تسجيل الدخول


عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي

1 من 1
عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو العباس، ابن عم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. أمه أم الفضل لُبَابة بنت الحارث الهلالية.

وُلِد وبنو هاشم بالشِّعْبِ قبل الهجرة بثلاث. وقيل بخمس. والأول أثبت، وهو يقارب ما في الصحيحين عنه: أقبلْتُ وأَنا راكبٌ على حمارٍ أَتان، وأنا يومئذ قد ناهزْتُ سنَّ الاحتلام، والنبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم يصلّي بمنى إلى غير جِدَار... الحديث.

وفي "الصحيح" عن ابن عباس: قُبض النبي صَلَّى الله عليه وسلم وأنا خَتِين.(*) وفي رواية: وكانوا لا يختنون الرجلَ حتى يُدرك.

وفي طريق أخرى: قُبِض وأنا ابنُ عشر سنين؛ وهذا محمول على إلغاء الكسر.

روى الترمذي من طريق ليث، عن أبي جَهْضَم، عن ابن عباس أنه رأى جبرائيل، عليه السلام مرتين.

وفي الصحيح عنه أنَّ النبي صَلَّى الله عليه وسلم ضَمّه إليه، وقال: "اللهُمَّ عَلِّمه الحِْكمَةَ"(*)، وكان يقال له: حبر العرب. ويقال: إن الذي لقبه بذلك جرجير ملك المغرب، وكان قد غزا مع عبد الله بن أبي سَرْح إفريقية، فتكلم مع جرجير فقال له: ما ينبغي إلا أن تكون حبر العرب. ذكر ذلك ابن دُرَيد في الأخبار المنثورة له.

وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: لا خلافَ عند أئمتنا أنه وُلد بالشعب حين حصرَتْ قريش بني هاشم، وأنه كان له عند موت النبي صَلَّى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة.

وروى أبو الحسن المدائني عن سُحَيم بن حفص، عن أبي بكرة، قال: قدم علينا ابُن عباس البصرة وما في العرب مثله جسمًا وعلمًا وثيابًا وجَمالًا وكمالًا.

وَأخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طريق ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن النعمان ـــ أن حسان بن ثابت قال: كانت لنا عند عثمان أو غيره من الأمراءِ حاجةٌ فطلبناها إليه: جماعة من الصحابة، منهم ابُن عباس، وكانت حاجة صعبة شديدة، فاعتلَّ علينا، فراجعوه إلى أن عذروه وقاموا إلا ابْنَ عباس فلم يزل يُرَاجعه بكلام جامع حتى سدَّ عليه كلَّ حاجة، فلم يرى بُدًّا من أن يقضي حاجتنا، فخرجنا من عنده وأنا آخذُ بيدِ ابن عباس؛ فمررنا على أولئك الذين كانوا عذَروا وضَعفُوا فقلت: كان عبد الله أوْلاَكم به. قالوا: أجل. فقلت أمدحه:

إِذَا
قَالَ لَمْ
يَتْرُكْ
مَقَالًا
لِقَائِلٍ بِمُلْتَقَطَـاتٍ لَا تَرَى بَيْنَهَا فَصْلَا

كَفَى وَشَفَى ما في الصُّدُورِ وَلَمْ يَدَعْ لِذِي إرْبَةٍ فِي القَوْلِ جدًّا وَلَا هَزْلَا

سَمَـوْتَ
إلى العَلْيَا بِغَيْرِ
مَشقَّةٍ فَنِلْـتَ
ذُرَاهَا لَا دَنِيًّا وَلَا وَغْلَا
[الطويل]

وروى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ بسند له إلى حسان بن ثابت بدت لنا حاجة إلي الأمير وكان أمرًا صعبًا فمشينا إليه برجال من قريش، فاعتذر فعذروه إلا ابن عباس، فوالله ما وجد بدًا من قضاء حاجتنا، قال: فجئنا المسجد والقوم في أنديتهم، قال حسان فصحت صيحة أسمعهم وأنشأ يقول:

إذا ما ابن عباس بدا لك وجهه رأيت له في كل مجمعه فضلا

إذا قال لم يترك مقالًا
لقائل بملتقطاتٍ لا ترى بينها فصلا
الأبيات.…

قال ابْنُ يُونُسَ: غزا إفريقية مع عبد الله بن سعد سنة سبع وعشرين.

وَقَالَ ابْنُ مَنْدَه: كان أبيض طويلًا مشربًا صفرة جسيمًا وسيمًا صبيحَ الوجه له وَفْرة يخضب بالحنّاء.

وقال محمد بن عثمان بن أبي خيثمة في تاريخه: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق: رأيتُ ابْنَ عباس رجلًا جسيمًا قد شاب مقدم رَأْسِه وله جُمّة.

وقال أبو عَوانة، عن أبي حمزة: كان ابن عباس إذا قعد أخذ مقعد رجلين.

وفي معجم البَغَوِيّ، من طريق داود بن عبد الرحمن، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، أنه كان يقرِّبُ ابْنَ عباس، ويقول: إني رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم دعاك فمسح رأسك وتفل في فيك، وقال: "اللَّهُمَّ فِقِّههُ فِي الدِّين وَعَلِّمْهُ التَّأوِيلَ".

ورواه ابْنُ خُثَيم، عن سَعِيد بن جُبير، عن ابن عباس بالمرفوع نحوه.

وفي فوائد أبي الطاهر الذُّهلي، من طريق سليمان الأحول، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، أنه سكب للنبي صَلَّى الله عليه وسلم وضوءًا عند خالته ميمونة، فلما فرغ قال: "مَنْ وَضَعَ هَذَا؟" فَقَالَتْ: ابن عباس. فقال: "اللهُمّ فَقِّهه فِي الدِّينِ وعَلِّمه التأويِلَ"(*) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 48 ومسلم 4/ 1927، في كتاب فضائل الصحابة باب 30 حديث رقم 138 ـــ 2477، وأحمد في المسند 1/ 266، 314 والطبراني في الكبير 10/ 320 والطبراني في الصغير 1/ 197، والبيهقي في دلائل النبوة 6/192، 193

وفي مسند أحمد من طريق حاتم بن أبي صَغِيرة، عن عمرو بن دينارــــ أنَّ كريبًا أخبره أن ابْنَ عباس قال: صليتُ خَلْفَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فجرَّنِي حتى جعلني حِذاءَه، فلما أقبل على صلاته خنست. فلما انصرف قال لي: "ما شَأنُكَ؟" فقلت: يا رسول الله، أو ينبغي لأحَدٍ أنْ يصلِّي حِذَاءك، وأنتَ رسول الله! فدعا لي أن يزيدني الله علمًا وفهمًا.(*)

وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حدثنا الأنصاري، حدثنا إسماعيل بن مسلم، حدثني عَمْرو بن دينار، عن طاوس: عن ابن عباس: دعاني رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال: "اللهُمَّ عَلِّمه الْحِكَمةَ وَتَأويلَ الْكِتَابِ".(*) أخرجه ابن ماجة في السنن 1/ 58 باب 011 حديث رقم 166، والطبراني في الكبير 10/ 293، 11/ 345، حلية الأولياء 1/ 315

وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن شعيب بن يسار، عن عكرمة، قال: أرسل العباسُ عبد الله إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم فانطلق، ثم جاء، فقال: رأيت عنده رجلًا لا أدري ـــ ليت ـــ مَنْ هُوَ. فجاء العباسُ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قال عبد الله، فدعاه، فأجلسه في حجره، ومسح رأسه، ودعا له بالعلم.

وَرَوى الزُّبَير بْنُ بَكَّارٍ، من طريق داود، عن عطاء، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: دعا النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لابن عباس، فقال: "اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وانْشُرْ مِنْهُ".(*)

وروى ابْنُ سَعْدٍ من طريق يُسْر بن سعيد، عن محمد بن أبيّ بن كعب، عن أبيه، أنه سمعه يقول ـــ وكان عنده ابن عباس فقام: قال هذا يكون حَبْرَ هذه الأمة أوتي عقلًا وجسمًا. ودعا له رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يفقه في الدين.

وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حدثنا ابن نمير، عن زكريا بن عامرـــ هو الشعبي، قال: دخل العباس على النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال له ابنه عبد الله: لقد رأيت عنده رجلًا. فقال: ذاك جبرائيل.

وَقَالَ الَّدِارِمِيُّ والحارث في مسنديهما جميعًا: حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا جرير بن حازم، عن يَعْلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما قُبض رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلُمّ فلنسألْ أصحابَ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير. قال فقال: واعجبًا لك! أترى الناس يفتقرون إليك؟ قال: فترك ذلك وأقبلتُ أسأل، فإن كان ليبلغني الحديث عن رجل فآتي بابه وهو قائل، فأتوسَّدُ ردائي على بابه تَسْفِي الريح علي من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابْنَ عم رسول الله، ما جاء بك؟ هلا أرسلتَ إليّ فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحقُّ أن آتيك؛ فأسأله عن الحديث. فعاش الرجلُ الأنصاريُّ حتى رآني وقد اجتمع الناسُ حولي ليَسْألوني. فقال: هذا الفتى كان أعقلَ مني.

وقال محمد بن هارون الرُّوياني في مسنده: حدثنا محمد بن زياد، حدثنا فُضيل بن عياض، عن فائد، عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع: كان ابن عباس يأتي أبا رافع فيقول: ما صنع النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم يَوْمَ كذا؟ ومع ابن عباس مَنْ يكتب ما يقول.

وَأخْرَجَ الْبَغَوِيُّ، من طريق عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، قال: وجدْت عِلْمَ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم عند هذا الحيّ من الأنصار؛ إنْ كنت لأقيل ببابِ أحدهم، ولو شئت أن يؤذَن عليه لأذن، لكن أبتغي بذلك طيب نفسه.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أنبأنا معمر، عن الزهري، قال: قال المهاجرون لعمر: ألا تدعوا أبناءنا كما تدعو ابْنَ عباس؟ قال: ذاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول.

وفي تاريخ يعقوب بن سفيان، من طريق يزيد بن الأصم، عن ابن عباس، قال: قدم عَلَى عُمر رجلٌ فسأله عن الناس، فقال: قرأ منهم القرآن كذا وكذا. فقال ابن عباس: ما أحبُّ أن يسأل عن آي القرآن. قال: فزَبرني عمر، فانطلقت إلى منزله، فقلت: ما أراني إلا قد سقطت من نفسه، فبينا أنا كذلك إذا جاءني رجل فقال: أجِبْ. فأخذ بيدي ثم خَلَا بي، فقال: ما كرهْتَ مما قال الرجل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إن كنت أسأت فأستغفر الله. قال: لتحدثني. قلت: إنهم متى تنازعوا اختلفوا، ومتى اختلفوا اقتتلوا. فقال: لله أبوك! لقد كنُتُ أكتمها الناس.

وفي المجالسة من طريق المدائني، قال عليّ في ابن عباس إنا لننظر إلى الغَيْث من ستر رقيق لعقله وفِطْنته.

ومن طريق ابن الْمُبَاركِ، عن داود ـــ وهو ابن أبي هند، عن الشعبي، قال: ركب زيد ابن ثابت فأخذ ابْنُ عباس بركابه، فقال: لا تفعل يا ابن عم رسول الله. فقال: هكذا أمِرْنا أن نفعل بعلمائنا. فقبَّلَ زيد بن ثابت يدَه، وقال: هكذا أمِرْنا أن نفعلَ بأهل بيت نبينا.

وأخرجَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عن سليمان بن حرب، عن جرير بن حازم، عن أيوب ـــ مِثْلَ ما أخرج أحمد، عن إسماعيل، عن أيوب، عن عكرمة ـــ أنَّ عليًا حرق ناسًاـــ فبلغ ابْنَ عباس، فقال: لم أكُنْ لأحرقهم... الحديث.

زَادَ سُلَيْمَانُ: فبلغ عليًّا قوله، فقال: ويح ابن أم الفضل؛ إنه لغوّاص.

وَقَالَ أبُو مُعَاوِيَةَ، عن الأعمش، عن مسلم ـــ هو أبو الضحى، عن مسروق، قال: قال عبد الله ـــ هو ابن مسعود. أما إن ابن عباس لو أدرك أسناننا ما عاشَره منا أحدٌ.

زاد جعفر بن عوف، عن الأعمش: وكان يقول: نِعْم ترجمان القرآن ابن عباس. أخرجهما البيهقي.

وَأخْرَجَهُ يعقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عن إسماعيل بن الخليل، عن علي بن مسهر، عن الأعمش كرِوَاية أبي معاوية، وزاد: قال الأعمش وسمعتهم يتحدثون عن عبد الله، قال: ولنعم ترجمان القرآن ابن عباس.

وأخرج ابْنُ سَعْد بسنَدٍ حسن، عن سلمة بن كُهيل، قال: قال عبد الله: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.

وفي تاريخ محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وأبي زُرْعة الدمشقي جميعًا، من طريق عُمير بن بشر الخثعمي، عمن سأل ابْنَ عمر عن شيء، فقال: سَل ابْنَ عباس؛ فإنه أعلم مَنْ بقي بما أنزل الله على محمد.

وأخرجه ابْنُ أبِي خَيْثَمَة مِنْ وَجْهٍ آخر، عن ابن عمر، لكن فيه جابر الجعفي.

وأخرج أبُو نُعَيْمٍ من طريق حمزة بن أبي محمد، عن عبد الله بن دينار ـــ أنَّ رجلًا سأل اْبَن عمر عن قوله تعالى: {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتقْنَاهُما} [الأنبياء: 30] فقال: اذهب إلى ذلك الشيخ فَسلْهَ ثم تعال فأخْبِرْني.

فذهب إلى ابن عباس، فسأله، فقال: كانت السماوات رتقاء لا تُمْطِر، والأرض رَتَقْاء لا تنبت، ففتق هذه بالمطر، وهذه بالنبات. فرجع الرجلُ فأخبر ابْنَ عمر، فقال: لقد أوتي ابْنُ عباس عِلْمًا صدقًا، هكذا، لقد كنت أقول ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قَد علْمتُ أنه قد أوتي علمًا.

وأخرج ابْنُ سَعْدٍ بسندٍ صحيح، عن يحيى بن سعيد الأنصاري: لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: مات حَبْرُ هذه الأمة، ولعَلَّ الله أن يجعل في ابن عباس خَلفًا.

وقال عمرو بن حُبْشي: سألْتُ ابن عُمر عن آيةٍ، فقال: انطلق إلى ابن عباس فاسأله، فإنه أعلم مَنْ بقي بما أنزل الله تعالى على محمد.

وأخرج يعقوب بن سفيان، من طريق ابن إسحاق، عن عبد الله بن شبيب، قال: قالت عائشة: هو أعلم الناس بالحج.

وفي فوائد ابن المقرئ، من طريق ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنَّ عمر كان يأخذ بقول ابن عباس في العَضْل، قال: وعُمِّر عُمرًا.

وأخرج يعقوب بن سفيان من طريق ابن أبي الزّنَادِ، عن هشام بن عروة: سألت أبي عن ابن عباس، فقال: ما رأيت مِثْلَ ابن عباس قط.

وَفِي مُعْجَمِ البَغَوِيّ، من طريق عبد الجبار بن الورد، عن عطاء: ما رأيْتُ قط أكرم من مجلس ابن عباس أكثر فقهًا، وأعظم خشية؛ إن أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده، يصدرهم كلّهم من وادٍ واسع.

وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ طريق ليث بن أبي سليم، عن طاوس: رأيت سبعين من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إذا تدارؤوا في أمرٍ صاروا إلى قول ابن عباس.

وَعِنْدِ الْبَغَوِيّ مِنْ وجهٍ آخر، عن طاوس: أدركت خمسين أو سبعين من الصحابة إذا سئلوا عن شيء فخالفوا ابْنَ عباس لا يقومون حتى يقولوا هو كما قلت، أو صدَقْتَ.

وَفِي تَارِيخ عَباسِ الدُّوري، عن ابن معين، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نَجِيح: ما رأيْتُ مثلَ ابن عباس قط؛ ولقد مات يوم مات، وإنه لحبر هذه الأمة.

وَأخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ، عن أبي نعيم، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن سعيد بن عمرو؛ وأخرجه يعقوب بن سفيان، عن الحميدي، كلهم عن سفيان.

ومن طريق أبي أمامة، عن الأعمش، عن مجاهد: كان ابنُ عباس يسمَّى البحر لكثرة علمه.

وفي "الجعديات" عن شعبة بن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد: سألت البَحْرَ عن لحوم الحمر؛ وكان يسمى ابن عباس البحر... الحديث. وأصله في البخاري.

وَأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ بسندٍ صحيح، عن ميمون بن مهران، قال: لو أتيْتَ ابن عباس بصحيفة فيها ستون حديثًا لرجعت ولم تسأله عنها، وسمعتهَا يسأله الناسُ فيكفونك.

وفي "أمالي الصولي"، مِنْ طريق شريك، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق: كنت إذا رأيت ابْنَ عباس قلت: أجمل الناس؛ فإذا نطق قلت: أفصح النَّاس؛ فإذا تحدث قلت: أعلم الناس.

وقال يعقوب بن سفيان: حدّثنا قبيصة، حدّثنا سفيان عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: قرأ ابْنُ عباس سورةَ النور فجعل يفسِّرُها، فقال رجل: لو سمِعَتْ هذا الديلم لأسْلَمَتْ.

وفي رواية أبي العباس السّراج، مِنْ طريق أبي معاوية، عن الأعمش بهذا السند: خطب اْبنُ عباس، وهو على الموسم، فجعل يقرأ ويفَسّر، فجعلت أقول: لو سمعته فارس والروم لأسلَمَتْ.

وَزَادَ ابْنُ أبِي شَيَبْةَ، من طريق عاصم، عن أبي وائل: سنةَ قتل عثمان، وكان أمّره على الحج تلك السّنة.

وزاد: قال أبو وائل: قال رجل: إني لأشتهي أن أقبِّلَ رأسه ـــ يعني من حلاوة كلامه.

وقال سعيد بن منصور: حدثنا سفيان، عن عبدالكريم الجزري، عن سعيد بن جُبير: كنْتُ أسمَعُ الحديثَ من ابن عباس فلو يأذن لي لقبَّلْتُ رأسه.

وعند الدارمِيّ وابن سَعْد بسندٍ صحيح، عن عُبَيْد الله بن أبي يزيد: كان ابنُ عباس إذا سئل فإنْ كان في القرآن أخبر به، فإن لم يكن وكان عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أخبر به، فإن لم يكن وكان عن أبي بكر وعمر أخبر به، فإن لم يكن قال برَأيه.

وفي رواية ابْنِ سَعْدٍ: اجتهد رَأيَه.

وعند البَيْهَقِيّ من طريق كَهْمَس بن الحسن، عن عبد الله بن بُريدة، قال: شتم رجل ابن عباس، فقال: إنك لتشتمني وفيّ ثلاث: إني لأسمع بالحاكم من حكّام المسلمين يعدل في حُكْمه فأحبه، ولعَلِّي لا أقاضي إليه أبدًا؛ وإني لأسمع بالغيث يصيب البلاد من بلدان المسلمين فأفرح به وما لي بها سائمة ولا راعية؛ وإني لآتي على آيةٍ من كتاب الله تعالى فوددْتُ أن المسلمين كلهم يعلمون منها مِثْلَ ما أعلم.

وَقَالَ يَعْقُوب بْنُ سُفْيَانَ: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثني ابن وهب، أخبرني ابن يونس، عن ابن شهاب، قال: سنةَ قتل عثمان حجَّ بالناس عبد الله بن عباس بأمْرِ عثمان.

وعن يحيى بن بكير، عن الليث: سنة خمس وثلاثين.

وَذَكَرَ خَلِيفَةٌ أن عليًّا ولاّه البصرة وكان على الميسرة يوم صفين، واستخلف أبا الأسود على الصلاة وزيادًا على الخراج، وكان استكتبه فلم يَزَلَ ابْنُ عباس على البصرة حتى قُتل علي؛ فاستخلف على البصرة عبد الله بن الحارث، ومضى إلى الحجاز.

وَأخُرجَ الزُّبَيْرُ بسندٍ له ـــ أنَّ ابن عَبّاس كان يَغشى الناسَ في رمضان وهو أمير البصرة، فما ينقضي الشهر حتى يفقّههم.

قال: وحدثني محمد بن سلام، قال: سعى ساعٍ إلى ابْنِ عباس برجل، فقال: إن شئت نظرنا. فإن كنت كاذبًا عاقبناك، وإن كنت صادقًا نفيناك، وإن شئت أقَلْتُكَ: قال: هذه.

وفي كتاب الجليس للمعافى مِنْ طريق ابن عائشة، عن أبيه: نظر الحطيئة إلى ابْنِ عباس في مجلس عُمر، وقد فرع بكلامه، فقال: مَنْ هذا الذي نزل عن القوم بسنه، وعلاهم في قوله؟ قالوا: هذا ابنُ عباس؛ فأنشأ يقول:

إنِّي وَجَدْتُ بَيَانَ المَرْءِ نَافِلَةً يَهْدِي لَهُ وَوَجَدْتُ العَيَّ كالصَّمَمِ

المَرْءُ يَبْلَى وَيَبْقَى الكَلْمُ سَائِرَةً وَقَدْ يُلاَمُ الفَتَى
يَوْمًا وَلَمْ َيلُمِ

[البسيط]

وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّار: حُدثت عن عمرو بن دينار، قال: لما مات عبد الله بن العباس قال مات رَباني هذه الأمة.

وساق بسند له إلى موسى بن عقبة، عن مجاهد ـــ أنَّ ابْنَ عباس مات بالطائف [[فصلّى]] عليه ابنُ الحنفية، فجاء طائر أبيض، فدخل في أكفانه، فما خرج منها، فلما سوَّى عليه التراب قال ابن الحنفية: مات والله اليوم حَبْرُ هذه الأمة.

وأخرج يعقوب بن سفيان، من طريق عبد الله بن يامين: أخبرني أني أنه لما مرّ بجنازة عبد الله بن عباس جاء طائر أبيض يقال له الغرْنُوق، فدخل في النعش فلم يُرَ بعد.

وَأخْرَجُ ابْنُ سَعْدٍ من طريق يَعْلَى بن عطاء عن بجير بن عبد الله، قال: لما خرج نَعْشُ ابن عباس جاء طائر أبيض عظيم من قبل وَجّ حتى خالط أكفانَه فلم يَدْر أين ذهب؛ فكانوا يرون أنه علمه.

وروينا في جزء الحسن بن عرفة: حدثنا مروان بن شجاع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبَير، قال: مات ابْنُ عباس بالطائف، فشهدت جنازته، فجاء طائر أبيض لم يُرَ على خلقته، فدخل في نعشه ولم يُرَ خارجًا منه؛ فلما دفن تليت هذه الآية: {يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ...} إلى آخر السورة [الفجر: 27، 28].

وفي وفاته أقوال: سنة خمس وستين. وقيل سبع. وقيل ثمان؛ وهو الصحيح في قول الجمهور.

وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، عن حَفْص بن ميمون، عن أبيه: توفي عبد الله بن عباس في الطائف، فجاء طائر أبيض فدخل بين النعش والسرير، فلما وُضع في قبره سمعنا تَالِيًا يَتْلُو: {يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ...} الآية. [الفجر: 27].

واتفقوا على أنه مات بالطائف سنة ثمان وستين. واختلفوا في سنّه؛ فقيل ابن إحدى وسبعين. وقيل ابن اثنتين. وقيل ابن أربع. والأوّل هو القويُّ.
(< جـ4/ص 121>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال