1 من 1
عن حيّان بن أبي جَبَلة قال: قيل لعمرو بن العاص ما المروءة؟ فقال: يُصْلِحُ الرجلُ مالَه ويُحْسن إلى إخوانه.
لما حضرت عمرو بن العاص الوفاةُ قال: اللّهم إنك أمرتني فلم أأتمر، وزجرتني فلم أنزجر، ووضع يده في موضع الغلّ، وقال: اللّهم لا قويّ فأنتصر، ولا بريء فاعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر، لا إله إلا أنْتَ. فلم يزل يردِّدها حتى مات.
قال المزني: سمعتُ الشّافعي يقول: دخل ابن عبّاس على عمرو بن العاص في مرضه فسلّم عليه، وقال: كيف أصبحْتَ يا أبا عبد الله؟ قال: أصلحتُ من دنياي قليلًا، وأفسدتُ من ديني كثيرًا، فلو كان الّذي أصلحت هو الذي أفسدت، والذي أفسدْتُ هو الذي أصلحت لفُزْتُ، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت؛ فصرْتُ كالمنجنيق بين السّماء والأرض، لا أرقى بيدين، ولا أهبط برجلين.
قال الحسن: بلغني أنّ عمرو بن العاص لما كان عند الموت دعا حرَسَه فقال: أيّ صاحب كنتُ لكم؟ قالوا: كنتَ لنا صاحب صِدْقٍ؛ تُكْرمُنا وتُعْطينا وتفعل وتفعل، قال: فإنّي إنّما كنتُ أفعل ذلك لتمنعوني من الموت، وإنّ الموتَ ها هو ذا قد نزل بي فأغْنوه عنّي. فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا: والله ما كنّا نَحْسِبُك تَكَلّمُ بالعَوْراءِ يا أبا عبد الله، قد علمتَ أنّا لا نُغْني عنك من الموت شيئًا، فقال: أما والله لقد قلتُها وإني لأعْلَمُ أنّكم لا تُغْنُون عنّي من الموت شيئًا، ولكن والله لأنْ أكون لم أتّخِذْ منكم رجلًا قطّ يمنعني من الموت أحبّ إليّ من كذا وكذا.
وعن عَوانة بن الحكم، قال: كان عمرو بن العاص يقول: عَجَبًا لِمَن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فلمّا نزل به قال له ابنه عبد الله بن عمرو: يا أبَتِ إنّك كنتَ تقول: "عجبًا لِمَن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه"؛ فصِفْ لنا الموت وعقلك معك، فقال: يا بُنَيّ، الموت أَجَلُّ مِنْ أن يُوصَف ولكنّي سأصف لك منه شيئًا، أجدني كأنّ على عنقي جبالَ رَضْوَى، وأجدني كأنّ في جوفي شوك السُّلاَّء، وأجدني كأنّ نفَسي يخرج من ثَقْبِ إبْرَةٍ.