1 من 2
قيس بن سعد
ابن عُبادة بن دُليم من بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ويكنى أبا عبد الملك. وكان عليّ بن أبي طالب قد ولاّه مصر ثمّ عزله عنها، فقدم قيس المدينة ثمّ لحق بعليّ بالكوفة فلم يزل معه. وكان على شرطة الخميس.
قال: أخبرنا يَعْلى بن عُبيد قال: حدّثنا الأجلح، عن أبي إسحاق، عن يريم بن سعد قال: رأيتُ قيس بن سعد على شرطة الخميس، قال: ثمّ أتى دجْلَةَ فتوضّأ ومسح على الخفّين، قال: فكأنـّي أنظر إلى أثر الأصابع على الخفّ، ثمّ تقدّم فأمّ الناس.
قال محمّد بن عمر: ولم يزل قيس بن سعد مع عليّ حتى قُتل عليّ فصار مع الحسن بن عليّ، رضي الله عنهما، فوجّهه على مقدّمته يريد الشأم، ثمّ صالح الحسن بن عليّ معاوية فرجع قيس إلى المدينة فلم يزل بها حتى توفّي في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان.
(< جـ8/ص 175>)
2 من 2
قيسُ بنُ سَعْدِ بنُ عُبادَةَ
ابن دُلَيْم بن حَارِثة بن أَبِي حَزِيَمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة. وأمه فُكَيْهة بنت عبيد بن دُليم بن حارثة بن أَبِي حَزِيَمة بن ثعلبة بن طَريف بن الخَزْرج بن سَاعِدَة.
قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا جرير بن حازم، قال: حدّثنا منصور بن زَاذَان، عن مَيْمُون بن أَبِي شَبِيب، عن قيس بن سعد بن عُبَادة الأنصاري: أن أباه دَفَعَه إِلَى النبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم، يَخْدُمه، قال: فخرج عَلَيَّ النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم، وقد صَلَّيتُ ركعتين واضطجعتُ، فَضَرَبَني بِرِجْلِهِ وقال: "أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ من أبواب الجنة؟" قلتُ: بلى، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله"(*).
قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا قيس بن الربيع الأسدي، عن منصور، عن هلال بن يِسَاف، عن قيس بن سعد: أنه استأذن على النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وهو قُبَالَة الباب فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم، بيدهِ هكذا: "لا تستأذن وأنت قُبَالَة الباب"(*).
قال: أخبرنا محمد بن اسماعيل بن أبي فُدَيك، عن هشام بن سعد، عن العباس بن عبد الله، عن عاصم بن عُمر بن قَتَادة: أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، استعمل قيس بن سعد بن عُبَادة على الصدقة(*).
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني داود بن قيس، ومالك بن أنس، وإبراهيم بن محمد الأنصاري، وخارجةُ بن الحارث وبعضهم قد زاد على صاحبه في الحديث قالوا: بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أَبَا عُبَيدة بن الجَرّاح في سَرِيَّةٍ فيها المهاجرون والأنصار، وهم ثلاثمائة رجل، وكان فيهم قيس بن سعد بن عُبَادة، فأصابهم جوعٌ شديدٌ، فقال قيس بن سعد: من يشتري مِنِّي تَمْرًا بجُزُر، ويوفيني الجُزُرَ ها هنا وأُوفيه التمر بالمدينة؟ فجعل عمر يقول: وَاعَجَبَاه بهذا الغلام، لا مال له يَدَّانُ في مال غيره! فوجد رجلًا من جُهَينة يعطيه ما سأل. وقال: والله ما أعرفك، من أنت؟ قال: أنا قيس بن سعد بن عُبادة بن دُلَيم. فقال الجُهَني: مَا أَعْرَفَنِي بِنَسَبِكَ! فابتاع منه خمس جزائِر، كل جزور بِوَسْقَيْن من تمر. فقال الجُهَنِي: أَشْهِدْ لِي فقال قيس: أَشْهِدْ مَنْ تُحِبّ. فكان فيمن أَشهد عمر بن الخطاب فقال: لاَ أَشْهد! هذا يَدَّان ولا مال له، إنما المَالُ لأبيه. فقال الجُهَنِيّ: والله ما كان سعد لَيُخْنِي، بابنه في سِقةٍ من تمر، وأرى وجهًا حسنًا، وَفعَالًا شريفًا فكان بين عُمر وَبَينْ قيس كلام حتى أغلظ له قيس الكلامَ وأخذ قَيْس الجُزُر فَنَحَرَها في مواطن ثلاثة، كل يوم جزرًا، فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره وقال: تريد أن تُخفر ذمتك ولا مال لك؟ وأقبل أبو عبيدة بن الجراح ومعه عمر بن الخطاب، فقال: عزمت عليك أَلاّ تنحر، أتريد أن تُغفر ذمتك ولا مال لك؟! فقال قيسٌ: يا أبا عُبيدة أترى أبا ثابت وهو يقضي ديون الناس، ويحمل الكَلّ، ويُطعم في المجاعة، لاَ يَقْضِي عَنِّي سِقَةً من تمرْ لقومٍ مجاهدين في سبيل الله! وبلغ سعدًا ما أصاب القوم من المجاعة، فقال: إن يكن قيسٌ كما أعرف فسوف ينحر لهم. فلما قدم قيس لقيه سعدٌ فقال: ما صنعتَ في مجاعة القوم حيث أصابتهم؟ فقال: نحرتُ. قال: أصبتَ انْحَر ثم ماذا؟ قال: ثم نحرتُ قال: أصبت انْحَر قال: ثم ماذا؟ قال: ثم نحرت، قال أصبت انْحَر قال: ثم ماذا؟ قال: نُهيتُ، قال: ومن نهاك؟ قال: أبو عبيدة بن الجَرَّاح أَمِيري. قال: وَلِمَ؟ قال: زعم أنه لا مال لي وإنما لأبيك فقلت: أَبِي يقضي عن الأباعد، ويحمل الكَلَّ، ويطعم في المجاعة، ولا يصنع هذا بي! قال: فلك أربع حوائِط. قال وكتب له بذلك كتابًا. وأتى بالكتاب إلى أَبِي عُبَيدة بن الجَرّاح فشهد فيه وأتى عمر فأَبَى أن يشهد فيه وأَدْنَى حائطٍ منها يجدُّ خمسين وسقًا وقدِمَ البدوي مع قيس، فأوفاهُ سِقَتَهُ، وحَملَهُ وكساهُ.
فلما قدم الأعرابيّ عَلَى سعد بن عُبَادة قال: يا أبا ثابت! والله ما مثل ابنك صَنعتُ ولا تركت بغير مالٍ، فابنك سيدٌ من سادةِ قومه، نهاني الأمير أن أَبِيعَهُ وقال: لا مال لهُ! فلما انتسب إليك عرفته فتقدّمت عليه لما أَعرف أَنّك تسمو إلى معالي الأخلاق وجسيمها، وأَنك غير مُذمٍّ بمن لا معرفة له لديك. قال: فأعطى سعد ابنه يومئذٍ تلك الحوائط الأربع.
وبلغ النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فعل قيس فقال: "إنه في بيت جُودٍ"(*).
قال: أخبرنا أبو أسامة حمّاد بن أسامة قال: حدّثنا هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان قيس بن سعد بن عُبادة مع علي بن أبي طالب في مقدمته ومعهُ خمسة آلاف قد حلقوا رءوسهم بعد ما مات عليّ. فلمّا دخل الحسن في بيعة معاوية أَبَى قَيْسُ بنُ سعد أن يدخل، وقال لأصحابه: إن شئتم جالدتُ بكم أبدًا حتى يموت الأعجل، وإن شئتم أخذت لكم أمانًا. فقالوا: خُذْ لَنَا فَأَخَذَ لهم أمانًا: أَنّ لهم كذا وكذا، ولا يعاقبون بشيء. وأنا رجلٌ منهم، وأَبَى أن يأخذ لنفسه خاصةً شيئًا. فلما ارتحل نحو المدينة ومعه أصحابه جعل ينحر كل يومٍ جزورًا حتى بلغ صِرَارًا.
قال: أخبرنا الفَضْل بن دُكَيْن والحسن بن موسى قالا: حدّثنا زُهَير بن معاوية، عن أَبِي إسحاق، عن يريم أبي العلاء ـــ وكان إمام مسجد حيهم ـــ قال: كنت مع قيس بن سعد ابن عبادة في شُرطتهِ وهم عشرة آلاف بعثهُ عَلِيّ وكان خادم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ونحن نزول على شَطِّ دجلة، فَبَال وعليه خُفَّان من أَرَنْدَج، ثم أتى شط دِجْلَة فتوضأ ومسح عَلَى خُفَّيْه قال: فأنا رأيت أثر أصابعه عليهما. قال أبو إسحاق: وعندي أَبُو مَيْسَرة. فقال أَبو مَيْسَرة: أنت رَأَيْتَهُ يا أبا العلاء؟ قال: نعم.
قال: أخبرنا رَوْحُ بن عُبَادة، قال:حدّثنا عوف بن محمد، قال: كان محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حُذَيفة بن عتبة بن ربيعة مِنْ أَشَدِّ قريش عَلَى عثمان، وإنَّ عليًا أَمَّر قيسَ ابنَ سعد بن عُبادة ـــ يعني على مصر ـــ وكان قيس رجلًا حازمًا فنُبِّئْتُ أنه كان يقول: لولا أن المَكْرَ فُجُورٌ، لمكرتُ مَكْرًا يضطرب منه أهل الشام بينهم. وإِنَّ معاوية وعَمْرو بن العاص كتبا إلى قيس بن سعد كتابًا يَدْعُوانه إلى مبايعتهما، وَكُتِبَ إليه بكتاب فيه لِين، فكتبَ إليهما كتابًا فيه غِلَظٌ، فكتبا إليه بكتاب فيه غِلظٌ. فكتب إليهما بكتاب فيه لِينٌ. فلما قَرَآ كتابَه عَرَفا أنهما لا يدان لهما بمكره. فقال كل واحدٍ منهما لصاحبهِ: تعالَ حتى نمكر الآن بعَلِيّ في شأنه، فأذاعا بالشام أنهما قد كتبا إلى قيس بن سعدٍ، وأنه قد بايعنا وتابعنا على أمرنا، فبلغ ذلك عليًّا فقال له أصحابه: بادر إلى مصر فإنّ قيسًا قد بايع معاوية وعَمْرًا، فَبَعَثَ عليٌّ محمدَ بن أبي بكر ومحمد بن أَبِي حُذَيْفة إلى مصر. وأَمَّرَ محمدَ بن أبي بكر، فلما قدِما على قيس بن سعد بِنَزعه، عرف قيسٌ أَنّ معاويةَ وعَمْروَ ابن العاص قد خَدَعَا عليًّا ومَكَرَا به. فقال قيس بن سعد لمحمد بن أبي بكر، ومحمد بن أَبِي حُذَيَفة: يَا بَني أَخِي، لاَ تصافَّا معاوية وعَمْرو بن العاص غدًا بأهل مصر. فإنهم سَيُسلمونكما فتُقْتلان فكان كما قال قيسٌ.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا مُفَضَّل بن فَضَالة المَعَافِرِي، عن يَزِيدَ بن أَبِي حَبِيب قال: استعمل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قَيْسَ بن سعد على مصر، وكان من ذوي الرأي، فكان قد ضبط مِصر وقام فيها قِيَامًا مُجْزِياَ، وَوَادَعَ أَهْلَ خَرِبْتَا وأَدَرَّ عليهم أرزاقهم وكَفَّ عنهم وأحسن جوارهم. وكان عَمْرو بن العاص ومعاوية بن أَبي سفيان قد شق عليهما وعلى أهل الشام ما يصنع قيس من مناصحة عليّ، وما ضيّق عَلَى أهل الشام فلا يحمل إليهم طعامًا. وكان عمرو بن العاص ومعاوية جَاهِدين أَنْ يخرجا قَيْسًا من مصر ويغلبا عليها. وكان قيس قد امتنع منهما بالمكيدة والدّهاء، فَمَكَرَا بعلِيِّ في أمره. فكتب معاوية كتابًا في قيس إليه يذكر فيه مَا أَتَى إلى عثمان من الأمر العظيم، وأنه على السمع والطاعة. ثم نادى معاوية: الصلاةُ جامعةٌ فاجتمع الناس في السلاح، فحَمَدِ الله وأثنى عليه وقال: يا أهل الشام، إن الله يَنْصُرُ خليفتَهُ المظلوم، ويخذلُ عَدُوَّهُ أبشروا. هذا قيس بن سعد نَابُ العربِ قد أبصر الأمر، وعرفهُ على نفسه، ورجع إلى ما عليه من السمع والطاعة، والطلب بدم خليفتكم، وكتب إِلَيَّ بذلك كتابًا، وأمر بالكتاب فَقُرِئ، وقد أَمَرَ بحمل الطعام إليكم، فَادْعُوا الله لقيس بن سعد، وارفعوا أيديكم، وابتهلوا له في الدعاء بالبقاء والصلاح. فَعَجُّوا وعَجَّ معاوية وعمرو، ورفعوا أيديهم ساعةً ثم افترقوا. فأخذ معاوية بيد عمرو بن العاص وقال: تَحَيَّن خروجَ العيون اليوم إلى عَلِيٍّ. يَسِيرُ الخبرُ إليه سبعًا أو ثمانيًا فيكون أول من يَعزل قيسَ بن سعد، فكُلُّ مَنْ وَلَّى أهون علينا من قيس. فَتَحَيَّنوا خَبَرَ عَلِيٍّ، فلما ورد الخبر عليه كان أول مَنْ حَمَلَهُ إليه محمد بن أبي بكر، فأخبره بما صنع قيس، وَرَفدَهُ الأشترُ ونالا من قيس وقالا: ألا استعملتَ رجلًا لهُ جراء، فجعل عَلِيٌّ لا يقبل هذا القول على قيس بن سعد، ويقول: إن قَيْسًا في سَرٍّ وشرف في جاهليةٍ وإسلامٍ، وقيسٌ رجلُ العرب. وَيَأبَى محمد بن أبي بكر أن يقصر عنه، فَعَزَلَه عليٌّ عليه السلام.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني يحيى بن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بنُ عَبَادَة، قال: قدم قيس بن سعد المدينة فأرسلت إليه أُمُّ سَلَمَة تلومه وتقول: فارقت صَاحِبَك، قال: أنا لم أفارقهُ طائِعًا، هو عَزَلَني. فأرسَلَتْ إليه: إنّي سأكتب إلى عَلِيٍّ في أمرك. وراح قيسٌ إليها، فأخبرها الخبر، فكتبت إلى عليّ تُخْبِرُه بنصيحة قيس وأبيهِ في القديم والحديث، وتلومه على ما صنع. فكتب عَلِيٌّ إلى قيس يعزم عليه إلا لحق به، فقال: والله ما أخرج إليه إِلاّ استحياءً، وإِنِّي لأعلم أنه مقتول، معه جندُ سوءٍ لا نِيَّةَ لهم. فقدِم عَلَى عَلِيٍّ، فأكرمه، وحباهُ.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال حدّثني راشد بن سعد، عن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عُبَادة. قال: وحدّثني مَعْمَر، عن الزُّهْرِيّ قالا: لما قدم قيس بن سعد المدينة تَآمَر فيه الأسود بن أَبِي البَخْتري، ومروان بن الحكم أن يُبَيِّتاه فيمن معهما، وبلغ ذلك قيسًا، فقال: والله إنّ هذا لقبيح، أن أفارق عليًّا وإن عزلني، والله لألحقن به. فلحق بعليّ بالعراق فكان معه وأخبره قيسٌ بخبره، وما كان يعمل بمصر، فعرف عَلِيٌّ أَنّ قيسًا كان يُداري أمرًا عظيمًا من المكيدة التي قصّر عنها رأْيُ غيره. وأطاع عَلِيٌّ قيسًا في الأمر كله، وجعلهُ مُقَدِّمَةَ أهل العراق على شُرطَةِ الخميس الذين كانوا يبايعون للموت. فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم والأسود بن أَبي البَخْتري يتغَيّظ عليهما، وأَنَّبَهُما أَشَدّ التَّأْنِيب. وقال: أَمْدَدْتُما عَليًّا بقيس بن سعد، وبرَأيهِ ومكيدته؟ والله لو أمددتماه بمائة ألف مقاتل ما كان بأغيظ لي من إخراجكما قيس بن سعد إليه!
قال: أخبرنا يَعْلَى بن عُبيد، قال: حدّثنا الأجْلَح عن أبي إسحاق عن يَرِيم بن سعد قال: رأيت قيس بن سعد على شرطةِ الخميس قال: ثم أتى دِجْلَة فتوضأ وَمَسَحَ على الخُفَّيْن، فكأني أنظر إلى أثر الأربع أصابع على الخف، ثم تقدم فأمّ الناس.
قال محمد بن عمر: وكان قيس يُكنى أبا عبد الملك، ولم يزل مع عليّ حتى قُتِلَ عليٌّ، فرجع قيس إلى المدينة، فلم يزل بها حتى تُوفي في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان.
(< جـ5/ص 369>)