1 من 2
رملة بنت أبي سفيان:
رَمْلَة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أُمية، أُم حبيبة، زوج النّبي صَلَّى الله عليه وسلم. اختلف في اسمها؛ فقيل رملة وقيل هند والمشهور رملة؛ وهو الصّحيح عند جمهور أَهلِ العلم بالنّسب والسِّيَر والحديث والخبر؛ وكذلك قال الزّبير: وروى ابن وهب، عن ابن لَهِيعة، عن أبي الأسود، عن محمد بن عبد الرّحمن بن نوفل، قال: خلف رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم على أُم حبيبة بنت أبي سُفيان، واسمها رَمْلة، زوَّجَها إياه عثمان ابن عفان بأرْضِ الحبشة، قال: وأُمها صفية بنت أبي العاص عمّة عثمان.
وروي عن سعيد، عن قتادة ـــ أنّ النّجاشيُّ زوَّج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أُم حبيبة بنت أبي سفيان بأرض الحبشة وأصدق عنه بمائتي دينار.(*) ذكره الزّبير، عن محمد ابن الحسين، عن سفيان بن عيينة، عن سعيد، عن قتادة.
وذكر الزّبير، عن محمد بن حسن، عن أبي ضمرة أنس بن عياض، عن أبي بكر بن عثمان، قال: تزوَّج رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم أُمّ حبيبة بنت أبي سفيان بن حَرْب، واسْمُها رَمْلة، واسم أبيها صخر؛ زَوَّجها إياه عثمان بن عفّان، وهي بنت عمته؛ أُمها ابنة أبي العاص ـــ زَوَّجَها إياه النّجاشي، وجَهَّزَها إليه، وأصدقها أربعمائة دينار، وأَوْلم عليها عثمان بن عفان لحمًا وثَريدًا، وبعث إليها رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم شرحبيل ابن حَسنة فجاء بها.(*)
قال أبو عمر: هكذا في كتاب الزّبير في هذا الحديث؛ مَرَّة زوَّجها إياه عثمان بن عفان، ومَرَّةً قال: زوَّجها إياه النّجاشيّ. وهذا تناقُضٌ في الظّاهر. ويحتمل أن يكون النّجاشيُّ هو الخاطب على رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم والعاقد عثمان بن عفان. وقيل: بل خطبها النّجاشيُّ وأمهرها عن رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم، وعقد عليها خالد بن سعيد بن العاص. وقيل: عثمان. وكذلك اختلف في موضع نكاحِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إياها كما اختلف فيمن عَقد عليها؛ فقيل: إن نكاحها كان بالمدينة بعد رجُوعها من أرض الحبشة. وقيل: بل تزوّجها وهي بأرْض الحبشة، وهذا هو الأكثر والأصحّ إن شاء الله تعالى. وقيل: عقد عليها النّجاشيّ. وقيل: عثمان بن عفان. وقيل: خالد بن سعيد.
وكانت أُم حبيبة تحت عبيد الله بن جحش الأسديّ ـــ أسد خزيمة ـــ خرج بها مهاجرًا من مكّة إلى أرض الحبشة مع المهاجرين، ثم افتتن وتنصّر ومات نَصْرَانيًّا. وأبت أم حبيبة أن تتنصَّر. وثبَّتَها اللَّهُ على الإسلام والهجرة حتى قدمت المدينةَ، فخطبها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فزَوَّجَه إيّاها عثمان بن عفان هذا قولٌ يُرْوَى عن قتادة. وكذلك روى اللّيث عن عقيل، عن ابن شهاب ـــ أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم تزوَّج أُم حبيبة بالمدينة.
وقال ابن المبارك، عن معمر، عن الزّهري، عن عُرْوة، عن أُم حبيبة [[أنها]] كانت عند عبيد الله بن جحش، وكان رَحَل إلى النّجاشيّ. فمات، وإنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم تزوَّج بأم حبيبة وهي بأرض الحبشة، زوَّجه إيّاها النّجاشي وأمهرها أربعة آلاف درْهم، فبعث بها مع شرحبيل ابن حَسَنة، وجَهَّزها من عنده، وما بعث إليها النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم بشيء، وكان مهور سائر أزواج النّبي صَلَّى الله عليه وسلم أربعمائة درهم،(*) وكذلك قال مصعب والزّبير: إن النّجاشي زوجه إياها خلاف قول قتادة إنّ عثمان زوّجه إياها بالمدينة. وهو الصَّحيح إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر الزّبير في ذلك أخبارا كثيرة كلّها يُشهَدُ لتزويج النّجاشي إيّاها بأرْضِ الحبشة، إلا أنه ذكر الاختلافَ فيمن زوّجها وعقد عليها، فقال قوم: عثمان، وقال آخرون: خالد بن سعيد بن العاص. وقال قوم: بل النّجاشي عقد عليها، فإنه أسلم، وكان وليها هُناك، وإنما لم يَل أبوها أبو سفيان بن حرب نكاحَها؛ لأنه كان يومئذ مُشركًا محاربًا لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وقد روي أنه قيل له وهو يحارب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إن محمدًا قد نكح ابنْتَك. فقال: ذلك الفَحْل لا يُقْدَع أنفْهُ.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوَّج رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم أُم حبيبة في سنة ستّ من التّاريخ، وتُوفِّيت أمّ حبيبة سنة أربع وأربعين. وفي هذه السّنةِ ـــ بعد موت أُم حبيبة ـــ ادَّعَى معاوية زيادًا. وقيل: بل كان ذلك قبل موت أُم حبيبةَ والله أعلم.
وروي عن علي بن الحسين، قال: قدمْتُ منزلي في دار علي بن أبي طالب، فحفرنا في ناحيةٍ منه، فأخرجنا منه حجَرًا فإذا فيه مكتوب: هذا قَبْرُ رَمْلة بنت صخر، فأعَدْناه مكانه.
(< جـ4/ص 401>)
2 من 2
أم حبيبة بنت أبي سفيان:
أُم حَبيبة بنت أَبي سفيان، زوج النّبي صَلَّى الله عليه وسلم قد مضى ذكرها مجوَّدًا في باب الرّاء من الأسماء، لأن اسمها رَمْلة، لا خلاف في ذلك إِلا عند من شذَّ ممن يُعَدُّ قوله خطأ، ومَنْ قال ذلك زعم أَنّ رَمْلَة أُختها.
وتُوفيت أُم حبيبة سنة أَربع وأَربعين، ولم يختلفوا في وقت وفاتها.
أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدّثنا قاسم بن أَصبغ، قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: سمعت مصعب بن عبد الله يقول: اسم أُم حبيبة زوج النّبي صَلَّى الله عليه وسلم رَمْلة. قال أحمد بن زهير: ويقال هند والمشهور رملة.
قال أَبو عمر: إنما دخلت الشّبهةُ على مَنْ قال فيها هند باسم أُمّ سَلمة، وكذلك دخلت الشّبهة على مَنْ قال اسم أُم سلمة رملة. والصّحيحُ في اسم أُم سلمة هند، وفي أُم حبيبة رملة، والله أعلم، وكانت أُمُّ حبيبة عند عبيد الله بن جحش أَخي عبد الله وأَبي أحمد ابني جحش بن رئاب بن يعمر الأسدي، حلفاء بَني أُمية؛ فولدت له حبيبة بأرْضِ الحبشة؛ وكان قد هاجر مع زوجته أُم حبيبة إِلى أَرض الحبشة مسلمًا، ثم تنصّر هنالك، ومات نَصْرانيًّا، وبقيت أمّ حبيبة مسلمة بأرض الحبشَة، خطبها رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى النّجاشي.
وذكر الزّبير قال: حدّثنا محمد بن الحسن عن عبد الله بن عمرو بن أزهر عن إِسماعيل ابن عمرو ــ أنّ أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: ما شعرت وأنا بأرْض الحبشة إلَّا برسول النّجاشي جارية يقال لها أبرهة، كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فاستأذنت عليّ فأذنت لها. فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كتب إليّ أن أزوجكه. فقلت: بشرك الله بخير، وقالت: يقول لك الملك وكّلي مَنْ يزوّجك، فأرسلت إلى خالد بن سعيد فوكلته، وأعطيتُ أبرهة سوارين من فّضة كانتا عليَّ وخواتيم فضّة كانت في أصابعي سرورًا بشرتني به، فلما كان العشيّ أمر النّجاشي جعفر بن أبي طالب ومَنْ هناك معه من المسلمين يحضرون، وخطب النّجاشي فقال: الحمد لله، الملك القدّوس، السَّلام المؤمن، المهيمن العزيز، الجبّار المتكبر أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله، وأنه الذي بَشّر به عيسى ابن مريم. أما بعد فإن رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم، كتب إليَّ أن أُزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان؛ فأجبْتُ إلى ما دعا إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقد أصدقتها أربعمائة دينار ثم سكب الدّنانير بين يدي القوم، فتكلّم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بِالهدى ودين الحق، ليُظهِرَهُ على الدين كلّه، ولو كره المشركون. أما بعد فقد أجبْتُ إلى ما دعا إليه رسولُ الله وزوّجْته أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك الله لرسوله عليه السّلام. ودفع النّجاشي الدّنانير إلى خالد بن سعيد فقبضها، ثم أرادوا أن يَقوموا فقال: اجلسوا، فإن سنّة الأنبياء إذا تزوَّجوا أن يُؤكَل طعام على التّزويج. فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرّقوا. وقال: وحدّثني محمد بن حسن، عن محمد بن طلحة قال: قدم خالد بن سعيد، وعمرو بن العاص بأمّ حبيبة من أرض الحبشة عام الهُدْنَة.
(< جـ4/ص 483>)