تسجيل الدخول


خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمير بن مخزوم

صحابي مخزومي من قادة العرب، قاد الجيوش الإسلامية في فتوح فارس والشام، هزم الروم بأجنادين واليرموك، توفي في حمص.‏ كنيته أبو سليمان، وقيل: أبو الوليد. كان خالد من فرسان قريش وأشدّائهم، وشهد مع المشركين بدرًا وأُحُدًا والخندق، لما أراد الإسلام قدم على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، هو وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري، فلما رآهم رسول لله صَلَّى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "رَمَتْكُمْ مَكَّةُ بِأَفْلَاذ كَبِدِهَا". وفي قصة إسلامه يقول خالدُ بنُ الوليد: لما أراد الله بي ما أراد من الخير قَذَفَ في قلبي حبَّ الإسلام، وحضرني رشدي، وقلتُ قد شهدتُ هذه المواطن كلها على محمدٍ، فليس مَوْطنٌ أشهده إلا انصرفت وأنا أرى في نفسي أني مُوضِعٌ في غير شيء، وأن محمدًا سيظهرُ، ودافعتْهُ قريش بالراحِ يوم الحديبية فقلتُ: أين المذهَبُ؟ وقلتُ: أخرج إلى هِرقل؛ ثم قلت: أخرج من ديني إلى نصرانيةٍ أو يهودية، فأقيم مع عجمٍ تابعًا لهم مع عيبِ ذلك عَلَيَّ! ودخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكة عام القَضِيَّةِ فتغيَّبتُ، فكتب إِلَيّ أَخي: لم أَرَ أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلُكَ عَقلُكَ! ومثل الإسلام جَهِلَهُ أحدٌ؟ وقد سألني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عَنك فقال: "أين خالد؟"فقلت: يأتي الله به فقال: "ما مثل خالد جَهِلَ الإسلام! ولو كان جعل نكايته وَحَدَّهُ مع المسلمين على المشركين لكان خيرًا له ولقدّمناه على غيره"، فاستدرِكْ يا أخي ما فاتك، فقد فَاتَتْك مَوَاطنُ صالحةٌ. فلمَّا جاءني كتابُه نَشِطتُ للخروج، وزادني رغبةً في الإسلام وَسَرَّتْنِى مقالةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأرى في المنام كأني في بلادٍ ضَيِّقةٍ جَدْبةٍ، فخرجت إلى بلدٍ أخضَرَ واسع. فقلت: إنَّ هذه لَرُؤْيا. فذكرتها بَعدُ لأبي بكر الصِّدِّيق فقال: هو مَخْرَجُكَ الذي هَداك الله فيه للإسلام، والضِّيقُ الذي كنتَ فيه: الشِّرْكُ فأجمعت الخروج إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وطلبت مَن أُصَاحبُ فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذي أريد فأسرع الإجابة وخرجنا جميعا فأدلجنا سَحَرًا، فلما كنّا بالهَدةِ إذا عمرو بن العاص فقال: مرحبًا بالقوم. قُلنا: وبك، قال: أين مسيركم؟ فأَخْبَرْناهُ وأَخْبَرَنا أنه يريدُ أيضًا النبي صَلَّى الله عليه وسلم، لِيُسْلِم؛ فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أولَ يومٍ من صفر سنة ثمان، فلما طلعتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، سلّمت عليه بالنُبوةِ، فردَّ عَلَيّ السلام بوجْهٍ طَلْقٍ فأسلمت وشهدت شهادة الحق. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قد كنت أرى لك عقلًا رجوتُ أن لا يُسْلِمُك إلا إلى خيرٍ"، وبايعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقلت: استغفر لي كلّ ما أوضعتُ فيه من صدٍّ عن سبيل الله، فقال: "إن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبلَه". قلت: يا رسول الله، على ذلك؟ فقال: "اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدٍّ عن سبيلكَ". قال خالد: وتقدم عَمْرو بن العاص وعثمان بن طلحة فأسلما وبايعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فوالله ما كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من يوم أسلمت يَعْدِل بي أحدًا من أصحابه فيما يَحْزبه. لما كان يوم مُؤتةَ وقُتل الأمراء أخذ اللواءَ ثابت بن أقرم وجعل يصيح: يَا لَلْأَنْصار، فجعل الناس يثوبون إليه. فنظر إلى خالد بن الوليد فقال: خُذِ اللواءَ يا أبا سليمان، قال: لا آخذه، أنت أحق به، لك سِنٌ وقد شهدتَ بدرًا. قال ثابت: خذْهُ أيها الرّجُلُ، فواللهِ ما أخذتهُ إلا لك! وقال ثابت للناسِ: آصطلحتم على خالدٍ؟ قالوا: نعم فأخذ خالد اللواءَ فحملهُ ساعةً وجعلَ المسلمونَ يحملون عليه، فثبتَ حتى تكَركَرَ المشركون، وحمل بأصحابه فَفَضَّ جَمعًا من جمعهم، ثم دهمه منهم بشرٌ كثيرٌ فانحاشَ بالمسلمين فانكشفوا راجعين، ولما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "الآن حَمى الوطيسُ!"، وخطب النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فأعلم الناس بذلك كما ثبت في الصّحيح، وفي البُخَارِيُّ عن خالد بن الوليد، قال: لقد اندقَّ في يدي يوم مؤتة تسعةُ أسياف، فما صبرت معي إلا صفيحة يمانية. ولما سمع أهل المدينة بجيش مُؤْتَةَ قادمين تلقّوهم بالجُرْفِ، فجعلَ الناسُ يَحثُون في وجوههم التراب ويقولون: يا فُرّار، أَفَررتم في سبيل الله؟ فيقول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ليسوا بفُرّار، ولكنهم كُرَّار إن شاء الله. قال سعيد بن عمرو الهُذلي: لما فتح رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكة بَثَّ السرايا، فبعثَ خالد بن الوليد إلى العُزّي يهدمها، فضربها بالسيف فَجزَّلها باثنين، ثم رجع إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: "نعم، تلك العُزَّى وقد آيَسَت أن تُعْبَدَ ببلادكم أبدًا"، ولما رجع خالد بن الوليد من هَدْم العُزَّى إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو مقيم بمكة، بعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى بني جَذِيمَةَ وهم من كِنَانَة، ثم بعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مِنْ تَبُوك إلى أُكْيَدْرِ دُوَمة الجَنْدَل ثم إلى بني الحارث بن كعب بنجران في شهر ربيع الأول سنة عشرٍ أميرًا وداعيًا إلى اللهِ، فخرج في أربعمائة من المسلمين، فقدِمَ عليهم فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا ولم يقاتلوا، وكتبَ بذلك إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مع بلال بن الحارث المُزني، فكتب إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: أن يقدم عليه هو وَوَفْدُ بَنِي الحارث بن كعب، فقدموا معهُ فأنزلهم خالدٌ عليه في منزله وأكرمهم. وروي أنّ أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردّة، فقال: إني سمعْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "نِعْمَ عَبْدُ اللهِ وَأَخو العَشِيرةِ خَالِدُ بْنُ الوَليدِ، سَيْفٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ سلَّه الله علَى الكُفَّارِ."، واستعمل عُمر أبا عبيدة على الشام وعزل خالد بن الوليد، فقال خالد: بُعث عليكم أمينُ هذه الأمة؛ سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقوله، فقال أبو عبيدة: سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "خَالِد سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، نِعْمَ فَتَى العَشِيَرةِ." وأصاب خَالِدَ بنَ الوليد أَرَقٌ فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ألا أُعلّمك كلماتٍ إذا قُلْتَهُنَّ نِمْتَ!" قال: "قل: اللهم رب السموات السبع، وما أَظَلّت، ورب الأرض وما أَقَلّت، ورب الشياطين وما أَضَلّت، كُنْ جَارِي من شَرِّ خَلْقِك كلهم جميعًا، أن يَفْرُطَ عَلَيّ أحدٌ منهم أو أَنْ يَطْغَى، عَزَّ جَارُكَ ولا إله غَيْرُكَ"، وروي أن خالد بن الوليد اشتكى إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني ألقى تفزاعًا من الليل فقال:" ألا أعلمك كلمات علمنيهن جبريل ــ قال: قال: يا محمد إن عفريتًا من الجن يكيدك ــ فقل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يُجاوزُهّن بَرٌّ ولا فاجرٌ من شر ماينزل من السماء وَمَا يَعْرُجُ فيها، ومن شر ما ذَرَأَ في الأرض وَمَا يَخْرُج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن كل طارقٍ إِلاّ طارِقًا يطرُقُ بخيرٍ يا رحمن". ونزل خالد بن الوليد الحيرة، فنزل عَلَى بَنِي أُمّ المَرَازِبة فقالوا: احْذَر السُّمَّ لا يسقيكه الأعاجم فقال لهم: ائْتُوني بالسّمّ، فلما أتَوْهُ بهِ فوضعه في رَاحَتِه ثم قال: بسم الله، فاقتحمه فلم يضرّهُ بإذن الله شيئًا. ولما ارتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ من العرب وامتننعوا من الصَّدَقَة شَاوَرَ أبو بكر الصّدّيق في غَزْوِهِم وقِتَالهم، فأجمعَ البِعثَةَ إليهم، وأمر خالد أن يسير إلى أهلِ الرِّدَّةِ فيقاتلهم على خمس خصالٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإِقَامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاة، وصيام شَهرِ رمضانَ. كتبَ أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليد حين فرغ من أهل اليمامة أن يسير إلى العراق، فخرج خالد من اليمامة فسار حتى أَتَى الحِيرَةَ فنزل بِخَفَّانِ ــ والمرزُبَان بالحِيرَةِ مَلِكٌ كان لكسرى، مَلَّكَهُ حين مات النُّعمان بن المُنْذِر ــ فتلقاهُ بنو قَبيصَةَ وبنو ثَعْلَبةَ، وعبد المسيح بن حَيَّان بن بُقَيْلَةَ، فصالحَوه عن الحِيرَةِ وأعطوهُ الجزيةَ مائةَ ألف درهم، على أن يَتَنَحَّى إلى السَّوَاد ففعل، وصالحَهم وكتب لهم كتابًا، وكانت أولَ جزية في الإسلام ثم سار خالد إلى عَيْن التَّمر فدعاهم إلى الإسلام فأَبَوْا، فقاتَلَهم قتالًا شديدًا فظفَّرهُ الله بهم، ثم نزل بأهل أُلَّيْس: وهي قرية أسفل الفرات، فصالحَهم، وكان الذي وَلِيَ صُلْحَه هانئ بن جابر الطائِيّ على ثمانين ألف درهم، ثم سار فنزل بِبَانِقْيَا على شاطئ الفُرَاتِ، فقاتلوه ليلةً حتى الصباح ثم طَلبوا الصُّلح فصالحهم وكَتَبَ لهم كتابًا. ولما تُوفي أبو بكر وَوَلي عمرُ بن الخطاب عزل خالدًا عما كان عليه، وولَّى أبا عُبيدة بن الجَرَّاح، فلم يزل خالدُ مع أبي عُبيدة في جُنده يغزو. ولما مرض خالد بن الوليد بالشام فدخل عليهِ أبو الدَّرْدَاءِ عائدًا له، فقال خالد بن الوليد: إِنَّ خَيْلي هذهِ التي حَبَّسْتُ في الثغر وسلاحي، هو على ما جعلته عليه؛ عُدّةً في سبيل الله، وقوةً يُغْزَى عليها، وتُعلفُ من مالى، وداري بالمدينة صَدَقَة؛ حُبُسٌ لا تباع ولا تُورَّث، وقد كنت أشهدتُ عليها عُمَرَ بن الخطاب ليالي قَدِمَ الجَابِيَة، وهو كان أَمَرني أن أتَصَدَّق بها، ونِعْمَ العَوْنُ هو على الإسلام. والله يا أبا الدَّرْدَاءِ لئن مات عمر لَتَريَنَّ أمورًا تُنْكِرها. قال خالد: كنتُ قد وجدتُ عليه في نفسي في أمُورٍ لمَّا تَدَبَّرْتها في مرضي هذا وحضرني من الله حاضرٌ، عرفت أَنّ عُمَرَ كان يريدُ الله بكل ما فعل. وقال رضي الله عنه عند موته: ما كان في الأرض ليلة أحَبَّ إليّ من ليلةٍ شديدة الجَلِيدِ في سَرِيَّةٍ من المهاجرين أُصَبِّحُ بهم العَدُوّ فعليكم بالجهاد، ولما حضَرتْ خالدَ بن الوليد الوفاةُ قال:‏ لقد شهدْتُ مائةَ زَحْفٍ أو زُهَاءَها، وما في جسدي موضع شِبْرٍ إِلّا وفيه ضَرْبةٌ أو طَعْنة أو رَمْية، ثم هأَنَذَا أموتُ على فراشي كما يموت العَيْر، فلا نامت أعينُ الجبناء. وتوفّي ـــ رحمه الله ـــ بحمص ودفن في قرية على ميل من حمص، وقيل: تُوفِّي بالمدينة النبويّة.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال