تسجيل الدخول


قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي

1 من 1
قيس بن سعد الخزرجي:

قيس بن سعد بن عبادة بن دُليم بن حارثة الأنصاريّ الخزرجي. قد نسبنا أباه في بابه، فأغنى ذلك عن الرّفع في نسبه ها هنا [[سعد بن عُبادة بن دُليم بن حارثة بن حليمة، ويقال ابن أبي حَزِيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاريّ السّاعديّ]] <<من ترجمة سعد بن عُبادة "الاستيعاب في معرفة الأصحاب".>>، يُكنى أبا الفضل وقيل أبا عبد الله‏. وقيل أبا عبد الملك. أمُّه فكيهة بنت عبيد بن دُليم بن حارثة. قال الواقديّ: كان قيس بن سعد ابن عبادة من كِرَام أصحابِ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم وأسخيائهم ودُهَاتهم. قال أبو عمر: كان أحدَ الفضلاء الجِلّة، وأحد دُهاة العرب وأَهل الرَّأي والمكيدة في الحروب مع النَّجدة والبسالة والسّخاء والكرم، وكان شريفَ قومه غير مدافع، هو وأبوه وجَدّه‏. صحب قيس بن سعد النبي صَلَّى الله عليه وسلم وهو وأبوه وأخوه سعيد بن سعد بن عبادة. وقال أنس بن مالك‏: كان قيس بن سعد بن عبادة من النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم مكان صاحب الشّرطة من الأمير، وأعطاه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم الرّايةَ يوم فتح مكّة إذ نزعها من أبيه لشكوى قيس بن سعد يومئذ. وقد قيل: إنه أعطاها الزّبير. ثم صحب قيس بن سعد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وشهد معه الجمل وصِفّين والنّهروان هو وقومه، ولم يفارقه حتى قُتل، وكان قد ولّاه على "مصر" فضاق به معاوية وأعجزته فيه الحيلة. وكايد فيه عليًّا، ففطن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بمكيدته فلم يَزَلْ به الأشعث وأهل الكوفة حتى عَزَلَ قيسًا، وولّى محمد بن أبي بكر، ففسدَتْ عليه مصر.‏

وروى سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: قال قيس بن سعد: لولا الإسلام لمكرت مَكْرًا لا تُطِيقه العرب. ولما أَجْمَع الحسن على مُبايعة معاوية خرج عن عسكره، وغضب، وبدر منه فيه قول خَشِن أخرجه الغضب، فاجتمع إليه قومه، فأخذ لهم الحسنُ الأمانَ على حكمهم، والتزم لهم معاوية الوفاء بما اشترطوه، ثم لزم قيس المدينة، وأقبل على العبادة حتى مات بها سنة ستّين رضي الله عنه.‏‏ وقيل: سنة تسعٍ وخمسين في آخر خلافة معاوية، وكان رجلًا طوالًا سُناطًا.‏

وروى ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، قال: حدّثني بكر بن سوادة، عن أبي حمزة، عن جابر، قال: خرجْنَا في بَعْثٍ كان عليهم قيس بن سعد بن عبادة، فنحر لهم تسع ركائب، فلما قدموا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذكروا له ذلك من فِعْل قيس بن سعد، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ‏"‏إِنَّ الْجُودَ مِنْ شِيمَةِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ‏"(*) ‏‏ذكره ابن حجر في فتح الباري 8/ 81، والهندي في كنز العمال حديث رقم 33628، 37477.. وهو القائل: اللّهم ارزقني حَمْدًا ومجدًا، فإنه لا حَمْدَ إلا بفعال، ولا مَجْدَ إلّا بمال.

حدّثنا أحمد بن عبد الله، عن أبيه، عن عبد الله بن يونس، عن بقي، عن أبي بكر، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان قيس بن سعد بن عبادة مع الحسن بن علي رضي الله عنهم على مقدمته، ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم بعدما مات عليّ رضي الله عنه، وتبايعوا على الموت. فلما دخل الحسن في بيعة معاوية أبى قيس أن يدخُلَ، وقال لأصحابه‏: ما شئتم؛ إن شئتم جالدْتُ بكم حتى يموت الأعْجَل منا، وإن شئتم أخذْتُ لكم أمانًا. فقالوا: خذ لنا أمانًا‏؛‏ فأخذ لهم أنّ لهم كذا وكذا، وأَلّا يعاقبوا بشيء، وأنه رجلٌ منهم، ولم يأخذ لنفسه خاصة شيئًا، فلما ارتحل نحو المدينة ومضى بأَصحابه جعل ينحر لهم كلَّ يوم جَزُورًا حتى بلغ.‏

وروى عبد الله بن المبارك، عن جويرية، قال: كتب معاوية إلى مروان: أن اشتر دار كثير بن الصّلت منه، فأَبى عليه، فكتب معاوية إلى مروان: أن خذه بالمال الذي عليه، فإِن جاء به، وإلّا بع عليه دارَه. فأَرسل إليه مروان فأَخبره، وقال: إِني أُؤجلك ثلاثًا، فإن جئْتَ بالمال، وإلّا بعْتُ عليك دارك‏. قال: فجمعها إلا ثلاثين ألفًا، فقال: مَنْ لي بها؟ ثم ذكر قيس بن سعد بن عبادة فأَتاه فطلبها منه فأَقرضه، فجاء بها إلى مروان؛ فلما رآه أنه قد جاءه بها ردَّها إليه وردَّ عليه داره، فردّ كثير الثّلاثين ألفًا على قيس، فأَبى أن يقبلها. قال ابن المبارك: فزعم لي سفيان بن عيينة، عن موسى بن أبي عيسى ــ أن رجلًا استقرض من قيس بن سعد بن عبادة ثلاثين ألفًا، فلما ردَّها عليه أبى أن يقبلها، وقال‏: إنا لا نعود في شيء أَعطيناه. وهو القائل بصِفّين: [البسيط]

هَذَا اللِّوَاءُ الَّذِي كُنَّا نَـحُفُّ بِهِ مَعَ [[النَّبِيِّ]] وَجِبْرِيلُ لَنَا مَدَدُ

مَا ضَرَّ مَنْ كَانَتِ الأَنْصَارُ عَيْبَتَهُ أَلّا يَكُونَ لَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ أَحَدُ

قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا طَالَتْ أَكُفُّهُـمُ بِالمَشْرَفِيَّةِ
حَتَّى
يُفْتَحَ البَـلَدُ

وقصّته مع العجوز التي شكت إليه أنه ليس في بيتها جرذ. فقال: ما أحْسَنَ ما سألت! أما والله لأكثرنّ جرْذَان بيتك، فملأ بيتها طعامًا وودَكًا وإدامًا ــ مشهورة صحيحة. وكذلك خبره أنه تُوفِّي أبوه عن حَمْلَ لم يعلم به، فلما وُلد ــ وقد كان سعد رضي الله عنه قسم ماله في حين خروجه من المدينة بين أولاده، فكلّم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في ذلك قَيْسًا، وسأَلُاه أن ينقض ما صنع سعد من تلك القسمة، فقال: نصيبي للمولود، ولا أغيّر ما صنع أبي ولا أنقضه ــ خبر صحيح من رواية الثّقات أيضًا.‏

وروى عنه جماعة من الصّحابة وجماعة من التّابعين، وهو معدود في المدنيين.

ذكر الزّبير بن بكّار أنّ قيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن الزبير، وشريحًا القاضي، لم يكن في وجوههم شعرة ولا شيء من لحية. وذكر غير الزّبير أنّ الأنصار كانت تقول‏: لوددنا أن نشتري لقيس بن سعد لحية بأموالنا. وكان مع ذلك جميلًا رضي الله عنه‏.

قال أبو عمر: خَبرُه في السّراويل عند معاوية كذِب وزور مُخْتَلق ليس له إسناد، ولا يشبه أخلَاق قيس ولا مذهبه في معاوية، ولا سيرته في نفسه، ونزاهته، وهي حكايةٌ مفتَعَلة وشعر مزَّور، والله أعلم.

ومن مشهور أخبار قيس بن سعد بن عبادة أنه كان له مالٌ كثير ديونًا على النّاس، فمرض واستبطأ عوَّادَهُ، فقيل له: إنهم يستحْيون من أجل دينك، فأمر مناديًا ينادي: من كان لقيس بن سعد عليه دَيْنٌ فهو له. فأَتاه النّاسُ حتى هدموا درجةً كانوا يصعدون عليها إليه ــ ذكر هذا الخبر صاحب كتاب "الموثق" وغيره‏.
(< جـ3/ص 350>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال