أول صدقة قدم بها على أبي بكر الصديق
عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي الطائي
روى إسماعيل بن أبي خالد عن الشّعبي أنه لما كانت الرّدة قال القوم لعدي بن حاتم: أمسِك ما في يديك من الصدقة، فإنك إن تفعل تسود الحليفين. فقال: ما كنتُ لأفعل حتى أدفعه إلى أبي بكر بن أبي قُحافة ــ وكان عدي بن حاتم أحزم رأيًا، وأفضل رغبة في الإسلام ممن كان قد فرق الصدقة في قومه ــ ثم قال لهم: لا تعجلوا؛ فإنه إن يقم بهذا الأمر قائم ألفاكم ولم تفرقوا الصدقة، وإن كان الذي تظنون فَلَعمري إن أموالكم بأيديكم لا يغلبكم عليها أحد. فسكتهم بذلك، وأمر ابنه أن يسرح نعم الصدقة، فإذا كان المساء روحها، وإنه جاء بها ليلة عشاء فضربه وقال: ألا عجلتَ بها، ثم أراحها الليلة الثانية فوق ذلك قليلًا فجعل يضربه ويكلمونه فيه. فلما كان اليوم الثالث قال: يا بني، إِذَا سَرَّحْتَها فَصِحْ في أدبارها وأُمَّ بها المدينة فإنْ لَقِيَك لاَقٍ من قومك أو من غيرهم فقل: أريد الكلأ تعذر علينا ما حولنا، فلما جاء الوقت الذي كان يروحُ فيه لم يأتِ الغلام، فجعل أبوه يتوقَّعُه ويقول لأصحابه: العجب لحبس ابني! فيقول بعضهم: نخرج يا أبا طريف فنتبعه؟ فيقول: لا والله. فلما أصبح تهيأ ليغدو، فقال قومه: نغدو معك؟ فقال: لاَ يَغْدُوَنّ معي منكم أحد، إنكم إن رأيتموه حُلْتم بيني وبين أَنْ أضربه وقد عصى أمري كما تَرون. أقول له: تروِّحُ لسَفَر فَلَيْلَةً يأتي بها عتمة وليلة يعزُبُ بها.
فخرج على بعير له سريعًا حتى لحق ابنَه، ثم حَدَّرَ النَّعَمَ إلى المدينة، فلما كان ببطن قَنَاة لَقِيتْه خَيْلٌ لأبي بكر الصديق عليها عبد الله بن مسعود، ويقال: محمد بن مَسْلَمة، فلما نظروا إليه ابتدروه فأخذوه وما كان معه، وقالوا له: أين الفوارسُ الذي كانوا معك؟ فقال: ما معي أحد، فقالوا: بَلَى لقد كان معك فوارس، فلما رأونا تغيبوا. فقال ابن مسعود ــ أو محمد بن مسلمة: خلوا عنه، فما كذب ولا كذبتم، أعوان الله كانوا معه ولم يرهم. فكانت أول صدقة قُدِمَ بها على أبي بكر الصديق، قَدِمَ عليه بثلاثمائة بعير.