا حَجَرًا ما كان أثقل عَلَيَّ مما أمرني به فقمتُ فَتَتَبَّعْتُ القرآن أجمعه من الرِّقاع والعُسُب والأَكتاف وصدور الرجال، فوجدتُ آخر سورة التوبة مع خزيمة بن ثابت: }لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ{ [سورة التوبة: 128] الآية. جئت بها إلى عمر بن الخطاب وإلى زيد بن ثابت، فقال زيد: من يشهد معك؟ قلت: لا والله ما أدري، فقال عمر: أنا أشهد معه على ذلك.
وروي أن عثمان بن عفان لما نَسخ القرآنَ في المصاحف أرسَل إلَى أُبَيّ بن كَعب، فكان يُملِي عَلَى زيد بن ثابت وزيد يكتب ومعه سعيد بن العاص يُعرِبه، فهذا المُصْحَفُ عَلَى قراءة أُبَيّ وزيد.
وقد استخلف عمرُ بن الخطّاب زيد بن ثابت على المدينة ثلاث مرّات في الحجَّتين، وفي خُروجه إلى الشّام، وكتب إليه من الشّام: إلى زيد بن ثابت من عمر بن الخطّاب، وقال نافع، عن ابن عمر، قال: كان عمَرُ يستخلِفُ زيدًا إذا حجّ، وكان عثمانُ يستخلفه أَيضًا على المدينة إذا حجّ، واستعمله عمر بن الخطّاب على القضاء وفرض له رِزْقًا، وكان عمر يُفَرّقُ النّاسَ في البلدان ويوجّهه في الأمور المهِمّة ويُطْلَبُ إليه الرجالُ المسَمَّوْنَ فيقال له: زيد ابن ثابت فيقول: لم يسقُط عليّ مَكَانُ زيد، ولكنّ أهل البلد يحتاجون إلى زيد فيما يجدون عنده فيما يَحْدُثُ لهم ما لا يجدون عند غيره، وكان زيد بن ثابت مُتَّرَئِسًا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض في عهد عمر وعثمان وعليّ في مُقامه بالمدينة، وبعد ذلك خمس سنين حتى ولي معاوية سنة أربعين فكان كذلك أيضًا حتى تُوفّي.
وقال محمد بن سيرين: جاء زيد بن ثابت إلى عثمان وهو محصور معه ثلاثمائة من الأنصار، فدخل على عثمان فقال: هذه الأنصار بالباب قالوا: جئنا لننصر الله مرتين، فقال عثمان: أما القتال فلا، وكان عثمان يحبُّ زيد بن ثابت.
وفاته:
لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: مات حَبْرُ هذه الأمة، ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خَلفًا، وقال ابن عباس لما دفن زيد بن ثابت: هكذا يذهب العلم وأشار بيده إلى قبره يَمُوت الرجل الذي يَعْلَم الشَّيءَ لاَ يَعلمه غيرُه فيذهب ما كان معه.
صّلَّى عليه مَروانُ بن الحكَم، وأرسل مروان بجُزُرٍ فَنُحِرَتْ، وأطعمنا الناس وغلبنا النساءُ فَبَكَيْن ثلاثًا.
وروى موسى بن مَيْسَرة عن سالم بن عبد الله قال: كنّا مع ابن عمر يومَ ماتَ زيد بن ثابت فقلتُ: مات عالمُ النّاس اليومَ! فقال ابن عمر: يرحمه اللهُ، اليوم فقد كان عالم النّاس في خلافة عمر وحبرها فرّقهم عمرُ في البلدان ونهاهم أن يفتوا برأيهم، وجلس زيد بن ثابت بالمدينة يُفتي أهلَ المدينة.