تسجيل الدخول


خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمير بن مخزوم

# خالد بن الوَلِيد بن المُغِيرة القرشيّ المخزومي:
كنيته أبو سليمان، وقيل: أبو الوليد. وأمه عصماء؛ وهي لبابة الصغرى، وقيل: الكبرى، والأول أصح، وهي بنت الحارث بن حزن الهلالية، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأخت لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب عم النبي صَلَّى الله عليه وسلم.
قال الزبير بن أبي بكر: وقد انقرض ولد خالد بن الوليد، فلم يبق منهم أحد، وورث أيوب بن سلمة دورهم بالمدينة، وكان لخالد بن الوليد من الولد: المهاجرُ، وعبدُ الرحمن؛ لا بقية له، وعبدُ الله الأكبر؛ قُتل بالعراق؛ وأمهم أسماء بنتُ أنس بن مُدرِك الخَثعَمِيّ، وسليمانُ بن خالد؛ وبه كان يكنى؛ وأمه كبشَةٌ بنت هَوْذَةَ بن أبي عَمْرو مِنْ قُضَاعة، وعبدُ الله الأصغر؛ وأمه أم تَمِيم.
لما أراد الإسلام قدم على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، هو وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري، فلما رآهم رسول لله صَلَّى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "رَمَتْكُمْ مَكَّةُ بِأَفْلَاذ كَبِدِهَا"(*).
قال ابن الأثير: وقد اختلف في وقت إسلامه وهجرته، فقيل: هاجر بعد الحديبية وقبل خيبر، وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست، وخيبر بعدها في المحرم سنة سبع، وقيل: بل كان إسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من بني قريظة، وليس بشيء، وقيل: كان إسلامه سنة ثمان، وقال بعضهم: كان على خيل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم الحديبية؛ وكانت الحديبية سنة ست، وهذا القول مردود؛ فإن الصحيح أن خالد بن الوليد كان على خيل المشركين يوم الحديبية، وقال يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: سمعت أبي يُحَدِّث قال: قال خالدُ بنُ الوليد: لما أراد الله بي ما أراد من الخير قَذَفَ في قلبي حبَّ الإسلام، وحضرني رشدي، وقلتُ قد شهدتُ هذه المواطن كلها على محمدٍ، فليس مَوْطنٌ أشهده إلا انصرفت وأنا أرى في نفسي أني مُوضِعٌ في غير شيء، وأن محمدًا سيظهرُ، ودافعتْهُ قريش بالراحِ يوم الحديبية فقلتُ: أين المذهَبُ؟ وقلتُ: أخرج إلى هِرقل؛ ثم قلت: أخرج من ديني إلى نصرانيةٍ أو يهودية، فأقيم مع عجمٍ تابعًا لهم مع عيبِ ذلك عَلَيَّ! ودخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكة عام القَضِيَّةِ فتغيَّبتُ، فكتب إِلَيّ أَخي: لم أَرَ أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلُكَ عَقلُكَ! ومثل الإسلام جَهِلَهُ أحدٌ؟ وقد سألني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عَنك فقال: "أين خالد؟" فقلت: يأتي الله به فقال: "ما مثل خالد جَهِلَ الإسلام! ولو كان جعل نكايته وَحَدَّهُ مع المسلمين على المشركين لكان خيرًا له ولقدّمناه على غيره"، فاستدرِكْ يا أخي ما فاتك، فقد فَاتَتْك مَوَاطنُ صالحةٌ. فلمَّا جاءني كتابُه نَشِطتُ للخروج، وزادني رغبةً في الإسلام وَسَرَّتْنِى مقالةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأرى في المنام كأني في بلادٍ ضَيِّقةٍ جَدْبةٍ، فخرجت إلى بلدٍ أخضَرَ واسع. فقلت: إنَّ هذه لَرُؤْيا. فذكرتها بَعدُ لأبي بكر الصِّدِّيق فقال: هو مَخْرَجُكَ الذي هَداك الله فيه للإسلام، والضِّيقُ الذي كنتَ فيه: الشِّرْكُ فأجمعت الخروج إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وطلبت مَن أُصَاحبُ فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذي أريد فأسرع الإجابة وخرجنا جميعا فأدلجنا سَحَرًا، فلما كنّا بالهَدةِ إذا عمرو بن العاص فقال: مرحبًا بالقوم. قُلنا: وبك، قال: أين مسيركم؟ فأَخْبَرْناهُ وأَخْبَرَنا أنه يريدُ أيضًا النبي صَلَّى الله عليه وسلم، لِيُسْلِم؛ فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أولَ يومٍ من صفر سنة ثمان، فلما طلعتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، سلّمت عليه بالنُبوةِ، فردَّ عَلَيّ السلام بوجْهٍ طَلْقٍ فأسلمت وشهدت شهادة الحق. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قد كنت أرى لك عقلًا رجوتُ أن لا يُسْلِمُك إلا إلى خيرٍ"، وبايعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقلت: استغفر لي كلّ ما أوضعتُ فيه من صدٍّ عن سبيل الله، فقال: "إن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبلَه". قلت: يا رسول الله، على ذلك؟فقال: "اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدٍّ عن سبيلكَ". قال خالد: وتقدم عَمْرو بن العاص وعثمان بن طلحة فأسلما وبايعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فوالله ما كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من يوم أسلمت يَعْدِل بي أحدًا من أصحابه فيما يَحْزبه(*).
بَعَثَهُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى الغُميْصَاء ـــ ماء من مياه جذيمة من بني عامر ـــ فقَتل منهم ناسًا لم يكن قَتْلُه لهم صوابًا، فوَدَاهم رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم وقال:‏ ‏"اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلْيْكَ مِمَا صَنَعَ خَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ‏"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 4 / 122، 5 / 203، 8 / 92، 9 / 92،والنسائي في السنن 8 / 237، وأحمد في المسند 2 / 151، وعبد الرزاق حديث9435، 18721، والبيهقي في السنن 9 / 115، والبيهقي في الدلائل 5 / 114، وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم 1489‏‏،‏ وخبَرهُ بذلك من صحيح الأثر، ولهم حديث‏، وروى أبو وائِل، أن خالد بن الوليد كتب: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران وَمِلاَءِ فارس: سلامٌ على من اتَّبَعَ الهُدَى، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هُوَ، أما بعد: فإني أَعْرِضُ عليكم الإسلامَ، فإن أَقْرَرْتُمَا به فلكما ما لأهل الإسلام وعليكما ما على أهل الإسلام، وإن أَبَيْتُما فإني أعرض عليكما الجزية، فإن أقررتما بالجزية فلكما ما لأهل الجزية، وعليكما ما على أهل الجزية، وإن أَبَيْتُما فإِنّ عندي رجالًا يُحِبّون القتالَ كما تُحِبُّ فارسُ الخَمْرَ، ولما أخذَ خالدُ بن الوليدِ اللواءَ يوم مؤتة انكشفَ الناسُ منهزمين. قال أبو سعيدِ الخُدْرِيّ في حديثه: فلما سمع أهل المدينة بجيش مُؤْتَةَ قادمين تلقّوهم بالجُرْفِ، فجعلَ الناسُ يَحثُون في وجوههم التراب ويقولون: يا فُرّار، أَفَررتم في سبيل الله؟ فيقول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ليسوا بفُرّار، ولكنهم كُرَّار إن شاء الله!"(*) قال محمد بن عمر: وأمرَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خالدَ بن الوليد يوم فتح مكة أن يدخل من اللِّيط فدخل فوجد جمعًا من قريش وأحابيشها، فيهم صَفوان بن أُمية، وعِكْرمةُ بن أبي جهل، وسُهيل بن عَمْرو، فمنعُوه الدخول وشهرُوا السلاح ورموا بالنبل، وقالوا: لا تدخلها عَنوةً أبدًا! فصاحَ خالدُ في أصحابه وقاتلهم، فقتل منهم أربعةً وعشرين رجلًا، عشرونَ منهم من قريش، وأربعةٌ من هُذَيل، وانهزموا أقبح انهزام حتى قُتلوا بالحَزْوَرَة وهم مُوَلَّون في كل وجهٍ، ولما ظهر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على ثنيةِ أَذاخِر نظرَ إلى البارِقةِ فقال: "ما هذه البارقة، ألم أَنْه عن القتال؟" قيل: يا رسول الله، خالدُ بن الوليد قُوتل فقَاتل، ولو لم يُقاتَل ما قَاتل! فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قضاء الله خير!". قال: وجعل خالد بن الوليد وهو يُقاتل خارجة بن خُوَيْلِد الكعبي يومئذٍ يتمثل بأبيات:
إِذَا مَا رسُولُ اللهِ فِينَا
رَأََيَْتَنا كَلُجَّةِ بَحْرٍ نال فيها سَرِيرُها
إذا ما ارتدينا الفارسِيّةَ فوقَها رُدَيْنِيّةٌ يَهدِي الأصم خَرِيرُها
إذا ماارتديناها
فإن محمدًا لها ناصرٌ عَزَّتْ وعَزَّ نصيرُها
قال سعيد بن عمرو الهُذلي: لما فتح رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكة بَثَّ السرايا، فبعثَ خالد بن الوليد إلى العُزّي يهدمها، فخرج خالد في ثلاثين فارسًا من أصحابه، فلما انتهى إليها جَرَّد سيفهُ فخرجت إليه امرأةٌ سوداء، عُريانةٌ، ناشرةُ الرأس قال: وأخذني اقْشِعرَارٌ في ظهري، وجعل السادِنُ يصيحُ بها:
أَعُزَّايَ شُدِّى شَــــــدَّةً لا تُكَذِّبي على خالد أَلْقِي القناعَ وَشَمِّرِي
أَعُزَّايَ إن لم تَقْتُلي المرءَ خالــــدًا فَبُوئِي بذنب عاجـــلٍ أَوْ تَنَصَّرِي
قال: وأقبل خالد بالسيف إليها وهو يقول:
يا عُزَّ كُفْرانَكِ لاَ سُبْحانَكِ إني وجدت اللهَ قَدْ أَهَانَكِ
قال: فضربها بالسيف فَجزَّلها باثنين، ثم رجع إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: "نعم، تلك العُزَّى وقد آيَسَت أن تُعْبَدَ ببلادكم أبدًا"(*)، وقال أبو جَعفر: لما رجع خالد بن الوليد من هَدْم العُزَّى إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو مقيم بمكة، بعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى بني جَذِيمَةَ وهم من كِنَانَة، وكانوا بأسفل مكة على ليلةٍ أو أقل ناحيةَ يَلَمْلَمَ بموضعٍ يُقال له: الغُمَيْصَاء، فبعثه داعيًا لهم إلى الإسلام ولم يبعثهُ مقاتلًا، فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلًا من المهاجرين والأنصار وَبَنيِ سُلَيم، فانتهى إليهم فقالوا: نحن قومٌ مسلمون وقد صَلَّيْنا وَصَدَّقْنا بمحمد وبنينا المساجدَ وأذَّنا فيها. قال: فما بال السلاح عليكم؟ قالوا: إن بيننا وبين قومٍ من العرب عداوةً، فخفنا أن تكونوا هم، فأخذنا السلاح. قال: فَضَعُوا السلاحَ! فوضع القوم السلاح فأوقع بهم، وبلغ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الخبر، فبعث عَلِيَّ بنَ أبي طالب فَودَى ما أصابَ خالد منهم(*)، وقال عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: ما عَتَبَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على خالدٍ فيما صنع ببني جَذِيمَةَ، لأنهم إنما ادَّعوا الإسلام بعدَ الذي صَنَعَ بهم، ولقد كان المقُدَّمَ عنده حتى مات، ولقد خرج بعد ذلك معه إلى حُنَينْ على مُقدِّمته وإلى تَبُوك، وبعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مِنْ تَبُوك إلى أُكْيَدْرِ دُوَمة الجَنْدَل فسَبَى من سَبَى ثم صالحهم. ولقد بعثَهُ إلى بني الحارث بن كعب بنجران في شهر ربيع الأول سنة عشرٍ أميرًا وداعيًا إلى اللهِ، فخرج في أربعمائة من المسلمين، فقدِمَ عليهم فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا ولم يقاتلوا، وكتبَ بذلك إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مع بلال بن الحارث المُزني، فكتب إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: أن يقدم عليه هو وَوَفْدُ بَنِي الحارث بن كعب، فقدموا معهُ فأنزلهم خالدٌ عليه في منزله وأكرمهم، وقال عوف بن مالك الأشجَعِيّ: خرجت مع مَن خرج مع زَيد بن حارثة من المسلمين في غزوة مُؤْتَةَ وَرَافَقَني مَدَدِيّ من اليمن ليس معه شيء غير سيفه، فَنَحَرَ رجلٌ من المسلمين جَزُورًا، فسأله المَددِيّ طائفة من جلده، فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدّرق، ومضينا فلقينا جُموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرجٌ مُذْهَبٌ وسلاحٌ مُذْهَبٌ فجعل الروميّ يَفْرِي بالمسلمين، وقعد له المَدَدِيّ خَلْفَ صخرةٍ فَمرّ به الروميّ فَعَرْقَبَ فرسَه، فخَرَّ وعلاه بالسيف فقتله، وحاز فَرسَهُ وسِلاَحَه. فلما فتح الله للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد، فأخذ منه السَّلَب، قال عوفٌ: فأتيتهُ فقلت: يا خالد، أما عَلمتَ أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قضى بالسَّلَب للقاتل؟ قال: بَلَى. ولكني استكثرته. فقلت: لَتَرُدَّنَّهُ إليه أو لَأُعَرِّفَنَّنكُمَا عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأبى أن يردّ عليه. قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله فقصصنا عليه قِصَّةَ المَدَدِيّ وما فعل خالد: فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا خالد، ما حَمَلكَ على ما صنَعْتَ؟" فقال: يا رسول الله استكثرتُه. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا خالد رُدَّ عليه ما أخذتَ". قال عوف: فقلت: دونك يا خالد، أَلَمْ أَفِ لك؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟" فأخبرته فغضب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقال: "يا خالد، لا تردّه عليه، هل أنتم تاركون لي أُمَرائي؟ لكم صفوةُ أمرِهم وعليهم كدره"(*)، وقال إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت: لما كان يوم مُؤتةَ وقُتل الأمراء أخذ اللواءَ ثابت بن أقرم وجعل يصيح: يَا لَلْأَنْصار، فجعل الناس يثوبون إليه. فنظر إلى خالد بن الوليد فقال: خُذِ اللواءَ يا أبا سليمان، قال: لا آخذه، أنت أحق به، لك سِنٌ وقد شهدتَ بدرًا. قال ثابت: خذْهُ أيها الرّجُلُ، فواللهِ ما أخذتهُ إلا لك! وقال ثابت للناسِ: آصطلحتم على خالدٍ؟ قالوا: نعم فأخذ خالد اللواءَ فحملهُ ساعةً وجعلَ المسلمونَ يحملون عليه، فثبتَ حتى تكَركَرَ المشركون، وحمل بأصحابه فَفَضَّ جَمعًا من جمعهم، ثم دهمه منهم بشرٌ كثيرٌ فانحاشَ بالمسلمين فانكشفوا راجعين، ولما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "الآن حَمى الوطيسُ!"(*)، وخطب النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فأعلم الناس بذلك كما ثبت في الصّحيح، وفي البُخَارِيُّ عن خالد بن الوليد، قال: لقد اندقَّ في يدي يوم مؤتة تسعةُ أسياف، فما صبرت معي إلا صفيحة يمانية. وشهد حنينًا والطائف في هدْم العزىّ، وروى أنس، وعمرو بن أبي سلمة أن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، بعث خالد إلى أكيدر دُومة فأخذوه فأتَوْا به، فحقن له دمه، وصالحه على الجزية.
كان خالد من فرسان قريش وأشدّائهم، وشهد مع المشركين بدرًا وأُحُدًا والخندق، وقال العَيْزَار بن حُرَيْث: كان خالد بن الوليد يقول: ما أدري من أيّ يومَيّ أفِرُّ؟ يومٍ أراد الله أن يهْدِيَ لي فيه شهادةً، أو من يوم أراد الله أن يهدي لي فيه كَرامَةً، وقال عاصم بن كُلَيْب: سمعتُ شَيْخَيْنِ في المسجد ممّن سمع خالد بن الوليد، قال أحدهما لصاحبه: أتذكر ما لقينا يوم الكُمَّةِ بِسُبَاطة الحيرَة؟ قال: نعم ما لقينا يومًا أشد منه، وقعت كُمَّةُ خالد بن الوليد فقال: التمسوها وغضب فوجدناها، فوضعها على رأسه ثم اعتذر إلينا فقال: لا تلوموني فإن نبيّ الله صَلَّى الله عليه وسلم، حين حَلَقَ رأسه انْتَهَبْنا شَعْرَهُ فوقعت ناصيتُه بيدي فجعلتها ناصيةً لي في هذه الخِرْقَة، فإنما شَقَّ عَلَيَّ حين وَقَعَتْ(*)، وكان ذلك في عمرة اعتمرها النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وفي رواية أخرى، قال خالد: فلم أشهد قتالًا وهي معي إلا تَبيَّن لي النصر، وفي رواية: فما وجهْتُ في وجه إلا فتح لي، وروى البُخاريّ في تاريخه قال: خطب عُمر واعتذر من عَزْل خالد؛ فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: عزلتَ عاملًا استعمله رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ووضعْتَ لما رفعه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. فقال: إِنَّكَ قَريب القَرَابَةِ حَدِيثُ السِنِ مُغْضِبٌ لابْن عَمِّكَ، وروى وَحشيّ، عن أبيه، عن جده أنّ أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردّة، فقال: إني سمعْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "نِعْمَ عَبْدُ اللهِ وَأَخو العَشِيرةِ خَالِدُ بْنُ الوَليدِ، سَيْفٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ سلَّه الله علَى الكُفَّارِ."(*)أخرجه أحمد في المسند 6/158 بلفظ (نعم ابن العشيرة)، وقال عبد الملك بن عُمير: استعمل عُمر أبا عبيدة على الشام وعزل خالد بن الوليد، فقال خالد: بُعث عليكم أمينُ هذه الأمة؛ سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقوله، فقال أبو عبيدة: سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "خَالِد سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، نِعْمَ فَتَى العَشِيَرةِ."(*) أخرجه أحمد المسند 4/90. والهيثمي في الزوائد 9/351، وقال: رواه أحمد. والسيوطي في الدر المنثور 2/245.والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 33280 ، وقال مُحَارِب بن دَثَار: قيل لخالد بن الوليد: إنّ في عَسْكَرِكَ من يشرب الخَمْرَ، فركب دابتهُ وجَالَ في العسكر فلقي رجلًا عَلَى مَنْسِج فرسه زِقُّ خَمْرٍ، فقال له: ما هذا؟ قال: خَلٌّ، فقال خالد: اللهم اجعله خَلًّا. قال: فجاء الرجلُ أصحابَهُ فقال: قد أتيتكم بخمرٍ مَا شَرِبَت العربُ مثلها، فلما فتحوهُ إذا هو خَلّ، قالوا: ويْلك، والله ما جئتنا إلا بخلٍّ. قال: هذه دَعْوَةُ خالدٍ، وروى العباس بن عبد الله بن معبد يرفعه إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أن خالد بن الوليد أراد الخروج إلى مكة، وأنه استأذن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، في رجل من بني بَكْر يُريد أن يَصْحَبه فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اخرج به، أخوك البِكْريّ وَلاَ تَأْمَنْهُ" قال: فخرج معه فاستيقظ به خالد وقد سلَّ السيف يريد أن يقتله به، فقتله خالد بن الوليد(*)، وقال عبد الرحمن بن سابط: أصاب خَالِدَ بنَ الوليد أَرَقٌ فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ألا أُعلّمك كلماتٍ إذا قُلْتَهُنَّ نِمْتَ!" قال: "قل: اللهم رب السموات السبع، وما أََظَلّت، ورب الأرض وما أَقَلّت، ورب الشياطين وما أَضَلّت، كُنْ جَارِي من شَرِّ خَلْقِك كلهم جميعًا، أن يَفْرُطَ عَلَيّ أحدٌ منهم أو أَنْ يَطْغَى، عَزَّ جَارُكَ ولا إله غَيْرُكَ"(*)، وروى أبو الْعَالِيَةَ أن خالد بن الوليد اشتكى إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني ألقى تفزاعًا من الليل فقال:" ألا أعلمك كلمات علمنيهن جبريل ــ قال: قال: يا محمد إن عفريتًا من الجن يكيدك ــ فقل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يُجاوزُهّن بَرٌّ ولا فاجرٌ من شر ماينزل من السماء وَمَا يَعْرُجُ فيها، ومن شر ما ذَرَأَ في الأرض وَمَا يَخْرُج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن كل طارقٍ إِلاّ طارِقًا يطرُقُ بخيرٍ يا رحمن"(*)، وروى عبد الرحمن بن أَبِي الزِّنَادِ وغيره، قالوا: قَدِمَ خالدُ بنُ الوليد بعد أَنْ عَزَلَهُ عُمَرُ بنُ الخطاب مُعْتَمرًا، فمرَّ بالمدينة ولقي عُمَرَ ثم رجع إلى الشام فانقطع إِلَى حِمْص، فلم يزل بها، وقال عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة: أقطع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد مَوْضِعَ دارهِ(*) قال محمد بن عمر: وإنما أقطعَهُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بعد خَيبر وبعد قدوم خالد عليه، وكانت دُورًا لحارثة بن النعمانِ ورثها من آبائه فوهبها لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأقطع منها رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، خالدَ بن الوليد وعمّار بن ياسر(*)، وقال الوليد بن عبد الله بن جُمَيْع: حدثني رجل أثق به أَنّ خالد بن الوليد أَمَّ الناس بالحيرة فقرأ مِنْ سُوَرٍ شَتَّى ثم التفت إلى الناس حين انصرف فقال: شغلني عن تَعْلِيم القرآن الجهادُ، وقال الزَّبير: كان خالد أَحد أشرافِ قريش في الجاهليّة، وإليه كانت القبّة والأعنَّة في الجاهليّة‏؛ فأما القبّةُ فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها ما يجهِّزون به الجيش،‏ وأما الإعنة فإنه كان يكون المقدم على خيول قريش في الحروب، وقال أبو السَّفَر: نزل خالد بن الوليد الحيرة، فنزل عَلَى بَنِي أُمّ المَرَازِبة فقالوا: احْذَر السُّمَّ لا يسقيكه الأعاجم فقال لهم: ائْتُوني بالسّمّ، فلما أتَوْهُ بهِ فوضعه في رَاحَتِه ثم قال: بسم الله، فاقتحمه فلم يضرّهُ بإذن الله شيئًا، وقال عبد الله بن أبي أوفى:‏ اشْتَكى عبد الرّحمن بن عوف خالدَ بن الوليد للنّبِي صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "يَا خَالدُ، لِمَ تُؤْذِي رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَدرٍ، لَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا لَمْ تُدْرِكْ عَمَله‏"؟‏ فقال‏:‏ يا رسول الله، إنهم يَقَعُون فِيّ فأردّ عليهم. فقال‏:‏ "لا تُؤْذُوا خَالِدًا فَإِنَّهُ سَيفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ صبَّه اللَّهُ عَلَى الْكُفَّارِ‏"‏‏(*) ذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم 33901، 37968، وقال ابن عبَّاس:‏ وقع بين خالد بن الوليد وعمّار بن ياسر كلامٌ، فقال‏‏ عمّار: لقد هممْتُ ألاَّ أكلِّمك أبدًا، فبلغ ذلك النّبي صَلَّى الله عليه وسلم، فقال‏: ‏"يَا خَالد، مالَكَ ولعمَّار؟ رجلٌ من أهل الجنة قد شهد بدرًا"،‏‏ وقال لعمار:‏ ‏"إن خالدًا ــ يَا عَمَّارُ ــ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ عَلَى الْكُفَّارِ‏"‏‏ أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 390‏. قال‏‏ خالد: فما زلْتُ أُحِبُّ عمَّارًا من يومئذ‏(*)، ولما ارتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ من العرب وامتننعوا من الصَّدَقَة شَاوَرَ أبو بكر الصّدّيق في غَزْوِهِم وقِتَالهم، فأجمعَ البِعثَةَ إليهم، وخرَج هو نفسهُ إلى قَنَاة فَعَسْكَرَ بها، وأظهر أنه يريد غَزْوَهُم بنفسهِ ليبَلُغَهُم ذلك فيكون أَهيب لهم. ثم سَارَ من قَنَاة في مائة من المهاجرين وخالد بن الوليد يحمل لواءهُ حتى نزل بَقْعَاء، وهو ذو القَصَّة وأراد أن يتلاحق به الناس ويكون أسرَعَ لمروجهم، فلما تلاحقوا به استعمل خالدَ بنَ الوليد عليهم، وأمرَهُ أن يسير إلى أهلِ الرِّدَّةِ فيقاتلهم على خمس خصالٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإِقَامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاة، وصيام شَهرِ رمضانَ. ورجع أبو بكر إلى المدينة ومضَى خالد بن الوليد ومعه أهل السابقة من المهاجرين والأنصار فأَوْقَعَ بأهل الرِّدَّةِ من بني تميم وغيرهم بالبِطَاحِ، وقَتَلَ مالِكَ بن نُوَيْرة، ثم أوقع بأهلِ بُزَاخَةَ وحَرَّقَهُم بالنار، وذلك أنه بلغه عنهم مقالةٌ سَيِّئةٌ، شَتَموا النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وثَبَتوا على رِدَّتهم. ثم مَضَى إلى اليَمَامَةِ فقاتلَ بها مُسَيْلِمَةَ وبَنيِ حَنِيفَة حتى قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ وصالحَ خالد أهلَ اليمامةِ على الصفراءِ والحَلْقَةِ والكُرَاعِ وَنصفِ السَّبْيِ، وكتب إلى أبي بكر: إِنـِّي لم أصالحهم حتى قُتِل من كنتُ أَقوى به، وحتى عَجِفَ الكُراعُ ونُهِكَ الخُفُّ، ونُهِكَ المسلمون بالقتل والجراحِ، وقدمَ خالدُ بن الوليد المدينةَ من اليمامة ومعهُ سبعة عشر رجلًا من وَفْدِ بَنِي حَنِيفةَ فيهم مُجَّاعَةُ بن مُرَارَةَ وإخوتُهُ، فلما دخل خالد بن الوليد المدينة دخل المسجد وعليه قَبَاءٌ، عليه صَدَأُ الحديد، مُتَقَلِّدًا السيفَ مُعتمًّا في عمامته أَسْهُمٌ، فمرَّ بعمر فلم يكلِّمه ودخل على أبي بكرٍ، فرأى منه كُلَّ ما يُحِبّ، فخرج مسرورًا، فعرفَ عمر أن أبا بكر قد أرضاه، فأمسَكَ عن كلامه، وإنما كان وَجَدَ عليه عمر فيما صنع بِمَالِك بن نُوَيرةَ من قَتْلِهِ إيّاهُ، وتَزَوُّجِ امرأتِهِ، وما كان عليه في نفسه قبل ذلك من أَمْر بني جَذِيمَةُ. قال محمد بن عمر: فهذا أَثْبَتُ عندنا أَنّ خالد بن الوليد رجع من اليمامة إلى المدينة. وقال البَرَاء بن عَازِب وسعيد بن المُسَيَّب: كتبَ أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليد حين فرغ من أهل اليمامة أن يسير إلى العراق، فخرج خالد من اليمامة فسار حتى أَتَى الحِيرَةَ فنزل بِخَفَّانِ ــ والمرزُبَان بالحِيرَةِ مَلِكٌ كان لكسرى، مَلَّكَهُ حين مات النُّعمان بن المُنْذِر ــ فتلقاهُ بنو قَبيصَةَ وبنو ثَعْلَبةَ، وعبد المسيح بن حَيَّان بن بُقَيْلَةَ، فصالحَوه عن الحِيرَةِ وأعطوهُ الجزيةَ مائةَ ألف درهم، على أن يَتَنَحَّى إلى السَّوَاد ففعل، وصالحَهم وكتب لهم كتابًا، وكانت أولَ جزية في الإسلام ثم سار خالد إلى عَيْن التَّمر فدعاهم إلى الإسلام فأَبَوْا، فقاتَلَهم قتالًا شديدًا فظفَّرهُ الله بهم، فقتل وسَبَى وبعث بالسَّبْي إلى أبي بكر الصديق. ثم نزل بأهل أُلَّيْس: وهي قرية أسفل الفرات، فصالحَهم، وكان الذي وَلِيَ صُلْحَه هانئ بن جابر الطائِيّ على ثمانين ألف درهم، ثم سار فنزل بِبَانِقْيَا على شاطئ الفُرَاتِ، فقاتلوه ليلةً حتى الصباح ثم طَلبوا الصُّلح فصالحهم وكَتَبَ لهم كتابًا. وصالح صَلُوبَا بن بَصْبَهْرَي ـــ ومنزله بشاطئ الفرات ـــ على جزيةٍ ألف درهم، ثم كتَب إليه أبو بكر يأمره بالمسير إلى الشام، وكَتب إليه: إِنـِّي قد استملتك على جُندك، وعَهدتُ إليك عهدًا تقرأهُ وتعمل بما فيه، فَسِر إلى الشام حتى يوافيك كتابي فقال خالد: هذا عمل عمر بن الخطاب حَسَدَني أن يكون فتح العراق على يدي. فاستخلفَ المُثَنَّى بن حارثة الشيباني مكانَهُ، وسَارَ بالأَدِلاّء حتى نزل دُومَةَ الجَنْدَل، فوافاهُ كتابُ أبي بكرٍ وعَهدُهُ مع شَرِيك بن عَبَدَةَ العَجْلاني، فكان أحدُ الأمراءِ بالشأم في خلافة أبي بكر، وفتح بها فتوحًا كثيرة، وهو الذي ولي صلحَ دمشق وكتب لهم كتابا فأنفذوا ذلك له، فلما تُوفي أبو بكر وَوَلي عمرُ بن الخطاب عزل خالدًا عما كان عليه، وولَّى أبا عُبيدة بن الجَرَّاح، فلم يزل خالدُ مع أبي عُبيدة في جُنده يغزو، وكان سبب عَزْل عمر خالدًا ما ذكره الزبير بن بكَّار؛ قال: كان خالد إذا صار إليه المال قسّمه في أهل الغنائم، ولم يرفع إلى أبي بكر حسابًا، وكان فيه تقدّم على أبي بكر يفعل أشياء لا يراها أبو بكر؛ أقدم على قتل مالك بن نُوَيرة، ونكح امرأته، فكره ذلك أبو بكر، وعرض الدّية على مُتَمم بن نُويرة، وأمر خالدًا بطلاق امرأة مالك ولم ير أن يَعْزِله، وكان عمر ينكر هذا وشبهه على خالد، وكان أميرًا عند أبي بكر بعثه إلى طُليحة، فهزم طليحة ومن معه، ثم مضى إلى مسيلمة فقتل الله مسيلمة، وقال مالك بن أنس: قال عمر لأبي بكر: اكتُبْ إلى خالد لا يعطي شيئًا إلا بأمرك. فكتب إليه بذلك، فأجابه خالدًا: إمَّا أن تَدَعني وعملي وإلا فشأنك بعملك فأشار عليه عُمر بعزله فقال أبو بكر: فمن يجزي عني جزاء خالد؟ قال عمر: أنا. قال: فأنت. فتجهَّز عُمر حتى أنيخ الظَّهر في الدَّار، فمشى أصحابُ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم إلى أبي بكر. فقالوا: ما شأن عمر يخرج وأنتَ محتاجٌ إليه. وما لك عزلتَ خالدًا وقد كفاك؟ قال: فما أصنع؟ قالوا: تعزم على عُمر فيقيم، وتكتب إلى خالد فيقيم على عمله ففعل. فلما قبل عمر كتب إلى خالد ألَّا تعطي شاة ولا بعيرًا إلا بأمْري. فكتب إليه خالد بمثل ما كتب إلى أبي بكر، فقال عمر: ما صدقتُ الله إنْ كنْتُ أشرت على أبي بكر بأمْرٍ ٍٍفلم أنفذه فعزله. ثم كان يدعوه إلى أن يعمل فيأبى إلا أن يخلّيه يفعل ما شاء فيأبى عمر. قال مالِكٌ: وكان عمر يشبه خالدًا؛ قال الحسن: لقي عُمر علقمة بن عُلاثة في جوف الليل، وكان عمر يشبه بخالد بن الوليد؛ فقال له علقمة: يا خالد؛ عزلكَ هذا الرجل؛ لقد أبى إلا شُحًّا حتى لقد جئت إليه وابن عم لي نسأله شيئًا، فأمّا إذا فعل فلن أسأله شيئًا. فقال له عُمَرُ: هيه، فما عندك؟ فقال: هم قوم لهم علينا حقّ، فنؤدي لهم حقَّهم، وأجْرُنا على الله. فلما أصبحوا قال عمر لخالد: ماذا قال لك علقمة منذ الليلة؟ قال: والله ما قال لي شيئًا. قال: وتَحْلِفُ أيضًا. وفي رواية: فجعل علقمة يقول لخالد: مَهْ يا خالد. فقال عمر: كلاهما قد صدقا، فأجار علقمة وقَضَى حاجته، وفي رواية أخرى: فقال له عمر: فماذا عندكَ؟ قال: ما عندي إلا سمع وطاعة، ولم يُسمّ الرجل، قال محمد بن سلمة: وسماه الضحاك بن عثمان: عَلقمة بن عُلاثة، وزاد: فقال عمر: لأن يكون مَنْ ورائي على مِثْل رأيك أحبّ إليّ مِنْ كذا وكذا، وقال قيس بن أبي حازم: أَمَّنا خالد بن الوليد باليَرْمُوك في ثوب واحدٍ، قد خالف بين طرفيه، وَخَلْفَهُ أصحابُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وروى هشامُ بن عُرْوَةَ، عن أبيهِ، قال: كانت في بني سُليم رِدّةٌ، فبعث إليهم أبو بكر خالدَ بن الوليد فجمع منهم رجالًا في حَظَائِر ثم أحرقهم بالنار، فجاء عمر إلى أبي بكر فقال: انْزِعْ رجلًا عَذَّبَ بعذابِ اللهِ! قال: فقال أبو بكر: لاَ وَالله لاَ أَشِيمُ سَيْفًا سَلَّهُ الله على عبادهِ حتى يكون هو يَشِيمُهُ قال: ثم أمره فَمَضَى من وجهه ذلك إلى مُسَيْلمَةَ.
روى عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وروى عنه ابن عبّاس، وجابر، والمِقْدَام بن معد يكرب، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس، وأبو امامة بن سهل بن حنيف، وغيرهم، وروى عبد اللّه بن عباس، عن خالد بن الوليد: أنه دخل مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بيت ميمونة، فأتي بِضَبٍّ محنُوذٍ، فأهوى إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يريد أن يأكل منه، فقالوا: يا رسول الله، هو ضب. فرفع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يده، فقلت: أحرام هو؟ قال: "لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدْنِي أَعَافُهُ"(*). قال خالد: فاجتزرته فأكلته ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ينظر أخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1543 كتاب الصيد والذبائح (34) باب إباحة الضب (7) حديث رقم (43/ 1945) وأبو داود في السنن 2/ 381 كتاب الأطعمة باب أكل الضب حديث رقم 3794 والنسائي في السنن 7/ 198 كتاب الصيد والذبائح باب الضب (26) حديث رقم 4316، وابن ماجة في السنن 2/ 1080 كتاب الصيد (28) باب الضب (16) حديث رقم 3241 والطبراني في الكبير 4/ 126..
قال أبو السَّفَر: مرض خالد بن الوليد بالشام فَحَضَرهُ أُنَاسٌ وهو يَسُوقُ (أي: يحتضر) فقال بعضهم: والله إنه يَسُوقُ، فسمعه؛ فقال: أجل، فأستعين الله على ذلك، وقال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان: لم يزل خالد بن الوليد مع أبي عُبَيدةَ حتى توفي أبو عُبَيْدة، واسْتُخْلِفَ عياضُ بن غَنْم الفِهْرِيّ، فلم يزل خالدٌ معه حتى مات عياضُ بن غَنْم، فاعتزل خالد إلى ثَغْرِ حِمْص، فكان فيه وَحَبَّسَ خَيْلًا وسِلاَحًا فلم يزل مقيمًا مرابطًا بحمص حتى نُزِلَ بهِ، فدخل عليهِ أبو الدَّرْدَاءِ عائدًا له، فقال خالد بن الوليد: إِنَّ خَيْلي هذهِ التي حَبَّسْتُ في الثغر وسلاحي، هو على ما جعلته عليه؛ عُدّةً في سبيل الله، وقوةً يُغْزَى عليها، وتُعلفُ من مالى، وداري بالمدينة صَدَقَة؛ حُبُسٌ لا تباع ولا تُورَّث، وقد كنت أشهدتُ عليها عُمَرَ بن الخطاب ليالي قَدِمَ الجَابِيَة، وهو كان أَمَرني أن أتَصَدَّق بها، ونِعْمَ العَوْنُ هو على الإسلام. والله يا أبا الدَّرْدَاءِ لئن مات عمر لَتَريََنَّ أمورًا تُنْكِرها. قال أبو الدَّرْدَاء: وأنا والله أرى ذلك. قال خالد: كنتُ قد وجدتُ عليه في نفسي في أمُورٍ لمَّا تَدَبَّرْتها في مرضي هذا وحضرني من الله حاضرٌ، عرفت أَنّ عُمَرَ كان يريدُ الله بكل ما فعل: كنتُ قد وجدتُ في نفسي حيث بعث إِلَيَّ مَن يُقاسِمُني مالي حتى أخذ فَرْدَ نَعْلٍ وأخذت فردَ نعل، فرأيته فعل ذلك بغيري من أهل السَّابِقة وَمَنْ شهد بَدْرًا، وكان يُغلظُ عَلَيَّ، وكانت غلظته على غيري نحوًا من غِلْظَتِه عَلَيَّ، وكنت أُدِلّ عليه بقرابة، فرأيتُه لاَ يُيَالي قريبًا، وَلاَ لَوْمَ لاَئِمٍ في غير الله، فذلك الذي أَذْهبَ ما كنتُ أَجِد عليه، وكان يُكَثَّرُ عَلَيَّ عندهُ وما كان ذلك مِنِّي إلاَّ على النظر، كنتُ في حَرْبٍ ومُكَايَدَةٍ، وكنتُ شاهدًاوكان غائِبًا، فكنتُ أُعْطِي على ذلك فَخَالَفَهُ ذلك مِنْ أَمْرِي، وقد جعلتُ وَصِيَّتيِ وَتَرِكَتى وإنْفَاّّذَ عَهْدِي إلى عُمر بن الخطاب. قال: فَقُدِمَ بالوصّية عَلَى عمر، فقبلها وترحم عليه، وأنفذ ما فيها، وتزوج عُمَرُ بعدُ امرأتَهُ، وقال زِياد: قال خالد بن الوليد عند موته: ما كان في الأرض ليلة أحَبَّ إليّ من ليلةٍ شديدة الجَلِيدِ في سَرِيَّةٍ من المهاجرين أُصَبِّحُ بهم العَدُوّ فعليكم بالجهاد، ولما حضَرتْ خالدَ بن الوليد الوفاةُ قال:‏ لقد شهدْتُ مائةَ زَحْفٍ أو زُهَاءَها، وما في جسدي موضع شِبْرٍ إِلّا وفيه ضَرْبةٌ أو طَعْنة أو رَمْية، ثم هأَنَذَا أموتُ على فراشي كما يموت العَيْر، فلا نامت أعينُ الجبناء، وقال ثَعْلَبَة بن أبي مالك: رأيت عمر بن الخطاب بقُبَاء يوم السبت ومعهُ نفرٌ من المهاجرين والأنصار، فإذا أُناسٌ من أهل الشام يُصلُّون في مسجد قُبَاء حُجّاجًا فقال: مَن القوم؟ قالوا: من اليمن، قال: أَيَّ مدائن الشام نزلتم؟ قالوا: حِمْص. قال:هل مِن مُغَرّبَِةٍ خَبَر؟ قالوا: موتُ خالد بن الوليد يوم رَحَلْنا من حِمْص. قال: فاسترجع عُمَرُ مِرَارًا ونكس، وأكثر التَّرَحُّمَ عليه، وقال: كان والله سَدَّادًا لنحورِ العدوّ، ميمون النقيبةِ، فقال له عليّ بن أبي طالب: فَلِمَ عَزَلْتَهُ؟ قال: عَزْلتُه لِبَذْلِه المالَ لأهل الشرف وذوي اللسان. قال عليٌّ: فكنتَ عَزَلْتَه عن التبذير في المال وتتركه على جنده! قال: لم يكن يرضى، قال: فَهَلاَّ بَلَوْتَهُ؟! وروى الحارث بن الحكم الضَّمْرِيّ، عن شيخ من بني غِفَار، قال: سمعتُ عمرَ بن الخطاب بعد أن مات خالد بن الوليد ــ وعمر فيما بين قُدَيدٍ وعَسَفَان ــ يقول: وذكر خالدًا وموته ــ قال: قد ثُلِمَ في الإسلام ثُلْمةٌ لاَ تُرْتَق فقلت: يا أمير المؤمنين لم يكن رَأْيُك في حياته على هذا! فقال: نَدِمْتُ على ما كان مِنِّي إليه. قال محمد بن عمر: وحدثني غير يزيد بن عبد الملك قال: حجَّ عمر بن الخطاب ومعه زبيد بن الصلت وكان كثيرًا ما يسايره، قال: فَعَرَّسنا من الليل بأسفل ثنيّة غَزال، فَجَعلتِ الرّقاقُ تمر من الشام يذكرون خالد بن الوليد بعد موته ويقول راجزهم:
إذا رأيتَ خَالدًا تَجفّفا
وكان بين الأعجَمِين مُنْصِفَا
وهَبَّت الرِّيحُ شمالًا حَرجَفَا.
قال: فجعل عمر يترحم عليه، فقال له زُبيد: ما وجدتُ مثلكَ ومثله إلاَّ كما قال الشاعر:
لا أعرفَنَّكَ بعدَ الموتِ تَنْدُبُني
وفي حياتي ما زَوَّدْتَنِي زَادِي
فقال عمر: لا تقل ذلك، فوالله مانقمت على خالدٍ في شيء إلا في إعطائِه المال، والله لَيْتَهُ بَقِيَ ما بقي بالجَمَّاءِ حَجَرٌ، وتوفّي ـــ رحمه الله ـــ بحمص سنة إحدى وعشرين، ودفن في قرية على ميل من حمص، قال محمّد بن عمر: سألتُ عن تلك القرية فقالوا قد دَثَرَتْ، وقيل: تُوفِّي بالمدينة النبويّة ولما تُوفي خرج عمر إلى جنازَته. قال ابن حجر: فهذا يدل عى أنه مات بالمدينة، وذكر أبو حذيفة في "المبتدإ والفتوح" عن محمد بن إسحاق قال: لما مات خالد بن الوليد خرج عُمر في جنازته فإذا أمُّه تندبه وتقول:
أنْتَ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ ألْفٍ مِنَ القَوْ مِ إذَا مَا كُنْتَ فِي وُجُوهِ الرِّجَالِ
قال: فقال عمر: صدقت وإن كان لكذلك، وذكر سَيْفُ بْنُ عُمَرَ في "الرِّدَّةِ" و"الفُتُوحِ" قصة عزل خالد وإقامته بالمدينة؛ قال: فلما رأى عمر أنه قد زال ما كان يخشاه من افتتان الناس به عزم على أن يوليه بعد أن يرجع من الحجّ، فخرج معه خالد بن الوليد، فاستسقى خارجًا من المدينة، فقال: احدروني إلى مهاجري؛ فقدمت به أمه المدينة ومرضته حتى ثقل، فلقي عمر لاق وهو راجع من الحجّ، فقال له: ما الخبر؟ فقال: خالد لما به، فطوى عمر ثلاثًا في ليلة فأدركه حين قضى، فرقَّ عليه واسترجع، فلما جُهز بكته البواكي. قيل له: ألا تنهاهن! فقال: وما على نساء قريش أن تبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة. فلما أخرج بجنازته إذا امرأةٌ محرمة تبكيه وتقول: أنت خَيْرٌ مِنْ ألْفِ ألْفٍ... البيت المتقدم، وبعده:
أشُجَاعٌ فَأنْتَ أشْجَعُ مِنْ لَيْـ ـثٍ صِهْرِ ابنِ جَهْمِ أبِي أشْبَالِ
أجَوَادٌ فَأنْتَ أجْوَدُ مِنْ سَيْـ ـلٍ
أتَى
يَسْتَقِلُّ بَيْنَ الجِبَالِ
فقال عُمَرُ: من هذه؟ فقيل: أمه. فقال: أمه، والإله ـــ ثلاثًاـــ وهل قامت النساء عن مثل خالد!. وهذا وإن كان من رواية أبي حذيفة وهو ضعيف، وكذلك سيف؛ لكن قد ذكر ابْنُ سَعْدٍ وهو ثقة عن يزيد بن الأصم؛ قال: لما توفي خالد بن الوليد بكت عليه أمُّه، فقال عمر: يا أم خالد، أخالدًا أو أجره ترزئين! عزمت عليك إلا تثبت، حتى تسود يداك من الخضاب. وهذا مسند صحيح؛ وعلق البخاري قول عمر في النَّقْع واللقلقة في البكاء على خالد؛ لكن لم يسمِّ أمَّه، ولكن الأكثر على أنه مات بحمص، وقال قيس بن أبي حازم: لمّا مات خالد بن الوليد قال عمر: يرحم الله أبا سليمان، لقد كنّا نَظُنّ به أمورًا ما كانت.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال