تسجيل الدخول


الأحنف بن قيس

الضحاك، وقيل: صخر، وقيل: الحارث، وقيل: حِصْن بن قيس بن معاوية التميمي
السعدي.
أمّه حبة بنت عَمْرو بن قرط بن ثعلبة الباهليّة ولدته وهو أحنف، فقالت وهي تُرَقِّصُهُ:
وَالله لَوْلا حَنَفٌ في رِجْلِهِ ما كانَ في الحيّ غُلامُ مِثْلِهِ
وذكر أبو الحسن المدائني أنه خلف ولده بحرًا، وبه كان يكنى، وتوفي بحر، وانقرض عقبه من الذكور، وكان يلقب بالأحنف، لحنف كان برجله، وروى إسماعيل بن أبي خالد أنـّه رأى الأحنف بن قيس عليه مطرف خَزّ، ومقطّعة من يمنة، وعمامة من خَزّ وهو على بغلة، وذكر الحَاكِمُ أنه افتتح مَرْوَ الروذ، وقدم على عمر في وفد البصرة، فرأى منه عقلًا، ودينًا، وحسن سمت، فتركه عنده سنة، ثم أحضره، وقال: يا أحنف، أتدري لم احتبستك عندي؟ قال: لا يا أمير المؤمنين قال: إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حذرنا كل منافق عليم، فخشيت أن تكون منهم ثم كتب معه كتابًا إلى الأمير على البصرة يقول له: الأحنف سيد أهل البصرة فما زال يعلو من يومئذ، وكان قد أدرك النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يَره، ودعا له النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وذكر في الصحابة لأنه أسلم على عَهْد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم‏.
وقال محمّد بن سيرين: كان الأحنف في سرية فسمع صوتًا في جوف اللّيل فانطلق وهو يقول:‏‏
إنّ على كُلّ رَئيسٍ حَقّا أنْ تُخْضَبَ القَناة أوْ تَنْدَقّا
وروى مَعْمَر عن الحسن قال: ما رأيت شريف قوم كان أفضل من الأحنف، وروى حَمّاد بن سلمة عن شيخ من بني تميم عن الأحنف بن قيس أنـّه قال: إنه ليَمنعني من كثير من الكلام مخافة الجواب، وقال الحسن: ذكروا عند معاوية شيئًا فتكلّموا، والأحنف ساكتٌ، فقال معاوية: تكلّم يا أبا بحر، فقال: أخاف الله إن كذبتُ، وأخافكم إن صدقتُ، وقال الأحنف: إني لستُ بِحَليمٍ، ولكـنّي أَتَحَالَمُ. وقال يونس بن عُبيد: حدّثني مولى للأحنف أنّه قال: إنّ الأحنف كان قَلّ ما خَلا إلاّ دَعا بالمصحف، وكان النظر في المصاحف خُلقًا من الأوّلين. وروى سَلَمَة بن منصور عن غلام كان للأحنف اشتراه أبوه منصور قال: كانت عامّة صلاة الأحنف باللّيل، قال: وكان يضع المصباح قريبًا منه فيضع إصبعه على المصباح ثم يقول: حسّ، ثمّ يقول: يا أحنف ما حملك على أن صنعتَ كذا يوم كذا!؟.
وروى أيـّوب عن محمّد قال: نُبّئْتُ أنّ عمر ذكر بني تميم فذمّهم فقام الأحنف فقال: يا أمير المؤمنين ائذن لي فأتكلّم، قال: تكلّم، قال: إنّك ذكرتَ بني تميم فَعَمَمْتهم بالذمّ، وإنّما هم من النـّاس فمنهم الصالح، والطالح، فقال: صدقتَ، فعفا بقولٍ حسنٍ فقام الحُتاتُ، وكان يناوئه فقال: يا أمير المؤمنين ائذن لي فأتكلّم، فقال: اجلس قد كَفَاكُم سيّدكم الأحنف. وروى الحسن أنّ الأحنف قَدِمَ على عمر فاحتبسه حَوْلًا كاملًا ثمّ قال: هل تدري لِمَ حبستك؟ إنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خوّفنا كلّ منافق عليم(*) ولستَ منهم إن شاء الله، وفي رواية قال: قدمتُ على عمر بن الخطّاب فاحتبسني عنده حَولًا فقال: ياأحنف قد بلوتك وخبرتـُك فلم أر إلا خيرًا ورأيتُ علانيتك حسنة وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، فإنـّا كـنّا نتحدّث إنمّا يَهْلِكُ هذه الأمّةَ كلُّ منافقٍ عليم.
وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعريّ: أمّا بعد فأدْنِ الأحنف بن قيس وشَاوِرْهُ واسمع منه، وقال أبو عمر رحمه الله:‏ ذكرنا الأحنف بن قيس في كتابنا هذا على شرطنا أن نذْكُرَ كلَّ مَنْ كان مسلمًا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في حياته، ولم نذكر أكثم بن صيفي؛ لأنه لم يصح لإسلامُه في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد ذكره أبو علي بن السّكن في كتاب "الصّحابة" فلم يصنَعْ شيئًا، والحديثُ الذي ذكره له في ذلك هو أن قال: لما بلغ أكثمَ بن صيفي مخرجُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأراد أن يأتيَه فأبى قومُه أن يدعوه قالوا: أنت كبيرُنا لم تك لتخفَّ عليه. قال: فليأْت مَنْ يبلغه عنّي ويبلّغني عنه قال: فانتدب له رجلان فأتيا النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقالا: نحن رُسُل أكْثَم بن صيفي، وهو يسألك مَنْ أنت؟ وما أنت؟ وبِمَ جئت؟ فقال النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم:‏ ‏"أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ" أخرجه البخاري في الصحيح 3 / 242، والترمذي في السنن 5 / 545، كتاب المناقب 50، باب فضل النبي صَلَّى الله عليه وسلم 1، حديث رقم 3608، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وأحمد في المسند 1 / 210،3 / 153، 249، 4 / 166، وابن أبي شيبة في المصنف 11 / 431، والبيهقي في دلائل النبوة 1 / 116، 132، 136، 174، وذكره المتقي في كنز العمال، حديث رقم 31867، 31950، 32020، 35512، ثُمّ تلا عليهم هذه آلاية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر...} [النحل‏‏: 90‏] الآية.‏ فأتيا أكثم فقالا: أبى أن يرفَع نسبه، فسألناه عن نَسبه فوجدناه زَاكِيَ النّسب واسطًا في مُضَر، وقد رمى إلينا بكلمات قد حفِظْناهنَّ، فلما سمعهنَّ أكثم قال: أي قوم؛ أراه يأمُر بمكارم الأخلاق ويَنْهَى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤساء، ولا تكونوا فيه أذنابًا، وكونوا فيه أوَّلًا، ولا تكونوا فيه آخرًا، فلم يلبث أن حضَرَتْه الوفاة؛ فقال: أوصيكم بتقوى الله وصِلة الرّحم؛ فإنه لا يبلى عليهما أصل.(*) وذكر حديثه إلى آخره.‏ قال ابن عبد البر: "وليس في هذا الخبر شيء يدلُّ على إسلامه، بل فيه بيانٌ واضح أنه إذ أتاه الرّجلان اللذان بعثهما إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأخبراه بما قال لم يلبث أنْ مات، ومِثْل هذا لا يجوز إدخاله في الصّحابة وبالله التوفيق".
ولما قدمت عائشةُ رضي الله عنها البصرة، أرسلت إلى الأحنف ابن قيس فأبى أن يأتها ثم فأبى أن يأتيها ثم أرسلَتْ إليه فأتاها، فقالت‏:‏ ويحك يا أحنف، بم تعتذر إلى الله من تَرْكِ جهاد قتلة أمير المؤمنين عثمان؟ أمِنْ قلّةِ عدد، أو أنك لا تُطاع في العشيرة؟ قال‏:‏ يا أمّ المؤمنين، ما كبرت السنّ، ولا طال العهد، وإنّ عهدي بك عام أوّل تقولين فيه وتنالين منه‏،‏ قالت:‏ ويحك يا أحنف‏!‏ إنهم مَاصُوه مَوْص الإِناء ثم قتلوه‏،‏ قال‏:‏ يا أمّ المؤمنين، إني آخذ بأمرك وأنت راضية، وأَدعُه وأَنت ساخطة، وعُمِّر الأحنف إلى زمن مصعب بن الزّبير،
وروى الحسن عن الأحنف بن قيس، قال: بَيْنا أنا أطوفُ بالبيت في زمن عثمان رضي الله عنه إذ جاء رجلٌ من بني ليث فأخذ بيدي، فقال: ألا أُبشِّرك؟ فقلت: بلى. قال: هل تذكر إذ بعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى قومِك بني سَعْد، فجعلت أعْرضُ عليهم الإسلام، وأدعوهم إليه؟ فقلت أنتَ: إنه ليدعوكم إلى خيرٍ، وما حسَّن إلا حسَنًا، فبلَّغْتُ ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:‏ ‏"اللّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَحْنَفِ‏"‏‏.‏ فقال الأحنف: هذا مِنْ أَرْجى عملي عندي.‏(*)
وكان ثقة مأمونًا قليل الحديث، وقد روى عن عمر بن الخطّاب، وعليّ بن أبي طالب، وأبي ذرّ، وعثمان، وابن مسعود، وأبي ذَرّ وغيرهم، وروى عنه أبو العلاء ابن الشّخير، والحسن البصريّ، وطلْق بن حبيب، وغيرهم.
وقال أبي المُخَيِّس: كنت قاعدًا عند الأحنف ابن قيس إذ جاء كتاب من عَبد الملك يدعوه إلى نفسه، فقال: يدعوني ابن الزرقاء إلى ولاية أهل الشأم؟! والله لَوَدِدْتُ أنّ بيني وبينهم جبلًا مِن نار مَن أتانا منهم احترقَ فيه ومَن أتاهم منّا احترق فيه. وروى الأصفر أنّ الأحنف استُعمل على خُراسان، فلمّا أتى فارس أصابته جَنابة في ليلة باردة، قال: فلم يوقظ أحدًا من غلمانه ولا جُنده وانطلق يطلب الماء، قال: فأتى على شَوك، وشجر حتّى سالَت قَدماه دمًا فوجدَ الثلج، قال: فكسره واغتسل، قال: فقام فوجد على ثيابه نعلين محذوّتين جديدتين، قال: فلبسهما فلمّا أصبح أخبر أصحابه فقالوا: والله ما علمنا بك.
وخرج معه إلى الكوفة لقتال المختار، فمات بها، وذلك في سنة سبع وستين، وصلَّى عليه مُصْعَب بن الزّبير، ومشى راجلًا بين رجلي نعشه بين رِداء، وقال: هذا سيِّدُ أهل العراق، وذهبت إحدى عينه يوم الحرّة، وقال وقال مصعب يوم مَوْته: ذهب اليوم الحْزَمُ والرَّأيُ.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال