تسجيل الدخول


قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي

روى مالك بن أنس، وإبراهيم بن محمد الأنصاري، وخارجةُ بن الحارث وبعضهم قد زاد على صاحبه في الحديث قالوا: بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَبَا عُبَيدة بن الجَرّاح في سَرِيَّةٍ فيها المهاجرون والأنصار، وهم ثلاثمائة رجل، وكان فيهم قيس بن سعد بن عُبَادة، فأصابهم جوعٌ شديدٌ، فقال قيس بن سعد: من يشتري مِنِّي تَمْرًا بجُزُر، ويوفيني الجُزُرَ ها هنا، وأُوفيه التمر بالمدينة؟ فجعل عمر يقول: وَاعَجَبَاه بهذا الغلام، لا مال له يَدَّانُ في مال غيره! فوجد رجلًا من جُهَينة يعطيه ما سأل، وقال: والله ما أَعْرِفُكَ من أنت؟ قال: أنا قيس بن سعد بن عُبادة، فقال الجُهَني: مَا أَعْرَفَنِي بِنَسَبِكَ! فابتاع منه خمس جزائِر، كل جزور بِوَسْقَيْن من تمر، فقال الجُهَنِي: أَشْهِدْ لِي، فقال قيس: أَشْهِدْ مَنْ تُحِبّ، فكان فيمن أَشهد عمر بن الخطاب فقال: لاَ أَشْهد! هذا يَدَّان ولا مال له، إنما المَالُ لأبيه، فقال الجُهَنِيّ: والله ما كان سعد لَيُخْنِي، بابنه في سِقةٍ من تمر، وأرى وجهًا حسنًا، وَفعَالًا شريفًا، فكان بين عُمر وَبَينْ قيس كلامٌ حتى أغلظ له قيس الكلامَ، وأخذ قَيْس الجُزُر فَنَحَرَها في مواطن ثلاثة، كل يوم جزورًا، فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره وقال: تريد أن تُخفر ذمتك ولا مال لك؟ وأقبل أبو عبيدة بن الجراح، ومعه عمر بن الخطاب، فقال: عزمت عليك أَلاّ تنحر، أتريد أن تُخفر ذمتك ولا مال لك؟! فقال قيسٌ: يا أبا عُبيدة أترى أبا ثابت وهو يقضي ديون الناس، ويحمل الكَلَّ، ويُطعم في المجاعة، لاَ يَقْضِي عَنِّي سِقَةً من تمرْ لقومٍ مجاهدين في سبيل الله! وبلغ سعدًا ما أصاب القوم من المجاعة، فقال: إن يكن قيسٌ كما أعرف فسوف ينحر لهم، فلما قدم قيس لقيه سعدٌ فقال: ما صنعتَ في مجاعة القوم حيث أصابتهم؟ فقال: نحرتُ، قال: أصبتَ انْحَر ثم ماذا؟ قال: ثم نحرتُ قال: أصبت انْحَر قال: ثم ماذا؟ قال: ثم نحرت، قال أصبت انْحَر قال: ثم ماذا؟ قال: نُهيتُ، قال: ومن نهاك؟ قال: أبو عبيدة بن الجَرَّاح أَمِيري، قال: وَلِمَ؟ قال: زعم أنه لا مال لي، وإنما لأبيك فقلت: أَبِي يقضي عن الأباعد، ويحمل الكَلَّ، ويطعم في المجاعة، ولا يصنع هذا بي! قال: فلك أربع حوائِط، قال: وكتب له بذلك كتابًا، وأتى بالكتاب إلى أَبِي عُبَيدة بن الجَرّاح فشهد فيه، وأتى عمر فأَبَى أن يشهد فيه وأَدْنَى حائطٍ منها يجدُّ خمسين وسقًا، وقدِمَ البدوي مع قيس، فأوفاهُ سِقَتَهُ، وحَملَهُ وكساهُ، فلما قدم الأعرابيُّ عَلَى سعد بن عُبَادة قال: يا أبا ثابت! والله ما مثل ابنك صَنعتُ ولا تركت بغير مالٍ، فابنك سيدٌ من سادةِ قومه، نهاني الأمير أن أَبِيعَهُ وقال: لا مال لهُ! فلما انتسب إليك عرفته فتقدّمت عليه لما أَعرف أَنّك تسمو إلى معالي الأخلاق وجسيمها، وأَنك غير مُذمٍّ بمن لا معرفة له لديك، قال: فأعطى سعد ابنه يومئذٍ تلك الحوائط الأربع، وبلغ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم فعلُ قيس فقال: "إنه في بيت جُودٍ"(*).
وروى هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان قيس بن سعد بن عُبادة مع علي بن أبي طالب في مقدمته، ومعهُ خمسة آلاف قد حلقوا رءوسهم بعد ما مات عليّ، فلمّا دخل الحسن في بيعة معاوية؛ أَبَى قَيْسُ بنُ سعد أن يدخل، وقال لأصحابه: إن شئتم جالدتُ بكم أبدًا حتى يموت الأعجل، وإن شئتم أخذت لكم أمانًا، فقالوا: خُذْ لَنَا فَأَخَذَ لهم أمانًا: أَنّ لهم كذا وكذا، ولا يعاقبون بشيء، وأنا رجلٌ منهم، وأَبَى أن يأخذ لنفسه خاصةً شيئًا، فلما ارتحل نحو المدينة ومعه أصحابه؛ جعل ينحر كل يومٍ جزورًا حتى بلغ صِرَارًا.
وروى ابن شهاب قالَ: كان قيس بن سعد يحمل راية الأَنصار مع النبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم، قيل: إِنه كان في سرية فيها أَبو بكر، وعمر، فكان يستدين ويُطعم الناس، فقال أَبو بكر وعمر: إِن تَرَكْنَا هذا الفتى أَهلكَ مال أَبيه! فمشيا في الناس، فلما سمع سعد قام خلف النبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فقال: من يعذرني من ابن أَبي قحافة وابن الخطاب؟ يُبَخِّلان عليّ ابني.
وروى عبد الله بن المبارك، عن جويرية، قال: كتب معاوية إلى مروان: أن اشتر دار كثير بن الصّلت منه، فأَبى عليه، فكتب معاوية إلى مروان: أن خذه بالمال الذي عليه، فإِن جاء به، وإلّا بع عليه دارَه، فأَرسل إليه مروان فأَخبره، وقال: إِني أُؤجلك ثلاثًا، فإن جئْتَ بالمال، وإلّا بعْتُ عليك دارك‏، قال: فجمعها إلا ثلاثين ألفًا، فقال: مَنْ لي بها؟ ثم ذكر قيس بن سعد بن عبادة فأَتاه فطلبها منه فأَقرضه، فجاء بها إلى مروان؛ فلما رآه أنه قد جاءه بها ردَّها إليه وردَّ عليه داره، فردّ كثير الثّلاثين ألفًا على قيس، فأَبى أن يقبلها، قال ابن المبارك: فزعم لي سفيان بن عيينة، عن موسى بن أبي عيسى ــ أن رجلًا استقرض من قيس بن سعد بن عبادة ثلاثين ألفًا، فلما ردَّها عليه أبى أن يقبلها، وقال‏: إنا لا نعود في شيء أَعطيناه.
وروى جابر، قال: خرجْنَا في بَعْثٍ كان عليهم قيس بن سعد بن عبادة، فنحر لهم تسع ركائب، فلما قدموا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذكروا له ذلك من فِعْل قيس بن سعد، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ‏"‏إِنَّ الْجُودَ مِنْ شِيمَةِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ‏"(*) ‏‏ذكره ابن حجر في فتح الباري 8/ 81، والهندي في كنز العمال حديث رقم 33628، 37477..
ذكر صاحب كتاب "الموثق" وغيره‏ أن قيس بن سعد بن عبادة كان له مالٌ كثير ديونًا على النّاس، فمرض واستبطأ عوَّادَهُ، فقيل له: إنهم يستحْيون من أجل دينك، فأمر مناديًا ينادي: من كان لقيس بن سعد عليه دَيْنٌ فهو له، فأَتاه النّاسُ حتى هدموا درجةً كانوا يصعدون عليها إليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال