تسجيل الدخول


قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي

مختلف في كنيته؛ فقيل: أبو الفضل، وأبو عبد الله، وأبو عبد الملك، كان قيس بن سعد يحمل راية الأَنصار مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم. وقيل: إِنه كان في سرية فيها أَبو بكر وعمر، فكان يستدين ويطعم الناس، فقال أَبو بكر وعمر: إِن تَرَكْنَا هذا الفتى أَهلكَ مال أَبيه! فمشيا في الناس، فلما سمع سعد قام خلف النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال: من يعذرني من ابن أَبي قحافة وابن الخطاب؟ يُبَخِّلان عليّ ابني. وكان قيس ضخمًا حسنًا طويلًا إذا ركب الحمار خطّت رجلاه الأرض. وكان سناطًا؛ ليس في وجْههِ شعرة؛ فقال: إن الأنصار كانوا يقولون، ودِدنا أنْ نشتري لقيس بن سعد لحيةً بأموالنا. وقال أنس بن مالك‏: كان قيس بن سعد بن عبادة من النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم مكان صاحب الشّرطة من الأمير، وأعطاه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم الرّايةَ يوم فتح مكّة إذ نزعها من أبيه لشكوى قيس بن سعد يومئذ، ه أعطاها الزّبير. قال داود بن قيس، ومالك بن أنس، وإبراهيم بن محمد الأنصاري، وخارجةُ بن الحارث وبعضهم قد زاد على صاحبه في الحديث: بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَبَا عُبَيدة بن الجَرّاح في سَرِيَّةٍ فيها المهاجرون والأنصار، وهم ثلاثمائة رجل، وكان فيهم قيس بن سعد بن عُبَادة، فأصابهم جوعٌ شديدٌ، فقال قيس بن سعد: من يشتري مِنِّي تَمْرًا بجُزُر، ويوفيني الجُزُرَ ها هنا وأُوفيه التمر بالمدينة؟ فجعل عمر يقول: وَاعَجَبَاه بهذا الغلام، لا مال له يَدَّانُ في مال غيره! فوجد رجلًا من جُهَينة يعطيه ما سأل، وقال: والله ما أعرفك، من أنت؟ قال: أنا قيس بن سعد بن عُبادة بن دُلَيم، فقال الجُهَني: مَا أَعْرَفَنِي بِنَسَبِكَ! فابتاع منه خمس جزائِر، كل جزور بِوَسْقَيْن من تمر، فقال الجُهَنِي: أَشْهِدْ لِي فقال قيس: أَشْهِدْ مَنْ تُحِبّ، فكان فيمن أَشهد عمر بن الخطاب فقال: لاَ أَشْهد! هذا يَدَّان ولا مال له، إنما المَالُ لأبيه، فقال الجُهَنِيّ: والله ما كان سعد لَيُخْنِي بابنه في سِقةٍ من تمر، وأرى وجهًا حسنًا، وَفعَالًا شريفًا، فكان بين عُمر وَبَينْ قيس كلام حتى أغلظ له قيس الكلامَ وأخذ قَيْس الجُزُر فَنَحَرَها في مواطن ثلاثة، كل يوم جزرًا، فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره وقال: تريد أن تُخفر ذمتك ولا مال لك؟ وأقبل أبو عبيدة بن الجراح ومعه عمر بن الخطاب، فقال: عزمت عليك أَلاّ تنحر، أتريد أن تُغفر ذمتك ولا مال لك؟! فقال قيسٌ: يا أبا عُبيدة أترى أبا ثابت وهو يقضي ديون الناس، ويحمل الكَلّ، ويُطعم في المجاعة، لاَ يَقْضِي عَنِّي سِقَةً من تمرْ لقومٍ مجاهدين في سبيل الله! وبلغ سعدًا ما أصاب القوم من المجاعة، فقال: إن يكن قيسٌ كما أعرف فسوف ينحر لهم، فلما قدم قيس لقيه سعدٌ فقال: ما صنعتَ في مجاعة القوم حيث أصابتهم؟ فقال: نحرتُ، قال: أصبتَ انْحَر ثم ماذا؟ قال: ثم نحرتُ، قال: أصبت انْحَر ثم ماذا؟ قال: ثم نحرت، قال: أصبت انْحَر ثم ماذا؟ قال: نُهيتُ، قال: ومن نهاك؟ قال: أبو عبيدة بن الجَرَّاح أَمِيري، قال: وَلِمَ؟ قال: زعم أنه لا مال لي وإنما لأبيك فقلت: أَبِي يقضي عن الأباعد، ويحمل الكَلَّ، ويطعم في المجاعة، ولا يصنع هذا بي! قال: فلك أربع حوائِط، وكتب له بذلك كتابًا، وأتى بالكتاب إلى أَبِي عُبَيدة بن الجَرّاح فشهد فيه وأتى عمر فأَبَى أن يشهد فيه وأَدْنَى حائطٍ منها يجدُّ خمسين وسقًا وقدِمَ البدوي مع قيس، فأوفاهُ سِقَتَهُ، وحَملَهُ وكساهُ، فلما قدم الأعرابيّ عَلَى سعد بن عُبَادة قال: يا أبا ثابت! والله ما مثل ابنك صَنعتُ ولا تركت بغير مالٍ، فابنك سيدٌ من سادةِ قومه، نهاني الأمير أن أَبِيعَهُ وقال: لا مال لهُ! فلما انتسب إليك عرفته فتقدّمت عليه لما أَعرف أَنّك تسمو إلى معالي الأخلاق وجسيمها، وأَنك غير مُذمٍّ بمن لا معرفة له لديك، قال: فأعطى سعد ابنه يومئذٍ تلك الحوائط الأربع، وبلغ النبي صَلَّى الله عليه وسلم فعل قيس فقال: "إنه في بيت جُودٍ". وشهد قيس مع رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلم المشاهدَ. وشهد فَتْح مصر، واختطّ بها دارًا، ثم كان أميرها لعليّ. وكان قيس بن سعد بن عُبادة يقول: اللهم ارزقني مالًا، فإنه لا يصلح الفعال إلا بالمال. ومن مشهور أخبار قيس بن سعد بن عبادة أنه كان له مالٌ كثير ديونًا على النّاس، فمرض واستبطأ عوَّادَهُ، فقيل له: إنهم يستحْيون من أجل دينك، فأمر مناديًا ينادي: من كان لقيس بن سعد عليه دَيْنٌ فهو له، فأَتاه النّاسُ حتى هدموا درجةً كانوا يصعدون عليها إليه. وقصّته مع العجوز التي شكت إليه أنه ليس في بيتها جرذ، فقال: ما أحْسَنَ ما سألت! أما والله لأكثرنّ جرْذَان بيتك، فملأ بيتها طعامًا، وودَكًا وإدامًا. فكان قيس بن سعد بن عبادة من كِرَام أصحابِ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم وأسخيائهم ودُهَاتهم. روى عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وعن أبيه أَحاديث، وروَى عنه أنس، وثعلبة بن أبي مالك، وأبو مَيْسَرة، وعروة، وأَبو عَمَّار عَرِيب بن حُمَيد الهَمْداني، وابن أَبي ليلى، والشعبي، وعمرو بن شرحبيل، وغيرهم. قال قيس بن سعد: لو كان العلم متعلقًا بالثريا لناله ناس من فارس. وروى قيس بن سعد بن عُبَادة الأنصاري: أن أباه دَفَعَه إِلَى النبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم يَخْدُمه، قال قيس: فخرج عَلَيَّ النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وقد صَلَّيتُ ركعتين واضطجعتُ، فَضَرَبَني بِرِجْلِهِ وقال: "أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ من أبواب الجنة؟" قلتُ: بلى، قال:"لا حول ولا قوة إلا بالله". وروى قيس بن سعد: أنه استأذن على النبي صَلَّى الله عليه وسلم وهو قُبَالَة الباب فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم بيدهِ هكذا: "لا تستأذن وأنت قُبَالَة الباب". وأمر عليًا قيسَ بنَ سعد بن عُبادة على مصر، وكان من ذوي الرأي، فكان قد ضبط مِصر وقام فيها قِيَامًا مُجْزِياَ، وَوَادَعَ أَهْلَ خَرِبْتَا وأَدَرَّ عليهم أرزاقهم وكَفَّ عنهم وأحسن جوارهم، وكان قيس رجلًا حازمًا فكان يقول: لولا أن المَكْرَ فُجُورٌ، لمكرتُ مَكْرًا يضطرب منه أهل الشام بينهم. وأقبل على العبادة حتى مات سنة ستّين رضي الله عنه،‏‏ وقيل: سنة تسعٍ وخمسين في آخر خلافة معاوية.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال