تسجيل الدخول


عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي

روى عِكْرِمة عن ابن عباس أنه قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قلت لرجلٍ من الأنصار: هَلُمَّ فَلْنَسْأَل أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فإنهم اليومَ كثيرٌ، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أَتَرَى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مَنْ فيهم؟ قال: فترك الرجل ذاك؟ وأقبلتُ أسأل أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عن الحديث، فإنْ كان لَيَبْلغني الحديثُ عن الرجل فآتِي بابَه وهو قائل ـــ أي نائم وقت القيلولة ـــ فأتوسّد رِدائي على بابه تَسفى الريحُ عليّ من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عمّ رسول الله ما جاء بك؟ أَلَا أرسلت إليّ فآتيكَ؟ فأقول: لا أنا أحق أن آتيك! فأسأله عن الحديث، فعاش ذلك الرجل الأنصاريّ حتى رآني وقد اجتمع الناسُ حولي يسألوني فيقول: هذا الفتى كان أعقل منّي!
وروى سَعيد بن جُبَيْرٍ، عن ابن عباس، قال: كان عمر بن الخطاب يأذن لأهل بدر ويأذن لي معهم، قال: فقال له بعضهم: أتأذن لهذا الفتى معنا، ومن أبنائنا من هو مثله! قال: فقال عمر: إنه ممن قد علمتم، قال: فأذن لهم ذات يوم وأذن لي معهم، قال: فسألهم عن هذه السُورَة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [سورة النصر: 1]، فقالوا: أمر الله نبيه صَلَّى الله عليه وسلم إذا فتح عليه أن يستغفر وأن يتوب إليه، فقال لي: ما هو يا ابن عباس؟ قال: قلت ليس كذاك، ولكنه أخبر نبيه صَلَّى الله عليه وسلم بحضور أجله، فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [سورة النصر: 1]، وَالْفَتْح فتح مكة: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [سورة النصر: 2]، أي فذاك موتك: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [سورة النصر: 3]، فقال لهم عمر: كيف تلوموني عليه بعد ما ترون.
وروى سعيد بن جُبَير قال: كان أناس من المهاجرين قد وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس دونهم، قال: وكان يسأله، فقال عمر: أَمَا إِنّي سَأُرِيكم منه اليوم ما تعرفون فَضْلَه، فسألهم عن هذه السورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [سورة النصر: 1 ـــ 2]، قال: فقال بعضهم: أمر الله نبيه صَلَّى الله عليه وسلم إذا رَأَى الناسَ يدخلون في دين الله أفواجًا أن يحمده ويستغفره، قال: فقال عمر: يابن عباس أَلَا تكلّم؟ قال فقال: أعلمه متى يموت، قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [سورة النصر: 1 ـــ 2]، فهي آتيك من الموت: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [سورة النصر: 3]، قال: ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها، فقال بعضهم: كنّا نرى أَنها في العشر الوسط، ثم بلغنا أنها في العشر الأواخر، قال: فأكثروا فيها فقال بعضهم: ليلة إحدى وعشرين، وقال بعضهم: ثلاث وعشرين، وقال بعضهم: سبع وعشرين، فقال عمر لابن عباس: أَلَا تكلّم؟ قال: والله أعلم، قال: قد نعلم أن الله أعلم، إنما نسألك عن علمك، فقال ابن عباس: الله وتْر يحب الوتْر، خلق من خلقه سبع سماوات فاستوى عليهن وخلق الأرض سبعًا، وخلق عدة الأيام سبعًا، وجعل طوافًا بالبيت سبعًا، ورمي الجمار سبعًا، وبين الصفا والمروة سبعًا، وخلق الإنسان من سبع، وجعل رزقه من سبع قال فقال عمر: فكيف خلق الإنسان من سبع؟ وجعل رزقه من سبع؟ فقد فهمت من هذا أمرًا ما فهمتُه، قال ابن عباس: إن الله يقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} حتى بلغ إلى قوله: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [سورة المؤمنون: 12 ـــ 14]، قال: ثم قرأ: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا. وَحَدَائِقَ غُلْبًا. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [سورة عبس 25 ـــ 31]، فأما السبعة فلبني آدم، وأما الأبّ فما أنبت الأرض للأنعام، وأما ليلة القدر فما نراها ـــ إن شاء الله ـــ إلا ليلة ثلاث وعشرين يمضين وسبع يبقين.
وروى الزهري أن المهاجرين قالوا لعمر: ألا تدعوا أبناءنا كما تدعو ابْنَ عباس؟ قال: ذاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول.
وقال يعقوب بن زيد: كان عمر بن الخطاب يستشير عبد الله بن عباس في الأمر إِذَا أَهَمَّه ويقول: غُصْ غَوّاصُ.
وروى يزيد بن الأصم، عن ابن عباس، قال: قدم عَلَى عُمر رجلٌ فسأله عن الناس، فقال: قرأ منهم القرآن كذا وكذا، فقال ابن عباس: ما أحبُّ أن يسأل عن آي القرآن، قال: فزَبرني عمر، فانطلقت إلى منزله، فقلت: ما أراني إلا قد سقطت من نفسه، فبينا أنا كذلك إذا جاءني رجل فقال: أجِبْ، فأخذ بيدي ثم خَلَا بي، فقال: ما كرهْتَ مما قال الرجل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إن كنت أسأت فأستغفر الله، قال: لتحدثني، قلت: إنهم متى تنازعوا اختلفوا، ومتى اختلفوا اقتتلوا، فقال: لله أبوك! لقد كُنتُ أكتمها الناس.
وأخرج أبُو نُعَيْمٍ بسنده، عن عبد الله بن دينار ـــ أنَّ رجلًا سأل اْبَن عمر عن قوله تعالى: {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتقْنَاهُما} [الأنبياء: 30] فقال: اذهب إلى ذلك الشيخ فَسلْهَ ثم تعال فأخْبِرْني، فذهب إلى ابن عباس، فسأله، فقال: كانت السماوات رتقاء لا تُمْطِر، والأرض رَتَقْاء لا تنبت، ففتق هذه بالمطر، وهذه بالنبات، فرجع الرجلُ فأخبر ابْنَ عمر، فقال: لقد أوتي ابْنُ عباس عِلْمًا صدقًا، هكذا، لقد كنت أقول ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قَد علْمتُ أنه قد أُوتي علمًا.
وروى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: كان عمر يسألني مع أصحاب محمد صَلَّى الله عليه وسلم، وكان يقول لي: لا تكلم حتى يتكلموا، فإذا تكلمتُ قال: غلبتموني أن تأتوا بمثل ما جاء به هذا الغلام الذي لم يجتمع شؤون رأسه، قال ابن إدريس: وشؤون رأسه هي الشيب الذي يكون في الرأس.
وروى أبو صالح قال: لقد رأيت من ابن عباس مجلسًا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها فخرًا، رأيتُ الناس اجتمعوا، حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر على أن يجيء ولا أن يذهب، قال: فدخلت عليه، فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال: ضع لي وضوءًا، قال: فتوضأ وجلس، وقال: اخرج فقل لهم: من أراد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أراد منه فليدخل، قال: فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم عنه، وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثر، ثم قال: إخوانكم، قال: فخرجوا، ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن وتأويله فليدخل، قال: فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به، وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثر، ثم قال: إخوانكم، قال: فخرجوا، ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل، قال: فخرجت، فقلت لهم، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، ثم قال: إخوانكم، قال: فخرجوا، ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل، قال: فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، ثم قال: إخوانكم، قال: فخرجوا، ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن العربية، والشعر، والغريب من الكلام فليدخل، قال: فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، قال أبو صالح: فلو أن قريشًا كلها فخرت بذلك لكان لها فخرًا، فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس.
وقال شقيق أبو وائل:‏ خطبنا ابن عبّاس، وهو على الموسم، فافتتح سورة النّور، فجعل يقرأ ويفَسِّر، فجعلت أقول:‏ ما رأيتُ ولا سمعْتُ كلَام رجل مثله، ولو سَمِعَتْهُ فارس، والرّوم، والترك، لأسلمت.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال