الرئيسية
الصحابة
فضائل
مواقف إيمانية
كرامات
الأوائل
الأنساب
الغزوات
فوائد
مسابقات
تسجيل الدخول
البريد الالكتروني :
كلمة المرور :
تسجيل
تسجيل مشترك جديد
المصادر
مختصر
موجز ما ذكر عنه في الكتب الأربعة
تفصيل ما ذكر عنه في الكتب الأربعة
ما ذكر عنه في الطبقات الكبير
ما ذكر عنه في الاستيعاب في معرفة الأصحاب
ما ذكر عنه في أسد الغابة
ما ذكر عنه في الإصابة في تميز الصحابة
مواقفه الإيمانية
الجهاد
التواضع
الشهادة
مواقف أخرى
كراماته
طرف من كلامه
خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمير بن مخزوم
1 من 2
خالد بن الوليد بن المغيرة
ابن عبد الله بن عُمير بن مخزوم، ويكنى أبا سليمان، وأمّه عصماء وهي لُبابة الصغرى بنت الحارث بن حَزْن بن بُجير بن الهُزَم بن رُوَيْبة بن عبد الله بن هلال بن عامر ابن صعصعة وهي أخت أمّ الفضل بن الحارث أمّ بني العبّاس بن عبد المطّلب.
وكان خالد من فرسان قريش وأشدّائهم، وشهد مع المشركين بدرًا وأُحُدًا والخندق، ثمّ قذف الله في قلبه حبّ الإسلام لما أراد الله به من الخير.
ودخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عامَ القضيّة مكّة فتغيّب خالد فسأل عنه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أخاه فقال:
"أين خالد؟"
قال: فقلت: يأتي الله به، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"ما مثل خالد من جَهِلَ الإسلامَ ولو كان جعل نكايته وجِدَّهُ مع المسلمين على المشركين لكان خيرًا له ولقدّمناه على غيره"
.
فبلغ ذلك خالد بن الوليد فزاده رغبةً في الإسلام ونشّطه للخروج فأجمع الخروج إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال خالد: فطلبت من أُصاحب فلقيتُ عثمان بن طلحة فذكرتُ له الّذي أريد فأسرع الإجابة، قال: فخرجنا جميعًا، فلمّا كنّا بالهَدَةِ إذا عمرو بن العاص قال: مرحبًا بالقوم! قلنا: وبك، قال: أين مَسيركم؟ فأخبرناه وأخبرنا أيضًا أنّه يريد النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فاصطحبنا جميعًا حتّى قدمنا المدينة على رسول صَلَّى الله عليه وسلم، أوّل يوم من صفر سنة ثمان.
فلمّا طلعتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، سلّمتُ عليه بالنبوذة فردّ عليّ السلامَ بوَجْه طَلْقٍ فأسلمت وشهدتُ شهادة الحقّ، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"قد كنتُ أرى لك عقلًا رجوتُ أن لا يسلّمك إلاّ إلى خير"
، وبايعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقلتُ: استغفر لي كلّ ما أوْضَعْتُ فيه من صَدّ عن سبيل الله، فقال:
"إنّ الإسلام يَجُبْ ما كان قبله"
، قلت: يا رسول الله عليّ ذلك، قال:
"اللهم اغفر لخالد بن الوليد كلّ ما أوْضَعَ فيه من صَدّ عن سبيلك"
، قال خالد: وتقدّم خالد وتقدّم عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة فأسلما وبايعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فوالله ما كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يوم أسلمتُ يعدلُ بي أحَدًا من أصحابه فيما يَحْزبُه.
(*)
أخبرنا عبد الملك بن عَمْرو أبو عامر العَقَديّ قالا: حدّثنا الأسود بن شيبان عن خالد ابن سُمَير عن عبد الله بن رباح الأنصاريّ قال: حدّثنا أبو قتادة الأنصاريّ فارس رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أنه سمع النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، لمّا ذكر جيش الأمراء ونعاهم واحدًا واحدًا واستغفر لهم فقال: ثمّ أخذ اللواء خالد بن الوليد سيفُ الله، قال: ولم يكن من الأمراء، قال: فرفع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ضَبْعَيْه وقال:
"اللّهمّ هو سيف من سيوفك فانتصر به"
، قال: فيومئذٍ سمّي خالد سيف الله.
(*)
أخبرنا يعلى ومحمّد ابنا عُبيد وعبد الله بن نُمير قالوا: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:.
"إنّما خالد سيف من سيوف الله صَبّه الله على الكفّار"
.
(*)
قال يعلى ومحمّد في حديثهما:
"لا تُؤذوا خالدًا فإنّه سيف من سيوف الله"
(*)
.
أخبرنا وكيع بن الجرّاح وعبد الله بن نُمير ومحمّد بن عُبيد الطنافسيّ عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: سمعتُ خالد بن الوليد بالحيرة يقول: لقد انقطع في يدي يومَ مؤتة تسعة أسياف وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية.
قال محمّد بن عمر: وأمَرَه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يومَ فتح مكّة أن يدخل من اللِّيط فدخل فَوَجَد جمعًا من قريش وأحابيشها فيهم صفوان بن أُميّة وعكرمة بن أبي جهل وسُهيل بن عمرو فمنعوه الدخول وشهروا السلاح ورموه بالنبل، فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم، فقتل منهم أربعة وعشرين رجلًا، ولمّا فتح رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكّة بعثَ خالدَ بن الوليد إلى العُزّى فهدمها ثمّ رجع إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو مُقيم بمكّة، فبعثه إلى بني جذيمة وهم من بني كنانة، وكانوا أسفل مكّة على ليلة بموضع يقال له الغُميصاء، فخرج إليهم فأوقع بهم. ولمّا ارتدّت العرب بعد وفاة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بعث أبو بكر، رضي الله عنه، خالد بن الوليد يستعرضهم ويدعوهم إلى الإسلام فخرج فأوقع بأهل الردّة
(*)
.
أخبرنا أبو معاوية الضّرير قال: حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت في بني سُليم رِدّة فبعث أبو بكر، رضي الله عنه، خالد بن الوليد فجمع منهم رجالًا في حظائر ثمّ أحرقهم بالنّار، فجاء عُمَرُ إلى أبي بكر، رضي الله عنه، فقال: انْزِعْ رجلًا عذّب بعذاب الله، فقال أبو بكر: لا والله لا أشيمُ سَيفًا سَلّهُ الله على الكفّار حتّى يكون هو الذي يشيمه، ثمّ أمره فمضى لوجهه من وجهه ذلك إلى مُسيلمة.
أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثنا شيبان بن عبد الرّحمن عن جابر عن عامر عن البراء بن عازب قال: وحدّثنا طلحة بن محمّد بن سعيد عن أبيه عن سعيد بن المسيّب قالا: كتب أبو بكر الصّدّيق، رضي الله عنه، إلى خالد بن الوليد حين فرغ من أهل اليمامة يسير إلى العراق، فخرج خالد من اليمامة فسار حتّى أتى الحيرة فنزل بخفّان، والمرزبان بالحيرة مَلِكٌ كان لكسرى ملّكه حين مات النعمان بن المنذر، فتلقّاه بنو قبيصة وبنو ثعلبة وعبد المسيح بن حيّان بن بُقَيْلَة فصالحوه عن الحيرة وأعطوا الجزية مائة ألف على أن يتنحّى إلى السّواد، ففعل وصالحهم وكتب لهم كتابًا، فكانت أوّل جزية في الإسلام، ثم سار خالد إلى عين التمر فدعاهم إلى الإسلام فأبوا فقاتلهم قتالًا شديدًا فظفّره الله بهم وقتل وسبى وبعث بالسبي إلى أبي بكر الصدّيق، رحمه الله.
ثمّ نزل بأهل أُلَّيْسَ قرية أسفل الفرات فصالحهم، وكان الذي ولي صُلْحَه هانئ بن جابر الطائيّ على مائتي ألف درهم، ثمّ سار فنزل ببانِقْيا على شاطئ الفرات، فقاتلوه ليلة حتّى الصّباح ثمّ طلبوا الصلح، فصالحهم وكتب لهم كتابًا. وصالح صلوبا بن بصيهرا، ومنزله بشاطئ الفرات، على جزية ألف درهم.
ثمّ كتب إليه أبو بكر الصّدّيق، رحمه الله، يأمره بالمسير إلى الشأم وكتب إليه: إني قد استعملتُك على جندك وعهدتُ إليك عهدًا تَقْرَأُهُ وَتَعْمَلُ بما فيه، فسِرْ إلى الشأم حتّى يوافيك كتابي، فقال خالد: هذا عمر بن الخطّاب حَسَدَني أن يكون فتحُ العراق على يدي، فاستخلف المثنّى بن حارثة الشيبانيّ مكانه وسار بالأدَلاّء حتّى نزل دومة الجندل، فوافاه بها كتاب أبي بكر وعهدُه مع شريك بن عَبْدة العجلانيّ، فكان خالد أحد الأمراء بالشأم في خلافة أبي بكر، وفتح بها فتوحًا كثيرة، وهو ولي صُلح أهل دمشق وكتب لهم كتابًا فأنفذوا ذلك له، فلمّا توفّي أبو بكر وولي عمر بن الخطّاب عَزَلَ خالدًا عمّا كان عليه وولّى أبا عُبيدة بن الجرّاح، فلم يزل خالد مع أبي عُبيدة في جُنده يغزو، وكان له بلاء وغناء وإقْدام في سبيل الله حتّى توفّي، رحمه الله، بحمص سنة إحدى وعشرين وأوصى إلى عمر بن الخطّاب، ودفن في قرية على ميل من حمص.
قال محمّد بن عمر: سألتُ عن تلك القرية فقالوا قد دَثَرَتْ.
أخبرنا عبد الله بن الزّبير الحُميديّ قال: حدّثنا سفيان بن عُيينة قال: حدّثنا إسماعيل ابن أبي خالد قال: سمعتُ قيس بن أبي حازم يقول: لمّا مات خالد بن الوليد قال عمر: يرحم الله أبا سليمان، لقد كنّا نَظُنّ به أمورًا ما كانت.
أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدّثنا جويرية بن أسماء عن نافع قال: لمّا مات خالد بن الوليد لم يدع إلا فرسه وسلاحه وغلامه، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب، رحمه الله، فقال: يرحم الله أبا سليمان، كان على غير ما ظننّا به.
(< جـ9/ص 398>)
2 من 2
خَالِدُ بنُ الوليدِ
ابن المُغِيرة بن عبد الله بن عُمَر بن مَخْزُوم. ويكنى أبا سليمان. وأمهُ عصماء، وهي لُبَابَة الصغرى بنت الحارث بن حَزْن بن بُجَير بن الهُزَم بن رُوَيْبَةَ بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صَعصعة بن قيس عَيلاَن. وهي أخت أم الفضل بنتُ الحارث أم بني العباس بن عبد المطلب.
وكان لخالد بن الوليد من الولد: المهاجرُ، وعبدُ الرحمن لا بقية له. وعبدُ الله الأكبر قُتل بالعراق: وأمهم أسماء بنتُ أنس بن مُدرِك الخَثعَمِيّ. وسليمانُ بن خالد وبه كان يكنى، وأمه كبشَةٌ بنت هَوْذَةَ بن أبي عَمْرو بن عَدّاء بن أُميّة بن رِزَاح بن ربيعة بن حَرَام ابن ضنّةَ بن عَبد بن كَبِير بن عُذرة مِنْ قُضَاعة. وعبدُ الله الأصغر وأمه أم تَمِيم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام، قال: سمعت أبي يُحَدِّث قال: قال خالدُ بنُ الوليد: لما أراد الله بي ما أراد من الخير قَذَفَ في قلبي حبَّ الإسلام، وحضرني رشدي، وقلتُ قد شهدتُ هذه المواطن كلها على محمدٍ، فليس مَوْطنٌ أشهده إلا انصرفت وأنا أرى في نفسي أني مُوضِعٌ في غير شئ، وأن محمدًا سيظهرُ. ودافعتْهُ قريش بالراحِ يوم الحديبية فقلتُ: أين المذهَبُ؟ وقلتُ: أخرج إلى هِرقل. ثم قلت: أخرج من ديني إلى نصرانيةٍ أو يهودية، فأقيم مع عجمٍ تابعًا لهم مع عيبِ ذلك عَلَيَّ! ودخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكة عام القَضِيَّةِ فتغيَّبتُ، فكتب إِلَيّ أَخي: لم أَرَ أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلُكَ عَقلُكَ! ومثل الإسلام جَهِلَهُ أحدٌ؟ وقد سألني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عَنك فقال:
"أين خالد؟"
فقلت: يأتي الله به فقال:
"ما مثل خالد جَهِلَ الإسلام! ولو كان جعل نكايته وَحَدَّهُ مع المسلمين على المشركين لكان خيرًا له ولقدّمناه على غيره"
فاستدرِكْ يا أخي ما فاتك، فقد فَاتَتْك مَوَاطنُ صالحةٌ.
فلمَّا جاءني كتابُه نَشِطتُ للخروج، وزادني رغبةً في الإسلام وَسَرَّتْنِى مقالةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأرى في المنام كأني في بلادٍ ضَيِّقةٍ جَدْبةٍ، فخرجت إلى بلدٍ أخضَرَ واسع. فقلت: إنَّ هذه لَرُؤْيا. فذكرتها بَعدُ لأبي بكر الصِّدِّيق فقال: هو مَخْرَجُكَ الذي هَداك الله فيه للإسلام، والضِّيقُ الذي كنتَ فيه: الشِّرْكُ فأجمعت الخروج إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وطلبت من أُصَاحبُ فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذي أريد فأسرع الإجابة وخرجنا جميعا فأدلجنا سَحَرًا. فلما كنّا بالهَدةِ إذا عمرو بن العاص فقال: مرحبًا بالقوم. قُلنا: وبك، قال: أين مسيركم؟ فأَخْبَرْناهُ وأَخْبَرَنا أنه يريدُ أيضًا النبي صَلَّى الله عليه وسلم، لِيُسْلِم. فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أول يومٍ من صفر سنة ثمان. فلما طلعتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، سلّمت عليه بالنُبوةِ، فردَّ عَلَيّ السلام بوجْهٍ طَلْقٍ فأسلمت وشهدت شهادة الحق. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"قد كنت أرى لك عقلًا رجوتُ أن لا يُسْلِمُك إلا إلى خيرٍ"
وبايعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقلت: استغفر لي كلّ ما أوضعتُ فيه من صدٍّ عن سبيل الله، فقال:
"إن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبلَه"
. قلت: يا رسول الله على ذلك؟فقال:
"اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدٍّ عن سبيلكَ"
.
قال خالد: وتقدم عَمْرو بن العاص وعثمان بن طلحة فأسلما وبايعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فوالله ما كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من يوم أسلمت يَعْدِل بي أحدًا من أصحابه فيما يَحْزبه
(*)
.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا محمد بن عبد الله،عن الزُّهْري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، قال: أقطع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد مَوْضِعَ دارهٍ
(*)
.
قال محمد بن عمر: وإنما أقطعَهُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بعد خَيبر وبعد قدوم خالد عليه، وكانت دُورًا لحارثة بن النعمانِ ورثها من آبائه فوهبها لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأقطع منها رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، خالدَ بن الوليد وعمّار بن ياسر
(*)
.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني إسماعيل بن مُصْعَب، عن إبراهيم بن يحيى ابن زيد بن ثابت قال: لما كان يوم مُؤتةَ وقُتل الأمراء أخذ اللواءَ ثابت بن أقرم وجعل يصيح: يَا لَلْأَنْصار، فجعل الناس يثوبون إليه. فنظر إلى خالد بن الوليد فقال: خُذِ اللواءَ يا أبا سليمان، قال: لا آخذه، أنت أحق به، لك سِنٌ وقد شهدتَ بدرًا. قال ثابت؟ خذْهُ أيها الرّجُلُ، فواللهِ ما أخذتهُ إلا لك! وقال ثابت للناسِ: آصطلحتم على خالدٍ؟ قالوا: نعم فأخذ خالد اللواءَ فحملهُ ساعةً وجعلَ المسلمونَ يحملون عليه، فثبتَ حتى تكَركَرَ المشركون، وحمل بأصحابه فَفَضَّ جَمعًا من جمعهم، ثم دهمه منهم بشرٌ كثيرٌ فانحاشَ بالمسلمين فانكشفوا راجعين.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن الحارث بن الفُضَيل، عن أبيه، قال: لما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
" الآن حَمى الوطيسُ!"
(*)
.
قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح، وعبد الله بن نُمير، ومحمد بن عُبَيد الطنافسي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: سمعت خالد بن الوليد بالحيرة يقول: لقد انقطع في يدي يوم مُؤْتَةَ تسعةُ أسياف وصَبَرتْ في يدي صفيحةٌ لي يمانِيّةٌ.
قال: أخبرنا عبد الملك بن عَمْرو أبُو عامر العَقَدِي، قال: حدّثنا الأسودُ بن شيبان، عن خالد بن سُمَيْر، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، قال: حدّثنا أبو قَتَادَةَ الأنصاري فارسُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أنه سمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لما ذَكرَ جيشَ الأمراء ونعاهم واحدًا واحدًا واستَغفرَ لهم قال: ثم أخذ اللواء خالدٌ سيفُ الله قال: ولم يكن من الأمراءِ، قال فرفع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ضَبْعَيْةِ وقال:
"اللهم هو سيفٌ من سيوفك فانتصر به"
، قال: فيومئذٍ سُمي خالد سيف الله
(*)
.
قال: أخبرنا الوليد بن مسلم، قال: حدثني صفوان بن عَمْرو، عن عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجَعِيّ، قال: خرجت مع مَن خرج مع زَيد ابن حارثة من المسلمين في غزوة مُؤْتَةَ وَرَافَقَني مَدَدِيّ من اليمن ليس معه شيء غير سيفه، فَنَحَرَ رجلٌ من المسلمين جَزُورًا، فسأله المَددِيّ طائفة من جلده، فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدّرق، ومضينا فلقينا جُموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرجٌ مُذْهَبٌ وسلاحٌ مُذْهَبٌ فجعل الروميّ يَفْرِي بالمسلمين، وقعد له المَدَدِيّ خَلْفَ صخرةٍ فَمرّ به الروميّ فَعَرْقَبَ فرسَه، فخَرَّ وعلاه بالسيف فقتله، وحاز فَرسَهُ وسِلاَحَه. فلما فتح الله للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد، فأخذ منه السَّلَب، قال عوفٌ: فأتيتهُ فقلت: يا خالد، أما عَلمتَ أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قضى بالسَّلَب للقاتل؟ قال: بَلَى. ولكني استكثرته. فقلت: لَتَرُدَّنَّهُ إليه أو لَأُعَرِّفَنَّنكُمَا عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأبى أن يردّ عليه. قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله فقصصنا عليه قِصَّةَ المَدَدِيّ وما فعل خالد: فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"يا خالد، ما حَمَلكَ على ما صنَعْتَ؟"
فقال يا رسول الله استكثرتُه. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"يا خالد رُدَّ عليه ما أخذتَ"
. قال عوف فقلت: دونك يا خالد، أَلَمْ أَفِ لك؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"وما ذاك؟"
فأخبرته فغضب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقال:
"يا خالد، لا تردّه عليه، هل أنتم تاركون لي أُمَرائي؟ لكم صفوةُ أمرِهم وعليهم كدره"
(*)
.
قال الوليد بن مسلم سألت ثور بن يزيد، عن هذا الحديث فحدثني عن خالد بن معدان، عن جُبير بن نُفَير، عن عوف بن مالك الأشجعيِّ بنحوٍ من ذلك.
قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"إنما خالد سيفٌ من سيوفِ الله صبَّهُ على الكُفّار"
(*)
.
قال: أخبرنا يَعْلَى ومحمد ابنا عُبَيد، قالا: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس ابن أبي حازم، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"لا تُؤذوا خالدًا فإنه سيفٌ من سيوفِ الله صبَّهُ على الكفار"
(*)
.
قال: أخبرنا محمد بن عُبَيد، قال: حدّثنا إسماعيل بن بن أبي خالد، عن عامر الشَّعْبِيّ، قال: قال خالد: يا رسول الله إنهم يقعون في عرضي فلا أستطيع إلا أن أرُدّ عليهم مثلَ ما يقولون لي. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"لا تُؤذوا خالدًا فإنه سيفٌ من سيوفِ الله سَلَّهُ الله على أعدائه"
(*)
.
قال: أخبرنا عفّان بن مسلم، قال: حدّثنا مهْدي بن ميمون، قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، قال: حدثني الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي بن أبي طالب قال في حديثه الذي رواه عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، حين نَعَي زيدَ بنَ حارثة وجَعْفرَ بنَ أبي طالب وعبدَ الله بن رَوَاحة إلى الناس قال:
"ثم أخذ الرايةَ سيفٌ من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه"
(*)
.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَةَ، عن إسحاق بن عبد الله، عن كعب بن مالك، قال: حدّثني نَفَرٌ من قومي حضروا يوم مُؤْتَة. قال: وأخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني داود بن سنان، عن ثعلبة بن أبي مالك. قال محمد بن عمر: وحدثني خالد بن إلياس، عن صالح بن أبي حسان، عن عُبَيد بن حُنَيْن، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ. قال: وأخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني نافع بن ثابت، عن يحيى بن عَبّاد، عن أبيه، عن رجل من بني مُرّة كان في الجيش بِمُؤْتَةَ، قالوا جميعًا: لما أخذَ خالدُ بن الوليدِ اللواءَ يومئذٍ انكشفَ الناسُ منهزمين. قال أبو سعيدِ الخُدْرِيّ في حديثه فلما سمع أهل المدينة بجيش مُؤْتَةَ قادمين تلقّوهم بالجُرْفِ، فجعلَ الناسُ يَحثُون في وجوههم التراب ويقولون: يا فُرّار، أَفَررتم في سبيل الله؟ فيقول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"ليسوا بفُرّار، ولكنهم كُرَّار إن شاء الله!"
(*)
قال محمد بن عمر: وأمرَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خالدَ بن الوليد يوم فتح مكة أن يدخل من اللِّيط فدخل فوجد جمعًا من قريش وأحابيشها، فيهم صَفوان بن أُمية، وعِكْرمةُ بن أبي جهل، وسُهيل بن عَمْرو، فمنعُوه الدخول وشهرُوا السلاح ورموا بالنبل، وقالوا: لا تدخلها عَنوةً أبدًا! فصاحَ خالدُ في أصحابه وقاتلهم، فقتل منهم أربعةً وعشرين رجلًا، عشرونَ منهم من قريش، وأربعةٌ من هُذَيل، وانهزموا أقبح انهزام حتى قُتلوا بالحَزْوَرَة وهم مُوَلَّون في كل وجهٍ. ولما ظهر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على ثنيةِ أَذاخِر نظرَ إلى البارِقةِ فقال:
"ما هذه البارقة، ألم أَنْه عن القتال؟"
قيل: يا رسول الله، خالدُ بن الوليد قُوتل فقَاتل، ولو لم يُقاتَل ما قَاتل! فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"قضاء الله خير!"
قال وجعل خالد بن الوليد وهو يُقاتل خارجة بن خُوَيْلِد الكعبي يومئذٍ يتمثل بأبيات:
إِذَا مَا رسُولُ اللهِ فِينَا
رَأََيَْتَنا كَلُجَّةِ بَحْرٍ نال فيها سَرِيرُها
إذا ما ارتدينا الفارسِيّةَ فوقَها رُدَيْنِيّةٌ يَهدِي الأصم خَرِيرُها
إذا ماارتديناها
فإن محمدًا لها ناصرٌ عَزَّتْ وعَزَّ نصيرُها
قال محمد بن عمر: أنشدني هذه الأبيات حِزام بن هشام الكعبي، عن أبيه
(*)
.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني عبد الله بن يزيد الهُذلي، عن سعيد بن عمرو الهُذلي، قال: لما فتح رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكة بَثَّ السرايا، فبعثَ خالد بن الوليد إلى العُزّي يهدمها، فخرج خالد في ثلاثين فارسًا من أصحابه، فلما انتهى إليها جَرَّد سيفهُ فخرجت إليه امرأةٌ سوداء، عُريانةٌ، ناشرةُ الرأس قال وأخذني اقْشِعرَارٌ في ظهري، وجعل السادِنُ يصيحُ بها:
أَعُزَّايَ شُدِّى شَــــــدَّةً لا تُكَذِّبي على خالد أَلْقِي القناعَ وَشَمِّرِي
أَعُزَّايَ إن لم تَقْتُلي المرءَ خالــــدًا فَبُوئِي بذنب عاجـــلٍ أَوْ تَنَصَّرِي
قال: وأقبل خالد بالسيف إليها وهو يقول:
يا عُزَّ كُفْرانَكِ لاَ سُبْحانَكِ إني وجدت اللهَ قَدْ أَهَانَكِ
قال: فضربها بالسيف فَجزَّلها باثنين، ثم رجع إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال:
"نعم، تلك العُزَّى وقد آيَسَت أن تُعْبَدَ ببلادكم أبدًا"
(*)
.
قال: أخبرنا عبد الله بن نُمَير، عن الأجلح، عن عبد الله بن أبي الهُذيل، قال: وأخبرنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا محمد بن خالد بن سَلَمة المَخْزُومِيّ أبو عبد الرحمن، قال: حدّثني أبي: قال: وأخبرنا عُبَيد الله بن موسى، عن إِسْرَائيلِ، عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي الهُذيل، أن نبيّ الله صَلَّى الله عليه وسلم، بعث خالد بن الوليد إلى العُزَّى ليكسرها فجعل يضربها وهو يقول:
يا عُزّ كفرانكِ لا سبحانكِ
إني رأيت الله قد أَهَانَكِ
(*)
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن حَكيم بن حَكيم بن عَبَّاد بن حُنَيف، عن أبي جَعفر، قال: لما رجع خالد بن الوليد من هَدْم العُزَّى إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو مقيم بمكة، بعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى بني جَذِيمَةَ وهم من كِنَانَة، وكانوا بأسفل مكة على ليلةٍ أو أقل ناحيةَ يَلَمْلَمَ بموضعٍ يُقال له الغُمَيْصَاء، فبعثه داعيًا لهم إلى الإسلام ولم يبعثهُ مقاتلًا، فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلًا من المهاجرين والأنصار وَبَنيِ سُلَيم، فانتهى إليهم فقالوا: نحن قومٌ مسلمون وقد صَلَّيْنا وَصَدَّقْنا بمحمد وبنينا المساجدَ وأذَّنا فيها. قال: فما بال السلاح عليكم؟ قالوا: إن بيننا وبين قومٍ من العرب عداوةً، فخفنا أن تكونوا هم، فأخذنا السلاح. قال: فَضَعُوا السلاحَ! فوضع القوم السلاح فأوقع بهم، وبلغ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الخبر، فبعث عَلِيَّ بنَ أبي طالب فَودَى ما أصابَ خالد منهم
(*)
.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني يوسف بن يعقوب بن عُتْبَة، عن عثمان بن محمدْ عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: ما عَتَبَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على خالدٍ فيما صنع ببني جَذِيمَةَ، لأنهم إنما ادَّعوا الإسلام بعدَ الذي صَنَعَ بهم، ولقد كان المقُدَّمَ عنده حتى مات، ولقد خرج بعد ذلك معه إلى حُنَينْ على مُقدِّمته وإلى تَبُوك، وبعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مِنْ تَبُوك إلى أُكْيَدْرِ دُوَمة الجَنْدَل فسَبَى من سَبَى ثم صالحهم. ولقد بعثَهُ إلى بني الحارث بن كعب بنجران في شهر ربيع الأول سنة عشرٍ أميرًا وداعيًا إلى اللهِ، فخرج في أربعمائة من المسلمين، فقدِمَ عليهم فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا ولم يقاتلوا، وكتبَ بذلك إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مع بلال بن الحارث المُزني، فكتب إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: أن يقدم عليه هو وَوَفْدُ بَنِي الحارث بن كعب، فقدموا معهُ فأنزلهم خالدٌ عليه في منزله وأكرمهم.
ولقد خرج مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في حجة الوَدَاع، فلما حَلَقَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، رأسه أعطاه ناصِيتَهُ فكانت في مُقَدَّم قَلَنْسُوته، فكان لا يلقى أحدًا إلا هزمهُ، ولقد قاتَل يوم اليَرْمُوك فوقعت قَلَنْسُوَته. فجعل يقول: القَلَنْسُوَة القَلْنْسُوَة! فَقِيلَ له بعد ذلك: يا أبا سليمان: عجبًا لِطَلَبِك القَلَنْسُوَة وأنت في حَوْمَةِ القتال! فقال: إن فيها نَاصِيةَ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولم أَلْقَ بها أَحَدًا إلاَّ وَلَّى، ولقد تُوفِّي خالد يوم تُوفِّي، وهو مجاهد في سبيل الله، وقََبْرُهُ في بعض قُرى حِمْص فأخبرني منْ غَسَّله وحَضَره ونظرَ إلى ما تحت ثيابه، ما فيه مَصَحّ، ما بين ضربةٍ بسيف أو طعنةٍ بُرمْحٍ أو رَمْيَةٍ بسهمٍ
(*)
.
وقال: أخبرنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا هُشيم، قال: أخبرنا عبد الحميد بن جعفر الأنصاري، عن أبيه قال: لما كان يَوْمَ اليَرْمُوك فَقَدَ خالدُ بنُ الوليد قَلَنْسُوَةً لَهُ فقال: اطلبوها، فطلبوها فلم يجدوها، فقال: اطلبوها فطلبوها فوجدوها، فإذا هي قَلَنْسُوَةٌ وَسخَةٌ. فقال: اعْتَمَرَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، فَحَلَقَ رَأْسَه فَابْتَدَرَ الناسُ إلى شَعرِهِ فسبقتُهم إلى ناصيَته فجعلتها في هذه القلنسوة، فما شهدت قتالًا وهي معي إِلاَّ رُزِقْتُ النَّصْرَ
(*)
.
قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أَبِي أُوَيْس، قال: حدثني سُلَيمان بن مُسلم بن جَمَّاز القارِئ مَوْلَى بني زُهرة، عن قيس بن محمد بن عبد العزيز بن قيس، عن العباس بن عبد الله بن معبد يرفعه إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أن خالد بن الوليد أراد الخروج إلى مكة وأنه استأذن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، في رجل من بني بَكْر ــ يُريد أن يَصْحَبه فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"اخرج به، أخوك البِكْريّ وَلاَ تَأْمَنْهُ"
فقال فخرج معه فاستيقظ به خالد وقد سلَّ السيف يريد أن يقتله به، فقتله خالد بن الوليد
(*)
.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون ومحمد بن عُبَيْد ومحمد بن عبد الله الأسدي، قالوا: حدّثنا مِسْعَر، عن عَلْقَمةَ بن مَرْثَد، عن عبد الرحمن بن سابط قال: أصاب خَالِدَ بنَ الوليد أَرَقٌ فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"ألا أُعلّمك كلماتٍ إذا قُلْتَهُنَّ نِمْتَ!"
قال:
"قل اللهم رب السموات السبع، وما أََظَلّت، ورب الأرض وما أَقَلّت، ورب الشياطين وما أَضَلّت، كُنْ جَارِي من شَرِّ خَلْقِك كلهم جميعًا، أن يَفْرُطَ عَلَيّ أحدٌ منهم أو أَنْ يَطْغَى، عَزَّ جَارُكَ ولا إله غَيْرُكَ"
(*)
.
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدّثنا حُمَيْد الطَّوِيل، قال: حدثنا بكر بن عبد الله المزني، أن أبا الْعَالِيَةَ حدثهم، أن خالد بن الوليد اشتكى إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني ألقى تفزاعًا من الليل فقال:
" ألا أعلمك كلمات علمنيهن جبريل ــ قال: قال يا محمد إن عفريتًا من الجن يكيدك ــ فقل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يُجاوزُهّن بَرٌّ ولا فاجرٌ من شر ماينزل من السماء وَمَا يَعْرُجُ فيها، ومن شر ما ذَرَأَ في الأرض وَمَا يَخْرُج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن كل طارقٍ إِلاّ طارِقًا يطرُقُ بخيرٍ يا رحمن"
(*)
.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم، قال: حدّثنا حماد بن سَلَمة، قال أخبرنا علي بن زَيدٍ، عن يحيى بن جَعْدَةَ، أن خالد بن الوليد اشتكى إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، تَفْزاعًا يَجِدُهُ بالليل، ثم ذكر مثل حديث حُمَيد الطَّوِيل عن بكرٍ
(*)
.
قال: أخبرنا يحيى بن حَمّاد، قال: حدثنا أبو عَوَانَةَ، عَن عاصم بن كُلَيْب، قال: سمعتُ شَيْخَيْنِ في المسجد ممّن سمع خالد بن الوليد، قال أحدهما لصاحبه، أتذكر ما لقينا يوم الكُمَّةِ بِسُبَاطة الحيرَة؟ قال: نعم ما لقينا يومًا أشد منه، وقعت كُمَّةُ خالد بن الوليد فقال: التمسوها وغضب فوجدناها، فوضعها على رأسه ثم اعتذر إلينا فقال: لا تلوموني فإن نبيّ الله صَلَّى الله عليه وسلم، حين حَلَقَ رأسه انْتَهَبْنا شَعْرَهُ فوقعت ناصيتُه بيدي فجعلتها ناصيةً لي في هذه الخِرْقَة، فإنما شَقَّ عَلَيَّ حين وَقَعَتْ
(*)
.
قال: أخبرنا محمد بن عُبَيْد عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زِياد، قال: قال خالد بن الوليد عند موته: ما كان في الأرض ليلة أحَبَّ إليّ من ليلةٍ شديدة الجَلِيدِ في سَرِيَّةٍ من المهاجرين أُصَبِّحُ بهم العَدُوّ فعليكم بالجهاد.
قال: أخبرنا عبد الله بن نُمَيْر، قال: حدّثني إسماعيل، عن قَيْس، قال: سمعت خالد ابن الوليد يقول: لقد منعني كثيرًا من القراءة الجهادُ في سبيل الله.
قال: أخبرنا الفَضْلُ بن دُكَينْ، قال: حدّثنا الوليد بن عبد الله بن جُمَيْع قال: حدثني رجل أثق به أَنّ خالد بن الوليد أَمَّ الناس بالحيرة فقرأ مِنْ سُوَرٍ شَتَّى ثم التفت إلى الناس حين انصرف فقال: شغلني عن تَعْلِيم القرآن الجهادُ.
قال: أخبرنا أَبُو معاويةَ الضَّريرِ، قال: حدّثنا هشامُ بن عُرْوَةَ، عن أبيهِ، قال: كانت في بني سُليم رِدّةٌ، فبعث إليهم أبو بكر خالدَ بن الوليد فجمع منهم رجالًا في حَظَائِر ثم أحرقهم بالنار، فجاء عمر إلى أبي بكر فقال: انْزِعْ رجلًا عَذَّبَ بعذابِ اللهِ! قال: فقال أبو بكر لاَ وَالله لاَ أَشِيمُ سَيْفًا سَلَّهُ الله على عبادهِ حتى يكون هو يَشِيمُهُ قال: ثم أمره فَمَضَى من وجهه ذلك إلى مُسَيْلمَةَ.
قال: أخبرنا عبد الله بن نُمَيْر، قال: حدّثنا هشام بن عُرْوَةَ، قال: أخبرني أبي أن عمر ابن الخطاب قال لأبي بكر: انْزِعْ خالدَ بن الوليد فإنّه عَذَّبَ بعذابِ الله! قال: لا أَشِيمُ سيفًا سلَّهُ الله على الكفَّار حتى يكون الله الذي يَشِيمهُ.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال حدثني عُتبة بن جَبِيرَة، عن عاصم بن عُمَر بن قَتَادَة، قال: وحدثني محمد بن عبد الله، عن الزُّهْرِيّ. قال: وحدثني أُسَامةُ بن زَيْدٍ اللَّيْثِيّ عن الزُّهْرِيّ، عن حَنْظَلَة بن عليّ الأَسْلَمِيّ. قال: وحدثني مَسْلَمَةُ بن عبد الله بن عُروة، عن أبيه، دخل حديثُ بعضهُم في حديث بعض قال: لما ارتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ من العرب وامتننعوا من الصَّدَقَة شَاوَرَ أبو بكر الصّدّيق في غَزْوِهِم وقِتَالهم، فأجمعَ البِعثَةَ إليهم، وخرَج هو نفسهُ إلى قَنَاة فَعَسْكَرَ بها، وأظهر أنه يريد غَزْوَهُم بنفسهِ ليبَلُغَهُم ذلك فيكون أَهيب لهم. ثم سَارَ من قَنَاة في مائة من المهاجرين وخالد بن الوليد يحمل لواءهُ حتى نزل بَقْعَاء، وهو ذو القَصَّة وأراد أن يتلاحق به الناس ويكون أسرَعَ لمروجهم، فلما تلاحقوا به استعمل خالدَ بنَ الوليد عليهم، وأمرَهُ أن يسير إلى أهلِ الرِّدَّةِ فيقاتلهم على خمس خصالٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإِقَامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاة، وصيام شَهرِ رمضانَ.
ورجع أبو بكر إلى المدينة ومضَى خالد بن الوليد ومعه أهل السابقة من المهاجرين والأنصار فأَوْقَعَ بأهل الرِّدَّةِ من بني تميم وغيرهم بالبِطَاحِ، وقَتَلَ مالِكَ بن نُوَيْرة، ثم أوقع بأهلِ بُزَاخَةَ وحَرَّقَهُم بالنار، وذلك أنه بلغه عنهم مقالةٌ سَيِّئةٌ، شَتَموا النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وثَبَتوا على رِدَّتهم.
ثم مَضَى إلى اليَمَامَةِ فقاتلَ بها مُسَيْلِمَةَ وبَنيِ حَنِيفَة حتى قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ وصالحَ خالد أهل َ اليمامةِ على الصفراءِ والحَلْقَةِ والكُرَاعِ وَنصفِ السَّبْيِ. وكتب إلى أبي بكر: إِنـِّي لم أصالحهم حتى قُتِل من كنتُ أَقوى به، وحتى عَجِفَ الكُراعُ ونُهِكَ الخُفُّ، ونُهِكَ المسلمون بالقتل والجراحِ، وقدمَ خالدُ بن الوليد المدينةَ من اليمامة ومعهُ سبعة عشر رجلًا من وَفْدِ بَنِي حَنِيفةَ فيهم مُجَّاعَةُ بن مُرَارَةَ وإخوتُهُ، فلما دخل خالد بن الوليد المدينة دخل المسجد وعليه قَبَاءٌ، عليه صَدَأُ الحديد، مُتَقَلِّدًا السيفَ مُعتمًّا في عمامته أَسْهُمٌ، فمرَّ بعمر فلم يكلِّمه ودخل على أبي بكرٍ، فرأى منه كُلَّ ما يُحِبّ، فخرج مسرورًا، فعرفَ عمر أن أبا بكر قد أرضاه، فأمسَكَ عن كلامه، وإنما كان وَجَدَ عليه عمر فيما
صنع بِمَالِك بن نُوَيرةَ من قَتْلِهِ إيّاهُ، وتَزَوُّجِ امرأتِهِ، وما كان عليه في نفسه قبل ذلك من أَمْر بني جَذِيمَةُ.
قال محمد بن عمر: فهذا أَثْبَتُ عندنا أَنّ خالد بن الوليد رجع من اليمامة إلى المدينة. وقد رَوَىِ قوْمٌ من أهل العلم أَنَّ أبا بكر الصّدّيق كتب إلى خالد حين فرغ من أهل اليمامةِ أَنْ يَسِيرَ إلى العراق فَفَعَلَ.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا شَيبان بن عبد الرحمن، عن جابر، عن عامر، عن البَرَاء بن عَازِب. قال: وحدثني طلحة بن محمد بن سعيد، عن أبيه، عن سعيد بن المُسَيَّب، قالا: كتبَ أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليد حين فرغ من أهل اليمامة أن يسير إلى العراق، فخرج خالد من اليمامة فسار حتى أَتَى الحِيرَةَ فنزل بِخَفَّانِ ــ والمرزُبَان بالحِيرَةِ مَلِكٌ كان لكسرى، مَلَّكَهُ حين مات النُّعمان بن المُنْذِر ــ فتلقاهُ بنو قَبيصَةَ وبنو ثَعْلَبةَ، وعبد المسيح بن حَيَّان بن بُقَيْلَةَ، فصالحَوه عن الحِيرَةِ وأعطوهُ الجزيةَ مائةَ ألف درهم، على أن يَتَنَحَّى إلى السَّوَاد ففعل، وصالحَهم وكتب لهم كتابًا، وكانت أولَ جزية في الإسلام ثم سار خالد إلى عَيْن التَّمر فدعاهم إلى الإسلام فأَبَوْا، فقاتَلَهم قتالًا شديدًا فظفَّرهُ الله بهم، فقتل وسَبَى وبعث بالسَّبْي إلى أبي بكر الصديق. ثم نزل بأهل أُلَّيْس: وهي قرية أسفل الفرات، فصالحَهم، وكان الذي وَلِيَ صُلْحَه هانئ بن جابر الطائِيّ على ثمانين ألف درهم، ثم سار فنزل بِبَانِقْيَا على شاطئ الفُرَاتِ، فقاتلوه ليلةً حتى الصباح ثم طَلبوا الصُّلح فصالحهم وكَتَبَ لهم كتابًا.
وصالح صَلُوبَا بن بَصْبَهْرَي ـــ ومنزله بشاطئ الفرات ـــ على جزية ألف درهم، ثم كتَب إليه أبو بكر يأمره بالمسير إلى الشام، وكَتب إليه: إِنـِّي قد استملتك على جُندك، وعَهدتُ إليك عهدًا تقرأهُ وتعمل بما فيه، فَسِر إلى الشام حتى يوافيك كتابي فقال خالد: هذا عمل عمر بن الخطاب حَسَدَني أن يكون فتح العراق على يدي. فاستخلفَ المُثَنَّى ابن حارثة الشيباني مكانَهُ، وسَارَ بالأَدِلاّء حتى نزل دُومَةَ الجَنْدَل، فوافاهُ كتابُ أبي بكرٍ وعَهدُهُ مع شَرِيك بن عَبَدَةَ العَجْلاني، فكان أحدُ الأمراءِ بالشأم خلافة أبي بكر، وفتح بها فتوحًا كثيرة، وهو الذي ولى صلحَ دمشق وكتب لهم كتابا فأنفذوا ذلك له، فلما تُوفي أبو بكر وَوَلى عمرُ بن الخطاب عزل خالدًا عما كان عليه، وولى أبا عُبيدة بن الجَرَّاح، فلم يزل خالدُ مع أبي عُبيدة في جُنده يغزو، وكان لهُ بلاءٌ وغَنَاءٌ وإقدام في سبيل الله حتى تُوفِّي رحمهُ اللهُ بحِمْص سنة إحدى وعشرين، وأوصَى إلى عمر بن الخطاب ودفُن في قريةٍ على مِيلٍ من حِمْصَ.
قال محمد بن عُمَر: سألتُ عن تلك القريةَ فقيل قَدْ دَثَرَت.
قال: أخبرنا عَفَّانُ بنُ مُسْلِم، قال: حدَّثنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَة، عن عاصم بن بَهْدَلَةَ، عن أبي وائِل، أن خالد بن الوليد كتب:
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
، من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران وَمِلاَءِ فارس: سلامٌ على من اتَّبَعَ الهُدَى، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هُوَ، أما بعد: فإني أَعْرِضُ عليكم الإسلامَ، فإن أَقْرَرْتُمَا به فلكما ما لأهل الإسلام وعليكما ما على أهل الإسلام، وإن أَبَيْتُما فإني أعرض عليكما الجزية، فإن أقررتما بالجزية فلكما ما لأهل الجزية، وعليكما ما على أهل الجزية، وإن أَبَيْتُما فإِنّ عندي رجالًا يُحِبّون القتالَ كما تُحِبُّ فارسُ الخَمْرَ.
قال: أخبرنا عبد الله بن الزبير الحُمَيْدِي، قال: حدّثنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: رأيت خالد بن الوليد أُتِيَ بِسُمٍّ فقال: ما هذا؟ قالوا: سُمّ. فقال: بسم الله وشَرِبَه، وأشار سفيان بيده إلى فيه: قال عبد الله ابن الزبير: وذلك بالحِيرَة.
قال: أخبرنا الفَضْل بن دُكَيْن ومحمد بن عبد الله الأسدي، قال: حدّثنا يونس بن أبي إسحاق، قال: حدّثنا أبو السَّفَر، قال: نزل خالد بن الوليد الحيرة، فنزل عَلَى بَنِي أُمّ المَرَازِبة فقالوا: احْذَر السُّمَّ لا يسقيكه الأعاجم فقال لهم: ائْتُوني بالسّمّ، فلما أتَوْهُ بهِ فوضعه في رَاحَتِه ثم قال: بسم الله، فاقتحمه فلم يضرّهُ بإذن الله شيئًا.
قال: أخبرنا هِشَامُ بن الوليد الطَّيالسي، قال: حدّثنا شُعْبَةُ عن الحكم، عن قيس بن أبي حازم، قال: أَمَّنا خالد بن الوليد باليَرْمُوك في ثوب واحدٍ، قد خالف بين طرفيه، وَخَلْفَهُ أصحابُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
قال: أخبرنا سليمان بن حَرْب، قال حدّثنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عن عَطَاء بن السَّائِب، عن مُحَارِب بن دَثَار، قال: قيل لخالد بن الوليد: إنّ في عَسْكَرِكَ من يشرب الخَمْرَ، فركب دابتهُ وجَالَ في العسكر فلقي رجلًا عَلَى مَنْسِج فرسه زِقُّ خَمْرٍ، فقال له: ما هذا؟ قال: خَلٌّ فقال خالد: اللهم اجعله خَلًّا. قال فجاء الرجلُ أصحابَهُ فقال: قد أتيتكم بخمرٍ مَا شَرِبَت العربُ مثلها، فلما فتحوهُ إذا هو خَلّ، قالوا، ويْلك، والله ما جئتنا إلا بخلٍّ. قال: هذه دَعْوَةُ خالدٍ.
قال: أخبرنا مُسلم بن إبراهيم، قال: أخبرنا جُوَيْرِيَةُ بن أسماء، عن نافع، قال: لما قدم خالد بن الوليد من الشام، قَدِمَ وفي عِمَامَتِه أسهمٌ مُلَطَّخَةٌ بالدم قد جعلها في عمامته، فاستقبلهُ عُمَرُ لما دخل المسجد فنزعها من عمامته وقال: أتدخل مسجد النبي صَلَّى الله عليه وسلم، ومعك أسهمٌ فيها دَمٌ؟! وقد جاهدت وقاتلت وقد جاهد المسلمون قبلك وقاتلوا.
قال: أخبرنا الفَضْلُ بن دُكَينْ، ومحمد بن عبد الله الأسديّ قالا: حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن العَيْزَار بن حُرَيْث، قال: كان خالد بن الوليد يقول: ما أدري من أيّ يومَيّ أفِرُّ؟ يومٍ أراد الله أن يهْدِيَ لي فيه شهادةً، أو من يوم أراد الله أن يهدي لي فيه كَرامَةً.
قال: أخبرنا الفَضْلُ بن دُكَينْ، ومحمد بن عبد الله الأسديّ، قالا: حدّثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي السَّفَر، قال: مرض خالد بن الوليد بالشام فَحَضَرهُ أُنَاسٌ وهو يَسُوقُ: فقال بعضهم: والله إنه يَسُوقُ، فسمعه فقال: أجل، فأستعين الله على ذلك.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أَبِي الزِّنَادِ وغيره، قالوا: قَدِمَ خالدُ بنُ الوليد بعد أَنْ عَزَلَهُ عُمَرُ بنُ الخطاب مُعْتَمرًا، فمرَّ بالمدينة ولقي عُمَرَ ثم رجع إلى الشام فانقطع إِلَى حِمْص، فلم يزل بها حتى تُوفي بها في سنة إحدى وعشرين.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا عَمْرو عبد الله بن عَنْبَسَة، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان يقول: لم يزل خالد بن الوليد مع أبي عُبَيدةَ حتى توفي أبو عُبَيْدة، واسْتُخْلِفَ عياضُ بن غَنْم الفِهْرِيّ، فلم يزل خالدٌ معه حتى مات عياضُ ابن غَنْم، فاعتزل خالد إلى ثَغْرِ حِمْص، فكان فيه وَحَبَّسَ خَيْلًا وسِلاَحًا فلم يزل مقيمًا مرابطًا بحمص حتى نُزِلَ بهِ فدخل عليهِ أبو الدَّرْدَاءِ عائدًا له، فقال خالد بن الوليد: إِنَّ خَيْلي هذهِ التي حَبَّسْتُ في الثغر وسلاحي، هو على ما جعلته عليه، عُدّةً في سبيل الله، وقوةً يُغْزَى عليها، وتُعلفُ من مالي، وداري بالمدينة صَدَقَة: حُبُسٌ لا تباع ولا تُورَّث وقد كنت أشهدتُ عليها عُمَرَ بن الخطاب ليالي قَدِمَ الجَابِيَة وهو كان أَمَرني أن أتَصَدَّق بها، ونِعْمَ العَوْنُ هو على الإسلام. والله يا أبا الدَّرْدَاءِ لئن مات عمر لَتَريََنَّ أمورًا تُنْكِرها. قال: قال أبو الدَّرْدَاء: وأنا والله أرى ذلك. قال خالد: كنتُ قد وجدتُ عليه في نفسي في أمُورٍ لمَّا تَدَبَّرْتها في مرضي هذا وحضرني من الله حاضرٌ، عرفت أَنّ عُمَرَ كان يريدُ الله بكل ما فعل: كنتُ قد وجدتُ في نفسي حيث بعث إِلَيَّ مَن يُقاسِمُني مالي حتى أخذ فَرْدَ نَعْلٍ وأخذت فردَ نعل، فرأيته فعل ذلك بغيري من أهل السَّابِقة وَمَنْ شهد بَدْرًا، وكان يُغلظُ عَلَيَّ، وكانت غلظته على غيري نحوًا من غِلْظَتِه عَلَيَّ، وكنت أُدِلّ عليه بقرابة، فرأيتُه لاَ يُيَالي قريبًا، وَلاَ لَوْمَ لاَئِمٍ في غير الله، فذلك الذي أَذْهبَ ما كنتُ أَجِد عليه، وكان يُكَثَّرُ عَلَيَّ عندهُ وما كان ذلك مِنِّي إلاَّ على النظر، كنتُ في حَرْبٍ ومُكَايَدَةٍ، وكنتُ شاهدًا وكان غائِبًا، فكنتُ أُعْطِي على ذلك فَخَالَفَهُ ذلك مِنْ أَمْرِي، وقد جعلتُ وَصِيَّتيِ وَتَرِكَتي وإنْفَاّّذَ عَهْدِي إلى عُمر بن الخطاب. قال: فَقُدِمَ بالوصّية عَلَى عمر، فقبلها وترحم عليه، وأنفذ ما فيها. وتزوج عُمَرُ بعدُ امرأتَهُ.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال حدّثني عمر بن عبد الله بن رَبَاح، عن أبي رباح خالد بن رَبَاح، قال: سمعت ثَعْلَبَة بن أبي مالك يقول: رأيت عمر بن الخطاب بقُبَاء يوم السبت ومعهُ نفرٌ من المهاجرين والأنصار، فإذا أُناسٌ من أهل الشام يُصلُّون في مسجد قُبَاء حُجّاجًا فقال: مَن القوم؟ قالوا: من اليمن، قال: أَيَّ مدائن الشام نزلتم؟ قالوا: حِمْص. قال:هل مِن مُغَرّبَِةٍ خَبَر؟ قالوا: موتُ خالد بن الوليد يوم رَحَلْنا من حِمْص. قال فاسترجع عُمَرُ مِرَارًا ونكس، وأكثر التَّرَحُّمَ عليه. وقال: كان والله سَدَّادًا لنحورِ العدوّ، ميمون النقيبةِ، فقال له عليّ بن أبي طالب: فَلِمَ عَزَلْتَهُ؟ قال: عَزْلتُه لِبَذْلِه المالَ لأهل الشرف وذوي اللسان. قال عليٌّ: فكنتَ عَزَلْتَه عن التبذير في المال وتتركه على جنده! قال: لم يكن يرضى، قال: فَهَلاَّ بَلَوْتَهُ؟!
قال: أخبرنا محمد بن بن عمر، قال: حدّثني يزيد بن عبد الملك، عن الحارث بن الحكم الضَّمْرِيّ، عن شيخ من بني غِفَار، قال: سمعتُ عمرَ بن الخطاب بعد أن مات خالد ابن الوليد ــ وعمر فيما بين قُدَيدٍ وعَسَفَان يقول: وذكر خالدًا وموته ــ قال: قد ثُلِمَ في الإسلام ثُلْمةٌ لاَ تُرْتَق فقلت: يا أمير المؤمنين لم يكن رَأْيُك في حياته على هذا! فقال: نَدِمْتُ على ما كان مِنِّي إليه.
قال محمد بن عمر: وحدثني غير يزيد بن عبد الملك قال: حجَّ عمر بن الخطاب ومعه زبيد بن الصلت وكان كثيرًا ما يسايره، قال: فَعَرَّسنا من الليل بأسفل ثنيّة غَزال، فَجَعلتِ الرّقاقُ تمر من الشام يذكرون خالد بن الوليد بعد موته ويقول راجزهم:
إذا رأيتَ خَالدًا تَجفّفا
وكان بين الأعجَمِين مُنْصِفَا
وهَبَّت الرِّيحُ شمالًا حَرجَفَا.
قال: فجعل عمر يترحم عليه، فقال له زُبيد: ما وجدتُ مثلكَ ومثله إلاَّ كما قال الشاعر:
لا أعرفَنَّكَ بعدَ الموتِ تَنْدُبُني
وفي حياتي ما زَوَّدْتَنِي زَادِي
فقال عمر: لا تقل ذلك، فوالله ما نقمت على خالدٍ في شيء إلا في إعطائِه المال، والله لَيْتَهُ بَقِيَ ما بقي بالجَمَّاءِ حَجَرٌ.
قال: أخبرنا عبد الله بن الزُّبَير الحُمَيْدِيّ، قال: حدّثنا سُفْيان بن عُيَيْنَةَ، قال: حدّثنا إسماعيل بن أَبِي خالد، قال: سمعت قيس بن أَبِي حازم يقول: لما مات خالد بن الوليد قال عمر رحمه الله: يرحم الله أبا سليمان لقد كنّا نظنُّ بهِ أمورًا ما كانت.
قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا جُوَيْرِيَةُ بن أسمَاء، عن نافع، قال: لما مات خالد بن الوليد لَمْ يَدَعْ إلا فَرَسَه وسلاحَه وغُلامه، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال: يرحم الله أبا سليمان كان على غير مَا ظَنَنَّا به.
قال: أخبرنا كَثِير بن هشام قال: حدّثنا جعفر بن بُرْقَانَ، قال: حدّثنا يزيد بن الأصمّ، قال: لما توفي خالد بن الوليد بكت عليه أم خالد، فقال عمر: يا أُمَّ خالد: أخالدًا وأَجْرَه ترزئين جميعًا! عزمتُ عليك أَلاَّ تبيتي حتى تُسَوَّدَ يداك من الخضاب.
قال: أخبرنا وَكيِعُ بن الجَرّاح، وأبو معاوية الضَّريرِ، وعبد الله بن نُمَيْر: قالوا: حدّثنا الأَعْمَش، عن شَقِيق بن سَلَمة، قال: لما مات خالد بن الوليد اجتمع نِسْوةُ بَنِي المغُيِرَة في دار خالد يَبْكِين عليه، قال فقيل لعمر: إنهن قد اجتمعن في دار خالدٍ وهن خُلَقاء أن يُسْمِعْنَك بعضَ ما تكره، فَأَرْسِلْ إليهن فانهَهُنّ! فقال عمر: وما عليهن أَنْ يُرِقْنَ دُمُوعَهُنَّ على أبي سليمان، ما لم يكن نَقْعًا أو لَقْلَقَةً. قال وكيع: النقعُ: الشق. واللقلقة: الصَوتُ.
قال: أخبرنا هشام بن الوليد الطَّيَالِسّي، قال: حدّثنا شَريك، عن عاصم بن بَهْدَلة، عن أبي وائِل، قال: لما مات خالد بن الوليد قال عمر بن الخطاب: مَا عَلَى نساء بني المُغِيرَة أن يَسْفَحْنَ مِنْ دُمُوعِهِنَّ عَلَى أبي سليمان، ما لم يكن نَقْعًا أو لَقْلَقَةً. والنقعُ: والشَّقّ. واللَّقْلَقَة: الصوتُ.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَة، عن عبد الله بن عِكرمة قال: عجبًا لقول الناس: إن عمر بن الخطاب نَهَى عن النَّوْحِ! لقد بكى على خالد بن الوليد بالمدينة ومكة نساءُ بني المُغيِرَة سبعًا، يشققن الجيوبَ، ويضربن الوجوه، وأطعموا للطعام تلك الأيام حتى مضت، ما ينهاهنَّ عمر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا عن عبد الرحمن بن أَبِي الزِّنَاد، قال: كان خالد بن الوليد يُشْبِهُ عُمرَ، يعني في خَلقِهِ وصِفَته وَكَلَّمَ عَلْقمةُ بن عُلاَثَة عمرَ بن الخطاب في السَّحَرِ وهو يَظُنُّه خالد بن الوليد لشبههِ به.
(< جـ5/ص 26>)
الصفحة الأم
|
مساعدة
|
المراجع
|
بحث
|
المسابقات
الاسم :
البريد الالكتروني :
*
عنوان الرسالة :
*
نص الرسالة :
*
ارسال