تسجيل الدخول


زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عوف بن غنم بن مالك...

زيد بن ثابت بن الضّحاك الأنصاري الخزرجي النجاري:
يكنى أبا سعيد، وقيل: يكنى أبا عبد الرحمن، وقيل:‏ ‏يُكْنَى أَبا خارجة؛ بابنْهِ خارجة، وقيل: أبو ثابت، وقيل: أبو رُقاد؛ خاطب بها النبي صَلَّى الله عليه وسلم زيدَ بن ثابت. وأم زيد هي النَّوار بنت مالك بن صِرْمَة، وقيل: أُمّه النوار بنت مالك بن معاوية. وَلَدَ زيدُ بن ثابت سعيدًا؛ وأُمّه أُمُّ جميل بنت المُحوّل بن بُجَيد، وسعدًا، وَخَارِجَةَ، وسليمانَ، ويَحيى، وإسماعيلَ، وعُمَارةَ، وأَسْعَد؛ ماتا ولم يتركا أولادًا، وعُبَادَةَ، وإسحاقَ، وأُمَّ إسحاق، وحَسَنةَ، وعَمْرةَ، وأُمَّ كلثوم؛ وأمُّهم جَميلة وهي أُمُّ سَعْد بنت سَعْد بن الرَّبيع، وإبراهيمَ، ومحمدًا، وعبدَ الرحمن، وأُمَّ حَسَن؛ وأُمُّهُم عَميرةُ بنت معاذ بن أنس، وعبدَ الرحمن، وزيدًا، وعُبيدَ الله، وأُمَّ كلثوم؛ لأمّ وَلَدٍ، وسَلِيطًا، وعِمرانَ، والحارثَ، وثابتًا، وقَرِيبةَ، وأمَّ محمد؛ لأُمِّ وَلَدٍ.
وقال محمد بن عمر: مات زيد بن ثابت، وابنه إسماعيل صغيرٌ لم يَسمع منه شيئًا، وقال محمد بن عمر: كان زيد يكتب الكتابينْ جميعًا: كتاب العربية وكتاب العبرانية، وأول مشهد شهده زَيد بن ثابت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الخندق وهو ابن خمس عشرةَ سنة، وكان ممّن ينقل الترابَ يومئذ مع المسلمين فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أما إِنه نِعْمَ الغلام". وغَلَبته عيناه يومئذ، فرقَد، فجاء عُمارة بن حَزْم فأخذ سلاحه، وهو لا يشعُر، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا أَبَا رقّاد، نِمتَ حتى ذهبَ سلاحُك"، وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَنْ له عِلمٌ بسلاح هذا الغلام؟" فقال عُمارة بن حَزْم: يا رسول الله، أنا أخذتُه، فَرَدَّه، فَنَهَى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يومئذ أن يُرَوَّع المؤمن، أو أن يُؤخذ متاعُه لاَعِبًا جدًّا(*).
وكان عمره لما قدِم النبي صَلَّى الله عليه وسلم المدينة إحدى عشرة سنة، وكان يوم بعاث ابن ستِّ سنين، وفيها قُتِلَ أبوه، واستصغره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم بدر، فرده، وشهد أحدًا، وقيل: لم يشهدها، وإنما شهد الخندق أول مشاهدة، وكانت راية بني مالك بن النجار يوم تبوك مع عُمارة بن حزم، فأخذها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ودفعها إلى زيد بن ثابت، فقال عمارة: يا رسول الله، بلغك عني شيء؟ قال: "لَا، وَلَكِنَّ القُرْآنَ مُقَدَّمٌ، وَزَيْدٌ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ مِنْكَ"(*)أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 421..
رُمي زيد يوم اليمامة بسَهم فلم يضره، وهو الذي تولّى قسم غنائِم اليرموك، وروى خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه قال: لما قَدِمَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، المدينة أُتِي بي إليه فقيل: يا رسول الله، غلامٌ من بني النجار قد قرأ ست عشرة سورة، فأمره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يتعلّم كتابَ يَهُود، وقال: "إني لم آمنهم أن يبدلوا كتابي"، قال: فتعلمته في بضع عشرة ليلة(*). وكان زيد بن ثابت يتعلّم في مَدَارِس مَاسِكَة، فَعلم كتابَهم في خمس عشرة ليلة حتى كان يَعلم ما حرّفوا وَبَدَّلُوا.
وروى ثابت بن عُبيد، عن زَيد بن ثابت، قال: قال لي رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إنه تأتيني كتب من أناس لا أحِِبّ أن يقرأها كل أحد، فهل تستطيع أن تَعَلَّمَ كتابَ العِبرانية، أو قال: السُّريانية؟"، قلت: نعم، قال: فتعلمتُها في سبع عشرةَ ليلة(*)، وكتب بعده لأبي بكر، وعمر، وكتب لهما مُعيقيب الدّوْسيّ معه أَيضًا‏، وعن زيد بن ثابت قال: دخلتُ عَلَى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يُمِلُّ في بعض حوائجه فقال: "ضَع القَلَمَ على أُذُنك فهو أَذْكَر لِلْمُمِلِّ"(*). وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أعلمهم بالفرائض زيد"(*). وعنه قال: قال لي رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم: "انظر من ترى في المسجد"، فنظرتُ فإذا بزيد بن ثابت فدعوتُه، فأكلا تمرًا وشَرِبا من الماء ثم خرجا إلى الصلاة(*).
وقال ثابت بن عبيد: كان زيد بن ثابت من أَفْكَه الناس في بيته وَأَزْمَتِه إذا خَرَجَ إلى الرجال، وعن محمد بن سِيرين، قال: خرج زيد بن ثابت يريد الجمعة فاستقبله الناس راجعين فدخل دارًا فقيل له، فقال: إنه من لا يستَحِي من الناس لا يَسْتَحِي من الله. وروى خارجة بن زيد، أن زيد بن ثابت وجد الناس ركوعًا فَدَبَّ حتى دخل في الصفِّ. وروى عبد الملك ابن وُهَيب ــ مولى زيد بن ثابت ـــ عن زيد بن ثابت أنه أعتق غلامًا له مجوسيًّا يسمى: مابورَا. وروى خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت كان سَلِسَ منه البول وكان يداريه، فلما غَلَبه أرسله فلم يكن يتوضأ منه إلا وضوءه عند الصلاة ولا يلتفت إليه وإن خرج منه، وقال إسماعيل بن زيد بن ثابت: أخبرني بعض أهلنا قال: ما كان إناء يشرب فيه زيد أحب إليه من قَوارير، وروى خارجةَ بن زيد، عن زيد بن ثابت، أنه كتَب إلى معاوية بعد أن بُويع له: لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من زيد بن ثابت، وكتب في آخر ذلك: والسلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
وروى الشعبي، أن مروان دعا زيد بن ثابت وأجلسَ له قومًا وراء ستر، فأخذ يسأله، وهم يكتبون، ففطَن لهم زيد فقال: يا مروان، أَغَدْرًا! إنما أقول بِرَأْيِي، وفي رواية: عن عامر قال: أتى ناسٌ زيدَ بن ثابت يسألونه، فجعلوا يكتبون كل شيء، قال لهم: فلما كتبوا حاجتهم قالوا: والله لو أطلعناه على هذا الذي فعلناه فأتوه فأخبروه فقال: أَغَدْرًا! فلعل الذي قلت لكم خطأ، إنما قلت لكم بجهد رأيي، قال: فعمدوا فمحوه. وقال مسروق: أتيتُ المدينة فسألت عن أصحاب محمد صَلَّى الله عليه وسلم، فإذا زيد بن ثابت من الراسخين في العلم، وعن ابن عبّاس أنه أخذ لزيد بن ثابت بالركاب، فقال: تَنَحَّ يابنَ عَمِّ رسول الله، فقال: هكذا نفعل بعلمائنا وكُبرائنا.
وروى الشّعبي أن زيد بن ثابت كبّر على أمه أربعًا وما حسدها خيرًا، وعن موسى بن على قال سمعتُ أبي قال: إن كان الرجل يأتي زيد بن ثابت فيسأله عن الشيء فيقول: الله أنزل هذا؟ فإن قال: الله أنزل هذا، أفتاه، وروى عُبَيد بن السَّبَّاق، عن زيد بن ثابت، قال: أَرْسَلَ إِلَيَّ أبو بكر الصّدّيق مَقْتَلَ أهل اليمامة فقال: إن القتل قد اسْتَحَرَّ بقرّاء الناس، وإني أخشى أن يذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تَجْمَعَ القرآن وأنت رجل شاب عاقل لانَتّهمك، وقد كنتَ تكتبُ لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الوحيَ فَتَتَبَّع القرآنَ واجمعه، قال زيد: فوالله لو كلّفني نَقْلَ جبل أنقلُه حَجَرًا حَجَرًا ما كان أثقل عَلَيَّ مما أمرني به فقمتُ فَتَتَبَّعْتُ القرآن أجمعه من الرِّقاع والعُسُب والأَكتاف وصدور الرجال، فوجدتُ آخر سورة التوبة مع خزيمة بن ثابت: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [سورة التوبة: 128] الآية. وروى عُمارَة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه قال: جئت بها إلى عمر بن الخطاب وإلى زيد بن ثابت، فقال زيد: من يشهد معك؟ قلت: لا والله ما أدري، فقال عمر: أنا أشهد معه على ذلك.
وفي رواية: لما قُتِل أهلُ اليمامة أمر أبو بكر الصدّيق عمرَ بن الخطاب وزيدَ بن ثابت فقال: اجلِسا على باب المسجد فلا يأتيكما أحد بشيء من القرآن تُنْكِرانِهِ يشهد عليه رجلان إلا أثبتُّماه. وروى الزُّهْرِيّ عن أنس بن مالك قال: أمر عثمانُ بن عفان زيدَ بن ثابت، وسعيدَ بن العاص، وعبدَ الله بن الزبير، وعبدَ الرحمن بن الحارث بن هشام أن يكتبوا المصاحفَ وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية منه فاكتبوه بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسان قريش، فاختلفوا في التابوت فقال القرشيون: التابوت، وقال زيد بن ثابت: التابوه. فرفعوه إلى عثمان بن عفان فقال: اكتبوه التَّابُوتَ كما قالت قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم.
وروى عطاء، أن عثمان بن عفان لما نَسخ القرآنَ في المصاحف أرسَل إلَى أُبَيّ بن كَعب، فكان يُملِي عَلَى زيد بن ثابت وزيد يكتب ومعه سعيد بن العاص يُعرِبه، فهذا المُصْحَفُ عَلَى قراءة أُبَيّ وزيد.
وقال بُكير بن عبد الله بن الأشجّ: جُلّ ما أخذ به سعيدُ بن المسيّب من القضاء وما كان يُفتي به عن زيد بن ثابت، وكان قَلّ قَضَاءٌ أوْ فتوَى جليلةٌ تَرِدُ على ابن المسيّب تُحكى لهُ عن بعض مَن هو غائب عن المدينة من أصحاب النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وغيرهم إلاّ قال: فأينَ زيد بن ثابت عن هذا؟ إنّ زيد بن ثابت أعلم النّاسِ بما تقدّمه من قضاء، وأبصرهم بما يَرِدُ عليه ممّا لم يُسمَع فيه شيءٌ، ثمّ يقول ابن المسيّب: لا أعلم لزيد بن ثابت قولًا لا يُعْمَلُ به مُجمَع عليه في الشّرق والغَرْب أو يَعْمَلُ به أهل مصر، وإنّه ليأتينا عن غيره أحاديثُ وعلمٌ ما رأيتُ أحدًا من النّاس يَعْمَلُ بها ولا من هو بين ظَهْرانيهم.
وروى موسى بن مَيْسَرة عن سالم بن عبد الله قال: كنّا مع ابن عمر يومَ ماتَ زيد بن ثابت فقلتُ: مات عالمُ النّاس اليومَ! فقال ابن عمر: يرحمه اللهُ، اليوم فقد كان عالم النّاس في خلافة عمر وحبرها فرّقهم عمرُ في البلدان ونهاهم أن يفتوا برأيهم، وجلس زيد بن ثابت بالمدينة يُفتي أهلَ المدينة وغيرَهم من الطُّرّاء ــ يعني: القُدّام ـــ وروى يوسف بن سعد، عن وهيب؛ عَبْدٌ كان لزيد بن ثابت، وكان زيدٌ على بيت المال في خلافة عثمان، فدخل عثمان فأبصر وهيبًا يعينهم في بيت المال، فقال: مَن هذا؟ فقال زيد: ‏ مملوكٌ لي، فقال عثمان‏: أَراه يُعين المسلمين وله حقٌّ‏، وإنا نفرض له، ففرض له أَلفين فقال زيد:‏ والله لا نفرض لعبدٍ أَلفين، ففرض له أَلفًا.
وقد روى زيد بن ثابت عن أَبِي بكر وعُمر، وعثمان ـــ رضي الله عنهم ـــ وروى عنه من الصحابة: ابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وأنس، وسهل بن سعد، وسهل بن حُنيْف، وعبد اللّه بن يزيد الخطمي، ومن التابعين: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، وأبان بن عثمان، وبُسْر بن سعيد، وخارجة، وسليمان ابنا زيد بن ثابت، وغيرهم.
روى أنس، عن زيد بن ثابت قال: تسحَّرنا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الآذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية، وعن أنس ـــ رضي الله عنه ـــ قال: خرجْت وأنا أريدُ المسجدَ فإذا أنا بزيد بن مالك، فوضع يَدَه على منكبي يتكِئ عليه، فجعلتُ وأنا شابٌّ أخطو خطو الشّباب، فقال لي زيد قارب الخطأ، فإن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: "مَنْ مَشَى إِلَى الْمَسْجِدِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ"(*)أخرجه الطبراني في الكبير 8 / 150.والبيهقي في السنن الكبرى 3 / 49..
ولما حُصِرَ عثمانُ أتاه زيد بن ثابت، فدخل عليه الدارَ، فقال له عثمانُ: أنتَ خَارِجٌ أَنْفَعُ لي منك ها هنا، فَذُبَّ عني، فخرج، فكان يَرُدّ الناس، ويقول لهم فيه، حتى رجع لقوله أناس من الأنصار وجعل يقول: يا للأنصار! كونوا أنصار الله ــ مرتين ــ انصروه، والله إن دمَه لحرام، فجاء أبو حَنَّة المازني مع ناس من الأنصار، فقال: ما يصلح لنا معك أمر، فكان بينهما كلام ثم أخذ بتَلْبيب زيد بن ثابت هو وأناسٌ معه فمرَّ به ناس من الأنصار فلما رأوهم أرسلوه، وجعل رجل منهم يقول لأبي حَنَّةَ: أَتَصْنَعُ هذا برجل لو مات الليلة ما دريتَ مَا مِيرَاثُكَ من أبيك؟!. وقال سعيد بن عبد الرحمن ابن رُقَيْش: كان بنو عَمْرو بن عَوْف قد أجلبوا على عثمان، وكان زيد بن ثابت يَذُبُّ عنه، فقال له قائل منهم: وَمَا يَمْنَعُك!؟ مَا أَقَلَّ والله من الخزرج من له عِضْدَان العجوةِ مالَكَ! فقال زيد بن ثابت: اشتريتُ بمالي، وقَطَع لي إِمامي عمر بن الخطاب، وقطع لي إِمام عثمان بن عفان، فقال له ذلك الرجل: أعطاك عمر بن الخطاب عشرين ألف دينار؟ قال: لا، ولكن عمر كان يستخلفني على المدينة، فوالله مَا رَجَعَ من مَغِيبٍ قَطّ إلاّ قَطَعَ لي حديقةً من نَخْل.
وقال محمد بن سيرين: جاء زيد بن ثابت إلى عثمان وهو محصور معه ثلاثمائة من الأنصار، فدخل على عثمان فقال: هذه الأنصار بالباب قالوا: جئنا لننصر الله مرتين، فقال عثمان: أما القتال فلا، وكان عثمان يحبُّ زيد بن ثابت، وكان زيدٌ عثمانيًا، ولم يكن فيمن شهد شيئًا من مشاهد عليّ مع الأنصار، وكان مع ذلك يفضِّلُ عليًا ويظهر حبَّه.
وقد استخلف عمرُ بن الخطّاب زيد بن ثابت على المدينة ثلاث مرّات في الحجَّتين، وفي خُروجه إلى الشّام، وكتب إليه من الشّام: إلى زيد بن ثابت من عمر بن الخطّاب‏، وقال نافع، عن ابن عمر، قال: كان عمَرُ يستخلِفُ زيدًا إذا حجّ، وكان عثمانُ يستخلفه أَيضًا على المدينة إذا حجّ‏، واستعمله عمر بن الخطّاب على القضاء وفرض له رِزْقًا، وكان عمر يُفَرّقُ النّاسَ في البلدان ويوجّهه في الأمور المهِمّة ويُطْلَبُ إليه الرجالُ المسَمَّوْنَ فيقال له: زيد ابن ثابت فيقول: لم يسقُط عليّ مَكَانُ زيد، ولكنّ أهل البلد يحتاجون إلى زيد فيما يجدون عنده فيما يَحْدُثُ لهم ما لا يجدون عند غيره، وكان زيد بن ثابت مُتَّرَئِسًا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض في عهد عمر وعثمان وعليّ في مُقامه بالمدينة، وبعد ذلك خمس سنين حتى ولي معاوية سنة أربعين فكان كذلك أيضًا حتى تُوفّي.
وروى إبراهيم بن يحيى، عن خارجة بن زيد، قال تُوفي أَبِي زيدُ بن ثابت قبل أن تَصْفَرَّ الشمسُ فكان رأيي دفنه قبل أن أُصبح، فجاءت الأنصار فقالت لا يُدفن إلا نهارًا يجتمع له الناس، فسمع مروان الأصوات، فأقبل يمشي حتى دَخَلَ عَلَيَّ فقال: عزيمةً منّي أن يُدْفَن حتى نصبح، فلما أصبحنا غسلناه ثلاثًا: الأولى بالماء، والثانية بالماء والسِّدر، والثالثة بالماء والكافور، وكفناه في ثلاثة أثواب: أحدها بُرد كان كساه إيّاه معاوية، وصلّينا عليه بعد طلوع الشمس، صّلَّى عليه مَروانُ بن الحكَم، وأرسل مروان بجُزُرٍ فَنُحِرَتْ، وأطعمنا الناس وغلبنا النساءُ فَبَكَيْن ثلاثًا.
وروى عبد الرحمن بن أبي الزِّنَاد، عن أبيه، قال: نزل نساء العوالي وجاء نساء البلد من الأنصار فجعل خارجة يُذكِّرُهنّ الله ويقول: لاَ تَبْكِينَ عليه، فقلن: لا نسمع كلامَك في هذا، وَلَنَبْكِيَنَّ عليه ثلاثًا، فغلبنه فبكين عليه ثلاثًا قال: وأطعِمُوا. وعن يحيى بن سعيد، قال: لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: مات حَبْرُ هذه الأمة، ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خَلفًا، وقال ابن عباس لما دفن زيد بن ثابت: هكذا يذهب العلم وأشار بيده إلى قبره يَمُوت الرجل الذي يَعْلَم الشَّيءَ لاَ يَعلمه غيرُه فيذهب ما كان معه، ولما مات زيد رثاه حسّان بقوله:
فَمَنْ لِلْقَوَافِي بَعْـــــــدَ حَسَّانَ وَابْنِهِ وَمَـــــــــنْ لِلْمَعَانِي بَعْدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتِ
واختُلف في وقت وفاةِ زيد بن ثابت،‏ فقيل: مات سنة خمس وأَربعين. وقيل: سنة اثنتين، وقيل: سنة ثلاث وأَربعين، وهو ابنُ ستٍّ وخمسين‏، وقيل: ابن أَربع وخمسين، وقيل: بل تُوفِّي سنة إحدى أو اثنتين وخمسين‏، وقيل‏‏ سنة خمسين، وقيل‏ سنة خمس وخمسين، وصلّى عليه مَرْوان.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال