تسجيل الدخول


خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمير بن مخزوم

((خالد بن الوَلِيد: بن المُغِيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ سيف الله)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عُمير بن مخزوم)) الطبقات الكبير. ((خالد بن الوليد بن المغيرة بن عَبْد الله بن عُمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
((أبو سليمان، وقيل: أبو الوليد))
((أمه لبابة الصغرى، وقيل: الكبرى، والأول أصح، وهي بنت الحارث بن حزن الهلالية، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأخت لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب عم النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وهو ابن خالة أولاد العباس الذين من لبابة.)) أسد الغابة. ((أمهُ عصماء؛ وهي لُبَابَة الصغرى بنت الحارث بن حَزْن بن بُجَير بن الهُزَم بن رُوَيْبَةَ بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صَعصعة بن قيس عَيلاَن. وهي أخت أم الفضل بنتُ الحارث أم بني العباس بن عبد المطلب.)) الطبقات الكبير.
((قال الزبير بن أبي بكر: وقد انقرض ولد خالد بن الوليد، فلم يبق منهم أحد، وورث أيوب بن سلمة دورهم بالمدينة.)) أسد الغابة. ((كان لخالد بن الوليد من الولد: المهاجرُ، وعبدُ الرحمن لا بقية له. وعبدُ الله الأكبر قُتل بالعراق: وأمهم أسماء بنتُ أنس بن مُدرِك الخَثعَمِيّ. وسليمانُ بن خالد وبه كان يكنى، وأمه كبشَةٌ بنت هَوْذَةَ بن أبي عَمْرو بن عَدّاء بن أُميّة بن رِزَاح بن ربيعة بن حَرَام بن ضنّةَ بن عَبد بن كَبِير بن عُذرة مِنْ قُضَاعة. وعبدُ الله الأصغر وأمه أم تَمِيم.)) الطبقات الكبير.
((لما أراد الإسلام قدم على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم هو وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري، فلما رآهم رسول لله صَلَّى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "رَمَتْكُمْ مَكَّةُ بِأَفْلَاذٍ كَبِدِهَا".(*) وقد اختلف في وقت إسلامه وهجرته، فقيل: هاجر بعد الحديبية وقبل خيبر، وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست، وخيبر بعدها في المحرم سنة سبع، وقيل: بل كان إسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من بني قريظة، وليس بشيء. وقيل: كان إسلامه سنة ثمان، وقال بعضهم: كان على خيل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم الحديبية؛ وكانت الحديبية سنة ست، وهذا القول مردود؛ فإن الصحيح أن خالد بن الوليد كان على خيل المشركين يوم الحديبية.)) أسد الغابة. ((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال: سمعت أبي يُحَدِّث قال: قال خالدُ بنُ الوليد: لما أراد الله بي ما أراد من الخير قَذَفَ في قلبي حبَّ الإسلام، وحضرني رشدي، وقلتُ قد شهدتُ هذه المواطن كلها على محمدٍ، فليس مَوْطنٌ أشهده إلا انصرفت وأنا أرى في نفسي أني مُوضِعٌ في غير شئ، وأن محمدًا سيظهرُ. ودافعتْهُ قريش بالراحِ يوم الحديبية فقلتُ: أين المذهَبُ؟ وقلتُ: أخرج إلى هِرقل. ثم قلت: أخرج من ديني إلى نصرانيةٍ أو يهودية، فأقيم مع عجمٍ تابعًا لهم مع عيبِ ذلك عَلَيَّ! ودخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكة عام القَضِيَّةِ فتغيَّبتُ، فكتب إِلَيّ أَخي: لم أَرَ أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلُكَ عَقلُكَ! ومثل الإسلام جَهِلَهُ أحدٌ؟ وقد سألني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عَنك فقال: "أين خالد؟" فقلت: يأتي الله به فقال:"ما مثل خالد جَهِلَ الإسلام! ولو كان جعل نكايته وَحَدَّهُ مع المسلمين على المشركين لكان خيرًا له ولقدّمناه على غيره" فاستدرِكْ يا أخي ما فاتك، فقد فَاتَتْك مَوَاطنُ صالحةٌ. فلمَّا جاءني كتابُه نَشِطتُ للخروج، وزادني رغبةً في الإسلام وَسَرَّتْنِى مقالةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأرى في المنام كأني في بلادٍ ضَيِّقةٍ جَدْبةٍ، فخرجت إلى بلدٍ أخضَرَ واسع. فقلت: إنَّ هذه لَرُؤْيا. فذكرتها بَعدُ لأبي بكر الصِّدِّيق فقال: هو مَخْرَجُكَ الذي هَداك الله فيه للإسلام، والضِّيقُ الذي كنتَ فيه: الشِّرْكُ فأجمعت الخروج إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وطلبت من أُصَاحبُ فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذي أريد فأسرع الإجابة وخرجنا جميعا فأدلجنا سَحَرًا. فلما كنّا بالهَدةِ إذا عمرو بن العاص فقال: مرحبًا بالقوم. قُلنا: وبك، قال: أين مسيركم؟ فأَخْبَرْناهُ وأَخْبَرَنا أنه يريدُ أيضًا النبي صَلَّى الله عليه وسلم، لِيُسْلِم. فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أول يومٍ من صفر سنة ثمان. فلما طلعتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، سلّمت عليه بالنُبوةِ، فردَّ عَلَيّ السلام بوجْهٍ طَلْقٍ فأسلمت وشهدت شهادة الحق. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قد كنت أرى لك عقلًا رجوتُ أن لا يُسْلِمُك إلا إلى خيرٍ" وبايعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقلت: استغفر لي كلّ ما أوضعتُ فيه من صدٍّ عن سبيل الله، فقال: "إن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبلَه". قلت: يا رسول الله على ذلك؟فقال: "اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدٍّ عن سبيلكَ". قال خالد: وتقدم عَمْرو بن العاص وعثمان بن طلحة فأسلما وبايعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فوالله ما كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من يوم أسلمت يَعْدِل بي أحدًا من أصحابه فيما يَحْزبه(*))) الطبقات الكبير. ((اختلف في وقت إسلامه وهِجْرته، فقيل: هاجر خالد بعد الحديبية، وقيل‏:‏ بل كان إسلامه بين الحديبية وخَيْبر. وقيل: بل كان إسلامه سنة خمس بعد فراغِ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم من بني قُرَيظة، وقيل في أول سنة ثمانٍ مع عَمرو بن العاص وعثمان بن طَلْحة‏. وقد ذكرنا في باب أخيه الوليد بن الوليد زيادةً في خبر إسلام خالد [[وكتب إلى أخيه خالد، وكان خالد خرج من مكّة فارًّا لئلا يرى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه بمكّة كراهةَ الإسلام وأهله، فسأل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الوليد فقال‏:‏ "لو أتانا لأكرمناه"،(*) ومثله سقط عليه الإسلام في عقله، فكتب بذلك الوليد إلى أخيه خالد، فوقع الإسلام في قَلْبِ خالد، وكان سبب هجرته.]] <<من ترجمة الوليد بن أبي الوليد"الاستيعاب في معرفة الأصحاب".>>))
((بعثهُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أيضًا إلى الغُميْصَاء.‏ ماء من مياه جذيمة من بني عامر، فقَتل منهم ناسًا لم يكن قَتْلُه لهم صوابًا، فوَدَاهم رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم وقال:‏ ‏"اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلْيْكَ مِمَا صَنَعَ خَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ‏"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 4 / 122، 5 / 203، 8 / 92، 9 / 92،والنسائي في السنن 8 / 237، وأحمد في المسند 2 / 151، وعبد الرزاق حديث9435، 18721، والبيهقي في السنن 9 / 115، والبيهقي في الدلائل 5 / 114، وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم 1489‏‏،‏ وخبَرهُ بذلك من صحيح الأثر، ولهم حديث‏.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قال: أخبرنا عَفَّانُ بنُ مُسْلِم، قال: حدَّثنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَة، عن عاصم بن بَهْدَلَةَ، عن أبي وائِل، أن خالد بن الوليد كتب: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران وَمِلاَءِ فارس: سلامٌ على من اتَّبَعَ الهُدَى، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هُوَ، أما بعد: فإني أَعْرِضُ عليكم الإسلامَ، فإن أَقْرَرْتُمَا به فلكما ما لأهل الإسلام وعليكما ما على أهل الإسلام، وإن أَبَيْتُما فإني أعرض عليكما الجزية، فإن أقررتما بالجزية فلكما ما لأهل الجزية، وعليكما ما على أهل الجزية، وإن أَبَيْتُما فإِنّ عندي رجالًا يُحِبّون القتالَ كما تُحِبُّ فارسُ الخَمْرَ.)) ((قال: أخبرنا يحيى بن حَمّاد، قال: حدثنا أبو عَوَانَةَ، عَن عاصم بن كُلَيْب، قال: سمعتُ شَيْخَيْنِ في المسجد ممّن سمع خالد بن الوليد، قال أحدهما لصاحبه، أتذكر ما لقينا يوم الكُمَّةِ بِسُبَاطة الحيرَة؟ قال: نعم ما لقينا يومًا أشد منه، وقعت كُمَّهُ خالد بن الوليد فقال: التمسوها وغضب فوجدناها، فوضعها على رأسه ثم اعتذر إلينا فقال: لا تلوموني فإن نبيّ الله صَلَّى الله عليه وسلم، حين حَلَقَ رأسه انْتَهَبْنا شَعْرَهُ فوقعت ناصيتُه بيدي فجعلتها ناصيةً لي في هذه الخِرْقَة، فإنما شَقَّ عَلَيَّ حين وَقَعَتْ(*))) ((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَةَ، عن إسحاق بن عبد الله، عن كعب بن مالك، قال: حدّثني نَفَرٌ من قومي حضروا يوم مُؤْتَة. قال: وأخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني داود بن سنان، عن ثعلبة بن أبي مالك. قال محمد بن عمر: وحدثني خالد بن إلياس، عن صالح بن أبي حسان، عن عُبَيد بن حُنَيْن، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ. قال: وأخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني نافع بن ثابت، عن يحيى بن عَبّاد، عن أبيه، عن رجل من بني مُرّة كان في الجيش بِمُؤْتَةَ، قالوا جميعًا: لما أخذَ خالدُ بن الوليدِ اللواءَ يومئذٍ انكشفَ الناسُ منهزمين. قال أبو سعيدِ الخُدْرِيّ في حديثه فلما سمع أهل المدينة بجيش مُؤْتَةَ قادمين تلقّوهم بالجُرْفِ، فجعلَ الناسُ يَحثُون في وجوههم التراب ويقولون: يا فُرّار، أَفَررتم في سبيل الله؟ فيقول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ليسوا بفُرّار، ولكنهم كُرَّار إن شاء الله!"(*) قال محمد بن عمر: وأمرَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خالدَ بن الوليد يوم فتح مكة أن يدخل من اللِّيط فدخل فوجد جمعًا من قريش وأحابيشها، فيهم صَفوان بن أُمية، وعِكْرمةُ بن أبي جهل، وسُهيل بن عَمْرو، فمنعُوه الدخول وشهرُوا السلاح ورموا بالنبل، وقالوا: لا تدخلها عَنوةً أبدًا! فصاحَ خالدُ في أصحابه وقاتلهم، فقتل منهم أربعةً وعشرين رجلًا، عشرونَ منهم من قريش، وأربعةٌ من هُذَيل، وانهزموا أقبح انهزام حتى قُتلوا بالحَزْوَرَة وهم مُوَلَّون في كل وجهٍ. ولما ظهر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على ثنيةِ أَذاخِر نظرَ إلى البارِقةِ فقال: "ما هذه البارقة، ألم أَنْه عن القتال؟" قيل: يا رسول الله، خالدُ بن الوليد قُوتل فقَاتل، ولو لم يُقاتَل ما قَاتل! فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قضاء الله خير!" قال وجعل خالد بن الوليد وهو يُقاتل خارجة بن خُوَيْلِد الكعبي يومئذٍ يتمثل بأبيات:

إِذَا مَا رسُولُ اللهِ فِينَا
رَأََيَْتَنا كَلُجَّةِ بَحْرٍ نال فيها سَرِيرُها

إذا ما ارتدينا الفارسِيّةَ فوقَها رُدَيْنِيّةٌ يَهدِي الأصم خَرِيرُها

إذا ماارتديناها
فإن محمدًا لها ناصرٌ عَزَّتْ وعَزَّ نصيرُها
قال محمد بن عمر: أنشدني هذه الأبيات حِزام بن هشام الكعبي، عن أبيه(*). قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني عبد الله بن يزيد الهُذلي، عن سعيد بن عمرو الهُذلي، قال: لما فتح رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكة بَثَّ السرايا، فبعثَ خالد بن الوليد إلى العُزّي يهدمها، فخرج خالد في ثلاثين فارسًا من أصحابه، فلما انتهى إليها جَرَّد سيفهُ فخرجت إليه امرأةٌ سوداء، عُريانةٌ، ناشرةُ الرأس قال وأخذني اقْشِعرَارٌ في ظهري، وجعل السادِنُ يصيحُ بها:

أَعُزَّايَ شُدِّى شَــــــدَّةً لا تُكَذِّبي على خالد أَلْقِي القناعَ وَشَمِّرِي

أَعُزَّايَ إن لم تَقْتُلي المرءَ خالــــدًا فَبُوئِي بذنب عاجـــلٍ أَوْ تَنَصَّرِي
قال: وأقبل خالد بالسيف إليها وهو يقول:

يا عُزَّ كُفْرانَكِ لاَ سُبْحانَكِ إني وجدت اللهَ قَدْ أَهَانَكِ
قال: فضربها بالسيف فَجزَّلها باثنين، ثم رجع إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: "نعم، تلك العُزَّى وقد آيَسَت أن تُعْبَدَ ببلادكم أبدًا"(*). قال: أخبرنا عبد الله بن نُمَير، عن الأجلح، عن عبد الله بن أبي الهُذيل، قال: وأخبرنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا محمد بن خالد بن سَلَمة المَخْزُومِيّ أبو عبد الرحمن، قال: حدّثني أبي: قال: وأخبرنا عُبَيد الله بن موسى، عن إِسْرَائيلِ، عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي الهُذيل، أن نبيّ الله صَلَّى الله عليه وسلم، بعث خالد بن الوليد إلى العُزَّى ليكسرها فجعل يضربها وهو يقول:

يا عُزّ كفرانكِ لا سبحانكِ
إني رأيت الله قد أَهَانَكِ(*)
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن حَكيم بن حَكيم بن عَبَّاد بن حُنَيف، عن أبي جَعفر، قال: لما رجع خالد بن الوليد من هَدْم العُزَّى إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو مقيم بمكة، بعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى بني جَذِيمَةَ وهم من كِنَانَة، وكانوا بأسفل مكة على ليلةٍ أو أقل ناحيةَ يَلَمْلَمَ بموضعٍ يُقال له الغُمَيْصَاء، فبعثه داعيًا لهم إلى الإسلام ولم يبعثهُ مقاتلًا، فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلًا من المهاجرين والأنصار وَبَنيِ سُلَيم، فانتهى إليهم فقالوا: نحن قومٌ مسلمون وقد صَلَّيْنا وَصَدَّقْنا بمحمد وبنينا المساجدَ وأذَّنا فيها. قال: فما بال السلاح عليكم؟ قالوا: إن بيننا وبين قومٍ من العرب عداوةً، فخفنا أن تكونوا هم، فأخذنا السلاح. قال: فَضَعُوا السلاحَ! فوضع القوم السلاح فأوقع بهم، وبلغ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الخبر، فبعث عَلِيَّ بنَ أبي طالب فَودَى ما أصابَ خالد منهم(*))) ((قال: أخبرنا الوليد بن مسلم، قال: حدثني صفوان بن عَمْرو، عن عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجَعِيّ، قال: خرجت مع مَن خرج مع زَيد بن حارثة من المسلمين في غزوة مُؤْتَةَ وَرَافَقَني مَدَدِيّ من اليمن ليس معه شيء غير سيفه، فَنَحَرَ رجلٌ من المسلمين جَزُورًا، فسأله المَددِيّ طائفة من جلده، فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدّرق، ومضينا فلقينا جُموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرجٌ مُذْهَبٌ وسلاحٌ مُذْهَبٌ فجعل الروميّ يَفْرِي بالمسلمين، وقعد له المَدَدِيّ خَلْفَ صخرةٍ فَمرّ به الروميّ فَعَرْقَبَ فرسَه، فخَرَّ وعلاه بالسيف فقتله، وحاز فَرسَهُ وسِلاَحَه. فلما فتح الله للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد، فأخذ منه السَّلَب، قال عوفٌ: فأتيتهُ فقلت: يا خالد، أما عَلمتَ أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قضى بالسَّلَب للقاتل؟ قال: بَلَى. ولكني استكثرته. فقلت: لَتَرُدَّنَّهُ إليه أو لَأُعَرِّفَنَّنكُمَا عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأبى أن يردّ عليه. قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله فقصصنا عليه قِصَّةَ المَدَدِيّ وما فعل خالد: فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا خالد، ما حَمَلكَ على ما صنَعْتَ؟" فقال يا رسول الله استكثرتُه. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا خالد رُدَّ عليه ما أخذتَ". قال عوف فقلت: دونك يا خالد، أَلَمْ أَفِ لك؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟" فأخبرته فغضب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقال: "يا خالد، لا تردّه عليه، هل أنتم تاركون لي أُمَرائي؟ لكم صفوةُ أمرِهم وعليهم كدره"(*). قال الوليد بن مسلم: سألت ثور بن يزيد، عن هذا الحديث فحدثني عن خالد بن معدان، عن جُبير بن نُفَير، عن عوف بن مالك الأشجعيِّ بنحوٍ من ذلك.)) ((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني إسماعيل بن مُصْعَب، عن إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت قال: لما كان يوم مُؤتةَ وقُتل الأمراء أخذ اللواءَ ثابت بن أقرم وجعل يصيح: يَا لَلْأَنْصار، فجعل الناس يثوبون إليه. فنظر إلى خالد بن الوليد فقال: خُذِ اللواءَ يا أبا سليمان، قال: لا آخذه، أنت أحق به، لك سِنٌ وقد شهدتَ بدرًا. قال ثابت: خذْهُ أيها الرّجُلُ، فواللهِ ما أخذتهُ إلا لك! وقال ثابت للناسِ: آصطلحتم على خالدٍ؟ قالوا: نعم فأخذ خالد اللواءَ فحملهُ ساعةً وجعلَ المسلمونَ يحملون عليه، فثبتَ حتى تكَركَرَ المشركون، وحمل بأصحابه فَفَضَّ جَمعًا من جمعهم، ثم دهمه منهم بشرٌ كثيرٌ فانحاشَ بالمسلمين فانكشفوا راجعين. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن الحارث بن الفُضَيل، عن أبيه، قال: لما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:" الآن حَمى الوطيسُ!"(*))) ((أرسله النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم إلى أكيْدِر دُومة فأسره. ومن طريق أبي إسحاق عن عاصم، عن أنس، وعن عمرو بن أبي سلمة ــ أن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم بعث خالد إلى أكيدر دُومة فأخذوه فأتَوْا به، فحقن له دمه، وصالحه على الجزية؛ وأرسله أبو بكر إلى قِتَال أهلِ الردة فأبلى في قتالهم بلاءً عظيمًا؛ ثم ولاّه حَرْب فارس والرّوم فأثر فيهم تأثيرًا شديدًا وفتح دمشق. وروى يَعْقُوب بْنُ سُفْيَانَ من طريق أبي الأسود، عن عُروة، قال: لما فرغ خالد من اليمامة أمّره أبو بكر بالمِسير إلى الشام، فسلك عَيْنَ التمر فسبى ابنة الجُودي من دُومة الجَنْدَل، ومضى إلى الشّام، فهزم عدوَّ الله. واستخلفه أبو بكر على الشّام إلى أن عزله عُمر؛ فروى البُخاريّ في تاريخه من طريق ناشرة بن سُمَي، قال: خطب عُمر واعتذر من عَزْل خالد؛ فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: عزلتَ عاملًا استعمله رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ووضعْتَ لما رفعه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. فقال: إِنَّكَ قَريب القَرَابَةِ حَدِيثُ السِنِ مُغْضِبٌ لابْن عَمِّكَ وقال ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حدّثني أبي، حدثني عبّاد بن العوّام، عن سفيان بن حسين، عن قتادة، قال: بعث النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزىّ فهدمها(*). وقال أَبُو زُرْعَة الدمشقي: حدّثني علي بن عباس، حدّثنا الوليد، حدّثني وَحشيّ، عن أبيه، عن جده ــ أنّ أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردّة، فقال: إني سمعْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "نِعْمَ عَبْدُ اللهِ وَأَخو العَشِيرةِ خَالِدُ ابْنُ الوَليدِ، سَيْفٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ سلَّه الله علَى الكُفَّارِ. "(*)أخرجه أحمد في المسند 6/158 بلفظ (نعم ابن العشيرة). وقال أحْمَدُ: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عبد الملك بن عُمير، قال: استعمل عُمر أبا عبيدة على الشام وعزل خالد بن الوليد، فقال خالد: بعث عليكم أمينُ هذه الأمة؛ سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقوله، فقال أبو عبيدة: سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "خَالِد سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، نِعْمَ فَتَى العَشِيَرةِ." (*) أخرجه أحمد المسند 4/90. والهيثمي في الزوائد 9/351، وقال رواه أحمد. والسيوطي في الدر المنثور 2/245.والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 33280 .)) ((قال ابْنُ إِسْحَاقَ: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس، عن حبيب، حدّثني عَمْرو بن العاص مِنْ فيه، قال: خرجتُ عامدًا لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلقيت خالد بن الوليد، وذلك قبل الفتح، وهو مُقْبِل من مكّة، فقلت: "أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ؟ قال: أذهب والله أسلم، فحتّى متى؟ قلت: وما جئت إلا لأسلم، فقدمنا جميعًا، فتقدم خالد فأسلم وبايع، ثم دنوتُ فبايعت ثم انصرفت؛ ثم شهد غَزْوَة مؤتة مع زيد بن حارثة، فلما استشهد الأمير الثّالث أخذَ الراية فانحاز بالنَّاس، وخطب النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فأعلم الناس بذلك كما ثبت في الصّحيح. وشهد مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فَتْح مكّة، فأبلى فيها، وجرى له مع بني خزيمة ما جرى، ثم شهد حنينًا والطائف في هدْم العزىّ.)) ((قال سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حدّثنا هشيم، حدّثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه ــ أن خالد بن الوليد فقد قلنسوته يوم اليَرمُوك، فقال: اطلبوها فلم يجدوها، فلم يزل حتى وجدوها، فإذا هي خَلْفَه، فسُئل عن ذلك. فقال: اعتمر النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فحلق رأسه، فابتدر الناسُ شعره فسبقْتُهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة؛ فلم أشهد قتالًا وهي معي إلا تَبيَّن لي النصر. ورواه أَبُو يعْلَى، عن شُريح بن يونس، عن هشيم ــ مختصرًا، وقال في آخره: فما وجهْتُ في وجه إلا فتح لي. وفي الصَّحيحين عن أبي هريرة في قصة الصّدقَة، فقال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: إن خالدًا احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله(*). وفي البُخَارِيُّ عن قيس بن أبي حازم، عن خالد بن الوليد، قال: لقد اندقَّ في يدي يوم مؤتة تسعةُ أسياف، فما صبرت معي إلا صفيحة يمانية.)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((قال: أخبرنا سليمان بن حَرْب، قال حدّثنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عن عَطَاء بن السَّائِب، عن مُحَارِب بن دَثَار، قال: قيل لخالد بن الوليد: إنّ في عَسْكَرِكَ من يشرب الخَمْرَ، فركب دابتهُ وجَالَ في العسكر فلقي رجلًا عَلَى مَنْسِج فرسه زِقُّ خَمْرٍ، فقال له: ما هذا؟ قال: خَلٌّ فقال خالد: اللهم اجعله خَلًّا. قال فجاء الرجلُ أصحابَهُ فقال: قد أتيتكم بخمرٍ مَا شَرِبَت العربُ مثلها، فلما فتحوهُ إذا هو خَلّ، قالوا، ويْلك، والله ما جئتنا إلا بخلٍّ. قال: هذه دَعْوَةُ خالدٍ.)) ((قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أَبِي أُوَيْس، قال: حدثني سُلَيمان بن مُسلم بن جَمَّاز القارِئ مَوْلَى بني زُهرة، عن قيس بن محمد بن عبد العزيز بن قيس، عن العباس بن عبد الله بن معبد يرفعه إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أن خالد بن الوليد أراد الخروج إلى مكة وأنه استأذن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، في رجل من بني بَكْر ــ يُريد أن يَصْحَبه فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اخرج به، أخوك البِكْريّ وَلاَ تَأْمَنْهُ" فقال فخرج معه فاستيقظ به خالد وقد سلَّ السيف يريد أن يقتله به، فقتله خالد بن الوليد(*). قال: أخبرنا يزيد بن هارون ومحمد بن عُبَيْد ومحمد بن عبد الله الأسدي، قالوا: حدّثنا مِسْعَر، عن عَلْقَمةَ بن مَرْثَد، عن عبد الرحمن بن سابط قال: أصاب خَالِدَ بنَ الوليد أَرَقٌ فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ألا أُعلّمك كلماتٍ إذا قُلْتَهُنَّ نِمْتَ!" قال: "قل اللهم رب السموات السبع، وما أََظَلّت، ورب الأرض وما أَقَلّت، ورب الشياطين وما أَضَلّت، كُنْ جَارِي من شَرِّ خَلْقِك كلهم جميعًا، أن يَفْرُطَ عَلَيّ أحدٌ منهم أو أَنْ يَطْغَى، عَزَّ جَارُكَ ولا إله غَيْرُكَ"(*). قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدّثنا حُمَيْد الطَّوِيل، قال: حدثنا بكر بن عبد الله المزني، أن أبا الْعَالِيَةَ حدثهم، أن خالد بن الوليد اشتكى إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني ألقى تفزاعًا من الليل فقال:" ألا أعلمك كلمات علمنيهن جبريل ــ قال: قال: يا محمد إن عفريتًا من الجن يكيدك ــ فقل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يُجاوزُهّن بَرٌّ ولا فاجرٌ من شر ماينزل من السماء وَمَا يَعْرُجُ فيها، ومن شر ما ذَرَأَ في الأرض وَمَا يَخْرُج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن كل طارقٍ إِلاّ طارِقًا يطرُقُ بخيرٍ يا رحمن"(*). قال: أخبرنا عفان بن مسلم، قال: حدّثنا حماد بن سَلَمة، قال أخبرنا علي بن زَيدٍ، عن يحيى بن جَعْدَةَ، أن خالد بن الوليد اشتكى إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، تَفْزاعًا يَجِدُهُ بالليل، ثم ذكر مثل حديث حُمَيد الطَّوِيل عن بكرٍ(*))) ((كان خالد من فرسان قريش وأشدّائهم، وشهد مع المشركين بدرًا وأُحُدًا والخندق)) ((قال: أخبرنا الفَضْلُ بن دُكَينْ، ومحمد بن عبد الله الأسديّ قالا: حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن العَيْزَار بن حُرَيْث، قال: كان خالد بن الوليد يقول: ما أدري من أيّ يومَيّ أفِرُّ؟ يومٍ أراد الله أن يهْدِيَ لي فيه شهادةً، أو من يوم أراد الله أن يهدي لي فيه كَرامَةً. قال: أخبرنا الفَضْلُ بن دُكَينْ، ومحمد بن عبد الله الأسديّ، قالا: حدّثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي السَّفَر، قال: مرض خالد بن الوليد بالشام فَحَضَرهُ أُنَاسٌ وهو يَسُوقُ: فقال بعضهم: والله إنه يَسُوقُ، فسمعه فقال: أجل، فأستعين الله على ذلك. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أَبِي الزِّنَادِ وغيره، قالوا: قَدِمَ خالدُ بنُ الوليد بعد أَنْ عَزَلَهُ عُمَرُ بنُ الخطاب مُعْتَمرًا، فمرَّ بالمدينة ولقي عُمَرَ ثم رجع إلى الشام فانقطع إِلَى حِمْص، فلم يزل بها)) ((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا عَمْرو عبد الله بن عَنْبَسَة، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان يقول: لم يزل خالد بن الوليد مع أبي عُبَيدةَ حتى توفي أبو عُبَيْدة، واسْتُخْلِفَ عياضُ بن غَنْم الفِهْرِيّ، فلم يزل خالدٌ معه حتى مات عياضُ ابن غَنْم، فاعتزل خالدإلى ثَغْرِ حِمْص، فكان فيه وَحَبَّسَ خَيْلًا وسِلاَحًا فلم يزل مقيمًا مرابطًا بحمص حتى نُزِلَ بهِ فدخل عليهِ أبو الدَّرْدَاءِ عائدًا له، فقال خالد بن الوليد: إِنَّ خَيْلي هذهِ التي حَبَّسْتُ في الثغر وسلاحي، هو على ما جعلته عليه، عُدّةً في سبيل الله، وقوةً يُغْزَى عليها، وتُعلفُ من مالى، وداري بالمدينة صَدَقَة: حُبُسٌ لا تباع ولا تُورَّث وقد كنت أشهدتُ عليها عُمَرَ بن الخطاب ليالي قَدِمَ الجَابِيَة وهو كان أَمَرني أن أتَصَدَّق بها، ونِعْمَ العَوْنُ هو على الإسلام. والله يا أبا الدَّرْدَاءِ لئن مات عمر لَتَريََنَّ أمورًا تُنْكِرها. قال: قال أبو الدَّرْدَاء: وأنا والله أرى ذلك. قال خالد: كنتُ قد وجدتُ عليه في نفسي في أمُورٍ لمَّا تَدَبَّرْتها في مرضي هذا وحضرني من الله حاضرٌ، عرفت أَنّ عُمَرَ كان يريدُ الله بكل ما فعل: كنتُ قد وجدتُ في نفسي حيث بعث إِلَيَّ مَن يُقاسِمُني مالي حتى أخذ فَرْدَ نَعْلٍ وأخذت فردَ نعل، فرأيته فعل ذلك بغيري من أهل السَّابِقة وَمَنْ شهد بَدْرًا، وكان يُغلظُ عَلَيَّ، وكانت غلظته على غيري نحوًا من غِلْظَتِه عَلَيَّ، وكنت أُدِلّ عليه بقرابة، فرأيتُه لاَ يُيَالي قريبًا، وَلاَ لَوْمَ لاَئِمٍ في غير الله، فذلك الذي أَذْهبَ ما كنتُ أَجِد عليه، وكان يُكَثَّرُ عَلَيَّ عندهُ وما كان ذلك مِنِّي إلاَّ على النظر، كنتُ في حَرْبٍ ومُكَايَدَةٍ، وكنتُ شاهدًا وكان غائِبًا، فكنتُ أُعْطِي على ذلك فَخَالَفَهُ ذلك مِنْ أَمْرِي، وقد جعلتُ وَصِيَّتيِ وَتَرِكَتى وإنْفَاّّذَ عَهْدِي إلى عُمر بن الخطاب. قال: فَقُدِمَ بالوصّية عَلَى عمر، فقبلها وترحم عليه، وأنفذ ما فيها. وتزوج عُمَرُ بعدُ امرأتَهُ.)) ((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا محمد بن عبد الله،عن الزُّهْري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، قال: أقطع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد مَوْضِعَ دارهٍ(*). قال محمد بن عمر: وإنما أقطعَهُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بعد خَيبر وبعد قدوم خالد عليه، وكانت دُورًا لحارثة بن النعمانِ ورثها من آبائه فوهبها لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأقطع منها رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، خالدَ بن الوليد وعمّار بن ياسر(*))) ((قال: أخبرنا محمد بن عُبَيْد عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زِياد، قال: قال خالد بن الوليد عند موته: ما كان في الأرض ليلة أحَبَّ إليّ من ليلةٍ شديدة الجَلِيدِ في سَرِيَّةٍ من المهاجرين أُصَبِّحُ بهم العَدُوّ فعليكم بالجهاد. قال: أخبرنا عبد الله بن نُمَيْر، قال: حدّثني إسماعيل، عن قَيْس، قال: سمعت خالد بن الوليد يقول: لقد منعني كثيرًا من القراءة الجهادُ في سبيل الله. قال: أخبرنا الفَضْلُ بن دُكَينْ، قال: حدّثنا الوليد بن عبد الله بن جُمَيْع قال: حدثني رجل أثق به أَنّ خالد بن الوليد أَمَّ الناس بالحيرة فقرأ مِنْ سُوَرٍ شَتَّى ثم التفت إلى الناس حين انصرف فقال: شغلني عن تَعْلِيم القرآن الجهادُ.)) الطبقات الكبير. ((لما رجع خالد بن الوليد من بني جذيمة أنكر عليه عبد الرحمن بن عوف ذلك، وجرى بينهما كلام، فسب خالد عبد الرحمن بن عوف، فغضب النبي صَلَّى الله عليه وسلم وقال لخالد: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصيفَهُ" (*) أخرجه البخاري في الصحيح 5/ 10، ومسلم في الصحيح 4/ 1967 كتاب فضائل الصحابة (44) باب تحريم سب الصحابة (54) حديث (221/ 2540)..)) أسد الغابة. ((كان خالد أَحد أشرافِ قريش في الجاهليّة، وإليه كانت القبّة والأعنَّة في الجاهليّة‏. فأما القبّةُ فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها ما يجهِّزون به الجيش.‏ وأما الأعنة فإنه كان يكون المقدم على خيول قريش في الحروب. ذكر ذلك الزَّبير.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قال: أخبرنا عبد الله بن الزبير الحُمَيْدِي، قال: حدّثنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: رأيت خالد بن الوليد أُتِيَ بِسُمٍّ فقال: ما هذا؟ قالوا: سُمّ. فقال: بسم الله وشَرِبَه، وأشار سفيان بيده إلى فيه: قال عبد الله بن الزبير: وذلك بالحِيرَة. قال: أخبرنا الفَضْل بن دُكَيْن ومحمد بن عبد الله الأسدي، قال: حدّثنا يونس بن أبي إسحاق، قال: حدّثنا أبو السَّفَر، قال: نزل خالد بن الوليد الحيرة، فنزل عَلَى بَنِي أُمّ المَرَازِبة فقالوا: احْذَر السُّمَّ لا يسقيكه الأعاجم فقال لهم: ائْتُوني بالسّمّ، فلما أتَوْهُ بهِ فوضعه في رَاحَتِه ثم قال: بسم الله، فاقتحمه فلم يضرّهُ بإذن الله شيئًا.)) الطبقات الكبير. ((حدّثنا عبد الوارث بن سفيان، حدّثنا قاسم بن أصْبَغ، حدّثنا أحمد بن زهير، قال‏: حدّثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد السّكوني، قال:‏ حدّثنا الوليد بن مسلم، قال‏: حدّثنا وَحْشي بن حرب، عن أبيه، عن جده أنه قال‏:‏ سمعتُ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم ــ وذكر خالد بن الوليد ــ فقال‏: "نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو الْعَشِيرَةِ وَسَيفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقيِنَ‏"(*) أخرجه الطبراني في الكبير 4 / 120، والحاكم 3 / 298. حدَّثنا عبد الوارث بن سفيان، قال:‏ حدّثنا قاسم بن أصْبَغ، حدّثنا أحمد بن زهير،حدّثنا الربيع بن ثعلبة، حدّثنا أبو إسماعيل المؤدب، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشّعبي، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال‏:‏ اشْتَكى عبد الرّحمن بن عوف خالدَ بن الوليد للنّبِي صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "يَا خَالدُ، لِمَ تُؤْذِي رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَدرٍ، لَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا لَمْ تُدْرِكْ عَمَلِهِ ‏"؟‏ فقال‏:‏ يا رسول الله، إنهم يَقَعُون فِيّ فأردّ عليهم. فقال‏:‏ "لا تُؤْذُوا خَالِدًا فَإِنَّهُ سَيفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ صبَّه اللَّهُ عَلَى الْكُفَّارِ‏"‏‏(*) ذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم 33901، 37968. روى جعفر بن أبي المغيرة، عن سَعِيد بن جُبير، عن ابن عبَّاس، قال:‏ وقع بين خالد ابن الوليد وعمّار بن ياسر كلامٌ، فقال‏‏ عمّار: لقد هممْتُ ألاَّ أكلِّمك أبدًا، فبلغ ذلك النّبي صَلَّى الله عليه وسلم، فقال‏: ‏"‏ يَا خَالدٌ، مالَكَ ولعمَّار؟ رجلٌ من أهل الجنة قد شهد بدرًا"‏‏ وقال لعمار:‏ ‏"إن خالدًا ــ يَا عَمَّارُ ــ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ عَلَى الْكُفَّارِ‏"‏‏ أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 390‏. قال‏‏ خالد: فما زلْتُ أُحِبُّ عمَّارًا من يومئذ.‏(*))) الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
((قال أحْمَدُ: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عبد الملك بن عُمير، قال: استعمل عُمر أبا عبيدة على الشام وعزل خالد بن الوليد، فقال خالد: بعث عليكم أمينُ هذه الأمة؛ سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقوله)) ((روى عنه ابن عبّاس وجابر، والمِقْدَام بن معد يكرب، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس وآخرون.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن بن أبي عبد اللّه المخزومي، بإسناده إلى أحمد بن علي بن المثنى؛ قال: حدثنا سُرَيج بن يونس، أخبرنا هشيم، عن عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: قال خالد بن الوليد: اعتمرنا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في عمرة اعتمرها، فحلق شعره، فاستبق الناس إلى شعره، فسبقت إلى الناصية فأخذتها، فاتخذت قلنسوة، فجعلتها في مقدم القلنسوة، فما وجهته في وجه إلا وفتح له. وروى عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، روى عنه ابن عباس، وجابر بن عبد اللّه، والمقدام بن معد يكرب وأبو امامة بن سهل بن حنيف، وغيرهم، وروى معمر، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد اللّه بن عباس، عن خالد بن الوليد: أنه دخل مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بيت ميمونة، فأتى بِضَبٍّ محنُوذٍ، فأهوى إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يريد أن يأكل منه، فقالوا: يا رسول الله، هو ضب. فرفع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يده، فقلت: أحرام هو؟ قال: "لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدْنِي أَعَافُهُ".(*) قال خالد: فاجتزرته فأكلته ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ينظر أخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1543 كتاب الصيد والذبائح (34) باب إباحة الضب (7) حديث رقم (43/ 1945) وأبو داود في السنن 2/ 381 كتاب الأطعمة باب أكل الضب حديث رقم 3794 والنسائي في السنن 7/ 198 كتاب الصيد والذبائح باب الضب (26) حديث رقم 4316، وابن ماجة في السنن 2/ 1080 كتاب الصيد (28) باب الضب (16) حديث رقم 3241 والطبراني في الكبير 4/ 126..)) أسد الغابة.
((كان سبب عَزْل عمر خالدًا ما ذكره الزبير بن بكَّار. قال: كان خالد إذا صار إليه المال قسّمه في أهل الغنائم، ولم يرفع إلى أبي بكر حسابًا، وكان فيه تقدّم على أبي بكر يفعل أشياء لا يراها أبو بكر: أقدم على قتل مالك بن نُوَيرة، ونكح امرأته، فكره ذلك أبو بكر، وعرض الدّية على مُتَمم بن نُويرة، وأمر خالدًا بطلاق امرأة مالك ولم ير أن يَعْزِله. وكان عمر ينكر هذا وشبهه على خالد. وكان أميرًا عند أبي بكر بعثه إلى طُليحة، فهزم طليحة ومن معه، ثم مضى إلى مسيلمة فقتل الله مسيلمة. قال الزُّبَيْرُ: وحدّثني محمد بن مسلم، عن مالك بن أنس، قال: قال عمر لأبي بكر: اكتُبْ إلى خالد لا يعطي شيئًا إلا بأمرك. فكتب إليه بذلك، فأجابه خالدًا: إمَّا أن تَدَعني وعملي وإلا فشأنك بعملك فأشار عليه عُمر بعزله فقال أبو بكر: فمن يجزي عني جزاء خالد؟ قال عمر: أنا. قال: فأنت. فتجهَّز عُمر حتى أنيخ الظَّهر في الدَّار، فمشى أصحابُ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم إلى أبي بكر. فقالوا: ما شأن عمر يخرج وأنتَ محتاجٌ إليه. وما لك عزلتَ خالدًا وقد كفاك؟ قال: فما أصنع؟ قالوا: تعزم على عُمر فيقيم، وتكتب إلى خالد فيقيم على عمله ففعل. فلما قبل عمر كتب إلى خالد ألَّا تعطي شاة ولا بعيرًا إلا بأمْري. فكتب إليه خالد بمثل ما كتب إلى أبي بكر، فقال عمر: ما صدقتُ الله إنْ كنْتُ أشرت على أبي بكر بأمْرٍ ٍٍفلم أنفذه فعزله. ثم كان يدعوه إلى أن يعمل فيأبى إلا أن يخلّيه يفعل ما شاء فيأبى عمر. قال مالِكٌ: وكان عمر يشبه خالدًا، فذكر القصَّة التي ستأتي في ترجمة علقمة بن عُلَاثة [[وروى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ بإسنادٍ صحيح إلى الحسن قال: لقي عُمر علقمة بن عُلاثة في جوف الليل، وكان عمر يشبه بخالد بن الوليد؛ فقال له علقمة: يا خالد؛ عزلكَ هذا الرجل؛ لقد أبى إلا شُحًّا حتى لقد جئت إليه وابن عم لي نسأله شيئًا، فأمّا إذا فعل فلن أسأله شيئًا. فقال له عُمَرُ: هيه، فما عندك؟ فقال: هم قوم لهم علينا حقّ، فنؤدي لهم حقَّهم، وأجْرُنا على الله. فلما أصبحوا قال عمر لخالد: ماذا قال لك علقمة منذ الليلة؟ قال: والله ما قال لي شيئًا. قال: وتَحْلِفُ أيضًا. ومِنْ طريق أبِي نُضْرَةَ نحوه، وزاد: فجعل علقمة يقول لخالد: مَهْ يا خالد. ورواه سَيْفُ بْنُ عُمَرَ مِنْ وجه آخر، عن الحسن؛ وزاد في آخره: فقال عمر: كلاهما قد صدقا. وكذا رواه ابْنُ عَائِذٍ: وزاد: فأجار علقمة وقَضَى حاجته. وروى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عن محمد بن سلمة عن مالك، قال: فذكر نحوه مختصرًا جدًا، وقال فيه: فقال: ماذا عندكَ؟ قال: ما عندي إلا سمع وطاعة، ولم يسمّ الرجل، قال محمد بن سلمة: وسماه الضحاك بن عثمان عَلقمة بن عُلاثة، وزاد: فقال عمر: لأن يكون مَنْ ورائي على مِثْل رأيك أحبّ إليّ مِنْ كذا وكذا.]] <<من ترجمة علقمة بن علاثة "الإصابة في تمييز الصحابة".>>.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((قال: أخبرنا هِشَامُ بن الوليد الطَّيالسي، قال: حدّثنا شُعْبَةُ عن الحكم، عن قيس بن أبي حازم، قال: أَمَّنا خالد بن الوليد باليَرْمُوك في ثوب واحدٍ، قد خالف بين طرفيه، وَخَلْفَهُ أصحابُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.)) ((قال: أخبرنا الفَضْلُ بن دُكَينْ، قال: حدّثنا الوليد بن عبد الله بن جُمَيْع قال: حدثني رجل أثق به أَنّ خالد بن الوليد أَمَّ الناس بالحيرة فقرأ مِنْ سُوَرٍ شَتَّى ثم التفت إلى الناس حين انصرف فقال: شغلني عن تَعْلِيم القرآن الجهادُ. قال: أخبرنا أَبُو معاويةَ الضَّريرِ، قال: حدّثنا هشامُ بن عُرْوَةَ، عن أبيهِ، قال: كانت في بني سُليم رِدّةٌ، فبعث إليهم أبو بكر خالدَ بن الوليد فجمع منهم رجالًا في حَظَائِر ثم أحرقهم بالنار، فجاء عمر إلى أبي بكر فقال: انْزِعْ رجلًا عَذَّبَ بعذابِ اللهِ! قال: فقال أبو بكر لاَ وَالله لاَ أَشِيمُ سَيْفًا سَلَّهُ الله على عبادهِ حتى يكون هو يَشِيمُهُ قال: ثم أمره فَمَضَى من وجهه ذلك إلى مُسَيْلمَةَ. قال: أخبرنا عبد الله بن نُمَيْر، قال: حدّثنا هشام بن عُرْوَةَ، قال: أخبرني أبي أن عمر ابن الخطاب قال لأبي بكر: انْزِعْ خالدَ بن الوليد فإنّه عَذَّبَ بعذابِ الله! قال: لا أَشِيمُ سيفًا سلَّهُ الله على الكفَّار حتى يكون الله الذي يَشِيمهُ. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال حدثني عُتبة بن جَبِيرَة، عن عاصم بن عُمَر بن قَتَادَة، قال: وحدثني محمد بن عبد الله، عن الزُّهْرِيّ. قال: وحدثني أُسَامةُ بن زَيْدٍ اللَّيْثِيّ عن الزُّهْرِيّ، عن حَنْظَلَة بن عليّ الأَسْلَمِيّ. قال: وحدثني مَسْلَمَةُ بن عبد الله بن عُروة، عن أبيه، دخل حديثُ بعضهُم في حديث بعض قال: لما ارتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ من العرب وامتننعوا من الصَّدَقَة شَاوَرَ أبو بكر الصّدّيق في غَزْوِهِم وقِتَالهم، فأجمعَ البِعثَةَ إليهم، وخرَج هو نفسهُ إلى قَنَاة فَعَسْكَرَ بها، وأظهر أنه يريد غَزْوَهُم بنفسهِ ليبَلُغَهُم ذلك فيكون أَهيب لهم. ثم سَارَ من قَنَاة في مائة من المهاجرين وخالد بن الوليد يحمل لواءهُ حتى نزل بَقْعَاء، وهو ذو القَصَّة وأراد أن يتلاحق به الناس ويكون أسرَعَ لمروجهم، فلما تلاحقوا به استعمل خالدَ بنَ الوليد عليهم، وأمرَهُ أن يسير إلى أهلِ الرِّدَّةِ فيقاتلهم على خمس خصالٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإِقَامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاة، وصيام شَهرِ رمضانَ. ورجع أبو بكر إلى المدينة ومضَى خالد بن الوليد ومعه أهل السابقة من المهاجرين والأنصار فأَوْقَعَ بأهل الرِّدَّةِ من بني تميم وغيرهم بالبِطَاحِ، وقَتَلَ مالِكَ بن نُوَيْرة، ثم أوقع بأهلِ بُزَاخَةَ وحَرَّقَهُم بالنار، وذلك أنه بلغه عنهم مقالةٌ سَيِّئةٌ، شَتَموا النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وثَبَتوا على رِدَّتهم. ثم مَضَى إلى اليَمَامَةِ فقاتلَ بها مُسَيْلِمَةَ وبَنيِ حَنِيفَة حتى قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ وصالحَ خالد أهل َ اليمامةِ على الصفراءِ والحَلْقَةِ والكُرَاعِ وَنصفِ السَّبْيِ. وكتب إلى أبي بكر: إِنـِّي لم أصالحهم حتى قُتِل من كنتُ أَقوى به، وحتى عَجِفَ الكُراعُ ونُهِكَ الخُفُّ، ونُهِكَ المسلمون بالقتل والجراحِ، وقدمَ خالدُ بن الوليد المدينةَ من اليمامة ومعهُ سبعة عشر رجلًا من وَفْدِ بَنِي حَنِيفةَ فيهم مُجَّاعَةُ بن مُرَارَةَ وإخوتُهُ، فلما دخل خالد بن الوليد المدينة دخل المسجد وعليه قَبَاءٌ، عليه صَدَأُ الحديد، مُتَقَلِّدًا السيفَ مُعتمًّا في عمامته أَسْهُمٌ، فمرَّ بعمر فلم يكلِّمه ودخل على أبي بكرٍ، فرأى منه كُلَّ ما يُجِبّ، فخرج مسرورًا، فعرفَ عمر أن أبا بكر قد أرضاه، فأمسَكَ عن كلامه، وإنما كان وَجَدَ عليه عمر فيما صنع بِمَالِك بن نُوَيرةَ من قَتْلِهِ إيّاهُ، وتَزَوُّجِ امرأتِهِ، وما كان عليه في نفسه قبل ذلك من أَمْر بني جَذِيمَةُ. قال محمد بن عمر: فهذا أَثْبَتُ عندنا أَنّ خالد بن الوليد رجع من اليمامة إلى المدينة. وقد رَوَىِ قوْمٌ من أهل العلم أَنَّ أبا بكر الصّدّيق كتب إلى خالد حين فرغ من أهل اليمامةِ أَنْ يَسِيرَ إلى العراق فَفَعَلَ. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا شَيبان بن عبد الرحمن، عن جابر، عن عامر، عن البَرَاء بن عَازِب. قال: وحدثني طلحة بن محمد بن سعيد، عن أبيه، عن سعيد بن المُسَيَّب، قالا: كتبَ أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليد حين فرغ من أهل اليمامة أن يسير إلى العراق، فخرج خالد من اليمامة فسار حتى أَتَى الحِيرَةَ فنزل بِخَفَّانِ ــ والمرزُبَان بالحِيرَةِ مَلِكٌ كان لكسرى، مَلَّكَهُ حين مات النُّعمان بن المُنْذِر ــ فتلقاهُ بنو قَبيصَةَ وبنو ثَعْلَبةَ، وعبد المسيح بن حَيَّان بن بُقَيْلَةَ، فصالحَوه عن الحِيرَةِ وأعطوهُ الجزيةَ مائةَ ألف درهم، على أن يَتَنَحَّى إلى السَّوَاد ففعل، وصالحَهم وكتب لهم كتابًا، وكانت أولَ جزية في الإسلام ثم سار خالد إلى عَيْن التَّمر فدعاهم إلى الإسلام فأَبَوْا، فقاتَلَهم قتالًا شديدًا فظفَّرهُ الله بهم، فقتل وسَبَى وبعث بالسَّبْي إلى أبي بكر الصديق. ثم نزل بأهل أُلَّيْس: وهي قرية أسفل الفرات، فصالحَهم، وكان الذي وَلِيَ صُلْحَه هانئ بن جابر الطائِيّ على ثمانين ألف درهم، ثم سار فنزل بِبَانِقْيَا على شاطيء الفُرَاتِ، فقاتلوه ليلةً حتى الصباح ثم طَلبوا الصُّلح فصالحهم وكَتَبَ لهم كتابًا. وصالح صَلُوبَا بن بَصْبَهْرَي ـــ ومنزله بشاطىء الفرات ـــ على جزية ألف درهم، ثم كتَب إليه أبو بكر يأمره بالمسير إلى الشام، وكَتب إليه: إِنـِّي قد استملتك على جُندك، وعَهدتُ إليك عهدًا تقرأهُ وتعمل بما فيه، فَسِر إلى الشام حتى يوافيك كتابي فقال خالد: هذا عمل عمر بن الخطاب حَسَدَني أن يكون فتح العراق على يدي. فاستخلفَ المُثَنَّى بن حارثة الشيباني مكانَهُ، وسَارَ بالأَدِلاّء حتى نزل دُومَةَ الجَنْدَل، فوافاهُ كتابُ أبي بكرٍ وعَهدُهُ مع شَرِيك بن عَبَدَةَ العَجْلاني، فكان أحدُ الأمراءِ بالشأم خلافة أبي بكر، وفتح بها فتوحًا كثيرة، وهو الذي ولى صلحَ دمشق وكتب لهم كتابا فأنفذوا ذلك له، فلما تُوفي أبو بكر وَوَلى عمرُ بن الخطاب عزل خالدًا عما كان عليه، وولى أبا عُبيدة بن الجَرَّاح، فلم يزل خالدُ مع أبي عُبيدة في جُنده يغزو)) ((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني يوسف بن يعقوب بن عُتْبَة، عن عثمان بن محمدْ عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: ما عَتَبَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على خالدٍ فيما صنع ببني جَذِيمَةَ، لأنهم إنما ادَّعوا الإسلام بعدَ الذي صَنَعَ بهم، ولقد كان المقُدَّمَ عنده حتى مات، ولقد خرج بعد ذلك معه إلى حُنَينْ على مُقدِّمته وإلى تَبُوك، وبعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مِنْ تَبُوك إلى أُكْيَدْرِ دُوَمة الجَنْدَل فسَبَى من سَبَى ثم صالحهم. ولقد بعثَهُ إلى بني الحارث بن كعب بنجران في شهر ربيع الأول سنة عشرٍ أميرًا وداعيًا إلى اللهِ، فخرج في أربعمائة من المسلمين، فقدِمَ عليهم فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا ولم يقاتلوا، وكتبَ بذلك إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مع بلال بن الحارث المُزني، فكتب إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: أن يقدم عليه هو وَوَفْدُ بَنِي الحارث بن كعب، فقدموا معهُ فأنزلهم خالدٌ عليه في منزله وأكرمهم.)) الطبقات الكبير.
((ذكر محمد بن سلام قال:‏ لم تبق امرأةٌ من بني المغيرة إلاَّ وضَعتْ لمَّتَها على قَبْرِ خالد بن الوليد، يقول‏:‏ حلقَتْ رأْسَها.)) ((لما حضَرتْ خالدَ بن الوليد الوفاةُ قال:‏ لقد شهدْتُ مائةَ زَحْفٍ أو زُهَاءَها، وما في جسدي موضع شِبْرٍ إِلّا وفيه ضَرْبةٌ أو طَعْنة أو رَمْية،ثم هأَنَذَا أموتُ على فراشي كما يموت العَيْر، فلا نامت أعينُ الجبناء.‏)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال حدّثني عمر بن عبد الله بن رَبَاح، عن أبي رباح خالد بن رَبَاح، قال: سمعت ثَعْلَبَة بن أبي مالك يقول: رأيت عمر بن الخطاب بقُبَاء يوم السبت ومعهُ نفرٌ من المهاجرين والأنصار، فإذا أُناسٌ من أهل الشام يُصلُّون في مسجد قُبَاء حُجّاجًا فقال: مَن القوم؟ قالوا: من اليمن، قال: أَيَّ مدائن الشام نزلتم؟ قالوا: حِمْص. قال:هل مِن مُغَرّبَِةٍ خَبَر؟ قالوا: موتُ خالد بن الوليد يوم رَحَلْنا من حِمْص. قال فاسترجع عُمَرُ مِرَارًا ونكس، وأكثر التَّرَحُّمَ عليه. وقال: كان والله سَدَّادًا لنحورِ العدوّ، ميمون النقيبةِ، فقال له عليّ بن أبي طالب: فَلِمَ عَزَلْتَهُ؟ قال: عَزْلتُه لِبَذْلِه المالَ لأهل الشرف وذوي اللسان. قال عليٌّ: فكنتَ عَزَلْتَه عن التبذير في المال وتتركه على جنده! قال: لم يكن يرضى، قال: فَهَلاَّ بَلَوْتَهُ؟! قال: أخبرنا محمد بن بن عمر، قال: حدّثني يزيد بن عبد الملك، عن الحارث بن الحكم الضَّمْرِيّ، عن شيخ من بني غِفَار، قال: سمعتُ عمرَ بن الخطاب بعد أن مات خالد ابن الوليد ــ وعمر فيما بين قُدَيدٍ وعَسَفَان يقول: وذكر خالدًا وموته ــ قال: قد ثُلِمَ في الإسلام ثُلْمةٌ لاَ تُرْتَق فقلت: يا أمير المؤمنين لم يكن رَأْيُك في حياته على هذا! فقال: نَدِمْتُ على ما كان مِنِّي إليه. قال محمد بن عمر: وحدثني غير يزيد بن عبد الملك قال: حجَّ عمر بن الخطاب ومعه زبيد بن الصلت وكان كثيرًا ما يسايره، قال: فَعَرَّسنا من الليل بأسفل ثنيّة غَزال، فَجَعلتِ الرّقاقُ تمر من الشام يذكرون خالد بن الوليد بعد موته ويقول راجزهم:
إذا رأيتَ خَالدًا تَجفّفا

وكان بين الأعجَمِين مُنْصِفَا
وهَبَّت الرِّيحُ شمالًا حَرجَفَا.
قال: فجعل عمر يترحم عليه، فقال له زُبيد: ما وجدتُ مثلكَ ومثله إلاَّ كما قال الشاعر:

لا أعرفَنَّكَ بعدَ الموتِ تَنْدُبُني
وفي حياتي ما زَوَّدْتَنِي زَادِي
فقال عمر: لا تقل ذلك، فوالله مانقمت على خالدٍ في شيء إلا في إعطائِه المال، والله لَيْتَهُ بَقِيَ ما بقى بالجَمَّاءِ حَجَرٌ.)) ((كان له بلاء وغناء وإقْدام في سبيل الله حتّى توفّي، رحمه الله، بحمص سنة إحدى وعشرين وأوصى إلى عمر بن الخطّاب، ودفن في قرية على ميل من حمص. قال محمّد بن عمر: سألتُ عن تلك القرية فقالوا قد دَثَرَتْ. أخبرنا عبد الله بن الزّبير الحُميديّ قال: حدّثنا سفيان بن عُيينة قال: حدّثنا إسماعيل ابن أبي خالد قال: سمعتُ قيس بن أبي حازم يقول: لمّا مات خالد بن الوليد قال عمر: يرحم الله أبا سليمان، لقد كنّا نَظُنّ به أمورًا ما كانت.)) الطبقات الكبير. ((قال الزُّبَيْرُ: ولما حضرت خالدًا الوفاة أوصى إلى عُمر فتولى عُمر وصيته، وسمع راجزًا يذكر خالدًا. فقال رحم الله خالدًا فقال له طليحة بن عبيد الله:

لا أَعْرِفنّك بَعْدَ المَوْتِ تَنْدُبَني وَفِي حَياتِي مَا زَوَّدتني زَادِي
فقال عُمَرُ: إني ما عتبتُ على خالد إلا في تقدمه، وما كان يصنع في المال. مات خالد بن الوليد بمدينة حِمْص سنة إحدى وعشرين، وقيل: تُوفِّي بالمدينة النبويّة وقال ابْنُ المُبَارَكِ، في كتاب الجهاد، عن حماد بن زيد: حدّثنا عبد الله بن المختار، عن عاصم بن بَهْدَلة عن أبي وائل ــ ثم شك حماد في أبي وائل قال: لما حضرت خالدًا الوفاة قال: لقد طلبت القتل مظانّة، فلم يُقَدَّر لي إلا أن أموت على فراشي؛ وما مِنْ عملي شيء أرْجى عندي بعد أن لا إله إلا الله من ليلةٍ بِتُّها وأنا مُتَترِّسٌ والسماء تهلّني تمطر إلى صبح، حتى نغير على الكفَّار؛ ثم قال: إذا أنا متّ فانظروا في سلاحي وفرَسي فاجعلوه عدَّة في سبيل الله. فلما تُوفي خرج عمر إلى جنازَته. فقال: ما على نساء آل الوليد أن يسفَحن على خالد دموعهنَّ ما لم يكن نَقْعًا أو لَقْلقة. قلت: فهذا يدل عى أنه مات بالمدينة. وسيأتي في ترجمة أمه لُبَابة الصغرى بنت الحارث مايشيده [[قال أبُو عُمَرَ: في إسلامها وصحبتها نظر، وأقره ابن الأثير. وهو عجيب، وكأنه استبعده من جهة تقدُّم وفاة زوجها الوليد أن تكون ماتت معه أو بعده بقليل؛ وليس ذلك بلازم؛ فقد ثبت أنها عاشت بعد وفاة ولدها خالد؛ ولها في ذلك قصةٌ؛ فذكر أبو حذيفة في المبتدإ والفتوح عن محمد بن إسحاق قال: لما مات خالد بن الوليد خرج عُمر في جنازته فإذا أمُّه تندبه وتقول:

أنْتَ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ ألْفٍ مِنَ القَوْ مِ إذَا مَا كُنْتَ فِي وُجُوهِ الرِّجَالِ
[الخفيف]
قال: فقال عمر: صدقت وإن كان لكذلك. وقال سَيْفُ بْنُ عُمَرَ في الرِّدَّةِ والفُتُوحِ بسندٍ له ذكر فيه قصة عزل خالد وإقامته بالمدينة؛ قال: فلما رأى عمر أنه قد زال ما كان يخشاه من افتتان الناس به عزم على أن يوليه بعد أن يرجع من الحجّ، فخرج معه خالد بن الوليد، فاستسقى خارجًا من المدينة، فقال: احدروني إلى مهاجري؛ فقدمت به أمه المدينة ومرضته حتى ثقل، فلقي عمر لاق وهو راجع من الحجّ، فقال له: ما الخبر؟ فقال: خالد لما به، فطوى عمر ثلاثًا في ليلة فأدركه حين قضى، فرقَّ عليه واسترجع، فلما جهز بكته البواكي. قيل له: ألا تنهاهن! فقال: وما على نساء قريش أن تبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة. فلما أخرج بجنازته إذا امرأةٌ محرمة تبكيه وتقول: أنت خَيْرٌ مِنْ ألْفِ ألْفٍ... البيت المتقدم، وبعده:

أشُجَاعٌ فَأنْتَ أشْجَعُ مِنْ لَيْـ ـثٍ صِهْرِ ابنِ جَهْمِ أبِي أشْبَالِ

أجَوَادٌ فَأنْتَ أجْوَدُ مِنْ سَيْـ ـلٍ
أتَى
يَسْتَقِلُّ بَيْنَ الجِبَالِ
[الخفيف]
فقال عُمَرُ: من هذه؟ فقيل: أمه. فقال: أمه، والإله ـــ ثلاثًا، وهل قامت النساء عن مثل خالد!. وهذا وإن كان من رواية أبي حذيفة وهو ضعيف، وكذلك سيف؛ لكن قد ذكر ابْنُ سَعْدٍ وهو ثقة عن كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم؛ قال: لما توفي خالد بن الوليد بكت عليه أمُّه، فقال عمر: يا أم خالد، أخالدًا أو أجره ترزئين! عزمت عليك إلا تثبت، حتى تسود يداك من الخضاب. وهذا مسند صحيح؛ وعلق البخاري قول عمر في النَّقْع واللقلقة في البكاء على خالد؛ لكن لم يسمِّ أمَّه.]] <<من ترجمة لبابة الصغرى بنت الحارث" الإصابة في تمييز الصحابة".>>، ولكن الأكثر على أنه مات بحمص والله أعلم.)) الإصابة في تمييز الصحابة.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال