تسجيل الدخول

نصر الله لجنده المؤمنين

كان المسلمون يدعون الله تعالى: "اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا"، ودعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: "اللهم مُنَزِّلَ الكتاب سريعَ الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم".
وقد سمع الله دعاء رسوله والمؤمنين، فبعد أن دَبَّتِ الفُرقة في صفوف المشركين وسَرَى بينهم التخاذل، أرسل الله عليهم جندًا من الريح، فجعلت تهدم خيامهم، ولا تدع لهم قِدرًا إلا كَفَأَتْهَا، ولا طَنبًا (أي وتدا) إلا قلعته، وأرسل جندًا من الملائكة يزلزلونهم ويُلقون في قلوبهم الرعب والخوف.
وأرسل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في تلك الليلة الباردة القارسة حذيفةَ بن اليمان يأتيه بخبرهم.
قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، أرأيتم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي. قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال والله لقد كدنا نُجْهَد، فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا، قال حذيفة: يا ابن أخي، والله لقد رأيتنا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بالخندق، وصلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم هُويًّا(أي جزءا) من الليل، ثم التفت إلينا فقال: "مَن رجل يقوم فينظر ما فعل القوم ثم يرجع ـــ يشرط له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الرَّجْعَة ـــ أسألُ الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة؟" فما قام رجل من القوم، من شدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلم يكن لي بُدٌّ من القيام حين دعاني، فقال: "يا حذيفة، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدثن شيئًا حتى تأتينا"، فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تُقِرُّ لهم قدرًا، ولا نارًا ولا بناءً، فقام أبو سفيان فقال: يا معشرَ قريش، لينظر امرؤ من جليسه؟ قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان.
ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مُقام، لقد هلك الكَرَاع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قِدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل.
ثم قام إلى جمله وهو معقول ـــ أي مربوط ـــ فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فوالله ما أطلق عِقاله إلا وهو قائم، ولولا عَهْدُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إليَّ: "أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني" ثم شئت لقتلته بسهم.
قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فلما سلم أخبرته الخبر.
وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم.
ولما أصبح المسلمون انصرفوا عن الخندق راجعين إلى المدينة ووضعوا السلاح. وكانت غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة في شوال على الأصح، وأقام المشركون محاصرين رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم والمسلمين شهرًا أو نحو شهر، فبداية فرض الحصار كانت في شوال، ونهايته في ذي القعدة، وعند ابن سعد أن انصراف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من الخندق كان يوم الأربعاء لسبعٍ بَقَيْنَ من ذي القعدة.
إن معركة الأحزاب لم تكن معركة خسائر؛ بل كانت معركة أعصاب، لم يجر فيها قتال مرير، إلا أنها كانت من أحسم المعارك في تاريخ الإسلام تمخضت عن تخاذل المشركين، وأفادت أن أية قوة من قوات العرب لا تستطيع استئصال القوة الصغيرة التي تنمو في المدينة، لأن العرب لم تكن تستطيع أن تأتي بجمع أقوى مما أتت به في الأحزاب، ولذلك قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين أجلى الله الأحزاب: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم".
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال